أساليب العلاج السلوكي المعرفي
قيل إن العلاج السلوكي المعرفي هو غُراب مجال العلاج النفسي؛ من حيث إنه «يستعير» (يسرق) أبرعَ وألمع الأشياء (الأساليب) من نُهج العلاج النفسي الأخرى. في الواقع، يشاع أن إيرون تي بيك ادَّعى ذاتَ مرة أنه «إذا كان العلاج ناجحًا، فهو علاج سلوكي معرفي». لذلك من الصعب تحديد بدقةٍ ما يمكن اعتباره أسلوبًا خاصًّا بالعلاج السلوكي المعرفي. في الواقع، يمكن المجادلة بأن الأساس المنطقي الضمني وراء الأسلوب، وليس الأسلوب نفسه، هو ما يُعَرِّفه بأنه أسلوب علاج سلوكي معرفي — أي: عندما يُنَفَّذ العلاج بقصد التأثير على بعض جوانب الإدراك أو السلوك، بغرض تخفيف الشعور بالإزعاج. يوضِّح هذا الفصل بعضَ الأساليب الرئيسية المستخدَمة في العلاج السلوكي المعرفي، لتحقيق التغيير المنشود.
الأساليب المعرفية
الغرض الأساسي من الأساليب المعرفية هو إعادةُ تقييم العوامل المعرفية (الأفكار وأنماط التفكير والصور) التي يُفترض (في صياغة الحالة) أنها تحافظ على بقاء المشكلة (المشكلات). لا يهدف العلاج السلوكي المعرفي إلى تخليص الفرد من كل الأفكار غير المنطقية. في الواقع، سيكون من غير المعتاد ألَّا يكون لدى الناس أيُّ أفكارٍ غير منطقية. على سبيل المثال، لدى معظم الناس بعضُ المعتقدات الخرافية (مثل رقم يجلِب الحظ) أو مخاوف غير منطقية. الفرق هو أنها لا تسبب لهم إزعاجًا شديدًا. وتشير الأبحاث إلى أن الأشخاص المكتئبين قد يتنبئون تنبؤاتٍ أكثرَ دقة («الواقعية الاكتئابية») من غير المكتئبين في ظروف معينة. لذا فبدلًا من محاولة القضاء على التفكير غير العقلاني، ما يهدف إليه العلاج السلوكي المعرفي هو تحديد المعتقدات الإشكالية، التي يُفترض أنها مرتبطةٌ بالصعوبات التي يريد الفرد المساعدة فيها، ثم فحص أساس هذه المعتقدات؛ و— إذا كان ذلك مناسبًا — مساعدته في العثور على منظورٍ بديلٍ أقلَّ إزعاجًا ليكون تفسيرًا أفضل (أو على الأقل قابلًا للتطبيق بنفس القَدْر) للأدلة. لذلك، لا يهدف العلاج السلوكي المعرفي إلى تصحيح التفكير الخاطئ أو غير العقلاني، بل يهدف إلى إيجاد تفسيراتٍ بديلةٍ صالحةٍ للتطبيق بنفس القَدْر، ولكنها أقل إزعاجًا. وكما أشارت إلينور روزفلت، «الشخص الناضج هو الشخص الذي لا يفكِّر في الأمور المطلَقة، والذي يكون قادرًا على أن يكون موضوعيًّا حتى عندما يُستثار استثارةً انفعالية شديدة، والذي تَعَلَّم أن الخير والشر موجودان في كل الناس وكل الأشياء».
تحديد الأفكار
الشعور | الموضوعات المعتادة في الأفكار |
---|---|
الاكتئاب/الحزن | الضياع واليأس ونقد الذات. العالم مكان سيئ. المستقبل قاتم. |
القلق/الخوف | تصوُّر التهديد أو الخطر — سيحدث شيء سيئ. |
الغضب | تصوُّر أن الآخرين ينتهكون القواعد أو المعايير المقبولة. الجور. الظلم. |
الذنب/الخزي | انتهاك الذات للقواعد أو المعايير المقبولة. الشعور بالخزي، لا سيما مع العلم أن الآخرين قد يكونون على عِلم بهذا الانتهاك. |
الاضطراب | الموضوعات المعتادة في الأفكار |
---|---|
اضطراب الهلع | تفسيرات خاطئة كارثية للأحاسيس الجسمانية (على سبيل المثال، «لديَّ خفقان، هذه علامة على أنني على وَشْك الإصابة بنوبة قلبية»). |
القلق الصحي | يشبه اضطراب الهلع ولكنه أقلُّ إلحاحًا/انتشارًا على مدى فترة زمنية أطول (على سبيل المثال، «يمكن أن يكون الشعور بالوخز هذا علامةً مبكرة على مرض التصلب المتعدِّد»؛ «يمكن أن تتطوَّر هذه الشامة إلى سرطان الجلد»). |
الوساوس والدوافع القهرية | تفسيرات خاطئة للأفكار التسلطية، غالبًا كإشارة على الشعور بالمسئولية عن منع حدوث الضرر (على سبيل المثال، «إذا كانت لديَّ هذه الأفكار اللاأخلاقية، فهذا يعني أنني شخص سيئ وأن مصيري الجحيم»؛ «إذا لم أكن متأكدًا من نظافتها، يمكن أن تكون ملوَّثة/ تسبِّب ضررًا»). |
القلق الاجتماعي | تفسيرات وتقييمات سلبية لردود فِعل الآخرين (على سبيل المثال، «سيظنون أنني غريب الأطوار»). |
الرُّهاب | تفسيرات سلبية لمثيرات الرُّهاب والخوف من الخوف (على سبيل المثال، «سيلمسني العنكبوت ولن أكون قادرًا على التعامل مع الأمر»). |
اضطرابُ ما بعد الصدمة | تُفَسَّر الصدمة على أنها تهديد مستقبلي (على سبيل المثال، «لأنها حدثت مرة، فمن المحتمل حدوثها مرة أخرى»؛ «كوني لا أستطيع التوقف عن التفكير في الأمر يعني أنني لن أعود إلى طبيعتي أبدًا»). |
الصعوبات في العلاقات | معايير/توقعات غير متوافِقة وتفسيرات سلبية لنوايا/سلوك الطرف الآخر (على سبيل المثال، «إنها تترك أغراضها مبعثرة لأنها لا تهتم بشأني»). |
تحديد الفكرة المستهدَفة
هل هي فكرة؟ | من الأفضل مواجهةُ الأفكار، بدلًا من إقرار الواقع (على سبيل المثال، «فقدت وظيفتي اليوم») أو المشاعر (على سبيل المثال، «أنا خائف»). ينبغي عدم تحدي المشاعر بشكل عام؛ فإذا كان الشخص يشعر أنه بائس أو مرعوب، فهو بالطبع كذلك! وبدلًا من تحدي تجربته الانفعالية، فإن ما يمكن أن يكون مثمرًا أكثر هو التركيز على تفسيره للآثار المترتِّبة على ذلك (على سبيل المثال، «لن أشعر بتحسن أبدًا» أو «ما أشعر به شيء لا يُحتمل»)، أو تكهناته حول عواقب المشاعر (على سبيل المثال، «إذا لم أتمكَّن من التحكم في قلقي، فسأصاب بالجنون»). |
هل هي ممثلة وذات صلة؟ | لدينا العديد من الأفكار اللاعقلانية، ولكن ليس جميعها ذا صلةٍ بالمشكلة المطروحة أو يمثِّل طبيعة ذلك الشخص. لذا فالأسئلة المفيدة التي يجب أخذُها بعين الاعتبار هي: ما الأفكار التي تدور في ذهن المريض وهو يواجه فعلًا مشكلةً بعينها (على عكس عندما يناقش المشكلةَ في مكتب المعالِج). هل الفكرة مرتبطة بالمشكلة المطروحة؟ في القلق، سيكون التركيز منصبًّا على موضوعات الخطر/التهديد، بينما في الاكتئاب، قد تكون الأفكار ذات الصلة تتعلَّق بالإحساس بالضياع واليأس ونقد الذات. هل تمثِّل الفكرة موضوعًا متكررًا أم إنها فكرة واحدة ليست لها صلة أشمل خارج نطاق موقف معيَّن؟ |
هل هي مزعجة بما فيه الكفاية؟ | هل هذه الفكرة تسبِّب ضيقًا كبيرًا؟ هل يؤمن المريض بهذه الفكرة إيمانًا شديدًا؟ إذا لم تكن تسبِّب ضيقًا شديدًا، أو لم يكن المريض شديد الإيمان بها؛ فقد لا تُسهم بشكلٍ كافٍ في المشكلة المطروحة، بحيث تكون لها أولوية في وقت الجلسة. |
هل هي قابلة للتغيير؟ | هل الفكرة مشوَّهة بشكلٍ كبير؟ هل هي قابلة لإعادة التقييم؟ إذا لم تكن كذلك، فقد يكون أسلوب حل المشكلات خيارًا أفضل. بعض الأفكار غير قابلة على نحوٍ كبير للتحدي (على سبيل المثال، «سأبقى في الجحيم إلى الأبد لما ارتكبته من خطايا»). |
هل من المناسب سريريًّا مواجهةُ هذه الفكرة؟ | هل من المناسب التركيزُ على هذه الفكرة في هذه المرحلة من العلاج؟ يجري التعامل مع الأفكار التلقائية في وقتٍ مبكِّر من العلاج، في حين يجري التعامل مع المعتقَدات الأساسية والافتراضات الأصعب في تغييرها في وقتٍ لاحق، بمجرد أن تكون قد أُتيحت الفرصة للمريض لتطوير مهاراته في العلاج السلوكي المعرفي نوعًا ما. هل المريض مستقر ومدعوم بما يكفي للشروع في التركيز على هذه المشكلة الآن؟ هل يوجد وقتٌ كافٍ للتعامل مع ما قد يظهر؟ من غير المثالي الشروع في مناقشةِ أمرٍ مزعج للغاية في الدقائق العشر الأخيرة من الجلسة. |
يجري التعبير عن العديد من الأفكار في البداية على صورةِ أسئلة (على سبيل المثال، «ماذا لو فهمت الأمر بشكل خاطئ؟») وتصبح هذه الأفكار أكثرَ قابليةً لإعادة التقييم، إذا صيغت في شكل عبارةٍ بدلًا من سؤال (أي: «سأفهم الأمر بشكل خاطئ»). كلما كان التنبؤ السلبي أكثرَ تحديدًا، كان ذلك أفضل، حيث سيختلف «الفهم الخاطئ» من شخص لآخر. لذا، يجري تشجيعُ المريض على أن يحدِّد بالضبط ما يعتقد أنه قد يسير بشكلٍ خاطئ، وكيف سيتجلى ذلك، وما العواقب المحتملة التي يخشى حدوثها. ودرجةُ إيمانهم بهذه الأشياء ذاتُ صلة أيضًا؛ إذا كنت أعتقد أن فرصةَ أن أجعل من نفسي أضحوكةً نسبتها ٢ في المائة فقط، فسأكون أقلَّ قلقًا بكثير مما لو كنت أعتقد أنها أرجح بنسبة ٩٥ في المائة. لذلك من المهم تحديدُ الفكرة بأكبرِ قدْر ممكن من التفاصيل، وتقييم درجة إيمان المريض بها عندما يكون في الموقفِ ذي الصلة. هذا التقييم الأخير مهمٌّ بشكل خاص؛ لأننا عندما لا نكون في الموقف ذي الصلة، أو لا نكون في حالة اختبارٍ للمشاعر ذات الصلة، فقد يكون لدينا درجةُ إيمانٍ بالمعتقدات ذات الصلة أقل بكثير. على سبيل المثال، إنني أدرك أن عواقب الأداء السيئ عند التحدُّث أمام جمهورٍ ضئيلةٌ في موقعي الوظيفي الحالي، لكن هذا لا يمنعني من الخوف من التعرُّض للإذلال العلني، عندما أقترب من المنصة! يميل القلق إلى الوصول إلى ذروته قبل خوض الموقف مباشرة، وهذا هو الوقت المثالي للتعرُّف على الأفكار ذات الصلة، وتقييم درجة الإيمان بها.
أنماط التفكير
نمط التفكير | الوصف | مثال |
---|---|---|
القطبي | التفكير القائم على تقسيم الأشياء إلى أسودَ وأبيضَ | إذا لم يكن الأمر ناجحًا تمامًا، إذن فهو فاشل. إذا لم يكن مثاليًّا، إذن فهو مريع. |
العزو الشخصي | افتراض أن كل شيء يتعلَّق بك؛ تحمُّل الكثير من المسئولية عن الأحداث السلبية. | كون أداء فريقنا لم يكن رائعًا فهذا كلُّه خطئي. إذا لم تَسِر المحادثة بسلاسة، فهذه مسئوليتي بالكامل. |
التعميم المفرِط | استخلاص استنتاجات عامة من واقعة واحدة. | عدم اجتياز اختبار القيادة في المحاولة الأولى يعني أنني لن أنجح أبدًا في أي شيء في الحياة. إذا كان فلان لا يحبني، فلن يحبني أحدٌ أبدًا. |
التفكير الانتقائي | التركيز على جانب واحد فقط، عادةً ما يكون الجانب السلبي، من المعلومات المتاحة. | تجاهلُ حقيقة أنك أبليت بلاءً حسنًا في جميع الاختبارات، والتركيز فقط على الاختبار الذي لم يَسِر بنفس النحو. |
توقُّع الكوارث | المبالغة في تقدير العواقب السلبية المحتَملة. | الاعتقاد بأنك إذا نسيت نزْع قابس مقبس معيَّن، فسيحترق المنزل ويموت الجميع. |
الاستنتاج التعسُّفي | استخلاص استنتاجات سلبية بناءً على أدلة غير كافية. | لأنهم أشاحوا بنظرهم بعيدًا، فلا بد أن هذا يعني أنهم لاحظوا مدى قلقي، وشعروا بالحرج. |
التفكير الانفعالي | وضع افتراضات على أساس المشاعر الشخصية، وافتراض أن المشاعر تشبه الواقع. | أشعر بالسوء، إذن فلا بد أنني سيئ. أشعر بالخوف؛ لذا فلا بد أن الأمر خطير. أشعر بالذنب؛ لذا فلا بد أنني ارتكبت خطأً. لا أشعر بالثقة؛ ومن ثَم أنا غير كُفُؤ. |
المقارنة واليأس | مقارنة نفسك بعددٍ لا يُحصى من الناس، على أساس متغيرات لا حصر لها، وملاحظة الجوانب التي تفشل فيها فحسب. | كل الناس أسعد مني، ولديهم حياةٌ أفضل، وسيارة أفضل، ومنزل أفضل، ووظيفة أفضل، وعلاقة أفضل، إلخ. وسائل التواصل الاجتماعي أداةٌ ممتازة لتغذية نمط التفكير هذا. |
التنبؤ بالمستقبل | الاعتقاد بأننا يمكننا التنبؤ بدقةٍ بما سيحدث في المستقبل. | لأنني ارتكبت هذا الخطأ، فسيفصلونني من العمل. لن أجد وظيفةً أخرى أبدًا. |
تغيير الفكرة
بمجرد أن يتَّفق المعالِج والمريض بشكلٍ تعاوني على فكرةٍ يستهدفانها لإعادةِ التقييم، يوجد العديد من الأساليب المختلفة التي يمكن استخدامها لتحقيق هذا الهدف. أحد الأساليب الأساسية هي عملية التساؤل السقراطي أو الطريقة السقراطية، والتي يمكن أن تسمَّى أيضًا ﺑ «الاكتشاف الموجَّه». سُميت عملية التساؤل السقراطي على اسم الفيلسوف سقراط، الذي كان يستخدم سلسلةً من الأسئلة الاستكشافية المدروسة، بدلًا من الإجابة عن استفسارات طلابه مباشرة، ليوجههم لاكتشافِ الإجابة بأنفسهم. الطريقة السقراطية هي طريقة لمساعدة المريض (أو الطالب، كما كان الحال مع سقراط) للنظر في مجموعةٍ من التفسيرات البديلة التي هو ليس على درايةٍ بها حاليًّا، واستخدامها لإعادة تقييم معتقَدٍ سابق. يمكن القيام بذلك باستخدامِ أوراق عمل منظَّمة مثل «سجل الأفكار»، الموضَّحِ أدناه، لتقييم الأدلة المؤيدة والمعارضة لمعتقَدهم الحالي قبل صياغة منظور بديل. أو يمكن فِعل ذلك بطريقةٍ أقلَّ تنظيمًا باستخدام الأسلوب السقراطي في طرح الأسئلة. تتضمَّن عملية التساؤل السقراطي المراحل التالية:
-
(١)
طرح أسئلة لاستيضاح الموقف. «ما أكثرُ المواقف التي تشعر فيها بالانزعاج؟ كيف يؤثِّر هذا عليك؟»
-
(٢)
الإنصات المتعاطف. الانتباه الدقيق دون إصدار أحكامٍ إلى ما يقوله المريض، وأي ردود فِعل انفعالية مصاحبة لذلك. «يبدو أن المواقف التي تشعر فيها بأنك تُقَيَّم سلبيًّا صعبة حقًّا بالنسبة إليك. كيف تجعلك هذه المواقف تشعر؟»
-
(٣)
التلخيص والتحقُّق من فَهْمك. «يبدو أن الشعور بتعرُّضك للتقييم يجعلك تتشكك في نفسك، هل هذا صحيح؟ يبدو أن هذه المواقف تجعلك تشعر بالسوء تجاه نفسك. في أيِّ جانب من الجوانب بالضبط؟»
-
(٤)
طرح أسئلة تجميعية أو تحليلية مصمَّمة لتوسيع منظور المريض، ليقدِّم معلوماتٍ قد لا يكون على درايةٍ بها حاليًّا. «هل هناك مواقفُ لا تشعر فيها أنك تتعرَّض للتقييم؟ أو مرَّات شعرت فيها أنك تتعرَّض للتقييم بصورةٍ أقلَّ؟ أو تعاملت بشكلٍ أفضل مع التعرُّض للتقييم؟ ما الذي كان مختلفًا في هذه المرات؟ ماذا يمكننا تعلُّمه من ذلك؟»
يمكن استخدام الأسئلة السقراطية لجعلِ تفكير المريض أكثرَ مرونة، بالإضافة إلى استخدام سجلات الأفكار، وقبل استخدام أساليبَ أكثرَ تنظيمًا مثل التجارب السلوكية.
سجلات الأفكار
يجب أن يتجاوز الغرضُ من إكمال سجلات الأفكار إعادةَ تقييم فكرة واحدة بعينها. أولًا، يجب أن تساعد إعادةُ تقييم الأفكار بأي طريقةٍ على خَلْق مسافةٍ بين المريض ومنظوره الحالي (المزعج) من حيث كونها تتوافق مع «ما وراء الوعي» بالأفكار؛ أي إدراك أن الأفكار هي مجرَّد أفكار وليست حقائقَ مطلَقة. ثانيًا: يساعد استخدامُ سجلِّ الأفكار لإعادة تقييم فكرةٍ بعينها، المريضَ على تعلُّم الطريقة الخاصة بذلك؛ وبمجرد أن يتعلم المريض استخدامَ تلك الطريقة بشكل مستقل، يمنحه ذلك مهارةً لإعادة تقييم الأفكار المزعجة، واكتشاف وجهات نظر بديلة، والتي يمكنه استخدامها في مجموعةٍ متنوِّعة من المواقف.
بمجرد أن يثق المريض في قدرته على تحديد الموقف ومشاعره وأفكاره، تكون المرحلة التالية هي اختيارَ فكرة لإعادة تقييمها. كما ذكرنا سابقًا، سيوجِّه العديدُ من العوامل هذا الاختيارَ، بما في ذلك أيُّ فكرة هي الأكثر إزعاجًا للمريض، والتي يُطلق عليها أحيانًا «الفكرة المؤرِّقة». يطلب سجلُّ الأفكار من المريض بعد ذلك سرْدَ الأدلة الداعمة للفكرة. من غير المحتمل أن يصدِّق المريض هذه الفكرة في غياب أيِّ أدلة، ومن الضروري معرفةُ ما الذي تحاول مواجهته قبل أن تحاول مواجهته («اعرف عدوَّك»، كما يقول المثل)؛ لذا من المهم أن تُحدِّد جميعَ الأدلة الداعمة للفكرة قبل الانتقال إلى بحثِ الأدلة المضادة لها.
تغيير الشخص | ماذا سأقول لصديقٍ أو لشخص يهمني أمره كان في نفس الموقف؟ ما الذي أود أن يقوله لي شخص يهتم لأمري لدعمي وتشجيعي؟ |
تغيير الإطار المرجعي الانفعالي | كيف كنت سأرى هذا إذا لم أكن مكتئبًا/قلقًا؟ إذا كنت عطوفًا ورحيمًا بنفسي، فكيف كنت سأعتقد بدلًا من ذلك؟ عندما لا أكون في الموقف، هل أراه بشكل مختلف؟ |
تغيير الإطار المرجعي الزمني | قبل بضعة أشهر، قبل أن أصاب بالاكتئاب، كيف كنت سأفكِّر في هذه المسألة؟ بعد عام، إذا فكرتُ مرةً أخرى في هذا الموقف، فما النصيحة التي سأقدِّمها لنفسي؟ هل مرَّت عليَّ أوقاتٌ لم أكن أشعر فيها بهذه الطريقة؟ أو مرات لم ينطبِق فيها هذا الاعتقاد؟ ما الذي سأعتقده إذا عُدتُ بالنظر إلى هذا الموقف في غضون عشر سنوات؟ |
بمجرد إكمالِ سجلِّ الأفكار، من غير المحتمل أن تنخفض درجة الاقتناع بالمعتقَد الأصلي إلى صفر، أو أن تكون درجة الاقتناع بالمعتقَد البديل ١٠٠. قد يتعين تكرار تجربة سجل الأفكار عدة مرات، عَبْر مجموعة متنوِّعة من المواقف، لحدوث تغيير كبير في المعتقَد. وحتى في هذه الحالة، قد يظل الأمر فرضيًّا؛ فمن المحتمل أن تظل هناك حالةٌ من عدم اليقين؛ ولذا فالمرحلة التالية هي النظر في كيفية التفريق بشكلٍ أكبر بين المعتقَدَين. إحدى الطرق التي يمكن من خلالها القيامُ بذلك هي تصميمُ طرقٍ لاختبار المعتقَد الجديد على أرض الواقع، أو المقارنة المباشرة لتحديدِ أيٍّ من المعتقَدين يعتبر تفسيرًا أفضلَ لتجربة المريض.
الأساليب السلوكية
يمكننا تعلُّم الحكمة بثلاث طرق؛ الأولى: بالتأمُّل، وهي الأنبل؛ والثانية: بالتقليد، وهي الأسهل؛ والثالثة: بالتجربة، وهي الأقسى.
قبل الانتقال إلى إلقاءِ نظرة على الأساليب السلوكية في العلاج السلوكي المعرفي، تجدُر الإشارة إلى أنه لا توجد حدودٌ واضحة بين الأساليب المعرفية والسلوكية، وعادةً ما تجمَع أفضلُ تدخُّلات العلاج السلوكي المعرفي بين كِلا العنصرَين. أشار كلٌّ من تشادويك وبيرتشوود وتروير إلى أن «المعتقدات نادرًا ما تتغيَّر نتيجةَ التحدي الفكري، ولكنها تتغيَّر فقط من خلال إشراك المشاعر، والتصرف بطرقٍ جديدةٍ تُنتِج أدلةً تؤكد المعتقدات الجديدة». من الأمثلة الجيدة على التدخُّل السلوكي المستخدَم لتعزيز التغيير المعرفي «التجربة السلوكية». يصفُ كينيرلي وكيرك وويستبروك التجاربَ السلوكية على أنها أنشطةٌ تجريبية مخطَّطة تقوم على التجريب أو الملاحظة، والتي يطبِّقها المرضى، في جلسات العلاج السلوكي المعرفي أو بينها. ينشأ تصميم هذه التجارب مباشرةً من صياغة الحالة الخاصة بالعلاج السلوكي المعرفي. والغرض الأساسي منها هو الحصول على معلوماتٍ جديدة قد تسهِم في تطوير الصياغة؛ أو اختبارِ صحةِ المعتقَدات الحالية للمريض عن نفسه والآخرين والعالَم؛ أو بناء واختبار معتقَداتٍ جديدةٍ أكثرَ تكيفًا.
غالبًا ما تُستخدم التجارب السلوكية لتوسيعِ تأثيرِ المناقشات اللفظية، مثل الأسئلة السقراطية أو سجلات الأفكار. وبعد استكشافِ معتقَدٍ معيَّن وتوليد وجهات نظرٍ بديلةٍ من خلال المناقشة، توفِّر التجارب السلوكية وسيلةً لاختبار أو تعزيز هذه الاستنتاجات. وهي يمكن أن تكون وسيلةً لجمع الأدلة، للمساعدة في التمييز بين المعتقَدات القديمة والجديدة. ومن ناحيةٍ أخرى، يمكن إجراء التجارب السلوكية لتوليد معلوماتٍ أو فرضياتٍ جديدة. أقرَّ مارك توين قيمة التعلُّم التجريبي في اقتباسٍ غيرِ مؤكَّدةٍ صحةُ نسبته إليه: «إذا حملت قطةً من ذيلها، فستتعلم أشياءَ لا يمكن تعلُّمها بأي طريقة أخرى». أوضح الفصل الأول بعضَ التدخُّلات السلوكية المبكرة، مثل التعرُّض وإزالة التحسُّس المنهجية. قد تبدو هذه التدخُّلات مشابهة جدًّا للتجربة السلوكية؛ في الواقع، قد يقوم المريض بنفس الشيء بالضبط في كلٍّ منها — مثل الذهاب إلى سوبر ماركت — لكن الأساس المنطقي للتدخل مختلف، كما هو موضَّح في المربع الذي يحتوي على أمثلةٍ على التجارب القائمة على الفرضيات.
كيف تختلف التجارب السلوكية عن التعرُّض
التعرُّض | التجربة السلوكية |
---|---|
مبنيٌّ على نظريات التعلُّم السلوكية (الارتباط الشرطي الكلاسيكي) | مبنية على النظرية المعرفية؛ إذ تهدف إلى إثباتِ صحةِ المعتقَدات أو خطئها |
تطبَّق آليةُ التغيير من خلال التعرُّض المطوَّل والتكرار، مما يؤدِّي إلى اعتياد استجابة القلق واختفائها في نهاية المطاف | تطبَّق آليةُ التغيير من خلال تغيير المعتقَدات؛ لذا فالتكرار ليس ضروريًّا، ولكن قد يكون مطلوبًا عَبْر مواقف أو سياقات مختلفة |
قابل للتطبيق في المقام الأول على الخوف/القلق | قابلة للتطبيق عَبْر مجموعة من الاضطرابات |
لا يولي اهتمامًا للمعتقَدات | |
على سبيل المثال، الذهاب إلى السوبر ماركت والبقاء هناك حتى يقل القلق بنسبة ٥٠ في المائة. | على سبيل المثال، الذهاب إلى السوبر ماركت والبقاء هناك لفترة كافية؛ لمعرفة ما إذا كنت ستصاب بالإغماء أم لا. |
تشير الأدلةُ الأولية إلى أن إعداد مهام التعرُّض بوصفها تجربةً سلوكية، أي: بوصفها اختبارًا لمعتقَد معيَّن، قد يكون أكثرَ فعالية من التعرُّض وحدَه. وتشير البيانات المأخوذة من دراسات الذاكرة، إلى أن التعلُّم التجريبي المستمَد من تجربة الحياة الواقعية مع المحتوى الانفعالي؛ يُعالَج على مستوًى أعمقَ ويمكن تذكُّره أكثرَ من المعلومات الواقعية البحتة، ويخلُص إنجلكامب إلى أن «الأفعال التي لاحظها الشخص … أو التي سمِع عنها الشخص فقط … قابلة للتذكر على نحوٍ أقلَّ من الأفعال التي قام بها الشخص بنفسه».
قد تكون التجاربُ السلوكية شكلًا قويًّا بشكل خاص من أشكال التعلُّم؛ لأنها تتضمَّن جميعَ مراحل التعلُّم التجريبي، مثل التخطيط والملاحظة والمشاركة النشطة والتفكير في التجربة. يمكن أن تكون التجارب السلوكية قائمةً على الفرضيات أو موجَّهة للاكتشاف. تهدف التجارب الموجَّهة نحو الاكتشاف إلى توليد البيانات؛ لمعرفةِ ما يمكن أن يحدُث في موقف معيَّن. وغالبًا ما تكون قائمة على الملاحظة، ويمكن أن تتضمَّن جَمْع البيانات. على سبيل المثال، ما الاحتمال الفعلي للموت في أي رحلة من رحلات الطيران؟ أو ما متوسط مؤشِّر كتلة الجسم لأنثى في منتصف العمر في الولايات المتحدة؟ قد يشمل هذا البحث أو الاستبيانات. يمكن أن تكون الاستبيانات طريقةً جيدة لاكتشاف المعلومات حول ما يلاحظه الآخرون، أو كيفية تفسيرهم للأشياء، مثل إظهار علاماتٍ تدُل على القلق. لذا، إذا كان المريض يخشى أن ترتعش يداه وأن الآخرين قد يعتقدون عندئذٍ أنه مدمن كحوليات، فقد يكون من المفيد إجراءُ استبيان حول الكيفية التي سيفسِّر بها المريضُ نفسُه رؤيةَ شخصٍ آخر ويداه ترتعشان. يمكن أن تكون هذه الطريقة مفيدةً أيضًا في اضطرابِ تشوُّه الجسم (حيث يكون لدى المريض تصوُّر سلبي للغاية لأحد جوانب تجربته الجسدية). مثال على ذلك هو الحصول على مجموعةٍ من الصور لمجموعةٍ من الأشخاص، والطلب من المشاركين في الاستبيان تحديدُ ما إذا كان مظهر أيٍّ منهم يبدو غير عادي، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا. في كثيرٍ من الأحيان لا تُختار صورة المريض، وإذا اختيرت، فغالبًا لا يكون للسبب الذي يخشاه المريض.
أمثلة على التجارب التي تعتمد على الفرضيات
اختبار المعتقدات القديمة (الفرضية «أ»)
«إذا طلبت المساعدةَ، فسأتعرض للسخرية»
التجربة: أسأل شريكتي عما إذا كان بإمكانها اصطحابي إلى موقف السيارات لأخذ السيارة، وألاحظ كيف ستستجيب.
اختبار المعتقَدات الجديدة (الفرضية «ب»)
«إعادة الانخراط في الأنشطة التي أهملتها سيحسِّن مِزاجي»
التجربة: أقضي ثلاثين دقيقةً في القيام بأعمال البستنة مرتَين يوميًّا، وأراقب الحالة المزاجية.
مقارنة معتقَدَين مختلفَين (الفرضية «أ» مقابل الفرضية «ب»)
«هل ينظر الناس إليَّ لأنني غريب، أم فقط لأنهم ينظرون إلى الجميع؟»
التجربة: أحسبُ عددَ الأشخاص الذين يلتفتون للنظر إليَّ عندما أدخل المقهى، وعددَ الأشخاص الذين يلتفتون للنظر عندما يدخل آخرون.
التجارب القائمة على الفرضيات تُشبه إلى حدٍّ كبيرٍ التجاربَ العلمية، التي يكون لديك فيها فرضيةٌ محدَّدة تسعى إلى تأكيدها أو دحضِها. تُستخدم هذه التجارب عندما يكون لدى المريض تنبؤ واضحٌ بشأنِ ما سيحدث أو لن يحدث (على سبيل المثال، «سأفقد الوعي») بينما تكون التجارب الموجَّهة للاكتشاف مفيدةً، عندما تريد معرفةَ ما قد يحدث (على سبيل المثال، «ماذا سيحدث إذا لم أحاول إرضاءَ الناس؟»).
يمكن أن تكون التجارب طريقةً ممتازة لتغيير المعتقَدات حول عواقبِ أعراضِ القلق. تنبؤات مثل «سأفقد الوعي/سأصاب بالإغماء/سأتقيأ» قابلة بشدة للاختبار. غالبًا ما يقوم المعالِج بتجسيد التجربة أولًا من خلال التظاهر بالعرض (على سبيل المثال، من خلال التظاهر بالإغماء في مكان عام)، بينما يلاحظ المريض العواقب. ثم سيُطلب من المريض إجراءُ التجربة، والمعالِج يراقبها، وهذا في الوضع المثالي. من غير المحتمَل أن يؤديَ إجراء أي تجربة مرة واحدة إلى تغيير المعتقَد بالكامل؛ فقد يحتاج المريض إلى تكراره في الكثير من المواقف، ومع العديد من الأشخاص، وعلى مدارِ أوقاتٍ مختلِفةٍ ليكون واثقًا تمامًا من العواقب الحقيقية المحتملة. لهذا السبب، من المفيد أن يتعلَّم المرضى إجراءَ التجارب السلوكية بشكلٍ مستقل. يمكن أن تكون أوراق العمل مثل تلك الموضَّحة في الشكل ٢٤ دليلًا إرشاديًّا مفيدًا، لتنظيم التخطيط والتنفيذ والتفكير في التجارب السلوكية. يزيد التخطيط الدقيق من احتمالية توليد التجارب السلوكية لبيانات مفيدة. أولًا: يجب أن يكون كلٌّ من المريض والمعالِج واضحًا بشأن الغرض من التجربة؛ هل هو اختبار معتقَد معيَّن؟ أو مجرد معرفةِ ما سيحدث — على سبيل المثال — إذا فعلت شيئًا كنت تتجنَّبه في السابق، أو تصرَّفت بطريقةٍ مختلفة؟ إذا كان ذلك ذا صلة، فلا بد من وَضْع توقُّعٍ معيَّنٍ بالإضافة إلى تحديد طريقةٍ لمعرفةِ ما إذا كان التوقُّع قد تحقَّق أم لا. بعد ذلك، يحاول المريض والمعالِج التوصُّل إلى موقفٍ يختبر هذا التوقع. قد يشمل ذلك تحديدَ ليس فقط المكان أو الموقف، ولكن أيضًا العوامل الأخرى ذات الصلة مثل الأشخاص الآخرين الموجودين. يجب أن تضاهي صعوبةُ التجربة مستوى أداء المريض الحالي؛ أي ألَّا تكون صعبةً لدرجةٍ تدفعه لتجنُّبها أو تحمُّلها بضيق شديد، ولكن في نفس الوقت أن تكون صعبةً بما يكفي لتشكِّل تحديًا ومثيرًا للمشكلة.
في الحالة المثالية، تُجرى التجارب السلوكية الأولى مع وجود المعالِج، لتقديم الدعم والتنظيم المطلوبَين، ومع تقدُّم العلاج واكتساب المريض ثقةً أكبرَ في مهاراته، ينتقل المريض إلى تنفيذ التجاربِ بشكلٍ مستقل. من الجدير أن نتذكَّر أن أيَّ تجربة سلوكية هي خطوة باتجاه التجربة السلوكية المثالية؛ سيكون هناك دائمًا مجالٌ للشك، ويمكن استخدامُ هذا الشك لتوجيه التجربة السلوكية التالية. ومن ثَم، فإجراء التجارب السلوكية يجب أن يُنظر إليه على أنه رحلة، وقد تكون الرحلة هي الأهم وليس الوجهة؛ أي قد يكون تعلُّم الطريقة هو العامل الأهم. السيناريو المثالي هو أنه إذا واجه المريض شكًّا، أو كان لديه مَيل لتجنُّب موقفٍ ما، فستكون استجابته هي تحويل الموقف إلى تجربةٍ سلوكيةٍ لاستيضاح شكوكه أو معرفة ما إذا كان لديه مبرِّر للخوف من الموقف.
التدخُّل في النشاط مباشرةً
مثلما لا تشكِّل سجلات الأفكار وطَرْح الأسئلة السقراطية الأساليبَ المعرفية الوحيدة المستخدَمة في العلاج السلوكي المعرفي، فالتجارب السلوكية أيضًا ليست سوى واحدةٍ من مجموعةٍ من التدخُّلات السلوكية. أحدُ الأساليب الأخرى هو «جدولة الأنشطة». ترتكز جدولة الأنشطة على فرضية أن الطريقة التي نقضي بها وقتنا سيكون لها تأثيرٌ كبير على مزاجنا (مشاعرنا) وأفكارنا واستجاباتنا الفسيولوجية. كما هو مذكور في الفصل الثالث؛ فالحلقة المُفْرغة الشائعة في الاكتئاب هي الحالة المزاجية السيئة التي تؤدي إلى انخفاض النشاط، وهو ما يعني بدوره انخفاضَ فرصِ الإحساس بالمتعة، أو الشعور بالإنجاز، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض الحالة المزاجية أكثرَ. تهدف جدولة الأنشطة إلى توفير طريقةٍ منظَّمة لكسر هذه الحلقة المفرغة. تتضمَّن المرحلة الأولى أن يحتفظ المريض بسجلٍّ مفصَّل للكيفية التي يقضي بها وقته حاليًّا، وأن يضع تقييماتٍ لمدى المتعة (٠-١٠) والإنجاز (٠-١٠) الذي يحصل عليه من كل نشاط.
بمجرد أن يتمكَّن المريض من تسجيل المعلومات حول الكيفية التي يقضي بها وقته، يُراجَع هذا السجل مع المعالِج. تشمل الجوانب التي يجب مراعاتها كيفيةَ قضاء المريض لوقته؛ هل يفعل الكثير جدًّا؟ أم القليل جدًّا؟ هل يعتني باحتياجاته الجسدية؛ هل ينام جيدًا؟ هل يأكل بانتظام؟ هل يمارس أيَّ رياضة؟ ما مدى اتساع نطاق أنشطته؟ هل يشمل مزيجًا من الالتزامات (مثل العمل والأعمال المنزلية ورعاية الأطفال) والاسترخاء؟ هل كل الأنشطة واجباتٌ من دون أيِّ ترفيه؟ هل هناك تواصلٌ ملحوظٌ مع أشخاصٍ آخرين؟ اعتبارٌ آخرُ هو رصدُ الفرْق بين نمط أنشطته الحالية وما كان يفعله قبل أن يصبح معتلًّا. ما الأنشطة التي توقَّف عن القيام بها؟ هل يفعل أيَّ نشاط بعينه أكثرَ؟ هل كل الأنشطةِ مسئولياتٌ من دون أيِّ متعة؟ ما مقدار الوقت المخصَّص للأنشطة التي من المتوقَّع أن تكون ممتعة؟ أو التي تعطي شعورًا بالإنجاز؟ سيبحث المعالِج أيضًا عن أي أنماط واضحة في العلاقة بين الأنشطة والمتعة أو الإنجاز؛ هل تكون أوقاتٌ معيَّنة من اليوم أفضلَ أو أسوأَ؟ أم إنه توجد أنشطة أو ظروف أو أشخاص بعينهم يصعُب التعامل معهم على نحوٍ أكبرَ أو أقل؟ وأخيرًا، قد يشكِّك المعالِج في أي تقييمات تبدو غيرَ منطقية؛ على سبيل المثال، الأنشطةُ التي يُتوقَّع أن تكون ممتعةً، ولكن لا يجدُها المريض على هذا النحو. سيسعى المعالِج إلى فَهْم ما يمكن أن يكون مقوِّضًا للاستمتاع بهذه الأنشطة.
لقد شمِل هذا الفصل الأساليبَ الأساسية المستخدَمة في العلاج السلوكي المعرفي القياسي. ينتقل الفصل السادس إلى إلقاءِ نظرةٍ على المجالات التي تُطبَّق فيها هذه الأساليب.