الفصل الأول
توجَّه ويليام برنتون بالحديث إلى زوجته قائلًا: «عزيزتي، هل تعتقدين أن أحدًا سيفتقد وجودي إذا صعدت إلى أعلى لبعض الوقت؟ لا أشعر أنني بحالةٍ جيدةٍ على الإطلاق.»
أجابته أليس وعلامات القلق تعلو وجهها: «يؤسفني ذلك يا ويليام، سأخبرهم بأنك متوعك.»
أجابها: «لا، لا تفعلي ذلك. أرى الحضور يقضون وقتًا ممتعًا وأظن أن الرقص سيبدأ بعد قليل؛ لهذا لا أظن أن أحدًا سيفتقد حضوري. إذا تحسَّنت، فسأنزل في غضون ساعة أو ساعتين، ولكن إن لم أشعر بتحسن، فسأذهب للنوم. والآن يا عزيزتي لا داعي للقلق واستمتعي بوقتٍ طيب مع باقي الحضور.»
انسحب ويليام برنتون إلى غرفته بالأعلى في هدوء وجلس على كرسي متأرجح وسط الظلام. ظل جالسًا لدقائق معدودة دون أن يشعر بأي تحسن، فخلع ثيابه ببطءٍ وذهب إلى الفراش. تسلَّلت إلى سمعه أصداء أصوات ضحكٍ وغناء خافتة، وفي النهاية بدأت الموسيقى، فاستشعر دبيب الأقدام الراقصة دون أن تدركه أذناه. وحالما توقفت الموسيقى لبعض الوقت، تسلَّلت أليس بخفةٍ على أطراف أصابعها وسألته بصوتٍ هادئ: «بمَ تشعر الآن يا ويليام؟ هل تشعر بأنك أفضل؟»
فأجابها بصوتٍ ناعس: «نوعًا ما. لا داعي للقلق، سأخلد إلى النوم الآن وسأكون في حالٍ أفضل في الصباح. تُصبحين على خير.»
كان ويليام لا يزال يسمع صوت الموسيقى والرقص والضحك وكأنه يحلم، وشيئًا فشيئًا لم يعد يُدرك ما يحدث حوله إلى أن دخل في حُلمٍ ليس كمثله حلم في غرابته ووضوح رؤيته. بدا له وكأنه جلس مجددًا على الكرسي المتأرجح إلى جانب فراشه. ورغم أنه يدرك أن الغرفة مظلمة، لم يجد صعوبةً في رؤية كل شيء بوضوحٍ جلي. بدت له أصوات الموسيقى والرقص بالأسفل واضحةً تمامًا، لكن جعله يوجس في نفسه خيفةً أنه رأى في الحلم جسده مستلقيًا على الفراش. وكانت عيناه نصف مفتوحتَين ووجهه شاحبًا متيبسًا. كان لوجهه ذلك اللون الأبيض المائل إلى الرمادي كأنه أثر موت.
قال برنتون في نفسه: «هذا كابوس، عليَّ أن أحاول إيقاظ نفسي.» لكنه لم يقوَ على المحاولة فجلس مكانه ينظر إلى جسده والوقت يمر والليل ينقضي. وفجأةً نهض وانتقل إلى جانب الفراش. بدا أن وصوله حدث بمجرد تمنِّيه أن يصل إلى هناك، وأخذ يتحسس وجهه لكنه لم يدرك أي شعور باللمس. تمنى لو تأتي زوجته وتوقظه من هذه الحالة المخيفة التي تشبه الحلم، ووجد نفسه بمجرد تمني الأمر واقفًا بجوارها وسط هذا الحشد من الحضور في الأسفل المنهمك في بهجة بتوديع عامٍ أوشك أن يمضي. حاول برنتون أن يتحدث إلى زوجته لكنها لم تسمعه أو تلحظ وجوده في المكان على الرغم من وعيه وإدراكه لحديثه إليها.
أقيم هذا الحفل عشية عيد الميلاد، حتى إذا حانت الساعة الثانية صباحًا، غادر الضيوف متمنين للسيدة برنتون ليلة ميلاد سعيدة. في النهاية أُغلق الباب مع مغادرة آخر ضيف منتشٍ، وحينها وقفت السيدة برنتون برهةً لتصدر تعليماتٍ إلى الخدم الذين بدأ النوم في مداعبة أجفانهم. تنهَّدت تنهيدةً مُتعَبَةً واستدارت متوجهةً لأعلى والسيد برنتون يسير ملازمًا لها حتى دخلا الغرفة المظلمة التي دخلتها زوجة السيد برنتون على أطراف أصابعها.
قال برنتون لنفسه: «الآن ستوقظني من هذا الحلم المفزع.» لم يكن في الحلم نفسه ما يخيف، لكن الشفافية التي كان يرى الأشياء عليها، وحقيقة أن عقله يقظ تمامًا أصاباه بحالةٍ من التشوش والبلبلة استحال عليه أن يتخلص منها.
في الضوء الخافت المتسرب من الممر، تهيأت زوجته لتأويَ إلى الفراش. صُدم برنتون بفكرة مريعة؛ وهي أن زوجته قد تظنه ينعم بنومٍ هنيء، وانتابه خوفٌ من أن تنصرف عن إيقاظه؛ لأنها دون شكٍّ لا يمكن أن تتخيل هذا الكابوس الذي يعيش داخله؛ ولذلك حاول مرةً أخرى أن يتواصل معها. ناداها باسمها مرةً تلو الأخرى، لكنها واصلت استعدادها للنوم في هدوء. في النهاية، تسللت إلى الجانب الآخر من الفراش، وفي غضون لحظاتٍ دخلت في سُباتٍ عميق. حاول برنتون جاهدًا مرةً أخرى أن يفيق من نومه ولكن دون جدوى. سمع عقارب الساعة وهي تعلن الثالثة ثم الرابعة ثم الخامسة دون أن يطرأ أي تغيير على حلمه. خشي أن ما يتعرض له هو غيبوبة لن يفيق منها ربما إلا بعد فوات الأوان. لاح ضوء الصباح الرمادي ليضيء النافذة، ولاحظ برنتون تساقط الثلج في الخارج في هدوء؛ إذ كانت رقائق الثلج ترتطم بزجاج النافذة دون أن تُصدر صوتًا يُذكر. خلد الجميع إلى النوم في وقتٍ متأخر هذا الصباح ولكنه أخيرًا سمع صوت تحضير الإفطار في الأسفل، لا سيما صوت خفيف لقرقعة الصحون الخزفية على الطاولة وخشخشة حاملة الموقد. وجد نفسه — وهو هائم في التفكير في هذه الأصوات — في غرفة الطعام ورأى الخادمة الصغيرة ذات القوام المتناسق تتثاءب من حين للآخر وهي تضع الأطباق في أماكنها. صعد لأعلى مجددًا ووقف يراقب وجه زوجته المستغرقة في نومها. بمجرد أن اعتلت يدها رأسها، ظن أنها ستفيق من نومها، لكنها في النهاية فتحت عينيها وظلت تحدق في السقف لفترة، محاولةً على ما يبدو أن تسترجع ما حدث أمس.
وبصوت لم يخلُ من أثر النوم: «ويل، أما زلت نائمًا؟»
لم يصدر أي ردٍّ من هذا الجسد المتيبِّس الراقد في مقدمة الفراش. بعد لحظات معدودة، وضعت يدها في هدوءٍ على وجه هذا الجسد النائم. في تلك اللحظة، كانت نظرة عينيها الفزعة تُظهر أن ثمة صدمةً ألمَّت بها. اعتدلت في جِلستها على الفور ونظرت لثانيةٍ إلى وجه هذا الراقد جوارها ثم دوَّت صرخة كسرت أجواء الصمت والسكون داخل الغرفة وقفزت على الأرض.
أخذت تصرخ: «ويل، ويل، تحدث إليَّ! ماذا أصابك؟ يا إلهي، يا إلهي!» ظلت تصرخ وهي تبتعد عن الفراش بخطواتٍ مترنحة. بعد صرخة فأخرى، هُرعت دون تفكير إلى الممر ومنه إلى السُّلَّم وهناك سقطت على الأرض مغشيًّا عليها.