الفصل الثامن عشر
عندما نالَ التعبُ من توبي، استلقى وسط التبن وغطَّ في النوم فورًا. وبدَت رموشه المبللة الملامسة لخدَّيه شديدة الشبه برموش طفل، إلى حدٍّ فاقَ كلَّ تصوراتي.
نام بلا صوت. بلا حراك. ولم يَدرِ بشيء عندما غطيتُه بمعطفه وتركته هناك.
خرجتُ من العلية ونزلتُ سلَّمها ببطء، وكدت أسقط مرَّة أثناء نزولي، ثم نزلتُ الدرج، ومشيتُ عبر حظيرة الخيول في الأسفل، وخرجتُ من البوابة المفتوحة.
كان الأمر غريبًا، لكني وجدتُ أنَّ لون كل شيء قد تغير. تغير قليلًا فقط. كان كل شيء أوضح. أشدَّ سطوعًا.
عندما مررتُ بخنِّ الدجاج، قرقرت إحدى الدجاجات كأنها تناديني عبر شبكة نافذته الصغيرة، وأردتُ أن أقبِّل سن منقارها الأصفر.
كنت أتمنى أن يخرج كلبٌ من كوخ الحطب نابحًا بأعلى صوته ليؤمِّن مروري؛ فلو كان ذلك قد حدث، لاستلقيتُ وسط الأوراق وجعلته وسادة. لبقيت هناك وتركت فروه يُصبح دُنياي كلها لبعض الوقت.
لكني بدلًا من ذلك رأيتُ سيارة غريبة متوقفة في زقاقنا. سيارة الشرطي. استجمعتُ شجاعتي، وأخذتُ نفَسًا عميقًا، وكلَّفتُ نفسي بأداء مهمة منزلية.
كنت بارعة في المهام المنزلية.
•••
ساعدني دخول المنزل. كان أمرًا بسيطًا لكنه مفيد.
سألتُ أمي من المدخل: «أين الضابط كولمان؟»
كانت هي وجدتي تُعِدَّان ما يكفي من سلاطة الكرنب من أجل «كتيبة جنود الهون»، على حد وصف جدي، الذي كان يحب قول العديد من الأشياء المُحيِّرة كهذه.
قالت جدتي: «حسنًا، سيارته فقط هي التي ما زالت هنا، وليس هو. ارتأى جدك أنه من الأسهل عليه أن يصحبه إلى منزل آل وودبيري في شاحنتنا، بدلًا من أن يحاول أن يشرحَ له كيفية الوصول إلى هناك بسيارته.»
وقفتُ على عتبة المطبخ وشاهدتهما وهما تعملان. ثم سألت: «إذَن سيعود إلى هنا؟»
«قريبًا، على ما أظن. فقد ذهبا منذ وقت طويل.»
قالت أمي: «هيا يا أنابل، اغتسلي وابدئي في تقشير هذه البطاطس. فكل هؤلاء الرجال الذين أتوا للبحث عن بيتي سيحتاجون إلى تناول الطعام، وبعضهم سيعودون إلى المنزل مع والدك بالتأكيد.»
لم أتحرك أو أرد، وعندئذٍ استدارت لترمقني بنظرة متفحصة. وقالت: «أنابل؟» مسحت يديها على مئزرها وأتت إليَّ لتتحسَّس خدي. وسألتني: «هل أنتِ بخير؟ أنتِ شاحبة جدًّا.»
أومأتُ بالإيجاب. وقلت: «أنا بخير.»
بدت غير مقتنعة. وقالت: «حسنًا، إذَن اذهبي واغسلي يديكِ وتعالي لتساعدينا.»
كنت أنوي أن أعكف على مراقبة شقيقيَّ لأضمن ألَّا يقتربا إطلاقًا من الحظيرة، لكنهما كانا مُنهكَين جدًّا من البحث، لدرجة أنني وجدتُهما مُستلقيَين على أرضية غرفة الجلوس، محاطَين بمجموعةٍ من قِطع الألعاب التركيبية، يستمعان إلى مسلسل «مغامرات الرجل الخارق» (أدفنشرز أوف سوبرمان) على المذياع.
شعرتُ بأنني كبيرة جدًّا في السن وأنا أشاهدهما.
لكنَّ الضابط كولمان عاد بعدئذٍ مع جدي، وسرعان ما عُدتُ فتاة قلِقة جدًّا من جديد في لمح البصر.
وعند سماع صوت الضابط الجهوري، تسلل شقيقاي إلى المطبخ وزحفا إلى أسفل المائدة كما فعلا من قبل.
حاولتُ جاهدة أن أستمع بوضوح إلى المعلومات التي عرفها الضابط كولمان من آندي، لكن الأمر لم يكُن سهلًا.
فصوتُ نبرة توبي، ومنظره وهو نائم وسط التبن، كتما كل شيء آخَر، كما لو كنتُ محبوسة داخل برطمان مُغلَق بغطاء لا توجد فيه فتحات كافية إطلاقًا للتنفُّس.
•••
جلس الضابط كولمان يشرب القهوة الساخنة ويتناول فطيرة، وأخبرنا في أثناء ذلك ببقية القصة، وأدركتُ السبب الذي جعل آندي يكتم عنه بعض المعلومات.
«قال لي ذات الكلام الذي قاله للعريف من قبل. إنه هو وبيتي كانا ينويان التغيُّب عن المدرسة والالتقاء في الأحراج. لكنَّ ما خفي كان أعظم. فحين ضغطتُ عليه، اعترف بأنهما كانا يعتزمان النزول إلى مُنخفَض «كوب هولو». وكانا ينويان إذا وجدا توبي في كوخه أن يذهبا إلى مكان آخَر. أمَّا إذا لم يكُن موجودًا، فكانا ينويان أن يتفقدا الكوخ.»
فقالت أمي: «آه، يا رباه. لماذا كانا ينويان ذلك بحق السماء؟»
قال الضابط وهو يهز رأسه: «هذا سؤال منطقي. لقد استلزم بعض التحرِّي، لكن والد آندي رجل صارم، ويُمكنني القول إنه «حثَّ» ابنه على التعاون معنا. ولذا، قال لنا آندي إنهما كانا ينويان مضايقة توبي في ذلك اليوم. كانا يُفكران في إضرام النيران في كوخه، ليجبراه على الرحيل.»
فقلت: «أخبرتُكم بأنَّ تلك الفتاة على هذا القدر من هذا السوء»، لكن أمي أشارت لي بأن أصمت.
قالت: «تَحلِّي بالصمت يا أنابل، أو فابدئي بتقشير تلك البطاطس.»
ابتسمَ لي الشرطي ابتسامة صغيرة. وقال: «لا أستطيع أن أفهم شيئًا مؤكدًا من كل هذا. لقد أعطاني العريف أولسكا أكبر قدر ممكن من المعلومات، لكنَّ المسألة تبدو مشوشة مُحيِّرة، أي تلك المسألة الأخرى الجارية. كل ما أريد فعله في الحقيقة هو العثور على الفتاة.»
فسألته جدتي: «ألم يُدلِ آندي بأي معلوماتٍ مفيدة أخرى؟»
فقال الضابط كولمان: «كلا.» ثم أبعَد طبقه وارتشف آخِر ما تبقى من قهوته. وأضاف: «كانت السماء تُمطِر بغزارة شديدة يومَ اختفت الفتاة، لدرجة أنَّ آندي لم يتخيَّل أنها قد تكون موجودةً في أي مكانٍ سوى المدرسة أو المنزل. وحين سألتُه، قال إنه يستبعد أن تكون قد ذهبَت إلى الكوخ وحدها. لكنها هي التي اقترحت فكرة مضايقة توبي وإجباره على الرحيل. كانت مصمِّمة جدًّا عليها. وها هي الآن قد اختفت. وتوبي قد اختفى. وأظن أنني ينبغي الآن أن أكثِّف البحث عنه، وليس عنها.»
وقفَ واعتمر قبعته مرَّة أخرى. وقال لأمي: «أشكركِ على حسن ضيافتكِ يا سيدتي.» ثم قال لجدي: «وعلى مساعدتك»؛ وقال لي: «ومساعدتكِ …»؛ ثم قال وهو ينحني ليحدِّق تحت المائدة إلى هنري وجيمس: «ومساعدتكما.» وأضافَ أخيرًا: «أنا واثقٌ من أنَّ العريف يستطيع تولِّي مسئولية البحث من الآن فصاعدًا.»
غادر الشرطي. هكذا فجأة.
شعرتُ بالارتياح طبعًا لأنه سيبحث عن توبي في مكان آخَر غير هنا. وكنت واثقة من أنَّ العريف أولسكا سيتدبر أمر الخطوة التالية. لكنه لم يكُن يعرف كل ما أعرفه.
لم يكُن يعرف أنَّ بيتي هي التي رمت ذلك الحجر، بغضِّ النظر عمَّا أظهرته الصورة أو ما ذكرته بيتي نفسها.
لم يكُن يعرف أنَّ توبي لم يختطف بيتي.
لم يكُن يعرف أنَّ ذلك السلك الملطَّخ بالدماء الذي وجدوه في الكوخ لا يعني شيئًا. وأنَّ بيتي هي التي وضعته هناك. كنتُ متيقنةً من ذلك.
معنى هذا أنها ذهبَت بالفعل إلى الكوخ في اليوم الذي اختفت فيه. بينما كان توبي يصطاد تحت جسر الجدول. وبينما كان المطر يهطل بغزارةٍ كأستارٍ كثيفة.
وعندئذٍ ارتفع صوتُ الهمس في رأسي. وظننتُ أنني عرفتُ مكان بيتي.
قالت أمي: «البطاطس يا أنابل. من الممكن أن يعودَ والدكِ في أي وقتٍ ومعه بعض الرجال.»
فقلت: «سمعًا وطاعة يا سيدتي.»
كان الحوضُ مليئًا بحبَّات البطاطس الكبيرة، وهذه كانت أسهل بكثيرٍ في تقشيرها من البطاطس الصغيرة، وبذلك تركتُ يدي تؤدِّي العمل بينما كان الهمس يشتدُّ في رأسي.
حاولتُ أن أجد ثغرات في فرضيتي، لكنها كانت صلبة ومُحكمة جدًّا. فقد كانت تحمل إجابةً لكل سؤالٍ راودني. كانت تحمل وعدًا مُطمئنًا يزيل كل شكٍّ انتابني، كنت متيقنةً من أنَّ بِيتي موجودةٌ هناك. كان من المنطقي أن تكون هناك.
شعرتُ برغبةٍ شديدةٍ في إخبار شخصٍ ما في التو واللحظة. وفكَّرتُ في إصلاح الوضع الخاطئ دون مزيدٍ من التأخير أو الالتباس.
غير أنَّ العثور على بيتي لن يُبرئ توبي.
فقد كذبت بيتي من قبل وستكذب مجددًا، ستقول أشياء لا يُمكن لأحدٍ أن يُثبت عدم صحتها. فكيف يُمكن لتوبي أن يثبت أنه لم يؤذِ روث أو جيمس أو حتى بيتي نفسها؟ كيف يُمكن له أن يشرحَ سبب اختبائه إنْ لم يكُن مذنبًا بهذه الأشياء؟
كان ينبغي أن أتركه في كوخه. كان ينبغي أن أترك كل شيءٍ كما هو. فماذا لو اضطر إلى أن يرحل الآن، في ظل حلول الشتاء؟
«عندما تُنهي تقشير تلك البطاطس يا أنابل، اذهبي وأحضري وعاء خوخ من الكرار.»
قلت: «حسنًا يا أمي، سأفعل.»
سأنجِز مهامي المنزلية أولًا. وسأرى بعد ذلك الأخبار التي سيعود بها والدي إلى المنزل أيًّا كانت. ربما سأخبرهم بالحقيقة عندئذٍ.
•••
حين دخلَ والدي من الباب بعد ذلك بساعة، كان يبدو منهكًا للغاية. قال وهو يخلع حذاءه الطويل الرقبة: «لا أعرف مكان الفتاة. ولكن إذا كانت موجودةً في أي مكانٍ قريبٍ من هنا، فمن المؤكَّد أنها مخفيةٌ عن الأنظار ولا تستطيع سماع أصواتنا.»
وبعد ذلك بلحظة، جاء أربعة رجال آخَرين، منهم اثنان غريبان عليَّ، ودخلوا واحدًا تلو الآخَر؛ كانوا مُنهكين بالقدر نفسه. الاثنان اللذان أعرفهما هما السيد إيرل والسيد جيم. لم أستطِع تذكُّر أسماء عائلتَيهما، لكنني كنت أعرف أنَّ السيد إيرل كان ميكانيكيًّا وأنَّ السيد جيم كان بقالًا. وقدَّم والدي الوافدَين الجديدَين: رجلٌ يُدعى ثيودور ليستر من أليكويبا، وآخَر يُدعى كارل أندرسون جاء قاطعًا كل هذه المسافة من نيوكاسل.
رحبنا بهما وعبَّرنا عن سعادتنا بلقائهما، وصبَّت أمي قهوة للجميع بينما كنتُ أضع أدوات الطعام على المائدة.
قال والدي: «لا أعرف ما الذي نستطيع فعله سوى ذلك يا سارة؟ السيد جلينجاري وزوجته مرعوبان وقلِقان جدًّا. لقد جاءت أم بيتي، وأنَّبتهما بقسوةٍ لأنهما سمحا بذلك.»
قالت جدتي: «لكنَّ هذا ليس عدلًا على الإطلاق.»
فقال: «لا يوجد كثيرٌ من العدل في هذا كله أصلًا.»
كان المساء يُخيِّم تدريجيًّا، وكان من المرتقب أن تعود العمة ليلي إلى المنزل قريبًا، وسرعان ما كنت سأحصل على حجة أخرى للذهاب إلى الحظيرة، إن احتجت إلى ذلك.
جلس والدي مع الآخَرين لتناول عشاء من اللحم البقري مع قطع البطاطس والجزر المحمَّصة. طعام مُشبِع. وهذا ما كان توبي في أمسِّ الحاجة إليه، وقد عقدت العزم على أن آخذَ بعضه إلى الحظيرة في أقرب وقت ممكن. قال والدي بينما كان يتناول الطعام: «من المفترض أن يكون العريف قد عاد الآن مع بعض الكلاب البوليسية من وينسبرج. لقد وجدت الكلاب طفلًا صغيرًا عالقًا في فخٍّ للحيوانات البرية في حُفرة منجمِ فحم قديم، بعدما كان مفقودًا طَوال يومَين. والآن قد أصبحت تحت تصرفنا، وأعتقد أننا سنتوصل إلى شيءٍ ما عمَّا قريب.»
كان ينبغي أن أكون سعيدة بذلك. إذا كانت بيتي موجودة في المكان الذي كنت أتوقع وجودها فيه، فسيعثرون عليها، وهذا مهم. بالطبع كان هذا هو الشيء الأهم حتمًا. وإذا كان كذلك — وكنت أعلم أنه كذلك لأنه من المفترض حتمًا أن يكون كذلك — فإن أسوأ ما في هذا الوضع سينتهي قريبًا، في كل الأحوال.
أو كان يُمكنني أن أقف في الحال وأقول: «أظن أنني أعرف مكان بيتي.»
كدت أفعل هذا. وصلت الكلمات إلى طرف لساني وكادت تخرج، لكني ارتأيتُ أنَّ التحدث إلى توبي في البداية سيكون أفضل.
فعلى أقل تقدير، كان من المؤكَّد أنَّ لديه ما يقوله عمَّا حدث بعد ذلك.
كان بعضُ الضوء ما زال متبقيًا في السماء.
وكان من المفترض أنَّ الرجال سيعودون قريبًا ومعهم تلك الكلاب.
تسللتُ إلى حجيرة المدخل وارتديتُ معطفي وحذائي، وفتَّشتُ في الخزانة وبعثرتُ محتوياتها حتى وجدت معطف صيد قديمًا من الصوف منقوشًا بالمربعات، لم يكُن جدي يرتديه منذ فترة، ودسستُ قفازًا في جيبه، وخرجت متسللة من باب المدخل. سمعتُ من ورائي صوت أمي تناديني، لكني مضيت قُدُمًا، وخرجت ولففتُ حول البيت نزولًا إلى وسط الأحراج بأسرع ما أمكن.
•••
كان الحصانان والأبقار في انتظاري عندما وصلتُ إلى الجزء الخلفي من الحظيرة، ودخلت الممر الأوسط.
قلت للأبقار الحلوبة: «أنتن فتيات صالحات»، وفتحت البوابة المؤدية إلى حجيرتها الكبيرة، وسحبت بعض التبن الطازج من شبكته، ووضعته في المِعْلَف. كان الحصانان منتظرَين بصبرٍ، وكانت دينا مُسنِدةً رأسها الكبير إلى ظَهر بيل. قلت لها: «أنت نعسانة. هيا ادخلي وارتاحي.» أعطيتُها قَدر مغرفةٍ من الشوفان، ووضعتُ بيل في حجيرته وأطعمته هو أيضًا. تيقنتُ من أنَّ دلاء المياه عندهما ممتلئة. وتركتهما وشأنهما.
•••
كان توبي مستيقظًا حين وصلتُ إلى العلية. كان جالسًا في الظل دافنًا رأسَه بين يدَيه.
انتظرتُ أن يرفعَ رأسَه وينظر إليَّ. وعندما نظر إليَّ، صدمني منظر وجهِه الأبيض الحزين.
قال: «لا أعرف لماذا فعلتُ ذلك. لم أقصد إطلاقًا أن أفعل ذلك يا أنابل.»
فقلت: «تفعل ماذا؟»
«كان يجب ألَّا تسمعي تلك الأشياء التي قلتُها.»
وضعتُ يديَّ على رجلَي. وقُلت: «لأنني فتاة؟»
هزَّ كتفَيه وقال: «نعم يا أنابل. لأنكِ فتاة. لكني كنت سأشعر بنفس الشعور لو كان هنري، أو حتى جيمس، مكانك. لو كان بإمكاني أن أمحوَ ما أعرفه من ذاكرتي، لفعلتُ ذلك. في لمح البصر. لكني لا أستطيع. وحشو رأسك به لن يُغيِّر ذلك.»
قلتُ وأنا أحاول الابتسام: «أمي تقول إنَّ رأسي عنيد. وفوق ذلك، أُفضِّل أن أعرف أكثر ممَّا ينبغي على أن أعرف أقلَّ مما ينبغي.»
لم أخبره بأنني حفظتُ قصصه الفظيعة في صناديق، ووضعتُها على رفٍّ في مؤخرة ذهني. لكني مع ذلك كنتُ ما أزال أسمع نُسخةً أهدأ من تلك القصص، من مكانها المظلم في رأسي، وسط كل الهموم الأخرى التي كانت تشغل عقلي، لكني كنتُ عازمةً على ألَّا أفتح تلك الصناديق، إلى أن أكون مستعدةً لسماع قصص توبي مجددًا مثلما ينبغي سماعها. ورأيتُ أنَّ هذا لن يحدث قريبًا على الإطلاق.
•••
أعطيتُ توبي معطفَ جدِّي القديم. وقلت له: «البَسْ هذا.»
فأخذه. وقال: «لماذا؟»
«لأنَّ لديَّ فكرة، وإذا لم ترَها غبيةً جدًّا، فسنذهب حالًا ونُجرِّبها.»
أخبرتُ توبي بما قاله آندي عن خطة بيتي التي كانت تنوي فيها إلحاق ضررٍ بالكوخ، وربما إحراقه ليُصبحَ توبي بلا أيِّ مأوًى.
فرك توبي يده المصابة بيده السليمة. وقال: «لماذا تكرهني إلى هذا الحد؟»
قلت: «لا أظن أنها تكرهك يا توبي، لكنك أنسَب شخصٍ يُمكن إلقاء اللوم عليه. ترمي بيتي حجرًا. فتُلقي اللوم عليك. تضع بيتي سلكًا مشدودًا. فتُلقي اللوم عليك.» أخبرته أنَّ الشرطي وجد السلك الملطَّخ بالدماء في الكوخ.
قال: «هذه التصرُّفات تبدو لي كراهية.»
فقلت: «أعرف. هذا نفس ما شعرتُ به أيضًا، لكني لا أظنها كراهية. أظنها أقرب إلى أن تكون تصرفاتها المعتادة فحسب.»
أخبرتُه بالمكان الذي كنتُ أتوقَّع وجود بيتي فيه، وما ينبغي أن نفعله حيال ذلك.
قلت: «ربما لم أكُن حذِرةً جدًّا إلى هذا الحد حتى الآن، وأنا أقفز في الأنحاء هكذا كضفدعة عمياء. لكني أظن أنَّ مَن سينقذها يجب أن يكون أنت.»
سألني بعض الأسئلة. وتأمَّل الفكرة في صمت. ثم سألني مزيدًا من الأسئلة.
قال: «ليست فكرة غبية. لكنَّ العثور عليها لن يحلَّ أي شيء. كل ما سيحدث أنها ستقول مزيدًا من الأكاذيب.»
قلت: «أنت مُحق. ربما سيلومونك بناءً على ادِّعاءاتها. ربما سيقبضون عليك. أو ربما يجب عليك أن تكتفيَ بمواصلة السير قُدُمًا إلى أن تخرجَ من هنا، وتبدأ حياتك في مكانٍ آخَر. لكن حتى إن لم يُبرِّئ إنقاذُها ذمتَك، فسيظل فِعلًا طيبًا يا توبي.»
أومأ بالإيجاب.
كان شكلُ توبي وهو يرتدي معطف الكاروهات الصوفي الخاص بجدي؛ مختلفًا تمامًا عن شكله المعتاد. كان معطفه الأسود المصنوع من القماش المشمع مُلقًى فوق حزمةٍ من التبن كخفاشٍ ضخم. وبَدَت قبعته، التي كانَت مليئةً بالشعر الذي قصصته، غير مناسبةٍ لأي شيءٍ سوى أن تُحرَق. بدون معطفه وقبعته، كان توبي سيبدو شخصًا جديدًا تمامًا في تلك الليلة.
لكنه بعدئذٍ مَدَّ يدَه إلى بنادقِه.
فقلت له: «ماذا تفعل؟ لا يُمكن أن تذهب حاملًا تلك على ظهرك. هذا سيفسد كل شيء. حتى إذا حملت بندقيةً واحدة، فسيبدو الأمر غريبًا جدًّا، وإذا حملت الثلاثة، فسيعرف الجميع أنك توبي.»
قبض يدَيه بإحكامٍ شديدٍ جدًّا، لدرجة أنَّ ندوبه صارت بيضاء كالحليب.
سألته: «هل أنت خائفٌ من الدببة؟» كان يُمكنني أن أتفهَّم هذا على الأقل.
فقال: «لا.»
«إذَن، فلماذا تحمل هذه البنادقَ معك إلى كل مكان؟ ألا تصبح حملًا ثقيلًا إلى حدٍّ رهيب؟»
أرخى يدَيه وفركهما معًا كأنه يُدفئهما. وقال: «بلى.»
«إذَن، فلماذا تحملها؟»
انتظرتُ إجابته.
قال: «هكذا فحسب.»
فقلت له: «أنت الآن تتحدَّث مثل جيمس.»
بدا أنه لم يمانع تشبيهه بجيمس. ولم يدفعه هذا التشبيه إلى تقديم تفسير أفضل.
كنت متيقنةً من وجود تفسيرٍ أفضل يكمن في قصص توبي المروعة، وهو قابعٌ في صناديقها التي حفظتُها فيها. وكنت متيقنةً من أنني سأرهف السمع وأدرك ذلك التفسير بوضوحٍ أكبر يومًا ما.
أمَّا الآن، فقد نزلتُ السلَّم.
وعندما تبعني توبي، دون أن يتوقَّف حتى عند أعلاه، لم يكُن حاملًا بنادقه على ظهره.