أيام في أثينا (٥)
الاثنين ٨ أغسطس، يوم وداع أثينا.
المكتبة والجامعة والأكاديمية ودار الطلبة، متراصَّة بعضها إلى جانب البعض على مسافة قصيرة من الفندق.
وفي الساعات الباقية قبل السفر متسع لزيارة بعض هذه المؤسسات العلمية الأدبية التي أنفق سراة اليونان بسخاء على إنشائها وتعميرها.
جولة في مكتبة أثينا الأهلية
قابلت في المكتبة الآنسة كاوري، خريجة كلية الفلسفة بجامعة أثينا، وهي تجيد اللغتين الفرنسوية والألمانية، وتقوم بمثل أستاذنا الشيخ محمد عبد الرسول في دار الكتب المصرية.
وكان السؤال، وكان الجواب.
وكان مجمل ما استفدته من الآنسة الليبية أن مكتبة أثينا الأهلية أنشئت سنة ١٨٣٢ بمال إخوان فالانوس، ونقلت إلى محلها الحاضر سنة ١٩٠٣.
ويبلغ عدد ما فيها من الكتب الآن نصف مليون كتاب منها أربعة آلاف مخطوطة، وعدد الموظفين الفنيين ١٦ موظفًا، وهم طبعًا غير الخدم السايرة، ومنهم نساء يتولين الكنس والتنظيف.
وبأمر حكومي يجب على كل مؤلف أو ناشر أن يرسل من مطبوعاته نسختين إلى المكتبة الأهلية فتحفظ فيها نسخة، وترسل الأخرى إلى مكتبة الجامعة.
وهناك كتالوج أبجدي بأسماء المؤلفين وفهارس وفيش لأقسام العلوم والفنون، في حاجة إلى الترتيب والتوسيع، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة.
وتطبع المكتبة فهرستًا سنويًّا بأسماء المؤلفات الجديدة.
وقدمت إليَّ الآنسة النسخة الأخيرة من هذا الفهرست، ولا تزيد صفحاته على المائة والأربعين من الحجم المتوسط.
قلت: وهل عندكم دور أخرى للكتب؟
قالت الآنسة كلوري: نعم، عندنا مكتبة البرلمان وفيها نصف مليون مجلد ومكتبة الطلبة وفيها خمسون ألفًا، ولكل من كليات الطب والعلوم والآداب والفنون مكتبة، وتوجد كذلك مكتبات عظيمة في معاهد الآثار الألمانية والأمريكية والفرنسوية والإيطالية في أثينا، ولكن من الأسف أنه ليس عندنا مكتبات للشعب.
وصعدت بي من الدور الأرضي إلى الدور الأول، وقدمتني إلى الموظف الفني المكلف بتنسيق الكتالوج، وهو من خريجي كلية الحقوق.
وقدمني هذا بدوره إلى الأستاذ المسيو كوكينوس مدير المكتبة، وذكر لي أنه مؤلف أكبر تاريخ للثورة اليونانية في مجلدات عدة طُبِع منها ستة، وله كذلك قصص وروايات يعرفها المثقفون من الجالية اليونانية في مصر ويقرءونها.
وخرج بي من مكتب المدير إلى قاعة المطالعة والمراجعة ودهاليز المخازن، وأطلعني على بعض ما عندهم من كتب عربية أكثرها من مطبوعات أوروبا.
ساعة في أكاديمي أثينا
ومن المكتبة إلى أكاديمي أثينا.
وأثينا مبدعة الأكاديميات، ومعلمة العالم كيف يتأكدمون.
وأكاديمي أثينا الحاضرة أنشأها وصرف على تشييد عمارتها البارون سيمون أكسيناس، وبُنِيَتْ كلها من رخام بنتالي على مثال هيكل البارتنيون وزُيِّنَتْ جدرانها بصور تمثل آلهة الخير والفضل، ونصب في صدرها تمثال رخامي بالحجم الطبيعي للبارون أكسيناس.
وقابلني في الأكاديمي المسيو جورج نيقولا فيلتسوس مدير مكتب المجمع، والمسيو ماريو تيودراكي مساعده.
وذكرَا لي أن أعضاء الأكاديمي ستون عضوًا، ولكن عددهم الآن أربعون عضوًا، ورئيس الأكاديمي المسيو أنطوني كيراموبولس الأستاذ في الجامعة، والسكرتير العام المسيو جورج إيكونومس.
ويتناول الأعضاء راتبًا شهريًّا من الحكومة، ويعملون متفرقين ومجتمعين لترقية العلوم والآداب والفنون.
ويحتوي الدور الأرضي للأكاديمي على أرشيف عام للحكومة، ومستندات ووثائق لتاريخ أدب اللغة والقضاء والعادات والأخلاق والعصر الحديث.
ويشتمل الدور الأول على قاعة الاجتماع والجلسات الكبرى، ومعرض للنقود وغرف للجان والسكرتارية وغيرها.
ذكرى محسنة مصرية
وفي غرفة السكرتير عُلِّقَتْ صورة زيتية كبرى للمسيو تسيفلوس الذي وهب ثروته كلها للأكاديمي، وصورة مدام أورانيس قسطنطنيدس التي قضت حياتها في مصر، ووضعت ثروتها بين يدي أعضاء الأكاديمي ليصرفوا من ريعها على بعثات من شبان اليونانيين المصورين والمثالين ليتخصصوا في فنهم خارج بلاد اليونان.
وفي هذه الغرفة خزانة كتب قَيِّمَة بين مخطوط ومطبوع قبل الثورة اليونانية، تركها للأكاديمي الدكتور إدامنتوس كواريس الطبيب اليوناني الذي عاش بباريس ومات فيها.
غدوة مصرية في دار مصرية
وعدت إلى فندق أكسيناس ميلاترون وأنزل الخدم الحاجة شنطة، وأرادوا إدخالها في خزانة العفش بسيارة الأستاذ العمروسي، فاحرنجمت وزمجرت وأبت إلا أن تحتل المحل الأرفع في السيارة.
ودرجنا في شوارع أثينا مودِّعين آثارها وأعلامها وما فيها من مفاخر المحسنين، وخرجنا إلى شارع سنجاروس العظيم، حتى وصلنا إلى بيريه، فأنزلنا الحاجة شنطة في القنصلية المصرية وأعطينا الباسبورت لرئيس الخدم وحملنا معنا الأستاذين محمد يس وأنور نيازي، وعدنا إلى فالير القديمة حيث يصطاف الأستاذ العمروسي.
وفي الدار استقبلتنا السيدة حرم الأستاذ الجليل أحمد فهمي العمروسي بك، والآنسة عايدة كريمتها، والسيدة سميرة حرم الأستاذ يس.
وكان مائدة مصرية، وأكلة مصرية بيد يونانية تحت إشراف السيدة المصرية، ولكن العيش الإفرنكي الفينو لم يفلح في الامتزاج بفتة الفراخ.
وبعد الغداء كان الحديث في الشئون المصرية المختلفة في الوسط المصري، وأدوار البيانو العربية عزفتها الآنسة عايدة العمروسي.
ركوب الباحرة فرينتون
وحانت الساعة الخامسة فودعت وركبت مع الأستاذين العمروسي ويس إلى دار القنصلية، فحملنا الحاجة وأتباعها إلى الباخرة «فرينتون»، وكانت واقفة إلى جانب الرصيف في الشارع.