خدمة عائلات المحاربين
بوجه عام، يُستخدم مصطلح «ساموراي»، حتى في اليابان، مرادفًا لكلمة «محارب»، ولكن هذا الاستخدام غير صحيح. في الواقع، كان لمصطلح ساموراي في الأصل معنًى محدود للغاية، فقد كان يشير إلى أي شخص يخدم نبيلًا، حتى وإن كان في سياق غير عسكري. وتحوَّل تدريجيًّا ليصبح لقبًا للخدم العسكريين لعائلات المحاربين، في واقع الأمر كان المحارب من الطبقة النخبوية في اليابان قبل القرن السابع عشر يشعر بالإهانة إذا ما نُوديَ ﺑ «ساموراي». كانت هناك مصطلحات أخرى أكثر شيوعًا للمحاربين في اليابان خلال العصور القديمة والوسطى تعكس واجباتهم المختلفة تجاه الدولة، ونبالتهم، وامتيازاتهم الأخرى. يستخدم معظم المتخصصين في اليابان وفي الغرب المصطلح العام «بوشي»، الذي يعني «المحارب».
المحارب مصطلح غامض من فترة ما قبل القرن السابع عشر يُستخدم للدلالة على مجموعة كبيرة من الناس يؤدون وظيفة عسكرية ما. وهو يشمل أي شخص من المتوقع أن يقدِّم خدمة عسكرية للدولة عند الحاجة إلى ذلك، وقد تلقَّى تفويضًا رسميًّا من سلطة حاكمة لفعل ذلك، تشمل تلك السلطات الحاكمة النبلاء، أو البلاط الإمبراطوري في كيوتو، أو أيًّا من المؤسسات الدينية. يمكن أن نصف مصطلح محارب نفسه بأنه غير دقيق؛ لأنه يوحي خطأً بأن الحرب كانت المهنة الوحيدة لهذه المجموعة. فبناءً على الحقبة الزمنية والمركز الاجتماعي، كان المحاربون يحكمون، ويتاجرون، ويزرعون، ويرسمون، ويكتبون، ويعلمون، ويشاركون في أنشطة مشبوهة.
ثمة اعتبار آخر يجب مراعاته عند استخدام مصطلح محارب، ألا وهو القيمة الأخلاقية التي يربطها المعاصرون بذلك المفهوم. تستخدم القوات العسكرية الأمريكية مصطلح «محارب» في برامجها التدريبية المختلفة، مثل «تدريب المحارب الذهني»، وهو برنامج تأمل مخصَّص للجنود من أجل مساعدتهم في التعامل مع اضطرابات ما بعد الصدمة وتجهيزهم لأهوال القتال. استعان مطور البرنامج بصورة ساموراي للترويج له، «مستندًا إلى قانون الانضباط الذاتي القديم للساموراي». ولكن هذا القانون لم يكن موجودًا. حتى العبارات المستخدمة على نحو تهكمي تفترض وجود صورة محارب حقيقية محترمة — على سبيل المثال، «محارب نهاية الأسبوع» — الأمر الذي يوحي بأن شخصًا عاديًّا مملًّا طوال أيام الأسبوع يمكنه أن يصبح شخصًا آخر أكثر بدائية خلال عطلة نهاية الأسبوع. في هذا الاستخدام، يمثِّل مفهوم المحارب كينونة الشخص، لا مهنةً يؤديها.
ولكن على مدار تاريخ اليابان، كان الناس غالبًا ما يحتقرون المحاربين، فقد صوَّر الفنانون والكُتَّاب المحاربين في صورة حيوانات قاتلة غير متحضرة، ليست أعلى مرتبةً من الكلاب. كان المحاربون يسرقون وينهبون، وأحيانًا يقتلون سكان القرى التي يمرُّون بها. كذلك لم يكن ثمة حب لهم في نفوس الفلاحين، الذين كانوا يخشَون المحاربين لأنهم كانوا الأكثر تأثرًا بغاراتهم التي يشنُّونها بغرض النهب والسلب، والأضرار المترتبة على هذه الغارات. من سخرية القدر أن محبة الساموراي في نفوس العامة ومحاكاتهم لأسلوبهم لم تظهر إلا في عصر من السلام النسبي خلال الحقبة الحديثة المبكرة في اليابان (١٦٠٠–١٨٦٨).
مما لا شك فيه أن المحاربين يقاتلون في المعارك، ولكنهم كانوا يقضون في الواقع جُل أوقاتهم في فعل أمور أخرى. تضمنت تلك الأمور الأخرى محاولة تحسين مكانة عائلاتهم في مجتمع النخبة الذي كان يهيمن عليه النبلاء، أو إدارة الفلاحين العاملين في ضيعاتهم، أو حتى الانخراط في عمليات احتيال عرَضية من آنٍ لآخر، بالنسبة إلى المحاربين الأشد وضاعة. كانت أنشطة الساموراي تتحدد بتعريف مصطلح «محارب» طبقًا لتغيره بتغير العصور. إذا ما سافر أحد أفراد الساموراي عبر الزمن إلى الوراء من القرن التاسع عشر إلى القرن التاسع، فربما لا يُنظَر إليه على أنه ينتمي إلى الفئة نفسها من البشر.
أصبح محاربو الماضي البعيد مصدرًا للترفيه، والقلق، والإلهام لأفراد الساموراي الذين عاشوا في عصورٍ تالية. شكا أحد المعلقين من أفراد الساموراي الذين عاشوا في بدايات القرن الثامن عشر — تلك الفترة التي كانت تتسم بالسلام — من معاصريه قائلًا: «عدد كبير جدًّا من الرجال الآن أصبحوا ضعاف القلوب مثل النساء»، فلم يكن ثمة شبهٌ بينهم وبين المحاربين الحقيقيين من القرن السابق الذي كان مليئًا بالحروب. في القرن الثالث عشر، أسست راهبة بوذية تُدعى هوجو ماساكو إرث زوجها الراحل ميناموتو يوريتومو، على أنه المحارب المؤسس للعشائر التي قاومت تهديد أحد أباطرة كيوتو. ودعنا لا ننسى الجاذبية الكبيرة لآثار الماضي؛ فقد كان أفراد الساموراي ذوو المكانة العالية يسعدون بشراء سيف أو وعاء لشرب الشاي كان مملوكًا في الأصل لأحد مشاهير المحاربين.
استخدم المحاربون المهارات العسكرية وسيلةً لتحسين حياتهم المهنية. كانوا — من منظور سياسي — مجرد دخلاء يمكن استخدامهم كأدوات من جانب النبلاء ذوي النفوذ الذين يحتاجون إلى يد حديدية تمكِّنهم من السيطرة على أراضيهم، أو التجسس على نوايا العائلات النبيلة الأخرى لمعرفة ما إذا كانوا يفكرون في اغتصاب الأراضي. كانت أغلب أراضي اليابان فعليًّا مملوكة للإمبراطور (يُعرف باليابانية باسم تِنُّو، ويُترجَم حرفيًّا إلى «الملك السماوي»)، والذي أرسلته الآلهة إلى الأرض، طبقًا للأساطير القديمة، وكان المحاربون يحمون مصالح النظام الإمبراطوري المتمركز في العواصم القديمة نارا، وناجاوكا، وكيوتو منذ عام ٧٩٤. كانوا خط الدفاع الأول ضد أعمال العنف التي كانت تندلع بالقرب من العاصمة، وكانوا يهاجمون أيًّا من المقاطعات البعيدة عن كيوتو التي قد تمثِّل تهديدًا للنظام، وكانوا يخرجون في حملات للإغارة على الكثير من القبائل «البربرية» التي كانت تقع على أطراف حدود اليابان الشمالية الشرقية أو الجنوبية الغربية.
لا يشمل مصطلح «محارب» المقاتلين الآخرين الذين يجنون قوت يومهم باستخدام العنف؛ كالمرتزقة، وقطاع الطرق، والقراصنة. ولكن قبل القرن السابع عشر، لم تكن مكانة الشخص الاجتماعية مُحدَّدة بدقة، فكان بمقدور بعض ممن يملكون علاقات مؤقتة مع مؤسسة حاكمة أن يشاركوا مشاركة قانونية في الحروب، والحُكم، والتجارة. على سبيل المثال، رغم أن أغلب المحاربين والسلطات الملكية يصورون القراصنة على أنهم قطاع طرق عنيفون يعملون في البحر، فإنهم كانوا يشاركون أحيانًا في الحروب نيابةً عن نظام من المحاربين يُدعى الشوجونية، وهي مؤسسة دينية مثل المعبد البوذي، أو نبيل صاحب نفوذ كبير في العاصمة كيوتو. كانت تلك الأنظمة تحتكر التجارة البحرية، ويضعون القواعد السلوكية للشعوب التي تعيش على طول المسارات البحرية، ويحددون التوقعات منهم، وكانوا يتقلدون سلطات مشابهة لأمراء الحرب أو البيروقراطيات العسكرية.
انتشر جدل حول أصول المحاربين كالنار في الهشيم بين أكاديميِّي اللغة اليابانية والإنجليزية المختصِّين في عصر ما قبل الحداثة في اليابان، ودار جزء منه حول كيفية تعريف مصطلح «ساموراي». هل يُعَدون امتدادًا لجنودٍ من عصور خلت؟ سبق أقدم الأدلة على وجود الجنود المحاربين التاريخ المكتوب، بل وحتى الحضارة اليابانية نفسها، فقد كانت تماثيل الفخار (أو الهانيوا)، تُصوِّر جنودًا، وخدمًا، وحيوانات، تنتشر في أماكن الدفن القديمة خلال الفترة ما بين القرنين الثالث والسادس. وكانت أذرع تماثيل الجنود ودروعها تعكس تأثرًا بالمحاربين المعاصرين لتلك الحقبة في ممالك الصين وكوريا، وتشاركها أسلوبًا عامًّا يُظهِر وجود نظام بدائي ما، امتد تأثيره إلى أغلب ربوع وسط اليابان وجنوبها الغربي. هل كان الصيادون وملاك الأراضي من المقاطعات الشرقية هم السبب في ذلك؟ أم كانوا المحاربين المحترفين الذين كان البلاط الإمبراطوري في كيوتو يستأجرهم؟ لنفترض جدلًا أنه من الآمن أن نقول إن المختصِّين العسكريين الخاصين ظهروا كمَلمح دائم في التاريخ الياباني في حوالي القرن التاسع، عندما بدأ بعضهم يتقلَّد سلطات أعلى من غيرهم، أهَّلتهم لئلا يخدموا كجنود فحسب.
تعود الأدلة المكتوبة لتاريخ المحاربين إلى أواخر القرن الثامن وأوائل القرن التاسع، عندما اعتمدت الدولة اليابانية الأولى الهيكل الإداري لأسرة تانج الصينية الحاكمة (٦١٨–٩٠٧)، والتي كانت القوة الثقافية والسياسية السائدة في شرق آسيا. فبالإضافة إلى تحوير مختلف الألقاب الإمبراطورية، ورتب النبلاء، والبُنى البيروقراطية، والثقافة؛ حاكى الحكام اليابانيون الأوائل طرق تنظيم أسرة تانج للجيش. فقد كان البلاط الإمبراطوري يطلب من الرجال الخدمة في الوحدات الإقليمية عندما تنشأ الحاجة إلى ذلك. وعلى الرغم من وجود جيش من المجندين على الورق، فإن السواد الأعظم منه لم يكن يحضر إلا من وقت إلى آخر كي يتولى مهام قصيرة الأجل لا تتخطى مدتها ٣٠ يومًا تقريبًا، على سبيل المثال من أجل الخدمة في حرس الحدود. وكانوا يقضون أغلب السنة في متابعة سبل عيشهم الخاصة. كان من المفترض أن يوفر المجندون أسلحتهم ومعداتهم الخاصة، وألا يقضوا الكثير من الوقت في التدريب. وكان الضباط وحدهم هم من يعمل في الجيش لفترات طويلة، وادعى بعض المؤرخين أن هؤلاء الرجال كانوا يزاولون أعمالًا إدارية ولا يشاركون في التدريبات العسكرية المكثفة أو الحروب. تخلَّت اليابان عن جوانب كثيرة من نموذج تانج الإداري في أواخر القرن الثامن، وحل محله بعد ذلك بالتدريج محاربون متخصصون على مدار قرن ونصف.
بوجه عام، وُجدت أنواع مختلفة من المحاربين بدايةً من أوائل القرن الثامن. لم يكن معظم المحاربين «يملكون» أراضي، بالمعنى الحرفي، ولكنهم كانوا يتلقَّون جزءًا من إنتاج الملكية، ويملكون حقوق جمع الضرائب من الملكيات المملوكة لأشخاص غائبين يعيشون في كيوتو، ويقتطعون جزءًا منها لأنفسهم. كما تمتع بعضهم بحرِّية نسبية من تدخلات السلطات في كيوتو أو ممثليها في المقاطعات. امتلك بعضهم أراضي خاصة بهم، وأسندوا بعضها إلى عائلات نبيلة غير محاربة في كيوتو مقابل الرعاية، أي ضمان عدم مطالبة الآخرين بحق المحارب في الأرض. انتمى محاربون آخرون إلى عائلات نبيلة، ولكنها كانت عائلات أدنى مرتبةً من أغلب العائلات النبيلة ذات النفوذ التي كانت تسيطر على أعلى المناصب الحكومية في كيوتو. من بين هؤلاء المحاربين، أقام البعض علاقات وتحالفات محلية خلال فترة ولايتهم كحكام للأقاليم، ما أعطاهم إمكانية البقاء في مناصبهم على نحو دائم. ثم تحولوا إلى أمراء حرب واعتمدوا على عائلات المحاربين الصغرى، مع الحفاظ على صلاتهم مع الحلفاء والموارد في كيوتو. من منطلق كونها مركز الحكم وأكبر مدينة في ذلك الوقت، كانت كيوتو تتمتع بجاذبية كبيرة في نظر العشائر النخبوية من أنحاء اليابان كافة. وكان الأشخاص سُلَّان العائلات الأرستقراطية في كيوتو يحتلون الطبقات الاجتماعية العليا في المجتمع الإقليمي. وكانت العائلات البارزة في الريف تقلق بشأن الحكام الذين عيَّنتهم حكومة كيوتو لمراقبتهم، وربما شكلت السياسة في كيوتو تهديدًا لقدرة العائلات المحلية على تحقيق الثراء.
لم يكن ثمة نموذج واحد لكيفية تنظيم هؤلاء المحاربين لأنفسهم. فكان ثمة رجال قد يتعاونون معًا لتكوين فِرَق من المحاربين تربطهم صلة الدم، أو الولاء الشخصي، أو الأعداء المشتركون. وكان البعض الآخر يعملون معًا لصالح عائلات نبيلة تعيش في العاصمة، أو لصالح مسئولين إقليميين، أو لصالح أشخاص محليين أصحاب نفوذ. لم يكن مستغربًا أن تمتلك هذه المجموعات المتخصصة قدرة على القتال وتنظيم الموارد للحملات العسكرية أعلى من المجندين الذين عطَّلت الحروب حياتهم، ولم تحسِّنها. وفي نهاية المطاف، اعتمدت الدولة على هذه المجموعات المقاتلة المحترفة لأداء مهام الشرطة والجيش. ولم يكن الاعتماد على المحاربين معناه أنهم استولَوا على السلطة من الدولة، ولم يكن بداية النهاية للملكية، كما كان يُدرَّس في السابق؛ فالبلاط والنبلاء كانوا لا يزالون يملكون السلطة.
كان المحاربون الأكثر قوةً في العصور القديمة والوسطى في اليابان يميلون إلى أن يكونوا هم أنفسُهم نبلاءَ، وبالتالي لم يكن لديهم حافز كبير لتغيير الأوضاع القائمة في مجتمعاتهم. رغم أنهم لم يصلوا أبدًا إلى أعلى مراتب النبالة، فإن العديد من العائلات الكبيرة ذات النفوذ الكبير التي سيطرت على اليابان، مثل عائلتَي تايرا وميناموتو، كانت تنحدر من أبناء الأباطرة الذين أُخرجوا من الصورة لأنهم لم يعودوا ضمن المرشحين لولاية العهد. كان الأباطرة يمنحون ألقابًا لهؤلاء الأبناء الذين أسسوا عشائرهم الخاصة، وزاولوا مهنًا شائعة لدى العائلات النبيلة؛ العمل موظفين في البلاط الإمبراطوري، أو العمل رجال دين بوذيين مهمين ومؤثرين، أو العمل محاربين محترفين. ولكن لم تتبع جميع العائلات التي تحمل اللقب نفسه، ميناموتو على سبيل المثال، المسيرات المهنية نفسها.
ولكن قد يتساءل المرء، هل حاول أي محارب الإطاحة بالإمبراطور في كيوتو أو الاستقلال بمنطقة خاصة به عن العاصمة؟ كان تايرا ماساكادو أول من سيصبح متمردًا على البلاط الإمبراطوري. عاش في شرق اليابان، ليس ببعيد عن طوكيو الحالية، محاطًا بعائلات تايرا الأخرى التي كانت تسيطر على الأراضي في الشرق. كان بعضهم يعملون ممثلين للبلاط الإمبراطوري. عاش ماساكادو في كيوتو لبعض الوقت وعمل موظفًا في البلاط، ولكنه في الغالب شعر بالحنين إلى الشرق، تلك الأراضي البعيدة عن مركز السلطة السياسية والثقافية. ما بدأ كنزاع على الأراضي بين مختلف عائلات تايرا وأقرباء ماساكادو المباشرين، النزاع الذي تجاهله النبلاء في كيوتو، تحول فيما بعد إلى تمرد في عام ٩٣٥ عندما انتقم ماساكادو من رجال تايرا الذين كانوا ممثلي الإمبراطور. ربما لم يكن ماساكادو ينوي التمرد على الإمبراطور، كما أنه لم يكن يملك قوة كبيرة بما يكفي لتهديد كيوتو مباشرةً، ولكنه أعلن نفسه «الإمبراطور الجديد» في الشرق، المنصب الذي لم يدم طويلًا، فقد قُتل في عام ٩٤٠ على يد أحد أبناء عمومته.
كان تايرا كيوموري منافسًا آخر لسلطة الإمبراطور والنبلاء. كان هو أيضًا من نسل أحد الأباطرة، وتربَّى في كيوتو مثل النبلاء الآخرين. وعندما نشب نزاع على الخلافة داخل العائلة الإمبراطورية حول من سيصبح الإمبراطور التالي، قاد كيوموري قوات المنتصر، أما الخاسرون، الذين كانوا في الغالب تحت قيادة ميناموتو يوشيتومو، فقد نُفوا أو قُتلوا. وما بدأ كصراع مع القوات التي تمثل الرعاة النبلاء تحوَّل إلى خصومة بين كيوموري ويوشيتومو. وتمكَّن كيوموري من هزيمة يوشيتومو، وبدأ في تجميع ألقاب النبالة، والمناصب الحكومية، وتملك الأراضي الإقليمية. وبحلول أواخر عام ١١٧٠، أضحى يشكل تهديدًا حقيقيًّا للسلطة الإمبراطورية. كما وضع حلفاء في مناصب مهمة في العاصمة كيوتو لم تكن تحت سيطرته المباشرة، وحاول نقل العاصمة إلى المدينة التي أصبحت تُسمَّى حاليًّا باسم كوبي، ولكن دون جدوى. بدأ في تلك المدينة مشروعات بناء ضخمة، بما في ذلك مركزه للقيادة، وموانئ للتجارة مع الصين. كان أول نبيل محارب يحاول السيطرة على جميع المحاربين في اليابان. حتى إنه وضع حفيده الصغير، الإمبراطور الطفل أنتوكو، على العرش. طلب الأمير الذي جرى تجاوز دوره للخلافة، عندما تُوِّج أنتوكو الصغير، من المحاربين أن يطيحوا بكيوموري. تسبب هذا النزاع في نشوب ما يُسمَّى بحرب جيمبيه (١١٨٠–١١٨٥)، التي استمرت لفترة أطول، وشملت نطاقًا جغرافيًّا أوسع من أي حرب سابقة في تاريخ اليابان. حتى إنها استمرت أكثر من كيوموري نفسه الذي تُوفي لأسباب طبيعية في عام ١١٨١.
لم يكن هناك هوية للمحاربين مفهومة بشكل واسع قبل حرب جيمبيه. فعلى قمة مجتمع المحاربين، كانت العائلات الأكثر قوة جزءًا من طبقة النبلاء، ولم يكن ثمة اختلاف كبير بين لقبَي «محارب» و«نبيل». بوجه عام، المحاربون ذوو الألقاب النبيلة، مثل ميناموتو وتايرا، والذين كانوا يقيمون في الريف غالبًا، لم يملكوا أي دافع للقتال ضد النظام الإمبراطوري الذي ساعد أجدادُهم في بنائه. بل كان الكثير منهم يعملون بمثابة جسور بين كيوتو والريف، وكانوا يخشَون أقاربهم وجيرانهم، وكانت أوضاعهم تمكِّنهم بالكاد من الانتفاض ضد النظام الإمبراطوري. وعلى الطرف الآخر من الطيف الاجتماعي، كان الجنود غير النبلاء ذوو الأصول المتواضعة والمرتزقة غالبًا ما يشاركون في الأعمال غير العسكرية. حتى المحاربون من الطبقة المتوسطة لم يكن لديهم الكثير من القواسم المشتركة مع نظرائهم الملكيين الأعلى مرتبة.
تغيرت هذه الحالة إلى حد ما بعد انتصار ميناموتو يوريتومو في نهاية حرب جيمبيه. فقد بقي في مركز قيادته في كاماكورا، ويُنسب إليه إنشاء أول نظام مركزي من المحاربين، شوجونية كاماكورا (١١٨٥–١٣٣٣). تنص المراجع على أنه مؤسس هوية المحاربين اليابانيين، ولكن هذه الهوية المشتركة شملت فقط المحاربين الذين التفُّوا حوله في كاماكورا. لم تكن بداية ما سُمي بنظام المحاربين منظمةً، ولم تشمل المحاربين دون غيرهم، ولكنها كانت الخطوة الأولى نحو فكرة أشمل لثقافة المحاربين، والهوية التي ستتطور على مدار القرون اللاحقة.