الفصل الخامس والعشرون
ماتت بيتي جلينجاري في الساعة العاشرة وثماني عشرة دقيقة من صباح ذلك اليوم.
لم نعرف ذلك إلَّا بعدها بساعة.
كان هنري هو مَن رد على الهاتف.
قال وهو يمد سمَّاعة الهاتف إلى أمي: «إنها السيدة جريبل.»
أخذت أمي السماعة، واضعةً يدها على الجزء المخصص للفم. وقالت: «ماذا تريد؟»
قال هنري: «لا أعرف. ربما يكون لديها مكالمة لكِ، لكنها لم ترِد أن توصلها مباشرة.»
وضعت أمي السماعة على أذنها، ومالت بوجهها نحو الجزء المخصص للفم. وقالت: «مرحبًا يا آني؟»
استطعتُ سماع صوت السيدة جريبل، لكني لم أتبيَّن ما كانت تقوله. مجرد تمتمة، أعلى من المعتاد؛ بدت في عجلة من أمرها لكنها غير متلهفة، كدأبها دائمًا عندما يكون لديها خبرٌ ما.
استمعت أمي إليها لحظةً ثم شهقت فجأةً، وطارت يدها الأخرى إلى خدها.
قالت: «آه، كلا. ولكن كيف يُعقَل ذلك؟ وا أسفاه! كيف يُمكن ذلك؟»
لم تكُن أمي بكَّاءة، ولم تبكِ آنذاك، لكن النظرة التي خيَّمَت على وجهها كانت أسوأ من الدموع.
حسبتُ أنَّها سمعت خبرًا بمقتل توبي.
شعرتُ بأنَّ جسدي صار ساخنًا وباردًا جدًّا في آنٍ واحد. كان هنري واقفًا بالقرب منِّي. كانت رائحته أشبه برائحة شراب القيقب والكلاب. كنت أرغب بشدة في تبادل الأدوار معه.
قالت أمي بصوت متقطِّع: «سأخبره. إنه في الخارج هو وجون مع الكلاب البوليسية، لكني سأخبره حين أراه. سأفعل يا آني. شكرًا لكِ على إخبارنا. إلى اللقاء.»
أعادت أمي تعليق السماعة ببطءٍ على حاملها.
سألتُها: «هل مات؟»
فقالت وهي تستدير لتنظر إليَّ: «لا. بل بيتي التي ماتت. ماتت من العدوى. استشرَت في كل أجزاء جسدها ولم يستطيعوا إيقافها.»
وجلست في أقرب كرسي.
اقتربَ هنري مني شِبرًا. استطعتُ سماع صوت أنفاسه.
قال جيمس وهو يدخل راكضًا من حجيرة المدخل، حيث كان يصنع سيفًا من الورق المقوَّى: «مرحبًا. ألا تريد أن تلعب لعبة القراصنة معي يا هنري؟»
قال هنري: «بالتأكيد. حالًا. ولكن دعنا أولًا نذهب للعثور على جدتي. أظن أنها تحتاج إلى أن نساعدها في شيء ما.»
نظر إليَّ نظرة طويلة، كأنه يراني للمرة الأولى، ثم خرج من الغرفة، وتبعه جيمس كظِلٍّ صاخب. قال له جيمس: «شيء مثل ماذا؟ هل تحتاج منا أن نحمل لها شيئًا ما؟ يا هنري، هل تريدنا أن نحمل شيئًا ما؟»
ظلَّ صوت الصبي يبتعد شيئًا فشيئًا.
جلستُ على الأرض ووضعتُ رأسي في حِجرها.
فملَّسَت على شَعري كما لو كنت قطة.
كانت إحدانا ترتجف. وربما كلتانا.
قلت: «كان بإمكاني أن أعثر عليها في وقتٍ أبكَر.»
توقَّفَت يدها تمامًا عن الحراك.
وقالت بنبرة صارمة: «إياكِ أن تفعلي ذلك.»
ثم دفعَت رأسي عن حِجرها، وانحنت لتنظر إليَّ في عينيَّ مباشرة.
قالت لي بنفاد صبر: «هل تظنين أنكِ الرب؟ هل تظنين أنكِ تتحكمين في مجريات الأمور؟ حسنًا، هذا ليس صحيحًا. ومن الغرور أن تظني ذلك.»
ذهلتُ جدًّا لدرجة أنني لم أجِد شيئًا لأقوله.
«بيتي ماتت، وهذا شيءٌ بشع. «بشع». لكنكِ لستِ مَن فعلتِه يا أنابل.»
أسندت ظهرها. وأضافت: «بل لولا أنكِ أرشدتِهم إلى تلك البئر، لماتت وهي قابعة هناك، وحيدة وخائفة. وربما ما كنا لنعثر عليها إطلاقًا.»
تخيَّلتُ بيتي قابعة في البئر المروعة الباردة المظلمة، بإصابتها البالغة. تخيَّلتُ أنها تحتضر، وحدها تمامًا.
تصوَّرتُ شخصًا يأتي إلى تلك البئر، بعد سنوات، ويملؤها بالتراب، فيدفن عظامها عميقًا في تلك البئر التي ستكون قبرها بمحض المصادفة.
قالت أمي وقد فتحت ذراعَيها: «تعالي.»
كانت دافئة.
قالت: «أحيانًا ما تسير الأمور على ما يُرام. وأحيانًا لا يحدث ذلك.»
سمعتُ صدى توبي في صوتها. صدى شيء قاله ذات مرَّة. شيء عن الشعور بالذنب أو اللوم.
•••
بكَتْ جدتي حين سمعت الخبر. بغض النظر عن أنها لم تكُن تعرف بيتي.
وبكيتُ أنا أيضًا؛ فمنظر دموعها وصوتها أثارا دموعي.
أمَّا جيمس، فلم يبكِ. إنما ضحك عندما سمع بموت بيتي.
قال وهو يلوح بسيفه فوق رأسه: «لا تكوني سخيفة.»
أخذت أمي بعض الوقت لتقنعه بجسامة الأمر، ثم أصبح جادًّا جدًّا، وذهب مع هنري ليصنعا بطاقة مكتوبًا عليها مواساة لآل جلينجاري.
وبينما كانا يغادران الغرفة، استدار هنري في المدخل. وسألني: «هل تريدين المجيء معنا؟»
باغتتني الطريقة التي قال ذلك بها، والطريقة التي نظر إليَّ بها. قلت: «سأكون جاهزة في غضون دقيقة.»
قالت أمي: «طلبت مني آني جريبل أن أخبر العريف بما حدث لبيتي إذا رأيته.»
قالت جدتي وهي تجفِّف عينَيها: «يُمكنكِ أن تكوني متيقنة من أنَّ جميع مَن في المقاطعة سيعرفون ذلك قبل أن يعرفه هو. آني ستحرص على ذلك.»
قالت أمي بهدوء: «إنها تصفها بأنها «جريمة قتل».»
توقفت جدتي عن البكاء. وقالت: «إنها هكذا بالضبط. إذا صحَّ أنَّ توبي قد دفع تلك الفتاة المسكينة في بئر، فهي هكذا بالضبط.»
تشبثتُ بكلمة «إذا» بكلِّ قوتي، لكني كنت أعرف أنَّ معظم الناس ليسوا صبورين كجدتي.
فهي ربما كانت مستعدةً للانتظار حتى التيقُّن من ذلك، لكني لم أكُن واثقةً من وجود صبرٍ كهذا لدى العريف، أو الشرطة، ناهيك عن آل جلينجاري بالطبع.
ارتأيتُ أنَّه إذا كانت مساعدة توبي مهمة من قبل، فقد صارت أهم من أي وقت مضى. فالآن قد زادت احتمالية إطلاقهم النار عليه. أو ربما سيقيِّدونه بكرسيٍّ كهربائي ويصعقونه حتى يفارق الحياة.
دعوتُ الرب أن يكون توبي قد ترك هاتَين البندقيتَين القديمتَين أخيرًا، ورمى معطفه وقبعته، واستعار معطفًا وقبعة آخَرين من بيت غير موصَد، ووصل إلى طريقٍ ما لعله يصادف سائق شاحنة كريمًا يُقِلُّه ويأخذه إلى أوهايو، أو ربما أبعد، ثم يُنزله هناك فيستقر ويبدأ حياة جديدة.
لكني لم أظُن أن يكون قد فعل ذلك.
لم أكُن متيقنة حتى من أنه قد ترك تلك التلال بعد. فهو لم يكُن يبدو خائفًا على الإطلاق. كل ما كان يشعر به هو الحزن على اتهامه بشيء لم يفعله، والتعب من عبء ما فعله، لكن لم يبدُ أنه يرغب في فعل أي شيء يُذكَر حيال أيٍّ من هذَين الشعورَين. ربما كان مقتنعًا بأنَّه لا يستطيع فعل شيء.
شعرت كأنني أختنق.
ظللت أتمشى جيئة وذهابًا من نافذة إلى الأخرى، مثلما كان جيمس يفعل في عشية كلِّ عيد ميلاد مجيد، ورغم أنه لم يكُن يرى أي شيءٍ سوى انعكاس صورته في الزجاج المُعتم، فإنه يبقى موقنًا من أنَّ «بابا نويل» موجود في الخارج في مكانٍ ما، وهو آتٍ بسرعة نحو مزرعتنا.
بدلًا من «بابا نويل» كنت أنظرُ بحثًا عن مزارعين بصفارات، أو شرطيين ببنادق، ولكن لم أرَ أي أحد.
كان الحصانان في المرعى هما أول مَن عرف بقدومِ شيءٍ ما، كأنهما حارسان. رفعا رأسَيهما فجأةً، في اللحظة نفسها، وحدَّقا إلى الأحراج المؤدية إلى الأسفل نحو مُنخفَض «كوب هولو».
وسمعنا الكلاب أيضًا، حتى من خلال الأبواب والنوافذ الموصَدة، قبل أن نراها بوقتٍ طويل. لكنَّ كلابنا هي التي كانت تُحدِث كل الضجيج.
أمَّا الكلاب البوليسية، أو بالأحرى الكلبان البوليسيان لأنَّهما كانا اثنين فقط، فكانا منشغلَين جدًّا عندما ظهرا في نطاق الرؤية، حيث كانا يمشِّطان الأرض أمامهما بوجهَيهما الطويلَين المتدلِّيَين؛ كان أحدهما متجهًا إلى الأعلى من أسفل حديقة المطبخ، والآخَر سائرًا عبر مرعى الخيول.
قالت جدتي من نافذة حجيرة المدخل: «إنهم قادمون إلى هنا. وجون معهم.»
كان معطف جدي وقفازه موجودين بالفعل في الأعلى، داخل خزانة ثيابي.
أدركت أنَّ رائحتي ستكون كرائحتهما. بالنسبة لهذَين الكلبَين، ستكون رائحتي كرائحة توبي. أو هذا ما كنت أرجوه على الأقل. هممت بالابتسام وأنا أفكِّر في ذلك. قلت لنفسي فليدخلوا. فمن سيُصدق كلبًا يخلط بيني وبين حطَّاب مجنون؟
لكني مع ذلك شعرتُ بارتياح حين ربطهما السائسان في عمودَي حبال الغسيل.
صاحت جدتي وقد التفتت إلى الوراء قائلة: «يا سارة، من الأفضل أن تُعِدِّي بعض القهوة. فنحن على وشك استقبال ضيوف.»
•••
كان السائسان هادئَين ككلبَيهما — لم يتحدثا إلَّا قليلًا جدًّا في الحقيقة، وحتى عندما كانا يتحدثان، كان صوتهما خافتًا جدًّا — وكانت تصرفاتهما متشابهة جدًّا؛ إذ كانا ينظران في أرجاء المطبخ بفضول، ويتوقفان كثيرًا ليدقِّقا النظر في بعض التفاصيل التي يجدانها مثيرة للاهتمام.
عندما جاء شقيقاي إلى المطبخ، نظر إليهما السائسان كأنهما أرنبان. غاص جيمس أسفل الطاولة مجددًا، وشَدَّ ساق بنطال هنري لكي ينزل معه، هامسًا: «تعال يا رفيقي»، لكنَّ هنري فضَّل البقاء بجواري.
نظرتُ إليه بفضول. فبادلني النظرة، دون أن يبتسم.
كان والدي والعريف أولسكا قد دخلا مع سائسَي الكلبَين.
قال العريف: «قرَّرنا أن ننتظر هنا حتى يلحق بنا الآخَرون قبل أن نخرج مجددًا. لقد مشَّطنا المنطقة المحيطة بالكوخ بالفعل. المنطقة تعج بالكثير من الروائح لدرجة أننا ظللنا نلف في دوائر، لكنَّ الكلبَين استقرا في النهاية على هذا الاتجاه.»
لم يُكلِّف الرجال أنفسهم عناء خلع معاطفهم.
قالت أمي: «اجلسوا. لدينا خبر.»
عندما سمع العريف أنَّ بيتي قد ماتت، قال: «يا إلهي»، ودفن رأسه بين يدَيه.
أمَّا سائسا الكلبَين، فلم ينتبها إلى الخبر تقريبًا. لا بد أنهما قد مرَّا بمثل هذه المواقف مئات المرات. مواقف أطفالٍ مفقودين. ومجرمين هاربين. لا بد أنهما، بعد فترة من معايشة مثل هذه الأحداث، قد أصبحا واقعيَّين ككلبَيهما ولا يركِّزان إلا على المطاردة.
لقد حُرِما من فرصة العثور على فتاة مفقودة. وسيفعلان كل ما بوسعهما للعثور على قاتلها.
جال والدي ببصره من أمي إليَّ، وكانت عيناه مليئتَين بالأسئلة. وكأنَّ لسان حاله يقول «ماذا ينبغي أن نفعل الآن؟» «كيف يُفترض بنا أن نعرف ما ينبغي أن نفعله الآن؟»
أنا أيضًا لم أكُن أعرف ما ينبغي فعله. لكني كنت أعرف أنني لا يُمكن أن أبقى دقيقة أخرى دون أن أفعل شيئًا. كنت أعرف أنني لا يُمكن أن أكبرَ وأعيشَ حياةً طويلة، وأنا أعلم أنني لم أفعل ما كان بوسعي. فورًا. قبل أن يفوت الأوان مجددًا.
•••
تسللت إلى خارج المطبخ ودخلت غرفة الجلوس، تاركة البقية يحاولون معرفة خطواتهم التالية.
أمَّا أنا، فخطواتي التالية كانت واضحة، لكني وقفتُ في هدوء بضع لحظات لأقلِّبها في رأسي، وأنا أتخيَّل نفسي لا أفعل ولا أقول إلَّا ما فكرتُ في فعله أو قوله.
رأيتُ أنني، مهما فعلت، لن أجعل الوضع أسوأ إطلاقًا مما هو عليه.
أغلقت الباب الواصل بين المطبخ وغرفة الجلوس بحرص.
التقطتُ سماعة الهاتف، وأدرتُ ذراعه بأقصى هدوء ممكن.
قلتُ بنبرة خافتة في الجزء المخصص للفم: «السيدة جريبل؟»
فقالت: «سارة؟»
«لا، أنا أنابل يا سيدة جريبل. هلَّا توصليني بآل وودبيري من فضلك؟ الأمر مهم جدًّا.» كنت أعرف أنَّ ذلك سيثير شهيتها الفضولية.
«أنابل، هل تعرف أمكِ أنكِ تستخدمين الهاتف؟»
فقلت: «بالطبع. هل تريدين محادثتها لتتيقني بنفسك؟ إنها تساعد جدتي في بعض المهام المنزلية الآن، ولكن يُمكنني إحضارها إليكِ إذا أردت. لكن يجب أن نُسرِع. فالأمر في غاية الأهمية.»
حبست أنفاسي.
سمعتُ نبرة الترقُّب في صوتها وهي ترد قائلة: «حسنًا. أيُّ آل وودبيري تريدين؟»
لم يخطر ببالي سؤال كهذا قبل أن أهاتفها. قلت: «الذين لديهم ابن اسمه آندي.»
فقالت بنفاد صبر: «كلهم لديهم أبناء اسمهم آندي.»
«آندي الصغير. ذاك الذي يدرس معي في المدرسة.»
حينها سُرِرت، للمرة الوحيدة في حياتي، بأنَّ السيدة جريبل قد كرَّست نفسها لمعرفة كل شيء عن كل شخص في هذه التلال؛ لأنَّ ذلك نفعني في هذا الموقف.
أوصلَت المكالمة.
عندما ردَّت السيدة وودبيري، تمنيتُ في قرارة نفسي أن تبقى السيدة جريبل مُنصِتةً إلى المكالمة.
قلت: «السيدة وودبيري، أنا أنابل ماكبرايد. هل لي أن أحادث آندي دقيقة من فضلك؟»
قالت: «حسنًا، إذا كنتِ تتصلين لتخبريه بما حدث لبيتي، فهو يعرف بالفعل. من المؤكد أنها كانت فتاة لطيفة، أليس كذلك؟ أسفي عليها!»
قلت: «لا، اتصالي ليس متعلقًا بهذا.» مع أنَّه كان كذلك.
قالت وهي تُعلِّق السماعة فوق الهاتف فصدرت عنه صلصلة حادة: «حسنًا، دعيني أحضره.»
كنت ممتنة لأنَّ الشرطة أصدرت أمرًا ببقاء النساء والأطفال في المنازل. فهذا جعلني متيقنة من أنَّ آندي لن يكون بعيدًا عنها.
سمعتُ صوتها تناديه. مرَّة. ثم الثانية.
وبعدها بدقيقة، قال بصوت فاتر رتيب: «مرحبًا؟»
كنت أنوي القفز إلى صميم الموضوع مباشرة، لكنَّ نبرة صوته جعلتني ألين. قلت: «آندي، معك أنابل. إنني آسفة جدًّا على بيتي.»
خيَّم سكوتٌ لحظي على المكالمة. ثم قال: «وأنا أيضًا»، فتفاجأتُ، مع أنني لم أشك قبل ذلك إطلاقًا في تعلُّقه الغريب بها. باغتَتني نبرة الحزن في صوته وكادت تشتتني عن هدفي.
فقلت ببطء وأنا أتوقف لأستجمع أفكاري مجددًا: «كنت أريد سؤالك عن شيء ما. لقد عادت إلينا للتو بعض الصور التي التقطها توبي، وإحداها تُظهِر بيتي.» جعلني نُطق اسمها أتوقف. لقد كان ذلك أصعب مما ظننت.
قال آندي: «ما علاقة ذلك بي؟» كان يبدو فضوليًّا وقلِقًا، واستطعتُ أن أستشفَّ ذلك بسهولة.
«إنها صورة لك أنت وبيتي، وأنتما واقفان على التلة المقابلة لمبنى المدرسة. كانت بيتي ترمي حجرًا على السيد أنسل الذي كان واقفًا في الأسفل.»
إذا صحَّ توقعي بأنَّ السيدة جريبل كانت تُنصِت للمكالمة آنذاك، فسأكون متيقنةً من أنَّها لن تتركها حينئذٍ، مهما كانت المكالمات الأخرى التي تنتظرها كثيرة أو مُلِحة.
استطعتُ سماع صوت أنفاس آندي، لكنه لم يقُل أيَّ شيء.
قلت: «قَول الحقيقة لن يؤذِيَ بيتي الآن.»
ردَّ آندي قائلًا: «لماذا تهتمين بذلك؟» كان واضحًا أنه ما يزال قلِقًا، لكنه صار غاضبًا أيضًا. وأضافَ: «لا يُمكن أن تعاقبيها على أنها رمت ذلك الحجر الغبي. لقد ماتت بالفعل. فما المهم في ذلك؟»
أخيرًا. كان ذلك هو أول جزء أردتُ أن تسمعه السيدة جريبل. تنفَّستُ الصعداء.
قلت: «لأنهم يظنون أنَّ توبي قتلها. هذا هو السبب. وأنت تعرف أنه لم يدفعها إلى تلك البئر.»
قال آندي بنبرة أشد حدة من ذي قبل: «لقد قالت إنه دفعها. عندما نقلوها إلى المستشفى، قالت إنه دفعها.»
فقلت: «وقالت من قبل أيضًا إنه رمى ذلك الحجر، وهذه كانت كذبة. لقد اعترفتَ بهذا بلسانك للتو.»
««هذا لأنها كانت خائفة». لم تكُن تقصد إيذاء روث.»
أغمضتُ عينيَّ. وقلت لنفسي «أرجو. أرجو أن تكوني مُنصِتة.»
قلت: «آندي، أعرفُ أنك كنت تحب بيتي. لكنك أنت مَن قلت إنها نزلت إلى الكوخ لتزعج توبي، لدرجة أنها كانت تفكِّر في إحراق الكوخ لإجبار توبي على الرحيل. لماذا لا يُمكنك أن تعترف بأنها سقطت في تلك البئر بالخطأ؟»
«وما جدوى ذلك؟ ما الفارق إنْ كانت قد سقطت بالخطأ؟ إنها هي التي ماتت، في حين أنه أفلت بلا أي عقاب أو ضرر.»
فقلت وأنا أحاول إبقاء صوتي منخفضًا: «لكنهم الآن يظنونه قاتلًا! وسيقتلونه.»
قال بهدوء: «أتمنى أن يفعلوا ذلك. أتمنى أن يقتلوه مرتَين.»
«آندي، لا يُمكن أن تتمنى ذلك.»
ردَّ بإنهاء المكالمة.
ثم سمعت السيدة جريبل أيضًا تُنهي الاتصال.
وضعتُ السماعة في موضعها مجددًا، وجلستُ على الأرض أرتجف من شدة الإرهاق.
جاءت أمي تبحث عني بعد ذلك بلحظات. قالت لي: «مَن الذي كنتِ تحادثينه هنا؟ هل أنتِ على ما يُرام يا أنابل؟»
فقلت: «أشعر بأنني لستُ بخير. هل يُمكنني الذهاب والاستلقاء على الفراش؟»
وضعت يدها على جبهتي. وقالت: «لستِ مُصابة بالحمى.»
قلت: «لستُ مريضة. أشعر أنني لست بخير فحسب.»
فقالت: «اذهبي إذَن.» ثم مدَّت يدها لتساعدني للوقوف على قدمي. وأضافت: «الرجال خارجون مجددًا مع الكلبَين البوليسيَّين.»
عندما وقفت، وضعَت ذراعَيها حولي وأسندت ذقنها فوق رأسي.
قالت بنبرة وديعة: «سينتهي هذا قريبًا. بأي طريقة.»