البروفيسور باتريك هولفورد
يُكال الثناء عليه في الصحف؛ حيث يُقدَّم باعتباره خبيرًا أكاديميًّا. وتُعتبر كُتُبه من بين الكُتُب الأكثر بيعًا، وكَتَب أو شارك في كتابة حوالي أربعين كتابًا، وتُرجمت كتبه إلى عشرين لغة، وبِيع منها أكثر من مليون نسخة حول العالم، للممارسين والعامة. تتسم بعض أعماله الأولى بالغموض الساحر، يُقدِّم أحدُها «أدوات تغطيس» على غرار «بيتر الأزرق» للمساعدة في تشخيص أوجه القصور الغذائية. أما الكتب الأحدث، فهي متخمة بالتفاصيل العلمية، وتمثِّل في أسلوب راقٍ ما يمكن أن تُطلِق عليه «هيئة مرجعية»؛ إذ تتضمَّن هذه الكتب تلك الأرقام العلوية الجميلة في النص، والكثير من المراجع الأكاديمية في نهايتها.
يسوِّق هولفورد نفسه بنشاطٍ بالغ باعتباره رجلَ عِلْم، وكان قد صار مؤخرًا أستاذًا زائرًا في جامعة تيسايد (المزيد عن ذلك لاحقًا). وفي أوقات متنوعة كان له برنامجه الخاص في التليفزيون الذي يُعرَض في أوقات النهار، ولا يكاد يمر أسبوع دون أن يظهر في مكان ما للحديث عن إحدى التوصيات، أو آخِر «تجربة» له، أو «دراسة»: مثلًا جرتْ تغطية تجربة مدرسية (في غياب مجموعة ضابطة) على نحو غير نقدي في حلقتين منفصلتين مخصصتين لها في برنامج «الليلة مع تريفور ماكدونالد»، البرنامج الاستقصائي الذي يُذاع في أوقات الذروة في محطة «آي تي في»، وذلك جنبًا إلى جنب مع ظهوره في حلقات أخرى في برنامج «هذا الصباح»، وبرنامج «إفطار» على قناة «بي بي سي»، وبرنامج «أفق»، وأخبار «بي بي سي»، و«جي إم تي في»، وبرنامج «لندن الليلة» على قناة «سكاي نيوز»، وأخبار «سي بي إس» في أمريكا، وبرنامج «العرض المتأخر» في أيرلندا، وغيرها الكثير. وبحسب المؤسسة الإعلامية البريطانية، يعتبر البروفيسور باتريك هولفورد أحد روادنا الفكريين العامِّين؛ إنه ليس رجل مبيعات لأقراص الفيتامينات يعمل في مجال المكمِّلات الغذائية الذي يبلغ حجمه ٥٠ مليار دولار أمريكي — حقيقةٌ لا تُذكَر إلَّا نادرًا جدًّا، إذا ذُكِرتْ أصلًا — بل أكاديمي ملهَم، يجسِّد أسلوبًا مثابرًا ومثاليًّا في التعامل مع الأدلة العلمية. لِنَرَ معيار الإنجاز اللازم حتى يمنحك الصحفيون هذا المستوى من الثقة أمام الأمة.
(١) الإيدز، والسرطان، وأقراص الفيتامين
عرفتُ هولفورد معرفةً كاملةً للمرة الأولى في إحدى المكتبات في ويلز. كانت إجازة عائلية، ولم يكن لديَّ أيُّ شيء أكتب عنه، وكان عامًا جديدًا. ومثل المنقذ؛ إذ بي أمام نسخة من كتابه «العهد الجديد في التغذية المثالية»، الكتاب الأكثر بيعًا الذي وصل حجم مبيعاته إلى ٥٠٠ ألف نسخة. انقضضتُ عليه في نهم، وأخذتُ أتفقد الصيد الثمين. في البداية وجدتُ عنوانًا لأحد الأقسام في الكتاب يوضِّح أن «الأشخاص الذين يتناولون فيتامين ج يعيشون بالسرطان لفترة أطول أربع مرات.» يا لها من مادة ممتازة!
بحثتُ عن موضوع الإيدز (هذا ما أطلق عليه «اختبار الإيدز»). إليك ما وجدته في صفحة ٢٠٨: ««إيه زد تي» أول عقار قابل للوصف الطبي للإيدز، يُحتمل تسبُّبه في أضرار، ويُثبِت يومًا بعد يوم فاعلية أقل من فيتامين ج.» في الواقع، إن الإيدز والسرطان مشكلتان في غاية الخطورة، وعندما يقرأ المرء ادِّعاءً مبالغًا فيه مثل ادِّعاء هولفورد، ربما يفترض أن هذا الادِّعاء قائم على دراسة ما، ربما جرى خلالها إعطاء الأشخاص المصابين بالإيدز فيتامين ج. ثمة رقم علوي صغير «٢٣» يحيل إلى ورقة بحثية قدَّمها شخص اسمه جاريوالا. وبأنفاس لاهثة أخذتُ نسخةً من هذه الورقة على الإنترنت.
كان أول شيء لاحظتُه أن هذه الورقة لا تشير إلى «إيه زد تي». فلا تقارن «إيه زد تي» مع فيتامين ج، ولا تتضمن أيَّ بشر؛ مجرد تجربة مختبرية، تفحص بعض الخلايا في وعاء مختبري. جرى رشُّ بعض فيتامين ج على هذه الخلايا، وقياس بعض الأشياء المعقدة؛ مثل «تكوين خلية سنكتيا عملاقة»، التي تغيرت عندما كان ثمة الكثير من فيتامين ج يسبح في الوعاء. حسنًا جدًّا، لكن هذه النتيجة المختبرية لا تدعم بوضوح تام ذلك التأكيد المبالغ فيه بأن ««إيه زد تي» أول عقار قابل للوصف الطبي للإيدز، يُحتمل تسبُّبه في أضرار، ويثبت يومًا بعد يوم فاعلية أقل من فيتامين ج.» في حقيقة الأمر، يبدو أن هذا مثال آخر على ذلك الاستقراء الساذج من بيانات مختبرية مبدئية لطرح زعم إكلينيكي يتعلَّق ببشر حقيقيين، وهو إجراءٌ صرنا نُدرِكه باعتباره علامة تميز «مُختَص التغذية».
لكن الأمر ازداد تشويقًا. أشرت إلى هذا كله بشكل عارض في مقال في إحدى الصحف، وظهر د. راكسيت جاريوالا نفسه، مرسلًا خطابًا يدافع فيه عن ورقته البحثية ضد الاتهام بأنها تمثل «علمًا زائفًا». وقد أثار هذا، بالنسبة إليَّ، سؤالًا مثيرًا، سؤالًا في القلب من هذا الموضوع حول «الهيئة المرجعية». لقد كانت ورقة جاريوالا ورقة جيدة جدًّا، ولم أَقُل أبدًا غير ذلك؛ فقد كانت تقيس بعض التغيرات المعقدة على مستوًى بيولوجي أساسي في بعض الخلايا في وعاء مختبري على طاولة مختبر، عند رش كميات كبيرة من فيتامين ج عليها. وعُرِضت أساليب إجراء الدراسة والنتائج بصورة تخلو من الأخطاء من قِبَل د. جاريوالا. لا يوجد لديَّ أيُّ سبب للتشكيك في عرضه الواضح لما قام به.
لكن أوجه القصور تأتي من خلال التفسير. فلو كان هولفورد قد قال: «وجد د. راكسيت جاريوالا أنه إذا رُشَّ فيتامين ج على الخلايا في وعاء مختبري على طاولة مختبر، فسيبدو أن ذلك يغير نشاط بعض المكونات» وأحال إلى ورقة جاريوالا، لكان ذلك حسنًا، لكنه لم يفعل ذلك، بل كتب يقول: ««إيه زد تي» أول عقار قابل للوصف الطبي للإيدز، يُحتمل تسبُّبه في أضرار، ويثبت يومًا بعد يوم فاعلية أقل من فيتامين ج.» إن البحث العلمي شيء، أما ما تزعم من أن البحث العلمي يُظهِره — أي تفسيرك أنت له — فهو شيء آخر تمامًا. لقد كان تفسير هولفورد استقراءً مفرطًا عبثيًّا.
كنت أظن أن تلك هي النقطة التي قد يقول عندها الكثيرون: «نعم، بالنظر إلى الوراء، ربما يكون هذا الزعم قد صيغ على نحو أخرق.» لكن البروفيسور هولفورد اتخذ مسارًا مختلفًا تمامًا؛ فقد زعم أنني قد اجتزأتُ حديثه من سياقه (لم أفعل ذلك، ويمكنك الاطلاع على الصفحة كاملةً من كتابه على الإنترنت)، وزعم أنه قد صوَّب كتابه (يمكنك أن تقرأ عن هذا في ملاحظة في ظهر الكتاب الذي تحمله)، وراح يُلقِي اتهامات هنا وهناك بأنني أنتقده في ذلك لأنني مجرد أداة في يد شركات الدواء الكبرى (لست كذلك، في حقيقة الأمر، وللغرابة إنني أحد أشد منتقديها). وأشار، على نحو حاسم، إلى أنني قد ركَّزتُ على خطأ تافهٍ معزول.
(٢) مراجعة منهجية غامضة
تتمثَّل المتعة في كتابةِ أي كتاب في امتلاك الكاتب مساحة كبيرة ليكتب فيها ما شاء. لديَّ هنا نسختي من «العهد الجديد في التغذية المثالية». وبحسب مقتطف من صحيفة «صنداي تايمز» على الغلاف الأمامي فإنه: «الكتاب الذي يجب أن تقرأه إذا كنتَ تهتم بصحتك.» ووفق صحيفة «ذي إندبندنت أون صنداي»: «كتاب لا يقدر بثمن.» إلخ. كنت قد قررت أن أراجع كل مرجع، مثل شخص مهووس، والآن سأكرِّس النصف الثاني من هذا الكتاب لإصدار نسخة تحتوي على شروح لكتاب هولفورد الأكاديمي المهم.
أمزح فقط.
هناك ٥٥٨ صفحة من المصطلحات الفنية المقنعة في كتاب هولفورد، مصحوبة بنصائح معقدة حول أي الأغذية يمكن تناولها، وأي أقراص يجب شراؤها (في قسم «المصادر» يتضح أن الأقراص التي يطرحها هي الأفضل). وحتى لا نفقد صوابنا، حصرتُ فحصنا للادِّعاءات في الكتاب على قسم واحد مهم، الفصل الذي يفسِّر لماذا يجب تناول المكملات الغذائية. قبل أن نبدأ، يجب أن نكون في منتهى الوضوح: أنا مهتم بشأن البروفيسور هولفورد؛ لأنه يعلِّم مُختَصي التغذية الذين يعالجون الأمة، ولأنه مُنِح درجة الأستاذية من جامعة تيسايد، مع وجود خطط للتدريس للطلاب والإشراف على البحوث. وإذا كان البروفيسور باتريك هولفورد رجلَ عِلْم، إذن يجب أن نتعامل معه باعتباره كذلك، بمنتهى الأمانة.
إن هدفي من تأليف هذا الكتاب هو تعليم العلم الصحيح من خلال فحص العلم الزائف؛ لذا سيسرُّك أن تسمع أن الادِّعاء الأول على الدوام الذي يطرحه هولفورد، في الفقرة الأولى من فصله الأهم، هو مثال نموذجي لظاهرة صادفناها قبلًا؛ ألَا وهي «انتقاء الأدلة»، أو انتقاء البيانات بما يتلاءم مع الحالة. فيقول إن ثمة تجربة تُظهِر أن فيتامين ج سيحدُّ من حالات الإصابة بالبرد. لكن ثمة معيارًا ذهبيًّا للمراجعة المنهجية من «كوكرين» يجمع الأدلة من تسع وعشرين تجربة مختلفة حول هذا الموضوع، تشمل ١١ ألف مشارك إجمالًا، وخلصتْ إلى عدم وجود أي دليل على أن فيتامين ج يقي من الإصابة بنزلات البرد. لا يقدِّم البروفيسور هولفورد مرجعًا واحدًا لتجربته الوحيدة غير المعتادة التي تتناقض مع جميع البحوث التي جرى تلخيصها بدقة من قبل «كوكرين»، لكن هذا لا يهم؛ فمهما كان من أمر، ولأن التجربة تتعارض مع التحليل الماورائي، يمكِنَّا أن نرى بوضوح أن التجربة تنتقي الأدلة انتقاءً.
يقدِّم هولفورد مرجعًا، بعد ذلك مباشرة، لدراسةٍ أظهرتِ اختباراتُ الدم فيها أن سبعةً من بين عشرة مشاركين كان لديهم قصور في فيتامين ب. وثمة رقم علوي يشي بسلطة علمية موثوقة في النص. وبالرجوع إلى نهاية الكتاب، نجد أن مرجعه لهذه الدراسة شريط كاسيت كان المستهلك يشتريه من معهد التغذية المثالية (يُسمَّى «خرافة النظام الغذائي المتوازن»). بعد ذلك نرى تقريرًا يرجع إلى خمسة وعشرين عامًا من مؤسسة بيتمان التموينية (مَن؟) مشيرًا إلى تاريخ خاطئ فيما يبدو، وورقة بحثية حول فيتامين ب١٢، و«تجربةٍ ما» دون وجود مجموعة ضابطة مذكورة في كتيب «آي أو إن» في عام ١٩٨٧، وهي تجربة غير معروفة على الإطلاق، حتى إنها ليست ضمن سجلات المكتبة البريطانية (التي تمتلك سجلًّا بكل شيء). ثم هناك عبارة باهتة مُشار إليها في مقال في مجلة «أوبتيمَم نيوتريشن مجازين» التي يصدرها معهد التغذية المثالية، وزعمٌ لا خلاف عليه تدعمه ورقة بحثية صحيحة — مفادها أن أبناء الأمهات اللائي تناولْنَ حمضَ الفوليك خلال فترة الحمل لديهن يعانون من تشوهات ولادة أقلَّ، وهي حقيقة راسخة تمامًا مشار إليها في إرشادات وزارة الصحة — لأنه يجب أن يكون ثمة قدْرٌ — ولو ضئيلًا — من الحقيقة المنطقية في الكلام المنمَّق في مكان ما. نعود مرة أخرى إلى قلب الأحداث. يخبرنا الكتاب عن دراسةٍ أُجريت على تسعين طفلًا في المدرسة يحقِّقون نتائج في اختبارات الذكاء بنسبة ١٠ في المائة أعلى بعد تناول جرعة كبيرة من قرص متعدد الفيتامينات، دون وجود أي مراجع للأسف، قبل أن نأتي إلى شيء مثير جدًّا حقًّا: فقرة واحدة تتضمَّن أربعة مراجع.
يشير المرجع الأول إلى دراسة أجراها د. آر كيه تشاندرا، وهو باحث سيِّئ السمعة تلطختْ سُمْعة الأبحاث العلمية التي أجراها وجرى التراجع عن الإحالة إليها، وكان موضوعًا لمقالات مهمة حول انتحال البحوث، من بينها مقال كتبه د. ريتشارد سميث في دورية «بريتش ميديكال جورنال» تحت عنوان «بحث في الدراسات السابقة لمؤلف منتحل». وهناك برنامج وثائقي استقصائي كامل من ثلاثة أجزاء حول مساره المهني المضطرب من إنتاج محطة «سي بي سي» الكندية (يمكن مشاهدة هذا الفيلم على الإنترنت)، وفي نهاية البرنامج كان، من جميع الأوجه، مختبئًا في الهند. وهو يمتلك ١٢٠ حسابًا بنكيًّا في العديد من الملاذات الضريبية، كما قام، بالطبع، بتسجيل براءة اختراع المزيج متعدِّد الفيتامينات الذي ابتكره، والذي يبيعه باعتباره مكمِّلًا غذائيًّا «قائمًا على أدلة» لكبار السن. و«الأدلة» مشتقة بصورة كبيرة من تجاربه الإكلينيكية.
باسم العدالة الأمينة، أسعد بتوضيح أن كثيرًا من هذه الأمور ظهرتْ منذ نشر الطبعة الأولى لكتاب هولفورد، لكن كانت ثمة أسئلة جدية حول بحوث تشاندرا لفترة من الوقت، وكان الأكاديميون المتخصصون في علم التغذية حريصين في الإشارة إليها؛ ببساطة لأن نتائج بحوثه بدتْ إيجابيةً على نحوٍ غير معقول. في عام ٢٠٠٢، كان قد استقال من منصبه الجامعي، وعجز عن الإجابة على الأسئلة حول أوراقه البحثية أو الإفصاح عن البيانات عندما تحدَّاه رؤساؤه. وجرى الرجوع تمامًا عن الاعتراف بالورقة البحثية التي يشير إليها باتريك هولفورد في عام ٢٠٠٥. المرجع التالي في الفقرة نفسها من كتابه يحيل إلى بحث آخر لتشاندرا. ورقتان متتاليتان أمرٌ غير موفق.
يُتْبِع البروفيسور هولفورد هذا بإحالة إلى ورقة بحثية نقدية، زاعمًا أن سبعًا وثلاثين دراسة من بين ثماني وثلاثين دراسة تبحث في فيتامين ج (مرة أخرى) توصَّلت إلى أن فيتامين ج مفيد في علاج نزلات البرد (لا «الوقاية»، كما في الزعم السابق في النص). يعتبر عدد سبع وثلاثين دراسة من بين ثماني وثلاثين عددًا جذَّابًا، لكن المراجعة النقدية النهائية لكوكرين حول موضوع البحث تُظهر نتائج متضاربة، فضلًا عن فائدة محدودة عند تناول جرعات أكبر.
فلْنواصِلْ. ينتقي هولفورد الورقة البحثية الأكثر إيجابيةً التي أستطيع أن أجدها في أدبيات البحوث حول فيتامين ﻫ من حيث وقايته من النوبات القلبية؛ إذ يُحدِث انخفاضًا فيها بنسبة ٧٥ في المائة، مثلما يزعم. وحتى أمنحك فكرةً عن المَراجِع التي لا يذكر عنها شيئًا، بذلتُ جهدًا في العودة إلى الوراء في الزمان لأجد أحدث مرجع بحثي نقدي، مثلما وصلتْ إليه أدبيات البحوث في عام ٢٠٠٣: مراجعةً بحثيَّةً نقدية منهجية وتحليلًا ماورائيًّا، جُمعا ونُشرا في دورية «ذا لانست»، التي قَيَّمتْ جميع الأوراق البحثية المنشورة حول الموضوع من عقود سابقة، ولم تَجِد إجمالًا أيَّ دليل على أن فيتامين ﻫ مفيد. ربما يثيرك أن تعرف أن التجربة الإيجابية الوحيدة التي أحال إليها هولفورد ليستْ فقط الأصغر حجمًا، بل أيضًا الأقصر في هذه المراجعة البحثية النقدية، بهامش كبير. هذا هو البروفيسور هولفورد؛ يروَّج له للتدريس والإشراف في جامعة تيسايد، ويشكِّل العقول الشابة، ويُعِدُّها لقسوة الحياة الأكاديمية.
يمضي هولفورد في طرح سلسلةٍ من الادِّعاءات غير العادية، دون وجود أيِّ مرجع على الإطلاق يؤيدها. لن ينظر الأطفال المصابون بالتوحُّد إليك في عينيك، لكن «أعطِ هؤلاء الأطفال فيتامين أ الطبيعي وسينظرون إليك مباشرة.» لا وجود لأي مَراجع. ثم يطرح أربعة ادِّعاءات محدَّدة تتعلق بفيتامين ب، زاعمًا أن «دراسات» تؤكد ما يذهب إليه، لكنه لا يقدِّم أي مَراجع. أَعِدُ بأننا سنبلغ الجزء المضحك؛ فهناك أمثلة أخرى حول فيتامين ج، والإحالة هذه المرة إلى تشاندرا (مرة أخرى).
ليس هذا الفصل حالة منفصلة؛ فهناك موقع بأكمله — هولفوردووتش — مكرَّس لبحث ادِّعاءاته بتفصيل مذهل، وفي جلاء يحبس الأنفاس، وسَرْد مفصل للمَراجع. ستجد في الموقع أخطاءً أكثر مكرَّرة في وثائق هولفورد الأخرى، حُلِّلت في حذق وذكاء وتحذلق مخيف قليلًا. إن الاطلاع عليه متعة حقيقية.
(٣) بروفيسور؟
ثمة أمران شائقان جدًّا منبثقان من إدراك مثل هذه الحقائق؛ أولًا، وعلى نحو مهم، بما أنني أحرص دومًا على الانخراط في مناقشات مع أشخاص حول أفكارهم؛ كيف يمكن إجراء مناقشة مع شخص مثل باتريك هولفورد؟ فهو يتهم الآخرين باستمرار بأنهم لا «يتابعون» أدبيات البحث. وكلُّ مَن يتشكك في قيمة أقراصه يُعتبر «متمسكًا بالقديم»، أو أداةً في يد صناعة الدواء. وقد يُلغي ادِّعاءات ومراجع البحوث. ماذا يمكن أن يفعل المرء، بالنظر إلى عدم إمكانية قراءة أيٍّ من ذلك في الحال؟ في أدب جمٍّ، وفي حزم أيضًا، ستكون الإجابة العقلانية الوحيدة بالتأكيد هي: «لستُ متأكدًا تمامًا من أنني أستطيع قبول تلخيصك أو تفسيرك لتلك البيانات دون مراجعتها بنفسي.» وربما لن يجري قبول هذا تمامًا.
لكن الأمر الثاني أكثر أهميةً. كان قد عُيِّن هولفورد — مثلما أشرت سابقًا في اقتضاب — «أستاذًا» في جامعة تيسايد، وهو الأمر الذي يُلمِح إليه في فخر في بياناته الصحفية، مثلما قد تتوقَّع. ووفق وثائق جامعة تيسايد — هناك مجموعة كبيرة من الوثائق، حُصِل عليها بموجب قانون حرية تداول المعلومات، متوافرة عبر الإنترنت — كانت الخطة المُعلنة في تعيينه أن يشرف البروفيسور هولفورد على الأبحاث، ويدرِّس مناهج دراسية في الجامعة.
لا يدهشني أن ثمة روَّاد أعمال وخبراء — أفرادًا — يبيعون أقراصهم وأفكارهم في السوق المفتوحة. فأنا أُكِنُّ احترامًا وإعجابًا لإصرارهم على نحو غريب. لكن ما يدهشني أن الجامعات لديها مجموعة مختلفة تمامًا من المسئوليات، وفي مجال التغذية ثمة خطر محدَّد؛ فالدرجات العلمية في المعالجة المثلية، على الأقل، تتسم بالشفافية في منحها، والجامعات التي تدرَّس فيها تتسم بالسرية والخجل فيما يتعلَّق بالمناهج التي تُدرَّس فيها (ربما لأنه عندما تتسرَّب أوراق الاختبارات، يتضح أنهم يطرحون أسئلة حول «البخار العفن»، كما حدث في عام ٢٠٠٨)، لكن على الأقل تتطابق هذه الدرجات الممنوحة في أساليب العلاج البديل مع ما هو مكتوب على عبواتها.
ويعد مشروع مُختَصي التغذية أكثر تشويقًا؛ إذ يَتَّخِذ عملُ هؤلاء «صورة» العِلْم — اللغة، والأقراص، والهيئة الإحالية — طارحًا ادِّعاءات تعكس على نحو سطحي الادِّعاءات التي يطرحها الأكاديميون في مجال التغذية؛ حيث يوجد الكثير من النشاط العلمي الحقيقي لممارسته. من وقت إلى آخر، قد تكون ثمة أدلة وجيهة تدعم هذه الادِّعاءات (على الرغم من أنني لا أستطيع أن أتخيَّل الجدوى من تلقِّي نصائح صحية من شخص لا يصيب إلا عَرَضًا). لكن في واقع الأمر ترجع جذور أعمال «مُختَصي التغذية» في كثير من الأحيان — مثلما رأينا — إلى العلاج البديل في العصر الجديد، وبينما يشير أسلوب «رايكي» العلاجي بالطاقة الكمية بجلاء نوعًا ما إلى مصدر نشأته، ارتدى مُختَصُّو التغذية عباءة السلطة العِلمية على نحوٍ مقنِع للغاية، في ظل معرفة سطحية بطرق تقديم نصائح حول أساليب حياة مقبولة وبعض المراجع القليلة، حتى إن معظم الناس لا يكادون يميزون طبيعة المجال. وعند المساءلة الحثيثة، سيُقرُّ بعض مُختَصي التغذية بأن أساليبهم تمثل «علاجًا مكمِّلًا أو بديلًا»، لكن استجواب مجلس اللوردات حول علاجات الطب البديل، على سبيل المثال، لم يُدرِج أساليب مُختَصي التغذية باعتبارها أساليب علاج بديل.
يَستحضر هذا القرب من العمل العلمي الأكاديمي الحقيقي تناقضات كافية؛ ما يجعل من المنطقي التساؤل عما قد يحدث في تيسايد عندما يبدأ البروفيسور هولفورد في المساهمة في تشكيل العقول الشابة. لا يسعنا سوى تخيُّلِ أكاديميٍّ في إحدى القاعات يعمل بدوام كامل يدرِّس للطلاب أنَّ عليهم النظر إلى الأدلة «إجمالًا» بدلًا من انتقائها انتقاءً، وأنهم لن يستطيعوا إجراء «استقراء مفرط» انطلاقًا من البيانات المخبرية المبدئية، وأن «الإحالة» يجب أن تكون دقيقة، ويجب أن تعكس محتوى الورقة البحثية التي تشير إليها، وكل شيء آخر ربما يدرِّسه أيُّ قسم أكاديمي حول العلم والصحة. في قاعة أخرى، هل سيكون باتريك هولفورد موجودًا، يستعرض الذخيرة العلمية التي شهدناها توًّا؟
يمكن أن نستخلص إدراكًا مباشرًا من ذلك الصدام من خلال نشرة أرسلها هولفورد مؤخرًا. على نحو دوري، وحتمي، ستُنشر دراسةٌ أكاديمية كبيرة لن تَجِد أيَّ دليل على تحقُّق فائدة من أحد أقراص باتريك بيل المفضلة. وغالبًا ما سيصدر عنه ردٌّ مرتبك وغاضب، وهذه الانتقادات مؤثرة للغاية وراء الكواليس، وتَظهَر نتفٌ منها على نحوٍ دوري في مقالات الصحف، كما تبرز آثار من منطقها المغلوط في المناقشات مع مُختَصي التغذية.
في إحدى هذه النشرات، على سبيل المثال، هاجم هولفورد تحليلًا ماورائيًّا لعدد من التجارب الموزعة عشوائيًّا التي أُجريتْ في وجود عناصر ضابطة حول مضادات الأكسدة باعتباره متحيزًا؛ لأنه استثنى تجربتين قال إنهما أسفرتا عن نتائج إيجابية. في حقيقة الأمر، لم تكونا تجربتين، بل مجرد استطلاعين استقصائيين؛ ولذا لم يكن من الممكن أبدًا إدراجهما في التحليل. بمناسبة ما نحن بصدده، كان باتريك هولفورد غاضبًا حيال تحليل ماورائي حول دهون أوميجا-٣ (مثل زيوت الأسماك)، شارك في كتابته مع البروفيسورة كارولين سمربل، التي تشغل منصب أستاذ ورئيس قسم التغذية في جامعة تيسايد؛ حيث تشغل أيضًا منصب العميد المساعد لشئون البحوث، ولها سجلٌّ طويل من البحوث الأكاديمية المنشورة في مجال التغذية.
لنكن واضحين: لا شك في أن ثمة مشكلات خطيرة في صناعة الدواء — يجب أن أعرف ذلك؛ إذ إنني أدرِّس لطلاب الطب والأطباء حول هذا الموضوع، وأكتب عنه بصورة منتظمة في الصحف القومية، وسأحدِّثك عن شرور هذه الصناعة في الفصل التالي — لكن حلَّ هذه المشكلة لا يتمثَّل في إجراء بحوث رديئة، ولا يتمثَّل في مجموعة أقراص بديلة أخرى من صناعة قريبة من صناعة الدواء. يكفي هذا.
كيف عُيِّن هولفورد؟
لن أسهب في الحديث عن السيرة الذاتية لهولفورد — لأنني أريد أن يظل اهتمامي منصبًّا على العلم — لكن السيرة الذاتية التي أرسلها إلى جامعة تيسايد تصلح كبداية جيدة لسيرة ذاتية موجزة. تشير السيرة الذاتية إلى أنه كان يدرِّس علم النفس التجريبي في يورك من عام ١٩٧٣ إلى ١٩٧٦، قبل أن يدرِّس في أمريكا تحت إشراف باحثَيْن اثنين في مجال الصحة العقلية والتغذية (كارل فايفر وآبرام هوفر)، ثم عاد إلى المملكة المتحدة في عام١٩٨٠ لعلاج «مرضى الصحة العقلية من خلال الطب الغذائي». في حقيقة الأمر، كان عام ١٩٧٥ هو أول عام تمنح فيه جامعة يورك درجة علمية في علم النفس. وقد التحق بها هولفورد في حقيقة الأمر من عام ١٩٧٦ إلى ١٩٧٩، وبعد الحصول على درجة بتقدير ٢ : ٢ بدأ مزاولة مهام أول عمل له كمندوب مبيعات لدى شركة أقراص المكملات الغذائية «هاير نيتشر». وهذا يعني أنه كان يعالج المرضى في عام ١٩٨٠؛ أي بعد عام من حصوله على درجته الجامعية الأولى. لا مشكلة في ذلك. أحاول فقط أن أستوضح هذا الأمر في ذهني.
أنشأ معهدَ التغذية الصحية في عام ١٩٨٤، وكان مديرًا له حتى عام ١٩٩٨. لا بد إذن أن الأمر كان بمنزلة لمسة عرفان مؤثرة وغير متوقعة بالنسبة إلى باتريك في عام ١٩٩٥ عندما منحه المعهد دبلومة في العلاج الغذائي. ولما كان قد بدأ — لكنه فشل — في إكمال درجة الماجستير في التغذية من جامعة سَري قبل عشرين عامًا، تبقَّت دبلومة معهد التغذية المثالية التي حصل عليها من مؤسسته هي المؤهِّل الوحيد لديه في مجال التغذية.
في عام ١٩٨٦، بدأ في إجراء بحوث على آثار التغذية على الذكاء، مشاركًا في البحث مع جويليم روبرتس — مدير مدرسة وطالب في معهد التغذية المثالية — وبلغ هذا التعاون أَوْجَه مع إجرائهما تجربة بالتوزيع العشوائي في وجود عناصر ضابطة لاختبار آثار التغذية المحسِّنة على نتائج اختبارات الذكاء لدى الأطفال، وهي تجربة كانت موضوع فيلم وثائقي ضمن سلسلة حلقات «هورايزون» ونُشِرت في دورية «ذا لانست» في عام ١٩٨٨.
أمامي هذه الورقة البحثية المنشورة في دورية «ذا لانست»، ولا يوجد اسم هولفورد عليها في أي موضع، لا مؤلِّفًا، ولا حتى في جزءٍ الشكر والتقدير.
لا يحتاج الجهاز إلى بطاريات؛ إذ إنه «يستمد طاقة تشغيله» من خلال مَن يرتديه؛ إذ يجري تنشيط الشريحة المتناهية الصغر من خلال ملف توليد نحاسي يلتقط ما يكفي من التيارات المتناهية الصغر من قلبك لتشغيل القلادة.
يوضِّح المصنِّعون أن «كيو لينك» تصوِّب «ترددات الطاقة» لديك. وقد أُثني على الجهاز في صحيفة «ذا تايمز»، وصحيفة «ديلي ميل»، وبرنامج «لندن اليوم» في محطة «آي تي في»، ويسهل معرفة السبب؛ فالجهاز يبدو مثل بطاقة ذاكرة رقمية لكاميرا، به ثمانية أزرار اتصال في لوحة الدوائر الكهربية في الواجهة، ومكوِّن إلكتروني عالي التقنية يركَّب في المركز، وملفٌّ من النحاس عند الحافة.
في الصيف الماضي، اشتريتُ جهازًا كهذا وأخذتُه معي إلى «كامب دوركبوت»، وهو مهرجان سنوي للأطفال المبتكِرين يُعقد — في شيء من قبيل التمادي في مزحة — في معسكر كشافة خارج دوركينج. هنا، تحت أشعة الشمس، فحص بعضٌ مِن أكثر المهتمين بالإلكترونيات الطفولية البسيطة جهاز «كيو لينك». أدخلنا مجسَّات في الجهاز، وحاولنا أن نرصد وجود أيِّ «ترددات» صادرة، لكن دون أن يحالفنا أيُّ توفيق. ثم فعلنا ما يفعله أي طفل مبتكر عندما يقدَّم إليه جهاز مثير؛ فتحنا الجهاز. وبالتنقيب داخلَه، كان أول شيءٍ وجدناه هو لوحة الدوائر الكهربية. لم تكن اللوحة — وهو ما لاحظناه في قدْر من الإثارة — متصلةً بأيِّ حال من الأحوال بالملف النحاسي؛ ومِن ثَمَّ لا تعمل عن طريق الملف، مثلما جرى الزعم بذلك.
كانت الأزرار النحاسية الثمانية تخرج منها بعض مسارات لوحة دوائر كهربية غريبة الشكل، لكن عند فحصها عن كثب لم تكن هذه الأزرار متصلة، بأي حال من الأحوال، بأي شيء على الإطلاق. لكَ أن تسمِّيَها أزرارًا «زخرفية». ويجب أن أذكر، باسم الدقة، أنني لا أعرف إذا كان بإمكاني أن أطلق على شيء «لوحة دوائر كهربية» في الوقت الذي لا توجد فيه أي «دائرة كهربية».
أخيرًا، يوجد مكوِّن إلكتروني حديث مركَّب على السطح ملتحمٌ بمركز الجهاز، يظهر بوضوح من خلال الغطاء البلاستيكي الشفاف. يبدو المكون مبهرًا، لكن مهما كانت ماهيته، فإنه لا يتصل بأي شيء على الإطلاق. وقد كشف الفحص عن كثب من خلال عدسة مكبرة، ومن خلال تجارب باستخدام عداد متعدِّد الأغراض وجهاز قياس ذبذبات، أن هذا المكوِّن في «لوحة الدوائر الكهربية» لم يكن إلا جهاز قياس مقاومة صفرية، وهو جهاز قياس مقاومة ليس له مقاومة؛ مجرد قطعة سلك في صندوق صغير. يبدو مثل مكوِّن بلا فائدة، لكنه مفيد حقًّا في تجسير فجوة بين المسارات المتجاورة في لوحة دوائر كهربية (أشعر أنني يجب أن أعتذر لمعرفة ذلك).
ليست جامعة تيسايد إلا جزءًا من القصة. ولعل من الأسباب الرئيسية في إظهارنا اهتمامًا بباتريك هولفورد هو تأثيره المذهل على مجتمع التغذية في المملكة المتحدة. مثلما ذكرتُ، فأنا أُكِنُّ احترامًا هائلًا للأشخاص الذين أكتب عنهم في هذا الكتاب، وأسعد بمدح هولفورد من خلال القول بأن ظاهرة التغذية الحديثة التي تغزو جميع جوانب وسائل الإعلام ترجع في جانب كبير منها إليه، من خلال خريجي معهد التغذية المثالية الناجح بصورة مذهلة؛ حيث لا يزال يدرِّس. لقد درَّب هذا المعهد الغالبية العظمى ممن يصفون أنفسهم بمعالجي تغذية في المملكة المتحدة، من بينهم فيكي إدجسون من برنامج «دايت دكتورز» على «القناة الخامسة»، وإيان ماربر، مالك مجموعة منتجات «فوود دكتور» الواسعة. ويضم المعهد المئات من الطلاب.
لقد رأينا بعض الأمثلة لمستوى معرفة هولفورد العلمية. فماذا يحدث في معهده؟ ربما نتساءل، هل يتلقَّى طلابه تعليمهم على نهج الطرق الأكاديمية لمؤسِّسه؟
رويدًا رويدًا، وعلى نحو أكبر منذ رحيل هولفورد الذي كان مديرًا له (علمًا بأنه لا يزال يدرِّس هناك) نجح معهد التغذية المثالية في اكتساب بعض الاحترام من خلال مكتبه في جنوب غرب لندن. ونجح المعهد في اعتماد الدبلومة التي يمنحها، من قِبَل جامعة لوتن، ويعتبر المعهد الآن «مؤسسة مانحة للدرجات العلمية». وبالدراسة لسنة إضافية، إذا وجدتَ مَن يَقْبلك — أي جامعة لوتن — يمكن أن تحوِّل الدبلومة التي حصلتَ عليها من معهد التغذية المثالية إلى درجة بكالوريوس علوم كاملة.
إذا شككتُ، خلال محادثة عَرَضية مع مُختَصي التغذية، في معايير معهد التغذية المثالية، فدائمًا ما يجري إبراز هذا الاعتماد؛ لذا ربما نُلقي نظرة سريعة جدًّا عليه. كانت لوتن — التي كانت تُسمَّى من قبلُ كلية لوتن للتعليم العالي، وصارتْ تسمى الآن جامعة بدفوردشاير — محل تفتيش خاص من قِبَل هيئة ضمان جودة التعليم العالي في عام ٢٠٠٥، التي تعمل من أجل «ضمان المعايير الأكاديمية وجودة التعليم العالي في المملكة المتحدة».
عندما نُشِر تقرير هيئة ضمان الجودة، نشرت صحيفة «ذا ديلي تليجراف» مقالًا عن جامعة لوتن عنوانه: «هل هذه هي أسوأ جامعة في بريطانيا؟» الإجابة نعم، على ما أظن. لكن ما يهمنا بصورة خاصة هنا هو الطريقة التي ركَّز التقرير بها، على نحو خاص، على الأسلوب المتهوِّر والعشوائي للجامعة في اعتماد درجات مؤسسة خارجية (ص١٢، الفقرة ٤٥ وما بعدها). فيشير التقرير صراحة إلى أنه — مِن وجهة نظر فريق المراجعة — لا يجري ببساطة تلبية توقعات قواعد الممارسة لضمان الجودة والمعايير الأكاديمية في التعليم العالي، خاصة فيما يتعلَّق باعتماد درجات تُمنح من مؤسسات خارجية. وفي معرض عرض تفاصيل التقرير — لا أحاول أن أقرأ هذا النوع من الوثائق كثيرًا — يمتلئ التقرير بالكثير من التفاصيل المذهلة. إذا أردتَ أن تطَّلع عليه على الإنترنت، أوصي، على نحو خاص، بالاطلاع على الفقرات من ٤٥ إلى ٥٢.
•••
في الوقت الذي كان هذا الكتاب على وشك طباعته، تناقلتِ الأخبار أن البروفيسور هولفورد استقال من منصبه كأستاذ زائر، معللًا ذلك بوجود عملية إعادة تنظيم وهيكلة في الجامعة. لديَّ وقت لإضافة جملة واحدة أخرى، وهي: لن يتوقف الأمر عند ذلك. فهو يبحث الآن عن المصداقية الأكاديمية في مكان آخر. حقيقة الأمر أن صناعة التغذية الهائلة هذه — بل الأكثر أهمية من أي شيء آخر، هذه النوعية المدهشة من المعرفة العلمية — تخترق الآن، دون أي انتقاد، ودون انتباه، قلب نظامنا الأكاديمي، بسبب سعينا المحموم للعثور على إجابات سهلة للمشكلات الكبرى مثل السمنة، وحاجتنا الجمعية لحلول سريعة، وعدم ممانعة الجامعات في العمل مع شخصيات قيادية في الصناعة من جميع المجالات، والرغبة المثيرة للإعجاب في منح الطلاب ما يريدونه، والمصداقية العامة المذهلة التي حقَّقتْها هذه الشخصيات الأكاديمية غير الحقيقية، في عالَم يبدو أنه نسي أهمية تقييم جميع الادِّعاءات العلمية تقييمًا نقديًّا.
ثمة أسباب أخرى لتبرير مرور هذه الأفكار دون بحث؛ أحدها حجم العمل. سيتحدَّث باتريك هولفورد، على سبيل المثال، من وقت لآخر حول قضية الأدلة، لكن في الغالب — هكذا يبدو الأمر لي — من خلال إنتاج المزيد والمزيد من المواد العلمية في ظاهرها، كمية تكفي لإبعاد منتقدين كثيرين، ربما، وبالتأكيد لتطمين الأتباع، لكن كل مَن يجرؤ على المساءلة والتشكيك، عليه أن يكون مستعدًّا لفحص كمٍّ هائل محتمَل من المحتوى، من هولفورد، وأيضًا من مجموعته الكبيرة من العاملين المدفوعي الأجر. أمرٌ في غاية المتعة.
هناك أيضًا شكوى لجنة شكاوى الصحافة ضدي (لم يتم رفعها، ولا حتى تمريرها إلى الصحيفة التي أكتب فيها للتعليق عليها)، والخطابات القانونية المطوَّلة، وادِّعاءاته بأن صحيفة «ذا جارديان» قد صوَّبتْ مقالات كانت تنتقده (وهو ما لم تفعله بشكل شبه مؤكد)، إلخ. كذلك يكتب خطابات طويلة، تُرسَل إلى عدد هائل من الأشخاص، تتهمني أنا وآخرين ممن ينتقدون عمله بأشياء مدهشة جدًّا. وتَظهَر هذه الادِّعاءات في النشرات التي يرسلها إلى عملاء متجر أقراصه، وفي خطابات إلى جمعيات خيرية صحية لم أسمع بها من قبل، وفي رسائل بريد إلكتروني إلى الأكاديميين، وفي صفحات هائلة على الإنترنت؛ آلاف لا نهاية لها من الكلمات، تدور في معظمها حول ادعائه المتكرِّر وغير المتسق إلى حدٍّ ما بأنني صرتُ بشكل أو بآخر مجرد أداة في يد شركات الدواء الكبرى. لستُ كذلك، لكنني ألاحظ في شيء من السرور — مثلما ذكرتُ — أن باتريك، الذي باع شركة صناعة أقراص الدواء التي يمتلكها مقابل نصف مليون استرليني العام الماضي، يعمل الآن لصالح شركة «بيوكير»، التي تمتلك فيها إحدى شركات الدواء ٣٠ في المائة منها.
لذلك أتحدث إليك مباشرة الآن، أيها البروفيسور باتريك هولفورد: إذا اختلفنا حول أي مسألة من مسائل الأدلة العلمية، بدلًا من تلك الهراءات من قبيل أن صناعة الأدوية تسعى للنيل منك، أو تقديم شكوى، أو إرسال خطاب قانوني، وبدلًا من الادِّعاء في استخفاف أن هذه التساؤلات يجب أن يجيب عنها العالم الذي تبالغ أنت في تفسير عمله الصحيح — مثلما أظن أنني قد بيَّنتُ — وبدلًا من الإجابة عن سؤال مختلف عن السؤال الذي وجَّهتُه، أو أي شكل آخر من أشكال الاستعراض والمبالغة، سأرحِّب بتوضيح أكاديمي، في بساطة ووضوح.
هذه ليست أمورًا معقدة. فإما أن يكون انتقاء الأدلة حول فيتامين ﻫ، مثلًا، مقبولًا أو لا. إما أن يكون معقولًا إجراءُ استقراء من البيانات المخبرية حول الخلايا في وعاء مخبري فيما يتعلق بادِّعاء إكلينيكي حول الأشخاص المصابين بالإيدز، أو لا. إما أن البرتقال يحتوي على فيتامين ج، أو لا. وهكذا. حيثما ارتكبتَ أخطاء، ربما يمكنُك أن تُقرَّ بذلك ببساطة، وتصوِّبها. عن نفسي سأفعل ذلك دومًا بكل سرور، وحقيقةً إنني فعلتُ ذلك مرات كثيرة للغاية، في عديد من الموضوعات، ولم أشعر بقدْرٍ كبير من المهانة.
أرحِّب بأن يتحدَّى الآخرون أفكاري؛ إذ يساعدني هذا على صقلها.