مقدمة
في مشهد المعركة الحاسم في نهاية فيلم «الساموراي الأخير» (ذا لاست ساموراي) (٢٠٠٣)، يتزعم البطل، وهو ساموراي متمرد، جيشَه من المحاربين، في هجوم انتحاري ضد الجيش الحكومي العصري الذي كان قد جرى تشكيله حديثًا. لم يكن المحاربون يرتدون سوى ملابسهم التقليدية، وكانوا مسلَّحين بالأقواس والسيوف والرماح، فحصدتهم الأسلحة الرشاشة ومدافع الهاوتزر، بينما وقف الجنرال الحكومي، الذي كان هو نفسه في السابق أحد أفراد الساموراي، يشاهد مترقبًا. اشتمل هذا المشهد على جميع الأفكار المتكررة في الخيال العالمي حول الساموراي؛ التقليدية مقابل الحداثة، والقتال اليدوي مقابل البنادق، والاحتفاء بالموت المشرف. يُعَد الحدث الذي صوَّره الفيلم حدثًا تاريخيًّا؛ حرب الجنوب الغربي في اليابان عام ١٨٧٧، عندما رفض أفراد الساموراي السابقون أن ينصاعوا لسلسلة من القوانين التي حرمت جميع أفراد الساموراي من مكانتهم المتميزة وما صاحبها من رموز؛ فلم يعد بمقدورهم تقلُّد السيوف في الأماكن العامة، أو مواصلة استخدام تصفيفات الشعر العلوية المميزة التي كانت حكرًا عليهم. ثمة وصف أكثر دقة لمشهد المعركة يقع على النقيض من المشهد السينمائي؛ يحتمي الجيش الحكومي الحديث بقلعة — والتي تُعَد أكثر الدفاعات تقليدية على الإطلاق — بينما قصفهم أفراد الساموراي السابقون المتمردون بالمدافع من الخارج. وكما هي الحال مع أي شيء آخر، عادةً ما تكون الصورة التاريخية أكثر إثارة للاهتمام إذا ما قورنت بالصورة الشائعة.
يبدو أن أفراد الساموراي واسعو التغلغل في الثقافة الشعبية، بدايةً من الرواية التي تحولت إلى مسلسل تليفزيوني تحت عنوان «شوجون» (١٩٨٠)، إلى فيلم «الساموراي الأخير»، ولعبة «شبح تسوشيما» (جوست أوف تسوشيما) (٢٠٢٠) الناجحة على جهاز ألعاب بلاي ستيشن ٤، كما يبدو أن الجمهور لا يمل منها أبدًا. بل إنهم يظهرون في أماكن غير متوقعة؛ اسم الشركة المالكة لسلسلة مَقاهٍ محلية في ميلواكي بولاية ويسكونسن، هو جيري، والذي يدَّعي مؤسسها أنه «يأتي من قانون شرف الساموراي، بوشيدو، والذي يمكن ترجمته إلى «الالتزام الاجتماعي».» قد يحمل معنًى جميلًا، ولكن كان «الالتزام» وسيلة لإقناع أفراد الساموراي بطاعة سادتهم، بصرف النظر عن الخطر المُحدِق بهم أو، على الأرجح، الصعاب التي سيلاقونها.
ليس ثمة نقص في المواقع الإلكترونية التي تتحدث عن الساموراي، ولا يمكن المرء أن يرمي حجرًا دون أن يصيب مدرِّب فنون قتالية يملك وجهة نظر مميزة عن الساموراي. كما أن هناك الكثير من الكتب الرائعة التي تعطي نظرة عامة عن بعضٍ من جوانب معارك الساموراي، وصراعاتهم، وقلاعهم، وما إلى ذلك، إلا أن التنقيب عما هو موثوق به وما ليس بموثوق يمكن أن يكون مهمة شاقة. ومن ناحية أخرى، تتطلب الكتب العلمية الاطلاع على الكثير من المعلومات الأساسية، كما أنها لا تستدعي الإلمام بتاريخ اليابان فحسب، بل تستدعي كذلك الإلمام بتاريخ الصين ودينها وفنونها، والمصطلحات المتخصصة، وتتطلب بعض الكتب التاريخية القديمة إلمامًا لغويًّا كبيرًا.
سأصف الكيفية التي تغيرت بها طائفة الساموراي خلال الفترة من القرن الثامن إلى منتصف القرن التاسع عشر تقريبًا، وسأعرض تنوع المحاربين، وسأُبطِل الأساطير الشائعة، على غرار ما يُسمَّى بقانون الساموراي «بوشيدو»، وكون السيوف «أرواح الساموراي»، والقدرات القتالية المزعومة. لم تنل جميع الفترات في تاريخ المحاربين نصيبًا متكافئًا من التناول؛ فثمة قدر أكبر من التفاصيل عن حياة الساموراي خلال الفترة من القرن السابع عشر إلى القرن التاسع عشر (الحقبة الحديثة المبكرة)؛ وذلك لأن أغلب أوصاف الغرب للساموراي تتزامن مع محاربي تلك الفترة، ولأن العلماء يعرفون عن اليابان خلال الحقبة الحديثة المبكرة أكثر مما يعرفون عنها خلال العصور الوسطى (من القرن التاسع إلى القرن الخامس عشر). هناك الكثير من الوثائق التي يعود تاريخها إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، لدرجة أنه يمكن شراؤها من مواقع المزادات على الإنترنت مقابل عشرات الدولارات. بيعت في مزاد حديث مجموعةٌ مكونة من المئات من الوثائق التي يعود تاريخها إلى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهي جميعها تخص عائلة واحدة، على موقع «ياهو أوكشن» مقابل ٧٣ ألف ين ياباني، أي نحو ٦٦٠ دولارًا أمريكيًّا. انتهى المطاف ببعض الوثائق اليابانية التي تعود إلى الحقبة الحديثة المبكرة في القمامة. بعد الزلزال والتسونامي وكارثة فوكوشيما النووية في ١١ مارس ٢٠١١، سارع المؤرخون المحليون إلى تصوير الوثائق التاريخية الموجودة في المستودعات المتهالكة التي كان من المقرَّر هدمها وإعادة بنائها. كان هناك عدد كبير جدًّا من الوثائق، لدرجة أن المتاحف والجامعات المحلية لم تكن تملك مساحة تكفي لحفظ الوثائق التي صُنِّفت على أنها غير مهمة، ومن ثم كانت عرضةً للتخلص منها. تُكتشف وثائق تعود إلى ما قبل القرن السابع عشر بين الحين والآخر ولكن بأعداد أقل بكثير، إلا أنها تحظى بقدر أكبر من العناية.
كلمة أخيرة حول الأعراف. في اليابان، يسبق اسم العائلة اسم الشخص الأول. أستخدم مصطلح «المحارب» مع القرون من التاسع حتى السادس عشر، وأستخدم مصطلح «ساموراي» عند الحديث عن القرنين السابع عشر والثامن عشر، عندما أصبح أفراد الساموراي يشكِّلون مجموعة ذات مكانة اجتماعية محدودة التعريف. «الحاكم العسكري» و«السيد» مصطلحان يشيران إلى الدايميو، ويُقصد بتلك الفئة القادةُ العسكريون الذين كانوا يمتلكون الأراضي ويشاركون في الحروب خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ولكن بحلول أوائل القرن السابع عشر، أصبحوا حكامًا غير عسكريين. بعبارة أخرى، قسَّمتُ تاريخ المحاربين إلى نصفين غير متماثلين؛ العصور الوسطى والعصور الحديثة المبكرة، مع اعتبار أوائل القرن السابع عشر خطًّا فاصلًا. ففي تلك الفترة بدأت فئة المحاربين تصير أكثر تحديدًا، وأخذت تلك المجموعة تُضيف تغييرات جوهرية إلى ثقافتها وعلاقتها ببقية سكان اليابان.