لمحة تاريخية
يقول المتهجمون الذين يريدون التنقُّص من الأدب العربي القديم: إنَّ العرب لم يعرفوا الدرامة.
ونحن لسنا نحاول في هذه الكلمة المقتضبة التبسُّط في تكذيب هذا المفترى، غير أننا
نريد
أنْ نثبت أنَّ الدرامة ذات الفصل الواحد هي من مخترعات العرب الأقدمين، وكانوا يطلقون
عليها
اسم «مثال» للمغزى الذي يجب أن تؤديه، جاء في «الحواشة السخفولية»:١
كان للبساطرة — وهم فخذ من قبيلة ثَعَلة — عادةٌ كلما اكتمل القمر، أنْ يمثلوا
رواية في فصل واحد، فينتحون هضبة يجعلونها مسرحًا، ويحجبونها عن القوم٢ بستار، يعلق جانباه على رأسَيْ بعيرين واقفين، بينهما عشر فشخات وأربعة
أشبار، فإذا احتشد القوم صاح الحقريف٣ وأناخ الجملين، فهبط الستر وابتدأ التمثيل، فإذا انتهت الرواية ضرب
الحقريف البعيرين بعصًا فنهضا، فحجب الستار المسرح عن القوم وانتهت الرواية.
وقد أشار إلى هذه العادة أبو العبث الشوفاني في موشحته الأندلسية الشهيرة التي مطلعها:
يا شوق قلبي ﻟﻠ «مثال»، يا ليلةً
البدر فيها قد استدار
والجمع حشد كالرمال، يا صرخةً
تعلو إذا هبط الستار
ويدي على كتف الحبيب تلاعبه
١
صفحة ٢١ الجزء الرابع (هي المخطوطة اليتيمة التي يملكها الأستاذ إسعاف
النشاشيي).
٢
ما نسميه اليوم: نظارة.
٣
مدير المسرح.