رياضة العقل
في الظروف العادية، هذا هو الجزء من الكتاب الذي من المفترض أن أصبَّ فيه جامَ غضبي على نظرية الخَلْق، وسط عاصفة من التصفيق، على الرغم من هامشية الموضوع في المدارس البريطانية. لكن إذا أردتَ مثالًا أدقَّ وأقربَ، توجد إمبراطورية شاسعة من العلم الزائف يجري الترويج لها، مقابل عُملة صعبة، في المدارس العامة في شتى أنحاء البلاد. ويُطلَق على هذه الإمبراطورية رياضةُ العقل، وهي إمبراطورية متغلغِلة في النظام التعليمي العام، ويتقبَّلها المدرسون تقبُّلًا كاملًا، ويجري تقديمها إلى الأطفال في المدارس مباشرةً، وهي مغلَّفة بغطاء شفاف مُشِين ومُحرج من العبث.
يقع في القلب من رياضة العقل سلسلةٌ من التمارين المعقَّدة والخاصة بالأطفال «تدعم خبرة تعلُّم العقل كاملة». على سبيل المثال، تركِّز هذه التمارين تركيزًا شديدًا على الماء. فوَفْق هذه التمارين، يوصَى لك ﺑ «شرب كوبٍ من الماء قبل ممارسة أنشطة رياضة العقل. فبما أنه مُكَوِّنٌ رئيسي للدماء، يُعتبر الماء حيويًّا لنقل الأكسجين إلى الدماغ.» وإلا فإن دماءك سوف تجفُّ معاذ الله! ويُقال إن هذا الماء يجب أن يظلَّ في فمك؛ نظرًا لأنه قد يُمتَص «مباشرةً» بعد ذلك من الفم في طريقه إلى الدماغ.
ربما يثير الأطفالُ الاشمئزازَ، وفي كثير من الأحيان ربما يُنَمُّون مهارات استثنائية، لكنني لم أصادفْ أيَّ طفل حتى الآن يستطيع استثارة شرايينه السُّباتية داخل قفصه الصدري. ربما يحتاج ذلك إلى مِقَصٍّ حادٍّ، لن يستطيع استخدامَه سوى الأم.
ربما تتصوَّر أن هذا الهراء مجرد اتجاهٍ هامشي نجحتُ بالحِيلة في إيجاده في عدد محدود من المدارس المعزولة غير المُدارة جيدًا، إلا أن الأمر ليس كذلك؛ فأنشطة رياضة العقل تُمارَس في المئات — إن لم يكن الآلاف — من المدارس العامة السائدة في جميع أنحاء البلاد. واليوم، أمتلك قائمةً لأكثر من أربعمائة مدرسة تَذْكُر تعبير رياضة العقل بالاسم على مواقعها الإلكترونية، فضلًا عن الكثير والكثير من المدارس الأخرى التي ستُطَبِّقها أيضًا. سَلْ هل مَن في مدرستك يُطَبِّقون مفهوم رياضة العقل. سأكون مهتمًّا بشدة بمعرفة ردود أفعالهم.
يُروَّج لمفهوم رياضة العقل من خلال سلطات التعليم المحلية، التي تُمَوِّلها الحكومة، ويُعتبَر التدريب الذي يجري تَلَقِّيه بمنزلة جزءٍ من التطوير المِهْني المتواصل للمدرسين. لكن لا ينتهي الأمر عند المستوى المحلي؛ فيُرَوَّج لمفهوم رياضة العقل على موقع وزارة التعليم والمهارات الإلكتروني، في مختلِف الأماكن، ويظهر المفهوم بصورة متكرِّرة كأداة لترسيخ سياسة «عدم الإقصاء»، كما لو كان فَرْضُ العلم الزائف فَرضًا على الأطفال سيُخَفِّف إلى حدٍّ ما من الظلم الاجتماعي، بدلًا من أن يزيده سوءًا. تُعتبر إمبراطورية رياضة العقل إمبراطوريةً شاسعة من الهراء تؤثر تأثيرًا سلبيًّا على النظام التعليمي البريطاني بأسره، من أصغر المدارس الابتدائية إلى الحكومة المركزية، ولا يبدو أن أحدًا يلاحظ ذلك أو يعبأ به.
ربما لو استطاعوا أداء تمارين «التوصيل» في صفحة ٣١ من «دليل مُدرِّس رياضة العقل» (وهي تمارين تضغط فيها بأصابعك إحداها قبالة الأخرى بطُرُق مؤلمة وغريبة)، لأَسْهَمَ هذا في «توصيل الدوائر الكهربية في الجسد، واحتواءِ وتركيزِ كلٍّ من الانتباه والطاقة غير المُنظمة»، ولَرَأَوْا في نهاية المطاف معنًى مِنْ وراء كل ذلك. ربما لو قاموا بهزِّ آذانهم بأصابعهم وَفْق إرشادات كتاب رياضة العقل الدراسي المقرَّر، لأسهَمَ هذا في «تحفيز التشكيل الشبكي للمخ لاستبعاد الأصوات المشوشة وغير المهمة والتناغم مع اللغة.»
يُخبِر المدرسُ نفسُه الذي يشرح للأطفال طريقةَ ضخِّ الدماء حول الرئتين ثم الجسم عبر القلب، الأطفالَ بأنهم عندما يمارسون تمرين «المنشِّط» (وهو تمرين غاية في التعقيد بما لا يمكن شرحه هنا)، فإنَّ «هذه الحركة إلى الأمام والخلف للرأس تزيد سريان الدماء إلى الفص الأمامي من الدماغ لتعزيز عملية الفهم والتفكير العقلاني.» ولعل أكثر ما يثير الذعر هنا هو أن هذا المدرِّس شارك في أحد الصفوف، وتعلَّم هذا الهُراء من خلال معلِّم رياضة العقل، دون نقدٍ أو مساءلةٍ على ذلك.
من بعض الجوانب، تشبه القضايا المذكورة هنا تلك القضايا التي في الفصل الذي يتناول الديتوكس: إذا أردتَ القيام بأحد تمارين التنفس، فهذا شيء عظيم. لكن يَمْضي مبتكرو مفهوم رياضة العقل إلى غَوْرٍ بعيد. فوَفْق تمرين رياضة العقل، سوف تؤدِّي عملية التثاؤب الخاصة المصطنعة المقصورة عليهم إلى «زيادة الأكسدة؛ ممَّا يُفضي إلى أداء مريح فعَّال.» إن الأكسدة هي ما تتسبَّب في الصدأ، وهي لا تعني عملية زيادة الأكسجين، وهو ما أفترضُ أنهم يقصدونه (وحتى إذا كانوا يتحدثون عن عملية زيادة الأكسجين، فلا يحتاج المرء إلى التثاؤب بصورة مُضحِكة لزيادة معدلات الأكسجين في الدم: فمِثْلَ معظم الحيوانات البرية الأخرى، يمتلك الأطفال نظامًا فسيولوجيًّا كافيًا تمامًا ومدهشًا لتنظيم مستويات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في دمائهم، وأنا على يقين من أن كثيرًا منهم سيُفَضِّل تعلُّم ذلك، ومعرفة دور الكهرباء في الجسد، أو أي أشياء أخرى يخلطها مفهوم رياضة العقل معًا بصورة مشوشة، على هذا الهراء العلمي المزيف الصريح).
كيف يمكن أن يكون هذا الهراء منتشرًا على هذا النحو في المدارس؟ يتمثَّل أحد التفسيرات البديهية لذلك في أن المُدرِّسين قد خُدعوا من خلال هذه العبارات الطويلة الحاذقة مثل «التكوين العصبي» و«زيادة الأكسدة». في حقيقة الأمر، جرت دراسة هذه الظاهرة تحديدًا عبر سلسلة مدهشة من التجارب ابتداءً من عدد مارس ٢٠٠٨ من دورية «جورنال أوف كوجنتيف نيوروساينس»، التي تشير بوضوح إلى أن الناس سوف يُصدِّقون التفسيرات الزائفة بصورة أسهل كثيرًا إذا جرى قِران هذه التفسيرات ببعض الكلمات التقنية المستقاة من عالم علم الأعصاب.
عُرِضت توصيفات لظواهر متنوعة من عالم علم النفس على المشاركين في سلسلة التجارب تلك، ثم جرى عرض واحدٍ من أربعة تفسيرات عشوائية لها عليها. كانت التفسيرات إما تتضمَّن معلوماتٍ مُستقاة من علم الأعصاب أو لا تتضمَّن، وكانت إما تفسيرات «صحيحة» أو «زائفة» (كانت التفسيرات الرديئة، على سبيل المثال، تأتي في صورة إعادة صياغة دائرية بسيطة للظاهرة نفسها، أو مجرد كلمات لا معنى لها).
إليك أحد السيناريوهات. أظهرت التجارب أن الناس عمومًا يُسيئون بصورة بالغة تقدير معرفة الآخرين؛ فإذا «كنا» نعرف الإجابة عن سؤالٍ حول سعر أحد الأشياء التافهة، تجدنا نبالغ في مدى معرفة الآخرين تلك الإجابة أيضًا. في التجربة، كان أحد التفسيرات «الخالية من معلومات مستقاة من علم الأعصاب» لهذه الظاهرة يتمثَّل في الآتي: «يزعم الباحثون أن هذه المبالغة تحدث نظرًا لأن المشاركين لديهم مشكلة في تغيير وجهة نظرهم للأخذ في الاعتبار ما قد يعرفه شخص آخر، مُسقِطين معرفتَهم بصورة خاطئة على الآخرين.» (كان ذلك تفسيرًا «صحيحًا».)
كان أحد التفسيرات «المستقاة من معلومات من علم الأعصاب» — وهو تفسير زائف — يتمثَّل في الآتي: «تشير الأشعَّة المقطعية للمخ إلى أن هذه المبالغة تحدث بسبب الدوائر الكهربية الدماغية في الفص الأمامي للمخ، المعروفة بدورها في معرفة الذات. ويرتكب المشاركون في التجربة أخطاءً أكثر عندما يكون عليهم الحكم على معارف الآخرين. فالناس أفضل كثيرًا في الحكم على ما يعرفون هم أنفسُهم.» مثلما ترى، لا يضيف هذا التفسير سوى القليل جدًّا. بالإضافة إلى ذلك، لا تُعَدُّ المعلومات المستقاة من علم الأعصاب إلا معلومات زخرفية، لا علاقة لها بمنطق التفسير.
كان المشاركون في التجربة ينتمون إلى ثلاثِ مجموعاتٍ: أشخاصٌ عاديُّون، وطلابٌ في مجال علم الأعصاب، وأكاديميون في مجال علم الأعصاب، وكان أداء كل مجموعة من هذه المجموعات مختلفًا تمامًا عن الأخرى. فبينما نظرتِ المجموعات الثلاث إلى التفسيرات الصحيحة باعتبارها أكثرَ قبولًا من التفسيرات الزائفة، رأى المشاركون في المجموعتين المؤلَّفتَيْن من غير الخبراء أن التفسيراتِ التي «تتضمَّن» المعلومات المُستقاة من علم الأعصاب التي لا تحمل أي صلة منطقية بالأمر أكثرُ قبولًا من التفسيرات «الخالية» من معلومات مُستقاة من علم الأعصاب الزائف. بالإضافة إلى ذلك، كان لعلم الأعصاب الزائف تأثيرٌ قويٌّ على آراء الأشخاص حيال التفسيرات «الزائفة». فبطبيعة الحال، يعرف المحتالون ذلك، ولا يزالون يُضِيفون تفسيراتٍ ذاتَ مَسْحَة من العِلمية لمنتجاتهم منذ أن ظهر الاحتيال على وجه البسيطة؛ كوسيلة لدعم سلطتهم على المريض (والمثير في الأمر أن ذلك كان في عصرٍ يصارع فيه الأطباء لزيادة معرفة مرضاهم، وإشراكهم في القرارات المتعلقة بأساليب علاجهم).
من المثير للاهتمام التفكيرُ في سبب جاذبية هذا النوع من زخرفة التفسيرات، خاصة بالنسبة إلى أشخاصٍ من المفترض أنهم يعرفون أكثر. مثلًا: ربما يمكن النظر إلى وجود معلوماتِ علم الأعصاب في حدِّ ذاتها باعتبارها علامةً بديلةً على وجود تفسير «صحيح»، بقطع النظر عما يُقال في حقيقة الأمر. فمثلما يقول الباحثون، «ربما يُشجِّع عرض معلوماتٍ مُستقاة من علم الأعصاب الناسَ على الاعتقاد بأنهم قد تلقَّوْا تفسيرًا علميًّا، على خلاف الواقع.»
لكن يمكن اكتشاف دلائل أكثر في الأدبيات الواسعة المستفيضة حول اللاعقلانية. على سبيل المثال، يميل الأشخاص إلى تقييم التفسيرات الأطول باعتبارها أكثر شبهًا «بتفسيرات الخبراء». هناك أيضًا أثرُ «التفاصيل الجذابة»؛ فإذا عرضتَ، على سبيل المثال، تفاصيل ذات صلة (لكنها غير ذات صلة من الناحية المنطقية) على الأشخاص باعتبارها جزءًا من مناقشةٍ ما، يبدو أن ذلك يجعلهم يواجهون صعوبةً أكبرَ في تشفيرِ، ثم تذكُّرِ، الطرح الأساسي في أحد النصوص؛ نظرًا لتشتُّت انتباههم.
بالإضافة إلى ذلك، ربما نمتلك جميعًا وَلَعًا فيكتوريَّ الطابعِ نسبيًّا بالتفسيرات الاختزالية للعالَم من حولنا، التي تبدو تفسيرات منطقية إلى حدٍّ ما. عندما نقرأ اللغة المتمسِّحة بعلم الأعصاب في تجربةِ «تفسيرات علم الأعصاب الزائفة» — وفي أدبيات رياضة العقل — نشعر كأنه قد قُدِّم إلينا تفسيرٌ مادِّي لظاهرة سلوكية (مثل: «الراحة أثناء ممارسة التمارين في الصف تجدِّد النشاط»). فقد جعلنا إلى حدٍّ ما الظواهرَ السلوكية تبدو كأنها متصلة بإطار تفسيري أكبر، بالعلوم الطبيعية، بعالم من اليقين؛ بعالم الرسوم البيانية والبيانات التي لا لبس فيها. يبدو الأمر كأنه كان ثمَّة تقدمٌ. ولكن في حقيقة الأمر، ومثلما هو الحال عادةً مع اليقين الزائف، فإن الأمر عكس ذلك تمامًا.
مرة أخرى، يجب أن نركِّز لبرهةٍ على ما هو جيدٌ بشأن رياضة العقل؛ لأننا عندما ننزع الهراء عن مفهوم كهذا، ستجد أن رياضة العقل تدعم أخذ فترات راحة منتظمة، وممارسة تمارين خفيفة متقطِّعة، وشرب الكثير من الماء، وكلُّها تُعَدُّ أمورًا منطقية.
لكن يشير مفهوم رياضة العقل بجلاء إلى موضوعَيْن متكرِّريْن في مجال صناعة العلم الزائف؛ يتمثل الموضوع الأول في إمكانية القيام بشيء عبثي لا معنَى له — أو ما يُطلِق عليه أفلاطون بصورة مهذَّبة: «خرافة نبيلة» — لدفع الناس للقيام بشيء منطقي إلى حدٍّ ما؛ مثل شرب بعض الماء وأخذ راحة من ممارسة التمارين. وبينما يكون لك وجهة نظرك الخاصة حول الزمان الذي يكون عَمَلُ ذلك فيه مبرَّرًا ومناسبًا (ربما مع الأخذِ في الاعتبار أمورًا مثل كونِ عملِ أيٍّ من هذه الأشياء ضروريًّا، والآثار الجانبية للأخذ بالآراء العبثية)، يدهشني أنه في حالة مفهوم رياضة العقل، لا يوجد مَهْرب. فالأطفال يميلون إلى معرفة العالم الخارجي من خلال البالغين، خاصة من خلال المُدرِّسين؛ فَهُم بمنزلة إسفنج ماصٍّ للمعلومات، ولطُرق النظر إلى الأشياء، وأرضٍ خصبة لرموز السلطة الذين يملئون رءوسهم بالهُراءات، فيما أظن، تمهيدًا لحياة من الاستغلال.
ربما يعتبر الموضوع الثاني أكثر تشويقًا؛ ألا وهو احتكار المنطق السليم. ربما تستعين بإجراء منطقي تمامًا؛ مثل شرب كوبٍ من الماء وأخْذ راحة من ممارسة التمارين، ولكنك تضيف هراءً إليه، وتجعله يبدو أكثر فَنِّيَّةً في اصطلاحاته، وتجعل نفسك تبدو أكثر حذقًا، وهو ما سيرسِّخ أثر العلاج الوهمي، لكنك في المقابل ربما تتساءل أيضًا هل الهدف الرئيسي يتمثَّل في شيء أكثر استغلالًا ورِبْحيةً: أن تجعل المنطق السليم عملية خاضعة لحقوق التأليف والنشر، وفريدة، ومسجَّلة كبراءة اختراع، و«معتَرفًا بها»؟
سنرى هذا مرارًا وتكرارًا، وعلى نطاق أوسع، من خلال عمل مُمارِسِي الرعاية الصحية المُرِيبين، وخاصة في مجال «علم التغذية»؛ نظرًا لأن المعرفة العلمية — والمشورة الغذائية المنطقية — مجانيةٌ وتقع في نطاق المجال العام. فبإمكان أي شخص استخدام المعرفة العلمية، أو فهمها، أو بيعها، أو ببساطةٍ منحها. يَعْرف معظم الناس حقيقة مكونات النظام الغذائي الصحي. وإذا أردتَ أن تحقِّق مكاسب من وراء ذلك، فعليك أن تجد مكانًا لك في السوق. وحتى يتسنَّى لك ذلك، يجب أن تزيد الأمور تعقيدًا، وأن تضع بصمتك الخاصة المريبة.
هل ثمة أيُّ ضررٍ في هذه العملية؟ حقيقةً، تُعتبر هذه العملية هدرًا بالتأكيد، وحتى في الغرب المُضْمحل، مع دخولنا مرحلة ركود محتملة، يبدو الأمر غريبًا جدًّا أن يجري تمويل تقديم المشورة الغذائية الأساسية، أو ممارسة أخذ فترات راحة بين التمارين. لكنْ هناك أخطار أخرى خفيَّة، أخطار أكثر ضررًا بكثير؛ فعملية إضفاء الطابع المِهْني على ما هو بديهي تدعم شعورًا بالغموض حول العلم، والمشورة الصحية، وهو ما لا يُعدُّ ضروريًّا، إضافةً إلى أنه مُضِرٌّ أبلغَ الضرر. فهذه العملية — أكثر من أي شيء آخر، بل أكثر من الملكية غير الضرورية لما هو بديهي — تنزع الشعور بالتمكين. وكثيرًا جدًّا ما تحدث عملية الخصخصة الزائفة هذه لما هو بديهي في مجالات نستطيع فيها السيطرة على زمام الأمور، وعمل الأشياء بأنفسنا، والشعور بقوتنا وقدرتنا على اتخاذ قرارات منطقية. بدلًا من ذلك، يتم ترسيخ الاعتماد على نُظمٍ خارجية وأشخاص آخرين مكلَّفين.
غير أن أكثر ما يثير الفزع هو الطريقة التي يجعل بها العلم الزائف الرأسَ رِخوًا تعوزه الحيوية. دعني أُذَكِّرك بأن دحض مفهوم رياضة العقل لا يتطلَّب معرفةً متطوِّرة ومتخصِّصة. فنحن نتحدث عن برنامجٍ يَدَّعي أن «الطعام المصنَّع لا يحتوي على ماء»، ولعل تلك هي أكثر العبارات القابلة للدحض على الدوام التي رأيتها خلال الأسبوع. ماذا عن الحَسَاء؟ «كل السوائل الأخرى تجري معالجتُها في الجسد باعتبارها طعامًا، ولا تفي باحتياجات الجسد من الماء.»
بينما تُعتَبر المنظمة التي تروِّج لمفهوم رياضة العقل منظمةً واقعةً على الأطراف القصوى من العقلانية، تعمل هذه المنظمة في عددٍ لا نهائيٍّ من المدارس البريطانية. عندما كتبتُ عن مفهوم رياضة العقل في عمودي الصحفي في الجريدة التي أكتب فيها في عام ٢٠٠٥، قائلًا إن «فترات الراحة بين التمارين تُعتبر أمرًا جيدًا، بينما الهراء العلمي الزائف أمرٌ مضحك»، سُرَّ كثير من المدرسين سرورًا بالغًا، ولكن غَضِب كثيرون غضبًا هائلًا و«شعروا بالاشمئزاز» إزاء ما قرَّروا أنه هجوم على التمارين التي طالما رأَوْها مفيدة. وقد تعجَّب أحد المدرسين — وكان مدرسًا أوَّلَ مساعدًا، لا أقَل — قائلًا: «ما أستطيع أن أستخلصه هنا أنك لم تَزُرْ أيَّ فصول مدرسية، ولم تعقِدْ مقابلات مع أي مدرس أو سألت أي طفل، فضلًا عن إجراء حوار مع أي عدد من المتخصصين في هذا المجال.»
هل أحتاج إلى زيارة فصلٍ مدرسيٍّ لمعرفة هل ثمة ماءٌ في الطعام المصنَّع أم لا؟ لا. إذا قابلتُ «متخصِّصًا» يخبرني أن الأطفال يستطيعون تدليك الشرايين السُّباتية عبر القفص الصدري (دون استخدام مِقَص)، فماذا سأقول له؟ إذا قابلتُ مدرِّسًا يظن أن ملامسة الأصابع بعضها بعضًا سيُفضي إلى توصيل الدائرة الكهربية في الجسد، فإلى أين يمكن أن يَمْضي حديثنا انطلاقًا من هذه النقطة؟
أود أن أقدِّم إلى مجال العلم الزائف مُدرِّسي الذي أعطانا نشرة تقول إن «الماء يجري امتصاصه على أكمل وجه من قِبَل الجسد عندما يتوافر الماء للجسد بكميات قليلة منتظمة.» ما أريد أن أعرفه هو: إذا شربت كمية من الماء أكثر مما ينبغي في مرة واحدة، فهل سيتسرب الماء من فتحة شرجي؟
شكرًا أنطون.