الفصل الرابع

المحاربون في زمن السلام

احتل الساموراي مكانة بارزة في الدراسات المتخصصة في حقبة توكوجاوا (١٦٠٠–١٨٦٨)، المعروفة أيضًا بحقبة إيدو، أو «العصر الحديث المبكر في اليابان». رغم شهرة تلك الحقبة بأنها شهدت زيادة غير مسبوقة في كتابة المعارف وإنتاجها من قبل عامة الشعب، وتفوق الثقافة الشعبية الحضرية للعامة على الثقافة الراقية التي كانت تتركز في كيوتو، ظل الساموراي محورًا رئيسيًّا في التحليل التاريخي الكلي. بالنسبة إلى بعض أنواع التاريخ، خاصة التاريخ الدبلوماسي والسياسي، يُعَد ذلك منطقيًّا؛ فقد وصل دور الساموراي إلى ذروته خلال حقبة توكوجاوا. كان نوبوناجا قد قضى على دور المؤسسات الدينية كقوة سياسية واقتصادية وعسكرية، على الرغم من أن الدين ساعد، بوجه عام، في إضفاء الشرعية على العمل السياسي والترويج له. وحتى نهاية حقبة توكوجاوا، لم يعد النبلاء والإمبراطور في كيوتو يملكون السلطة التي كانوا يملكونها في الماضي. فكانوا يعتمدون على عطايا الشوجون، وكانوا يرسلون سفراء إلى شوجون توكوجاوا الذي اتخذ مدينة إيدو مقرًّا له (طوكيو حاليًّا). لم يفكر أي إمبراطور في تحدي نظام المحاربين الحاكم خلال حقبة توكوجاوا.

تناول باحثون في التاريخ الاقتصادي، والمؤسسي، والفكري، والديني، والثقافي الدور الذي لعبه الساموراي في الحد من التغيرات التي طرأت على المجتمع الياباني في الحقبة الحديثة المبكرة أو تعزيزها. كما يمكن المرء حتى أن يجزم بأن عصر الساموراي الحقيقي بدأ في حقبة توكوجاوا. وصف بعض المؤرخين تلك الحقبة بأنها عصر مظلم، فمن الشائع أن نظام المراتب الاجتماعية الصارم أبقى العامة في مراتبهم، وحرمهم من المشاركة في عمليات اتخاذ القرارات عند قمة الهرم الاجتماعي، وألزمهم بالأعمال البدنية المضنية عند قاعه.

يرى البعض الآخر أن هذه الحقبة كانت حقبة مزدهرة إلى حد ما، وأن مستويات المعيشة كانت جيدة بوجه عام، مقارنةً بالبلدان الأوروبية في العصر نفسه. وبالمثل، كان يُنظَر إلى الثقافة الشعبية والأدب والفن والمسرح على أنها إما مجالات لمقاومة ضغوط حكم المحاربين، وإما وسائل للهرب منه. في تاريخ شرق آسيا المقارن، تُعَد اليابان إما مثيلة للصين وكوريا، لأنها جميعها خضعت للبقرطة في الوقت نفسه تقريبًا، وإما مختلفة عنهما لأن اليابان كانت تخضع لحكم المحاربين، على النقيض من جارتيها.

كان توكوجاوا إياسو مثالًا على الجيل الأخير من أمراء الحرب الذين عايشوا حياة الحرب؛ فبعد القرن السابع عشر أصبحوا مجرد «سادة». أعطت عشيرة ماتسوديرا — العائلة التي وُلد فيها إياسو — إياسو إلى عشيرة إيماجاوا رهينةً بينما كان طفلًا، في مقابل مساعدتهم في الحرب ضد عشيرة أودا؛ كانت الرهائن والمصاهرة أسلوبين مستخدمين لعقد التحالفات بين أمراء الحرب. ولكنه اختُطف وهو في الطريق وسُلِّم إلى عشيرة أودا التي عاش بين أفرادها عدة سنين. ثم عاد إلى عشيرة إيماجاوا خلال عملية تبادل للرهائن تضمنت أحد أبناء أودا. قد يبدو الأمر وكأنه عاش طفولة قاسية، ولكنه لم يتعرض لمعاملة سيئة؛ فقد تعلَّم جيدًا بين صفوف عشيرة إيماجاوا، وقاد جيوشها، وتزوج من امرأة من عشيرة إيماجاوا.

عاش إياسو بين صفوف عائلة إيماجاوا حتى هزيمتها على يد أودا، ثم عاد بعد ذلك إلى مسقط رأسه وسيطر على عشيرة ماتسوديرا. أصبح بعد ذلك أحد حلفاء نوبوناجا، ثم أحد أتباعه، في نهاية المطاف. كان نوبوناجا يثق في إياسو، وكان محقًّا في ذلك. عندما أُجبر إياسو على الاختيار بين الاستمرار حليفًا لنوبوناجا أو قتل زوجته وابنه بناءً على أوامر من نوبوناجا نفسه (فقد كان يشك في أنهما يتواصلان مع الأعداء سرًّا)، آثر الخيار الثاني. خلال حقبة الولايات المتحاربة، لم يتمكن الولاء من التغلب على الطموح.

عندما استولى هيديوشي على جيوش نوبوناجا، انضم إياسو إلى قواته حتى وفاة هيديوشي. وافق إياسو على مساعدة ابن هيديوشي، هيديوري، في حكمه. ولكنه، في نهاية المطاف، دخل حربًا ضد أمراء الحرب الذين ناصروا هيديوري وانتصر عليهم في معركة سيكيجاهارا الحاسمة عام ١٦٠٠. بعد ذلك، أجبر إياسو الإمبراطور على منحه لقب شوجون في عام ١٦٠٣، ثم انقلب على هيديوري الذي كان مختبئًا في قلعة أوساكا. في النهاية، انتصر إياسو على هيديوري وحلفائه القليلين عبر الهجوم على قلعة أوساكا، وانتهى الحصار، من عام ١٦١٤ إلى عام ١٦١٥، بوفاة هيديوري. دون ريتشارد كوكس، رئيس شركة الهند الشرقية البريطانية التجارية في اليابان، في يومياته: «يُقال إن تكلفة الاستيلاء على هذه القلعة كانت أرواح ما يزيد على ١٠٠ ألف رجل من الجانبين، ولم يُعثر على جثة أي رجل مهم من جانب الأمير هيديوري ورأسها في مكانها، بل كانت جميع رءوسها مقطوعة … ولم يُعثر على جثة هيديوري نفسه؛ ومن ثم يعتقد كثيرون أنه فر خفيةً. ولكني لا أعتقد ذلك (١٩ يونيو ١٦١٥).» وكانت شكوكه في محلها؛ فقد قُبض على هيديوري من قِبَل عشيرة توكوجاوا، وقُطع رأسه ورأس ابنه الذي كان في الثامنة من عمره. دمر إياسو ضريح عشيرة تويوتومي منهيًا أي احتمالية لحدوث تمرد، ومستخدمًا الاستراتيجية نفسها التي استخدمها ميناموتو مع تايرا كيوموري في أواخر القرن الثاني عشر. مات إياسو لأسباب طبيعية في عام ١٦١٦، بعد فترة قصيرة من الحصار، وكان في الخامسة والسبعين من عمره.

أنشأ توكوجاوا إياسو آخر نظام محاربين حاكم في اليابان، وظل نسله يحكمون كشوجونات دون أن تواجههم أي تحديات تُذكَر من البلاط الإمبراطوري والسادة حتى القرن التاسع عشر. فرضت الشوجونية التزامات على السادة، وتوقعات من الساموراي، جمعتها في عام ١٦١٥ في وثيقة تحت عنوان «قوانين بيوت المحاربين». واصلت بعض من بنود القانون التأكيد على موضوعات ذُكرت ضمن قواعد محاربين سابقين، مثل دراسة الفنون المدنية إلى جانب الفنون العسكرية، والعيش ببساطة بما يتفق مع مكانة المرء في الهرم العسكري، وتجنُّب العبث، مثل شرب الخمر والمقامرة. بالنسبة إلى العامة، كانت الشوجونية تصدر مراسيم دائمة التغير، بل والتناقض في بعض الأحيان، وكانت تلك المراسيم تحدد مختلف الجرائم. كما أنها كانت تملك القرار الأخير فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، ولكنها أسندت مهمة العلاقات الدولية إلى السادة ليؤدوها نيابة عنها. كانت السلطة السياسية في اليابان متمركزة في مدينة إيدو، ولكن لم تكن حكومة اليابان مركزية. فلم يكن هناك جيش قومي أو جباية ضرائب قومية. صك السادة المستقرون في مقاطعاتهم عملات، وقوانين تشريعية، ومحاكم منفصلة.

كان للكثير من سمات نظام الساموراي الحاكم الأخير جذور تمتد إلى القرن السادس عشر. كان الفارق الرئيسي بين حقبة توكوجاوا والحقب السالفة هو الدرجة التي وصلت إليها دقة تحديد هذه السمات خلال القرن السابع عشر. خلال حقبة الولايات المتحاربة، كان بالإمكان اعتبار أي شخص اسمًا من الأسماء العظيمة إذا كان يملك ما يكفي من القوة، ولكن مع بداية القرن السابع عشر فصاعدًا، كان يجب أن يُصنَّف المرء رسميًّا كأحد الأسماء العظيمة. يمكن أن تُنسب صورة الساموراي كمجموعة محددة بصورة صارمة نسبيًّا، ومميزة عن بقية المجتمع الياباني إلى حقبة توكوجاوا. خلال العصور التي سبقت تلك الحقبة، كان مفهوم «المحارب» مطاطًا، فبعض الرجال كانوا يُولَدون ويَنشَئون باعتبارهم محاربين، أو يخدمون باعتبارهم تابعين أو مرافقين مقاتلين، بينما كان آخرون محاربين بدوام جزئي، ويعملون في مهن أخرى في غير أوقات الحرب. خلال حقبة توكوجاوا، كان السادة (دايميو) والشوجونات فقط هم من يمكنهم منح هذه المنزلة.

بدأ هيديوشي عملية نشر السلام في ربوع اليابان، ورثها فيما بعد شوجونات توكوجاوا الأوائل، واكتملت تقريبًا بحلول نهاية القرن السابع عشر. كان قد أصدر مرسومًا يُعرَف باسم «التفتيش عن السيوف» حرَّم على المزارعين حيازة الأسلحة من أي نوع، وأمرهم بأن يسلموا أسلحتهم إلى سلطات المحاربين المحلية كي تُصهَر وتُستخدم في صنع تمثال ضخم لبوذا. ولكن، كما هي الحال في أيٍّ من مجتمعات عصر ما قبل الحداثة، لم تكن التشريعات التي يصدرها الحاكم تُنفَّذ بشكل كامل أو موحَّد. فقد ظل بعضٌ من طبقة النخبة، على غرار المسئولين القرويين أو العامة الذين تمتد أصولهم إلى محاربين، يمتلكون أسلحة سرًّا. كان القرويون يستخدمون البنادق في الصيد، ولكنها كانت تُخزَّن في مكتب رئيس القرية ولا تُعطَى إلا لمن يحمل تصريحًا خطيًّا من السلطة المحلية.

ربما كان أوسع مراسيم هيديوشي نطاقًا هو مسح الأراضي في عموم البلاد الذي استُخدم في تحديد الضرائب بناءً على المحاصيل الزراعية. كان هذا المسح أيضًا بمثابة سجل بدائي. صُنفت القرى، وسكانها، وعدد أفراد الأسرة التي تعيش في كل منزل من منازلها، ويشمل ذلك الخدم، على أنهم من العامة لا من المحاربين؛ الأمر الذي فصل المحاربين عن العامة مكانيًّا واقتصاديًّا. ولكن لم يتميز المحاربون عن العامة ثقافيًّا وسياسيًّا إلا في ظل حكم شوجونية توكوجاوا. لم يعد مسموحًا للمحاربين، بوجه عام، أن يعيشوا في الريف إلا في بضع مقاطعات، حيث يعيش عدد من أفراد الساموراي الذين يعملون في الزراعة كجزء من التزاماتهم العسكرية. فقد أجبرت قوانين الشوجونية الساموراي على الانتقال للعيش في المدن المحصنة التي كانت تُعتبر عواصم للمقاطعات، ما أدى إلى توسع عمراني هائل. أصبحت مدينة إيدو أكبر مدينة في العالم في الحقبة الحديثة المبكرة. تدفق التجار من القرى إلى المدن المحلية مع زيادة عدد السكان في ظل حكم شوجونية توكوجاوا. لا شك في أن العامة كانوا سعداء بمغادرة أفراد الساموراي لقراهم، ولكن كان المسئولون من أفراد الساموراي يغيرون على الريف بانتظام لتقدير المحاصيل.

سيطرت الشوجونية أيضًا على منطقة ثالثة: الحدود بين اليابان والدول الأوروبية. كانت البعثات التبشيرية الكاثوليكية ترتحل في الغالب في جنوب اليابان حيث يعيش نحو ربع مليون ياباني، وكان بعضهم من المحاربين الذين اعتنقوا المسيحية. على الرغم من أن تحول هؤلاء إلى المسيحية قد يكون نابعًا من إيمان حقيقي، ففي واقع الأمر، كان التجار يتبعون بعثات التبشير أينما ذهبت. في القرن السادس عشر، زاد النشاط التجاري من ثروات أمراء الحرب في الجنوب وساعدهم في جمع أسلحة وذخائر أوروبية. من بين المحاربين المهيمنين الثلاثة، كان أودا نوبوناجا هو من تقبَّل وجود الكاثوليكية فعليًّا في اليابان، وربما كان هدفه هو معاداة خصومه من البوذية المؤسسية وإضعافهم. ولكن كان هيديوشي وإياسو متشككين في الأجانب، وفي معتقداتهم الدينية الشديدة التعصب والتزمُّت، والمشكلات المحتملة التي ربما تصدر عن أمراء الحرب الجنوبيين الذين استضافوهم.

كان منع اعتناق المسيحية الذي أصدره إياسو عام ١٦١٢ موجهًا في الأساس إلى الطبقات العليا. وصحيح أن المرسوم جرَّم اعتناق المسيحية في العموم، لكن تنفيذه استهدف السادة وأفراد الساموراي الذين اعتنقوها. تغير كل هذا في عام ١٦٣٧، عندما استخدم المتمردون في منطقة شيمابارا جنوب غربي البلاد رموزًا كاثوليكية على أعلامهم خلال تمردهم، أي الصلبان. في عموم اليابان، طلبت الشوجونية من الناس أن يلتحقوا بالمعابد البوذية المحلية لكي يثبتوا أنهم ليسوا مسيحيين، وأجبرت السلطات مَن اعتنقوا المسيحية على الارتداد عن دينهم الجديد علانيةً. كذلك منع الشوجون دخول الزوار من البلدان الأجنبية، فيما عدا جيران اليابان والهولنديين، الأمر الذي كان غريبًا، فقد وعدوا بألا يُحضروا أي أشياء أو نصوص لها علاقة بالكاثوليكية إلى اليابان. لم يكن اليابانيون في الخارج يستطيعون العودة إلى اليابان، كما لم يكن اليابانيون داخل اليابان يستطيعون السفر للخارج. أوقفت الشوجونية بناء السفن العابرة للمحيطات، وكان يتعين على جميع السفن الأجنبية أن ترسو في ميناء ناجازاكي في جنوب البلاد بعيدًا عن إيدو. وإلى جانب فرض تحريم اعتناق الكاثوليكية، كانت الشوجونية تريد أيضًا أن تحتكر العلاقات مع البلدان الأجنبية عن طريق الاستحواذ على العلاقات الأكبر ربحيةً مع الأوروبيين، والتي عقد أغلبَها أمراءُ الحرب الجنوبيون في الأساس.

السادة (دايميو)

كانت المشكلة الأولى التي واجهت شوجونات توكوجاوا تتعلق بكيفية منع التحديات من أمراء الحرب أنفسهم. عزلت الشوجونية الكثير من أمراء الحرب من مراكز قوتهم ووضعتهم في أراضٍ لم يألفوها. خلال الخمسين عامًا الأولى من حقبة توكوجاوا، بلغ عدد حالات نقل السادة ٢٨١ حالة على الأقل. سُلب أكثر من ٢٠٠ سيد أراضيهم وألقابهم بالكامل، ورُقِّي نحو ١٧٠ فردًا من أفراد الساموراي إلى رتبة سيد. كما كافأت الشوجونية نحو ٢٠٠ سيد آخر بمزيد من الأراضي. هذا إلى جانب أنها أعدمت الأعداء الذين يشكِّلون مصدرًا للتهديد، وحلَّت المقاطعات التي كانوا يسيطرون عليها، وأعادت توزيع أراضيهم على حلفاء عشيرة توكوجاوا.

كانت عشيرة توكوجاوا هي الرائدة بين العشائر، ولم تنفرد بالسلطة طوال حقبة توكوجاوا. كانت تسيطر على ٦٠ ألف محارب وربع مساحة اليابان تقريبًا، بما في ذلك المناطق المحيطة بالمدن الكبرى على غرار إيدو وكيوتو وأوساكا والميناء الدولي الرسمي الوحيد في ناجازاكي. أمدت هذه الأراضي الشوجونية بالموارد التي كانت تحتاجها لتنفيذ الكثير من العمليات، بما في ذلك دفع أجور الساموراي، وتقديم الدعم للبلاط الإمبراطوري والإمبراطور نفسه في كيوتو. كما موَّلت هذه الأراضي نفسها مسئوليات الشوجونية القومية. عندما اغتال ساموراي متطرف بعض الأوروبيين في القرن التاسع عشر، اضطُرت الشوجونية إلى دفع تعويضات لأسرهم. كان لدى عشيرة توكوجاوا محاربو ساموراي يدينون بالولاء لها. وعمل أغلبهم موظفين حكوميين في الشوجونية. لم يكن شوجونات توكوجاوا يستطيعون اقتحام مقاطعة تحت سيطرة سيد آخر وأخذ الرجال والموارد منها. فقد كان محاربو الساموراي في المقاطعات التي كانت موجودة خلال حقبة توكوجاوا، التي تراوح عددها ما بين ٢٥٠ إلى ٣٠٠ مقاطعة، يدينون بالولاء لعشائر سادتهم المحليين. على الرغم من أن الشوجونية كانت قادرة على إجبار السادة على إمدادهم بعمالة من الساموراي للعمل في مشروعات البنية التحتية، مثل بناء السدود أو الجسور، فإنها لم تكن قادرة على تجاهلهم. وكانت مسئولية السيد أن ينفذ الأوامر. إذا ما احتاجت الشوجونية إلى المزيد من الساموراي بغرض التعامل مع متمردين أو صد غزو أجنبي، كانت تطلب من أكثر السادة ولاءً لها أن يرسل محاربيه من الساموراي. في القرن التاسع عشر، خضعت حدود صلاحيات الشوجونية للاختبار. في بعض الأحيان، كان السادة الذين هم على صلة وثيقة بعشيرة توكوجاوا يلبُّون نداءها بالتحرك لقتال المتمردين، ولكن عندما كانت عشيرة توكوجاوا في أمسِّ الحاجة للمساعدة، اعترض بعض السادة، الأمر الذي تسبب في نتائج كارثية.

شغل السادة جميع المناصب الاستشارية العليا في الشوجونية، الأمر الذي خلق مجموعة ارتبطت مصائر أفرادها، جزئيًّا، بمصير الشوجونية. ولكن باعتبارهم سادة كانوا يتمتعون باستقلالية نسبية في مقاطعاتهم المستقلة. نظريًّا، لم يكن أي سيد يستطيع امتلاك أكثر من قلعة واحدة، حتى إن إصلاحات هذه القلعة كانت تتطلب موافقة من الشوجونية، تفاديًا لتحول «إصلاح» القلعة إلى توسعة. حتى إن أوثق حلفاء إياسو لم يُعفَوا من هذه القاعدة. عُوقب أحد السادة التابعين لإياسو، والذي قاتل إلى جواره في معركة سيكيجاهارا، بسبب توسعته قلعته؛ صادرت الشوجونية ٩٠ بالمائة من أراضيه، وحكمت عليه بالإقامة الجبرية في منزله.

فيما عدا بعض الاستثناءات، اعتمد الشوجون على السادة في تفسير القواعد طبقًا لما يرَونه مناسبًا، وأن ينفذوها وفقًا للحاجة، وأن يؤدوا دور الوسطاء في علاقات اليابان بجيرانها. لذا، كانت علاقة اليابان بالكوريين في الشرق، ومملكة ريوكيو في الجنوب، وأراضي إيزو في الشمال، تُدار جميعها بواسطة سادة يعيشون بالقرب من هذه البلدان. كان سيد جزيرة تسوشيما الواقعة بين اليابان وكوريا يؤدي دور الدبلوماسي بين البلدين محتكرًا التبادلات التجارية بين كوريا واليابان. أنعمت الشوجونية على عشيرة ماتسوماي التي تعيش في أقاصي شمال اليابان برتبة السادة، لا لسبب سوى دور الوساطة الذي لعبته بين عشيرة توكوجاوا والسكان الأصليين لأراضي إيزو.

ولكن لم يكن للسادة أي سلطة خارج حدود مقاطعاتهم. عندما كان أحد أفراد الساموراي من إحدى المقاطعات يرتكب جريمة في مقاطعة أخرى، كانت حكومة توكوجاوا وحدها هي مَن بيدها إصدار أمر اعتقاله. كذلك، أرادت الشوجونية أن تمنع المقاطعات المتجاورة عن إرسال قوات بعضها إلى أراضي البعض، الأمر الذي قد يكون الخطوة الأولى نحو إنشاء جيش إقليمي يُستخدم في الإطاحة بالشوجونية. كان لهذا المرسوم سلبياته. عندما احتاجت الشوجونية إلى المساعدة في إخماد عصيان مسلح في الجنوب — حدث يُعرَف باسم تمرُّد شيمابارا (١٦٣٧-١٦٣٨) — رفض السادة القريبون من موقع النزاع أن يقدموا المساعدة؛ خشية أن يؤدي هذا الفعل إلى كسر قواعد الشوجونية. وبناءً على ذلك، سمحت الشوجونية لقوات أي مقاطعة أن تعبر حدود أي مقاطعة أخرى بغرض حماية السواحل من الغزو أو إخماد عصيان مسلَّح إذا كانت هذه المقاطعة بحاجة إلى المساعدة.

وللحيلولة دون حدوث تمردات، أرادت الشوجونية أيضًا أن تقضي على العادة الأزلية لاستخدام المصاهرة في تكوين التحالفات الاستراتيجية. تشرح المادة الثامنة من «قوانين عائلات المحاربين» الآتي: «الزواج هو الاتحاد الذي يرمز إلى التناغم بين الين واليانج، ولا يمكن دخوله باستخفاف. يقول آي تشينج الصيني أو «كتاب التغيرات»: «لا يجب عقد الزواج من أجل خلق الاضطرابات. أشبع شوق الذكر والأنثى أحدهما للآخر … إن إقامة تحالف فئوي عن طريق الزواج هو أساس الخيانة.»» ومن ثم، كان يجب الحصول على موافقة نظام توكوجاوا قبل عقد جميع زيجات السادة.

في بداية حقبة توكوجاوا، كان الشوجونات يفرضون القواعد بصرامة تامة. ومن أجل الحفاظ على استقرار المملكة، كان من المتوقع أن من يصبح سيد العشيرة التالي هو الابن البكر للسيد السابق، بغضِّ النظر عن مدى كفاءته. وإذا لم يعلن سيدٌ وريثًا له قبل أن يموت، وإذا لم يوافق الشوجون على الوريث، فقد تُحَل سلالة العائلة بالكامل، وتُصادَر المقاطعة. ومن ثم، يصبح أفراد الساموراي التابعون لهذه المقاطعات «ساموراي من دون سيد» (رونين)، وكان عليهم أن يرتحلوا ليجدوا من يوظفهم، وكانوا عادةً ما ينتهي بهم المطاف في مدينة إيدو. أدت الشكاوى من بعض السادة، وكذلك تفاقم المشكلة المتعلقة بالمتاعب التي يسببها الساموراي من دون سيد في مدينة إيدو، إلى التخفيف من تلك القواعد الصارمة بدايةً من النصف الثاني من القرن السابع عشر. ومن ثم، ولأن توريث الابن البكر لسيد العشيرة ظل هو القاعدة المتبعة، أصبح السادة يؤجلون الإعلان عن مولد أبنائهم، أو يكذبون فيما يتعلق بترتيب مولد العديد من أبنائهم من أجل اختيار الوريث المناسب، أو حتى كانوا يؤجلون الإعلان عن وفاة سيد العشيرة حتى يختار مستشاروها خليفة مناسبًا.

في ظل سياسة «الحضور المتناوب» (سانكين كوتاي)، فرضت الشوجونية على السادة الارتحال بين مقاطعاتهم الأصلية ومدينة إيدو مرةً كل عامين. بدأت هذه الممارسة كتقدير عسكري لا فرض. على أي حال، منذ القرن السابع عشر على أقل تقدير، أصبح المحاربون يقضون وقتًا بعيدًا عن منازلهم يؤدون مهام الحراسة أو غيرها من الخدمات العسكرية في كيوتو أو كاماكورا. خلال القرن السابع عشر، كان ذهاب أحد السادة إلى مدينة إيدو من أجل خدمة الشوجونية والاجتماع مع توكوجاوا إياسو يُعَد أحد مظاهر كونه حليفًا موثوقًا. ولكن بحلول حقبة الأربعينيات من القرن السابع عشر، أصبحت ممارسة الحضور المتناوب بين إيدو والمقاطعة الأصلية قاعدةً مفروضة على جميع السادة.

كانت ممارسة الحضور المتناوب من الممارسات الراسخة في عادات ما قبل حقبة توكوجاوا فيما يتعلق بتبادل الأسرى. كانت زوجات السادة وأبناؤهم يعيشون بشكل دائم في إيدو لقمع أي محاولة للتمرد. كانت الزوجات والأبناء يتحركون بحرية نسبية داخل ربوع المدينة، ولكن كان من المحظور على الزوجات بوجه عام مغادرة المدينة إلا من أجل الحج إلى الأماكن الدينية في ضواحي إيدو. في واقع الأمر، كان المفتشون الذين يعملون عند نقاط التفتيش على طول الطرق السريعة الرئيسية الخمس التي تربط مدينة إيدو ببقية اليابان، يراقبون زوجات الساموراي عن كثب طوال الوقت. قد يعني توجه زوجة أحد أفراد الساموراي إلى خارج مدينة إيدو بداية تمرد، فقد كان السادة يرسلون نساءهم إلى مناطق آمنة. وللسبب نفسه، كان المفتشون يفتشون المسافرين الداخلين إلى إيدو بحثًا عن أي أسلحة. كان بمقدور الورثة السفر إلى مقاطعاتهم الأصلية، ولكن لم يكن يجب عليهم أن يزوروها خلال وجود آبائهم في المقاطعة، منعًا لوقوع تمرد أيضًا. كان السادة يتوقعون من الورثة المراهقين أن يزوروا الأماكن التي سيحكمونها ذات يوم. ولكن ما الذي قد يجذب هؤلاء المراهقين للعيش في مقاطعة ريفية صغيرة؟ فقد نشَئوا في عاصمة اليابان السياسية والاقتصادية والترفيهية. وبَّخ مستشار إحدى العشائر وريثَها، الذي ظل يتحجج بالمرض مرةً تلو الأخرى — المبرر الشائع للتملص من المهام — ورفض زيارة مقاطعته لأعوام عدة: «أغلب ورثة السادة الذين في مثل رتبتك زاروا مقاطعاتهم بالفعل … قد يؤدي هذا إلى صدور شائعات بأن مرضك عضال، أو أن ثمة خلافًا بينك وبين السيد. وربما يتساءل الناس أيضًا عما إذا كنت تؤجل رحلتك إلى توسا لأنك تفتقر إلى القدرة على الحكم.»

بالإضافة إلى مراقبة أسر السادة عن كثب، استنزف نظام الحضور المتناوب السادة اقتصاديًّا. فعلى الرغم من عدم فرض أي ضرائب قومية على السادة، كانت الشوجونية تتبع طرقًا أخرى للحصول على الدعم الاقتصادي من السادة. كان السادة يمدون الشوجونية بالأموال والعمالة، والمواد اللازمة لصيانة قلعة توكوجاوا الهائلة في إيدو، وقلاع توكوجاوا الأخرى التي توجد في مدن أخرى، بما في ذلك كيوتو. كان يتعين على السادة أن يواصلوا العيش في مجمعات مُسوَّرة في إيدو تحتوي على منزل لإقامة الأسرة، ومهاجع للخدم والحرس الذين يعملون بدوام كامل، وثكنات لأفراد الساموراي الذين يعيشون في إيدو، وإسطبلات، ومناطق للتدريب، بل وحتى حدائق. عندما كان السادة يتنقلون جيئة وذهابًا من إيدو مرةً كل عامين، كانوا يُحضرون معهم حاشيةً من أفراد الساموراي تتناسب مع حجم المقاطعة، بالإضافة إلى طاقم دعم ضخم. كانت المقاطعات الصغيرة تجلب عدة مئات من الساموراي فقط، أما المقاطعات الأكبر فكانت تُرسل عدة آلاف. شكَّلت مجمعات إيدو ونظام الحضور المتناوب معًا نسبةً تتراوح ما بين ٥٠ إلى ٧٥ بالمائة من ميزانية المقاطعة السنوية.

نسقت الشوجونية الرحلات بحيث لا يخدم سادة المقاطعات المتجاورة معًا في إيدو في الوقت نفسه، ربما من أجل منع حدوث المشاحنات المحتملة بين الجيران داخل إيدو، أو لضمان وجود السادة في مناطقهم المحددة طوال الوقت، تحسبًا لوقوع ثورات أو هجوم أجنبي. بالنسبة إلى سادة المقاطعات الأبعد، كانت الرحلة تستغرق عدة أشهر، وكان من المفترض أن تتحمل العشيرة تكلفة الطعام والإقامة في النُّزُل الباهظة المعترَف بها رسميًّا على طول الطرق السريعة. كما أن الطقس لم يكن مواتيًا على نحو دائم. كان السفر جيئة وذهابًا من إيدو مرةً كل عامين عملية طويلة، ومرهقة، ومكلفة. كان السادة سعداء بترك نظام الحضور المتناوب عندما ضعفت الشوجونية وانهارت في منتصف القرن التاسع عشر.

ولكن حتى أشد القوانين صرامةً يمكن التغاضي عنها أو التحايل عليها؛ لأن جميع مستشاري الشوجونية البارزين كانوا هم أنفسهم سادة، ومن ثم كانوا متعاطفين مع أعباء السادة. كان أي سيد منشغل بإصلاح أحوال مقاطعته المالية أو يتعامل مع مشكلات سياسية داخلية معقدة قد يعتذر عن الحضور المتناوب بأن يدعي «المرض»، وهو العذر الجاهز لأي مسئول حكومي من الساموراي يبحث جاهدًا عن طريقة يعبِّر بها عن اعتراضه على مهمة ما أو يريد تجاوزها. وكان أي سيد تُفرَض عليه المشاركة في مشروع بنية تحتية ضخم، مثل بناء السدود، قد يحصل أيضًا على إعفاء مؤقت من نظام الحضور المتناوب. مع بداية حقبة توكوجاوا، كانت الشوجونية تتوقع من السادة أن يسهموا في صيانة قلعة إيدو، ولكن في انقلاب عجيب للأدوار، لم تجرِ صيانة القلعة بينما كانت الشوجونية في بعض الأحيان تُقرِض السادة المال من أجل صيانة قلاعهم. كانت الشوجونية تراقب السادة عن كثب خلال القرن السابع عشر، ولكن في نهاية المطاف، أصبحت تلك المراقبة عملية صورية، ولا يترتب عليها سوى عواقب طفيفة. وطالما حافظ السيد على مظهر انصياعه لقوانين الشوجونية بشكل تام، كانت ثمة طرق معترف بها للتحايل على التزامات السيد.

كان أخطر أمراء الحرب متمركزين بعيدًا عن مدينة إيدو جغرافيًّا. كان عدد أقل قليلًا من ١٢ من بين اﻟ ١٠٠ مقاطعة «الخارجية» (توزاما) أو نحوها، تمثِّل بعضًا من أكبر الإقطاعيات في اليابان، بخلاف تلك المملوكة لعشيرة توكوجاوا نفسها. صُنف الكثير من سادة المقاطعات الخارجية بهذا التصنيف؛ لأنهم لم يكونوا من أتباع إياسو قبل القرن السابع عشر. حصل آخرون على ألقاب السادة الخارجيين، وأُرسلوا بعيدًا نحو الجنوب للتضييق على السادة مصدر التهديد المحتمل. من الناحية السياسية، لم يكن سادة المقاطعات الخارجية هؤلاء يشاركون في اتخاذ القرارات في الشوجونية، ولكنهم كانوا يملكون نفوذًا، من الناحية الاقتصادية، على المناطق المحيطة بهم، خاصة السادة المتمركزين في الجنوب الغربي. كان بعضهم يمتلكون سلطة واسعة، مثل عشيرة شيمازو في مقاطعة ساتسوما التي لم يتمكن توكوجاوا إياسو نفسه من السيطرة عليها في بداية القرن السابع عشر كما فعل مع السادة الأكثر ضعفًا. على الرغم من تفوق عشيرة توكوجاوا، فإن هذا لم ينفِ حاجتها إلى التفاوض على السلطات مع أمراء الحرب على غرار شيمازو من أجل تدعيم سلطتها القومية. كانت أقدم وأكبر العشائر الخارجية نظراء فيما مضى لعشيرة توكوجاوا نفسها، ولم يكونوا تابعين لها، وكان سعيهم للإمساك بزمام السلطة مستقلًّا عن توكوجاوا. على الرغم من أن حقبة توكوجاوا كانت حقبة سلام نسبي، فإنها لم تخلُ من توترات. فلمرةٍ واحدة كل عام في مقاطعة ساتسوما، كان الساموراي يرتدون دروعهم الكاملة ويستعيدون ذكرى هزيمة أسلافهم في معركة سيكيجاهارا. كانت أمهات المحاربين في مقاطعة تشوشو يأمرن أبناءهن بأن يناموا موجِّهين أقدامهم نحو إيدو، في إشارة مهينة إلى توكوجاوا. بالنسبة إلى الساموراي خلال حقبة توكوجاوا، أصبح دعم عشيرة توكوجاوا أو معارضتها جزءًا من هويتهم.

خدم السادة «التابعون» (فوداي) توكوجاوا إياسو قبل القرن السابع عشر. كان نحو نصف إجمالي عدد السادة من السادة التابعين، وتراوح عددهم ما بين ما يزيد قليلًا على ١٠٠، وصولًا إلى نحو ١٣٠ في منتصف القرن التاسع عشر. بدأ بعضٌ من أقدم السادة التابعين حياتهم كساموراي تابعين لإياسو، ولم يُعَدوا سادةً خلال القرن السادس عشر. مع توسع عشيرة توكوجاوا والشوجونية، زادت أيضًا أعداد السادة التابعين. على الرغم من أن أيًّا من مقاطعاتهم لم تكن كبيرة في حجم أكبر المقاطعات الخارجية، فقد تولَّوا جميع المناصب المهمة داخل الشوجونية. من الناحية النظرية، كانت الشوجونية تتوقع منهم أن يخدموها عندما تحتاج إليهم، وأن ترتبط مصائرهم بمصير الشوجونية. ولكنهم كانوا يُعَدون أيضًا خصومًا محتملين. صادر إياسو أراضي العديد من السادة التابعين الأقوياء لأسباب واهية، بل وأقدمَ حتى على إنهاء سلالات عشائر كاملة. ولكن بحلول نهاية حقبة توكوجاوا، أصبح لقب «تابع» رمزيًّا. فكان يمنح السيد امتياز تولِّي المناصب في الشوجونية، ولكنه لم يضمن له الحصول على أي معاملة خاصة. رفض الكثير من هؤلاء السادة مساعدة الشوجونية عندما هاجمت خصومها في منتصف ستينيات القرن التاسع عشر.

كانت ثمة مجموعة أصغر من السادة «المنتسبين» (شمبان)، لم يزد عددهم على حوالي ٢٠ على الإطلاق، وكانت تربطهم صلات قرابة مع عشيرة توكوجاوا نفسها. كان أكثر أصحاب القرار موثوقية يأتون من هذه العائلات، فقد كان من المفترض أنهم الأكثر إخلاصًا لعشيرة توكوجاوا والشوجونية. كانت مقاطعاتهم توجد في أماكن قريبة من مدينة إيدو بما يكفي لحمايتها، ولكنها لم تكن قريبة للغاية؛ فالحلفاء والأقارب يظلون مصدرًا للتهديد، حتى في أوقات السلم. لم يكن بعضهم يملك إقطاعيات. كانت ثمة عشيرة واحدة، ميتو، هي التي أُعفيت من نظام الحضور المتناوب، وكانت تقيم إقامة دائمة في مدينة إيدو. من بين هؤلاء السادة المنتسبين، استخدم من كان يُطلَق عليهم المنازل الثلاثة — الفروع الثلاثة الرئيسية لعشيرة توكوجاوا — لقب توكوجاوا، وأمدوا الشوجونية بورثةٍ للشوجون عندما لم يكن يوجد من هو على استعداد للحكم ضمن عشيرة توكوجاوا نفسها.

دورة حياة الساموراي

فيما عدا بعض الاستثناءات، كان الميلاد هو المدخل الوحيد إلى فئة المحاربين. كانت بنات الساموراي يتعلمن كيفية رعاية أزواجهن المستقبليين وأسرهم، بينما تعلم أبناء الساموراي ما تعنيه خدمة المقاطعة، وسيدها، وأسرته. نشأ أطفال الساموراي في منازل يعمل بها خدم من العوام، حتى وإن كانت أسرهم بسيطة الحال. وكانت الأسر تضغط نفسها من أجل الحفاظ على مظهرها، حتى وإن لم تكن قادرة على تحمل تكلفته. كان تنظيم الأسرة عبر الإجهاض أو قتل الأطفال خيارًا متاحًا أمام أفراد الساموراي والعامة على حد سواء. وأدت المشكلات الصحية إلى تفاقم الأعباء المالية التي تُثقِل كاهل الأسرة. كان الأطفال من كلتا الطبقتين الاجتماعيتين عرضةً للأمراض نفسها، على غرار الجدري، الذي قد يكون قاتلًا. كان أطفال الساموراي، خاصة أطفال عائلات النخبة، عرضةً لخطرٍ واحدٍ على الأقل لا يتعرض له أغلب أطفال العامة، ألا وهو تسمم الرصاص. كانت مستحضرات تجميل نساء الساموراي تحتوي على الرصاص الذي قد ينتقل إلى الأطفال الرضع عن طريق الرضاعة الطبيعية. بوجه عام، كان العامة أيضًا يتبعون نظامًا غذائيًّا أكثر تنوعًا، بينما كان أفراد الساموراي يعانون من نقص الثيامين، مرض يُسمَّى أيضًا البري بري؛ لأنهم كانوا يأكلون الكثير جدًّا من الأرز الأبيض ومقادير قليلة من الحبوب الأخرى واللحوم. من سخرية القدر، أن العامة الذي يعملون في الحقول كانوا عادةً أفضل من الناحية الصحية إذا ما قُورنوا بأفراد الساموراي.

إذا ما نجا أيٌّ من صبية الساموراي من مرحلة الطفولة، فإنه يمر بعدة مراحل تدل عليها تغيرات في الملبس وتصفيف الشعر حتى يصبح في سن الرُّشد الذي يتراوح، رسميًّا، بين الثانية عشرة والسادسة عشرة من العمر. ومثلما كانت حال كل شيء في اليابان في الحقبة الحديثة المبكرة، لم تكن ثمة طريقة موحدة لتعليم الساموراي. بوجه عام، كان الصبي يبدأ دراسته في حوالي السابعة من عمره خارج منزل عائلته، حيث يمثل المعلمون والموجهون المصدر الرئيسي للتعليم المبكر. كانت الصداقات التي تتكون خلال تلك الفترة مهمة؛ فرفاق الطفولة يصبحون زملاء عمل خلال الحياة العملية للشخص البالغ. قد يقع المرشدون أو الصبية الأكبر سنًّا في حب أحد الصبية الأصغر سنًّا، حتى إنهم كانوا يحصلون على موافقة والده لتأسيس علاقة معه. الأمر الذي قد يُثمر في النهاية علاقة حب أفلاطونية وثيقة بعد البلوغ، رغم أن هذه العلاقات قد تصبح عنيفة في بعض الأحيان.

في القرن الثامن عشر، بدأ السادة يُنشئون مدارس في مقاطعاتهم ليتعلم فيها أفراد الساموراي الصغار النصوص الصينية الكلاسيكية، بما في ذلك تعاليم كونفوشيوس، أو القصص الحربية اليابانية، مثل قصة الهائيكي التي تحكي قصة الحرب بين عشيرتَي تايرا وميناموتو. بالإضافة إلى مهارات القراءة والكتابة الأساسية، كان الصبية يتعلمون الأخلاقيات وماذا يعني أن يكونوا محاربين. لم يكن جميع الساموراي يتلقَّون المستوى نفسه من التعليم؛ فكان عدم المساواة داخل طبقة المحاربين الاجتماعية يبدأ منذ سن صغيرة. في القرن السابع عشر، كان الصبية الذين يُولَدون لعائلات ساموراي عالية المرتبة الاجتماعية يحصلون على قدر من التعليم أكبر من نظرائهم في قاع المجتمع، ولكن بوجه عام، زادت معدلات التعليم والثقافة بمرور الزمن.

لم يكن غريبًا أن يتعلم المراهقون من أفراد الساموراي الفنون القتالية، إما عبر قاعات التدريب الخاصة (دوجو)، وإما في مدارس المقاطعات، وإما عبر مزيج من كلتيهما. أصبحت الفنون القتالية نفسها مصدرًا للتمييز بين أفراد الساموراي. كان أفراد الساموراي الأثرياء من المرتبة الاجتماعية العالية فقط هم من يتعلمون الفروسية، التي كانت تُعَد فنًّا قتاليًّا، أو يدرسون الرماية من على ظهور الخيول (يابوسامي).

أما المبارزة، فكان يتعلمها المحاربون من جميع الطبقات الاجتماعية. كانت جلسة التدريب النموذجية تشمل المشاركة في تدريبات هجومية ودفاعية محددة مسبقًا (كاتا)، باستخدام السيوف الخشبية وتكرار الأساليب الأساسية. ولكن احتكر السادة وأفراد الساموراي الذين ينتمون إلى مراتب اجتماعية عالية أساليب بعينها، على غرار أسلوب ياجيو شينكاجي ريو، أسلوب المبارزة الأول الذي يُعترف به رسميًّا. سُمي هذا الأسلوب تيمنًا بعائلة ياجيو، التي علَّم رؤساؤها المبارزة لشوجونات توكوجاوا وحصلوا على ألقاب سادة مقابل ذلك. مثلما كانت العلاقة بين الشوجونات والفنانين خلال حقبة موروماتشي (١٣٣٦–١٥٧٣)، التقى سادة ياجيو مفكرين آخرين عبر علاقاتهم بشوجونات توكوجاوا، وأثَّر هذا التعامل في كيفية الاعتراف بالمبارزة رسميًّا وتعليمها. في بعض المقاطعات، كان الطلبة من أفراد الساموراي الذين يدرسون أساليب قتال النخبة، على غرار ياجيو شينكاجي ريو، يحصلون على رواتب مقابل معداتهم وتدريباتهم. كما كانوا يستعرضون مهاراتهم أمام سادتهم المحليين كجزء من مناسبات سنوية. كان الساموراي من المراتب الدنيا يدرسون المبارزة أيضًا، ولكنهم كانوا ملزمين بدراسة الأساليب الأقل شهرة، أو الأحدث، أو حتى المحلية فقط. لم يكن أولئك الطلبة يحصلون على رواتب عادةً، أو يُسمَح لهم باستعراض مهاراتهم أمام السادة. وبما أن هذه الأساليب لم تكن وثيقة الصلة بالمسئولين من المحاربين، فقد تمتع ممارسوها بحرية أكبر في كيفية تطوير فنونهم القتالية؛ فقد مارس أفراد الساموراي ذوو المراتب الدنيا في المبارزة الحرة، والتي كانت سلفًا لرياضة الكيندو الحديثة.

كانت الشوجونية تتوقع من أفراد الساموراي أن يكونوا على استعداد للتحرك في حالة حدوث عصيان أو غزو، ولكن أغلب أفراد الساموراي لم يكونوا مهتمين بالتدريبات العسكرية. فنادرًا ما مارسوا هذه التدريبات بعد سنوات مراهقتهم، وفي سن البلوغ، لم يحضروا إلا جلسات التدريب الإجبارية التي تُعقَد من وقت لآخر، أصبح يُطلَق على أفراد ساموراي توكوجاوا لقب «موظفين حكوميين يتقلدون السيوف». في البداية، استخدم الساموراي الفنون القتالية طريقةً للتواصل مع إرثهم باعتبارهم محاربين، أو للتعامل مع رجال على شاكلتهم. ولم يكونوا مهتمين بتطبيق تلك الفنون القتالية في ساحة المعركة. في الكثير من المقاطعات، لم يعد الاستعداد العسكري واقعًا حياتيًّا. خلال النصف الثاني من حقبة توكوجاوا، لم يعد السادة يطلبون من الساموراي من الطبقات الدنيا أن يملكوا بنادق أو يحملوا أقواسًا وسهامًا. ففي واقع الأمر، كانت المهارات القتالية المطلوبة لإيقاف المجرمين تُعَد الفنون القتالية الأشد تواضعًا؛ لأن أفراد الساموراي نادرًا ما تولَّوا مهام شرطية فعليًّا. فكان المنبوذون وغيرهم من العامة المهمشين هم من يطاردون المجرمين ويعتقلونهم، ويحرسون المساجين، ويعذبون المعتدين ويعدمونهم.

بعد بلوغ سن الرشد، تتمحور حياة محارب الساموراي خلال حقبة توكوجاوا حول أسرته ومقاطعته. وكان الشرف، إن وجد هذا المفهوم، يُعرَّف طبقًا لسلوك الفرد وولائه لعائلة السيد. كانت قد ولَّت أيام خدمة أمير حرب قوي يكتسب احترام تابعيه من بسالته في ميدان القتال، أو فطنته السياسية. لم تَضمَن عادةُ توكوجاوا في توريث الابن البكر أن يرث الحكم سيد كفء أو ذو شخصية آسرة في كل مرة. ومن ثم، عمل أفراد الساموراي على تأكيد الحفاظ على سمعة المقاطعة بدلًا من العمل من منطلق حبهم لسيدها. وكانوا يتخذون مُثُلهم العليا من الإرث الذي وصلهم من أسلافهم من حقبة الولايات المتحاربة، وكانوا يقدِّسون الصلات الأسطورية المشرِّفة بالعشائر الشهيرة، على غرار ميناموتو، أو نبلاء كيوتو، على غرار فوجيوارا. كان المسار المهني للساموراي محددًا بعدة أمور، وهي كالآتي حسب الأهمية: رتبة العائلة، والأقدمية، والموهبة.

كان من المعتاد أن يرث الابن الأكبر منصب والده. وكان هذا يشمل وظائف وضيعة على غرار الوقوف حارسًا على إحدى بوابات قلعة المقاطعة المحلية لعدة أشهر كل عام، أو وظائف مهمة على غرار أن يصبح أحد أوثق مستشاري السيد. كان الوضع أسوأ بالنسبة إلى الإخوة الأصغر سنًّا، الذين لم تكن لديهم ضمانة للحصول على وظيفة ثابتة في المقاطعة. وبما أن الابن الأكبر كان يرث ممتلكات العائلة أيضًا، كان أشقاؤه الأصغر يقعون تحت رحمته. وإن كانوا محظوظين، يمكنهم أن يصاهروا عائلة محاربين لا وريث لها، أو قد يتبنَّاهم ساموراي لا ولد له. فيما عدا ذلك، كان عليهم أن يعثروا على أي وظيفة مؤقتة، أو يتخلَّوا عن وضعهم كساموراي. تخلَّى أفراد الساموراي الذين حاولوا العثور على وظائف وضيعة في المقاطعة — خاصةً الابن الثاني والابن الثالث للعائلات — عن حياة الساموراي، وأصبحوا باحثين وكُتابًا وكهنة ومعلمين.

بالغت الدراسات القديمة عن الساموراي خلال حقبة توكوجاوا في وصف انعدام الحراك الاجتماعي داخل طبقات الساموراي الاجتماعية. تمتلك هذه الحُجة جاذبية حدسية خاصة؛ فالمحاربون قبل حقبة توكوجاوا كان بمقدورهم الترقي في الرتب بناءً على إنجازاتهم في الحرب، ولكن في عصر السلام، كانت فرص أفراد الساموراي لإظهار مواهبهم محدودة. تميل الدراسات الحديثة إلى تصحيح الفرضيات السابقة عن جمود مجتمع الساموراي. كان أفراد الساموراي الذي يُولَدون لعائلات من النخبة أحيانًا ما يبدءون مسيراتهم المهنية بعمل بسيط. وكلما تقدموا في العمر وبرزت مواهبهم، زادت المسئوليات التي يكلِّفهم بها مستشارو المقاطعة. كان أفراد الساموراي الذين يُولَدون لعائلات متواضعة يواجهون المزيد من الصعوبات النابعة من تلك الرتب الاجتماعية، ولكن حتى في ذلك الحين، كان بعضهم يترقى بناءً على موهبته وحدها، خاصة عندما تواجه المقاطعة أزمات مالية أو سياسية.

لم يكن أغلب أفراد الساموراي العاديين يتولَّون مهام رسمية. كان الساموراي الذي يعيش في إيدو خلال فترة تكليفه طبقًا لنظام الحضور المتبادل يعمل لبضع ساعات كل يوم، وبعد الحصول على إذن سيده، يغادر مجمع المقاطعة ويذهب ليحج إلى معابد وأضرحة منطقة إيدو، الأمر الذي كان يُعَد جولة سياحية في الأساس. كان التجار يقيمون متاجرهم لبيع منتجاتهم، بينما كان المؤدون يقدمون عروضهم في الشارع، ويتجمع العرافون لاستغلال السياح، محوِّلين بعضًا من ممتلكات المعابد إلى أراضي معارض. حتى في عصرنا الحالي، لا يزال ضريح أساكوسافي طوكيو مصدرًا لجذب السياح، مثلما كان خلال حقبة توكوجاوا. بعيدًا عن المقامرة، ومعاقرة الخمر، وزيارة أحياء اللهو على شاكلة يوشيوارا، إذا ما امتلكوا ما يكفي من مال ليفعلوا، كان أفراد الساموراي يدرسون الأدب والشعر والموسيقى، والفنون القتالية، والفلسفة، مع العامة أو مع أفراد ساموراي من مقاطعات أخرى.

دعم الكثير من أفراد الساموراي دخلهم الهزيل من ميراثهم بوظائف على نطاق محدود. كان يُطلَق على هذه الوظائف «مصادر الدخل الإضافية»، وكانت تشمل زراعة المساحات الصغيرة، والنسيج، وصناعة الفخار، والتجارة، والمصنوعات اليدوية (مثل الدُّمى والمظلات). لكن لم يستغل جميع أفراد الساموراي أوقاتهم بهذه الطريقة النبيلة. فكان بعضٌ من الساموراي من أدنى الطبقات الاجتماعية يقامرون، ويتسولون، ويقترضون لكي يظلوا على قيد الحياة. يصف كاتسو كوكيتشي، محارب الساموراي من القرن التاسع عشر، حياته كشخص عديم الفائدة في سيرته الذاتية التي كتبها لتكون بمثابة تحذير لابنه، السياسي كاتسو كايشو. كان كوكيتشي الابن الثاني لأوتاني، أسرة ساموراي مغمورة على صلة بعشيرة توكوجاوا. لم يكن والده محاربًا، ولكنه كان الابن الثالث لمُرابٍ ثري أعمى تبنَّاه وجعله أحد أفراد أسرة أوتاني. ثم أصبح صهرًا لعائلة كاتسو وأصبح وريثها. على الرغم من حداثة عهده برتبة الساموراي، لم يعثر كوكيتشي على وظيفة ثابتة، وعاش على راتب الميراث الهزيل، مثلما فعل الكثير من أفراد الساموراي ذوي الرتب الدنيا. ثم تمكن من تدبير معيشته عبر تأجير قطعة صغيرة من الأرض، وبيع وشراء السيوف، والتسول، والسرقة، والمشاركة في أنشطة مشبوهة أخرى سبَّب البعض منها المتاعب له. مثل الكثير من أفراد الساموراي، قضى أغلب حياته مدينًا. شكا أحد كتاب الساموراي من المحاربين الفقراء، قائلًا: «كانوا يتجهون إلى مهامهم كحرس مرتدين ملابس حصلوا عليها عبر النصب على مكتب الرهونات ليعطيهم إياها بصورة مؤقتة. وبمجرد أن يعودوا من مهامهم كحرس، يعيدون الملابس مباشرةً إلى مكتب الرهونات. وكان خدمهم يسخرون من أفعالهم تلك.»

وصف تاريخ عائلي كُتب خلال ثلاثينيات القرن العشرين صعوبات مماثلة واجهت عشيرة ساموراي من مقاطعة ميتو. على الرغم من عيش عائلات الساموراي على الكفاف، كانوا يرزحون تحت ضغوط الحفاظ على معايير مظهرهم أمام المجتمع. كما يقول مثل الساموراي: «لا يتوقف الساموراي الجائع عن وضع خلة أسنان في فمه حتى وإن لم يجد ما يأكله.» كان عليهم أن يحافظوا على توظيف عدد من المرافقين يتناسب مع رتبة العائلة. فنظريًّا، كان على هؤلاء المرافقين أن ينضموا إلى سيد المنزل في حملاته العسكرية، ولكن مع استبعاد نشوب حرب، أصبحت هذه الممارسة تقليدًا لا معنى له. لذا، كان أفراد الساموراي يوظفون رجالًا من العامة بصورة مؤقتة لكي يصحبوهم خلال الفعاليات الاحتفالية.

المنطقة الرمادية بين العامة والساموراي

هل كان العامة يحلمون بأن يصبحوا من فئة الساموراي؟ عادةً ما كان الأثرياء من العامة القرويين يستخدمون مكاناتهم وثرواتهم في الحصول على امتيازات المحاربين، مثل الحق في حمل السيوف أو كتابة كنياتهم في الوثائق الرسمية. ولكن أغلبهم لم يكونوا يريدون أداء الأعمال المرهقة التي يؤديها المحاربون ذوو المراتب الدنيا. ولكن هذا لم يمنع أن يقدِّم بعضٌ من العامة طلبات للحصول على رتبة الساموراي خلال القرن السابع عشر. كان كيان أحد هؤلاء العامة الذين يحلمون بأن يصبحوا محاربين. تربَّى كيان على يدَي جدته التي كانت ابنة أحد أفراد الساموراي، ومن ثم، فقد شبَّ على سماع قصصها عن المحاربين. وبما أنه الابن الرابع في عائلته، لم يكن يملك أدنى أمل في أن يتسلم تجارة عائلته التي ستُسلَّم إلى شقيقه الأكبر. لذا، في عام ١٦٥٥، وهو في السادسة عشرة من عمره، بدأ التنقيب في تاريخ عائلته من أجل الحصول على رتبة محارب. وطلب من جيرانٍ له أن يعطوه الوثائق التي يملكونها، وزار المعبد البوذي المحلي من أجل البحث عن شواهد قبور وسجلات قديمة. ثم تخلى عن مسعاه في نهاية المطاف، وأصبح وريثًا لعائلة أخرى من العامة، ولكنه استخدم أبحاثه في المشاركة في كتابة تاريخ المنطقة.

كان من النادر أن يحقق أحد العامة رتبة محارب، إن لم يكن مستحيلًا. كان باستطاعة رجل من صفوة العامة أن يصاهر عائلة محاربين ذات مرتبة دنيا ويصبح وريثها، كما فعل والد كاتسو كوكيتشي. كان المسئولون عن المقاطعات يمنحون رتبة محارب لمدربي المبارزة المعروفين من العامة من أجل تعيينهم مدربي مبارزة رسميين. وكان التجار الأثرياء الذين يُقرِضون السادة مبالغ كبيرة من المال يحصلون على رتبة الساموراي، ويعملون مستشارين اقتصاديين للمقاطعة. كان يمكن لساموراي فقير أن «يبيع» رتبة الساموراي عن طريق التبني الرسمي لأحد العامة البالغين. كانت هذه الأمثلة على نقل الرتبة ظاهرية فحسب، وكان العامة يستخدمونها للتباهي على العامة الآخرين، ولم تكن تتضمن أي التزامات أو عروض فعلية للعمل محاربين. على أي حال، لم يكن رجلٌ من العامة ثريًّا بما يكفي لشراء امتيازات الساموراي ليرغب في أداء أعمال الساموراي الوضيعة التي لا تدرُّ دخلًا جيدًا.

ما زاد الفرقةَ بين العامة وأفراد الساموراي تعقيدًا هم أولئك الذي شغلوا المنطقة الرمادية. ففي الكثير من المقاطعات، كانت مجموعة من الناس عُرفوا بالكثير من الألقاب، على غرار: «أفراد الساموراي القرويون»، أو «أفراد الساموراي المزارعون»، يعيشون في القرى ويزعمون، إما زيفًا وإما حقيقةً، أن لهم أسلافًا من المحاربين. كانوا يحملون السيوف أو يستخدمون كُنيةً بصورة رسمية، وكانوا يمثِّلون مصالح المقاطعة في الريف. في أجزاء من منطقة كانتو التي تقع على مشارف مدينة إيدو، عندما كانت عصابة من الشباب تتجول في الأنحاء مسبِّبين اضطرابات خلال القرن التاسع عشر، كانت الشوجونية تطلب من أفراد الساموراي المزارعين أن يؤسسوا مجموعات مسلحة محلية ويدربوها. كما كان السادة يمنحون رتبة الساموراي المزارع لرواد الأعمال الريفيين على مساهماتهم في المقاطعة التي شملت استصلاح أراضٍ جديدة، الأمر الذي زاد من قاعدة المقاطعة الضريبية. وفي إيدو أيضًا، كانت ثمة عائلات كاملة تُعرَف باسم «ألف رجل بعقل واحد» (سينين دوشين)، والتي كانت تعمل في الأصل حرسًا خلال حقبة الولايات المتحاربة، وكانوا يخدمون باعتبارهم مسئولين صغارًا في ضواحي مدينة إيدو. كانت تربط هذه العائلاتِ علاقاتٌ اجتماعية، خاصةً المصاهرة، وحافظت على هوية عمومية قوية. حتى إن بعضها كانت تتشارك التدرُّب على أساليب المبارزة، تينين ريشين ريو، تعبيرًا عن الفخر بأسلافهم من المحاربين. كان يعترف مسئولو الشوجونية في بعض الأحيان بأنهم «محاربون» في نهاية المطاف، مبارزون يعملون لصالح الشوجونية. وفي أحيان أخرى، كانت الشوجونية تصادر امتيازاتهم معتبرة إياهم مجرد عامة، الأمر الذي كان يزعجهم كثيرًا.

رغم وجود تلك المنطقة الرمادية بين المحاربين والعامة، زعم الكُتاب من فئة الساموراي أن لا أحد من العوام تمكَّن من التحول إلى ساموراي حقيقي. ذُكر في النص العسكري من حقبة توكوجاوا الأكثر انتشارًا بين القراء، «مرآة كاي العسكرية»: «حتى وإن قلَّد مدني الساموراي، فسيظل قلبه قلب تاجر. وفي خضمِّ المعركة، سيقلق بشأن خسارة أملاكه. إنه يفتقر إلى جوهر قانون البوشيدو، ولن يكون ذا فائدة.» في هذه الحالة، لا يشير مصطلح «بوشيدو» إلى «قانون» رسمي لسلوكيات الساموراي، فلا يوجد مثل هذا القانون من الأساس. حدد هذا القانون الفوارق الأساسية بين الساموراي والعامة؛ كان الساموراي يُولَد بهذه الرتبة ويؤدي المهام المتوقعة منه، حتى وإن كان هذا العمل يتعارض مع المهن التي يؤديها العامة. فيما عدا دفع الضرائب والعمل بالسخرة، لا توجد أي صلات وثيقة تربط بين العامة ونظام المحاربين. على مدار ما يزيد على ٢٦٠ عامًا، ظل نظام المحاربين يُقصي غير المنتمين إلى الساموراي عن عملية اتخاذ القرار، وفي الوقت نفسه، كان يحاول أن يحدَّ مما يستطيع العامة فعله في حياتهم اليومية، ولكنه لم يكن ينجح عادةً. لهذا السبب، لم يكن مستغربًا أن يسعد أغلب الناس، ومن بينهم بعض الساموراي، برؤية سلطة المحاربين تنهار.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤