الفصل الخامس عشر
قال رولاند: «أحسب أنك ظننت للحظةٍ أنني كنت أحاول الانتحار. أعتقد، يا سيد ستراتون، أن فكرتك عني ستتغير إلى الأفضل شيئًا فشيئًا. لن أتفاجأ مطلقًا إذا خُيِّل إليك أنني قد استدرجتك إلى هنا للإيقاع بك في فخ.»
قال ستراتون: «أنت محق تمامًا، ورغم أن ذاك كان ظني، أزعم أنني لم أخشَك مطلقًا؛ لأنك كنت تحت سيطرتي طوال ذلك الوقت.»
علَّق رولاند، بلا مبالاة: «حسنًا، لا أريد التدخل في شئونك مطلقًا، لكن أتمنى لو أنك لم تخضعني لسيطرتك كثيرًا إلى هذا الحد؛ فقد يفرغ مسدسك.»
قال ستراتون: «هل تقصد أن تقول إنه لا شيء في تلك الكبسولات سوى الكينين؟»
قال رولاند وهو يفتح كبسولةً بعد الأخرى: «سأخبرك بعد لحظة. لا، لا يوجد شيء هنا سوى الكينين. ثلاثون ذرةً معبأة في كبسولات تحتوي الواحدة منها على خمس ذرات.»
بدأت عينا جورج ستراتون في الاتساع. ثم نهض ببطءٍ، ونظر إلى الطبيب والفزع على وجهه.
ثم صاح: «يا إلهي! من الذي حصل إذن على ذرات المورفين الثلاثين؟»
سأل الطبيب: «ماذا تقصد؟»
«ماذا أقصد؟! ألا ترى؟ هذا خطأ من الصيدلاني. لقد أُرسلت إليك ثلاثون ذرةً من الكينين. أما الثلاثون ذرة مورفين فأُرسلت إلى شخصٍ آخر. هل أُرسلت إلى ويليام برنتون؟»
قال الطبيب: «يا إلهي! هناك سر وراء ذلك. هيَّا، لنذهب إلى متجر العقاقير.»
خرج الرجلان معًا، وقصدا متجر العقاقير عند ملتقى شارعَي بلانك ستريت ونيمو أفنيو.
قال الدكتور رولاند للصيدلاني، مشيرًا إلى الملصق على الصندوق: «هل تعرف المكتوب هنا؟»
أجابه الصيدلاني: «أجل، لقد كتبه واحد من المساعدين لديَّ.»
«هل لنا أن نراه لبضع لحظات؟»
«لا أدري أين يمكن العثور عليه. إنه شخص لا يرجى منه نفع، وقد ذهب بلا رجعة منذ الأسابيع الأخيرة الماضية بسرعة توحي بأن ثمة ما يفزعه.»
«متى غادر؟»
«حسنًا، لقد كان يشرب حتى الثمالة ويظل ثملًا في الإجازات، واضطُررت إلى طرده. كان رجلًا ذا قيمة ووقار حين كان في وعيه، لكن سلوكه بدأ ينحرف كثيرًا لدرجة جعلتني أخشى أن يرتكب خطأً فادحًا في وقت ما؛ لهذا طردته قبل أن يفوت الأوان.»
«هل أنت متأكد أنك قد طردته قبل فوات الأوان؟»
نظر الصيدلاني إلى الطبيب الذي كان على معرفةٍ جيدةٍ به، ثم قال: «لم أسمع مطلقًا بأي خطأ، إن كان قد فعله.»
«بالطبع تحتفظ بسجلٍّ تُدون فيه جميع الوصفات الطبية التي أُرسلت من هنا، أليس كذلك؟»
«بالتأكيد.»
«هل لنا أن نلقي نظرةً على ذلك السجل؟»
«يسعدني كثيرًا أن أطلعكما عليه. أي شهر أو أسبوع تريدان الاطلاع عليه؟»
«أريد أن أرى الفترة التي أرسلت إليَّ فيها علبة المورفين هذه.»
«أنت لا تعرف هذه الفترة، صحيح؟»
«لا، لا بد أنها كانت قبل عيد الميلاد بأسبوعين.»
طالع الصيدلاني صفحات السجل، ثم قال أخيرًا: «ها هي.»
«أتسمح لي بالاطلاع على هذه الصفحة؟»
«بالتأكيد.»
مرر الطبيب إصبعه لأسفل الصف إلى أن وصل إلى خانة كُتبت فحواها بالخط نفسه.
ثم قال لستراتون: «انظر هنا، ثلاثون ذرة كينين أُرسلت إلى ويليام برنتون، وإلى جانبها ثلاثون ذرة مورفين أُرسلت إلى ستيفن رولاند. لقد اتضحت لي الصورة الآن؛ لقد بُدِّلت الوصفتان. ذهبت علبتي إلى برنتون المسكين.»
شحب وجه الصيدلاني.
ثم قال: «أتمنى ألا يُفشى هذا الخبر.»
قال رولاند: «سيدي العزيز، سيتسرب هذا الخبر حتمًا. سأكون مدينًا لك لو اتصلت بقسم الشرطة المركزي؛ لأنه لا بد من تسليم هذا السجل ليصبح في عهدة السلطات.»
تدخَّل ستراتون، وقد طغت عليه غريزته الصحفية: «اسمع، أريد أن أنفرد بهذا الخبر حصريًّا لصالح صحيفة أرجوس.»
«أظن أنه لن يتسبب ذلك في أي مشكلة. لن يُنشر أي خبرٍ حتى الغد، ويمكنك إرسال برقية هذه الليلة إذا عثرنا على علبة الكبسولات في منزل برنتون. لا بد أن نصطحب ضابطًا معنا لهذا الغرض، لكن يمكنك التنبيه عليه أو رشوته ليتكتم على الخبر إلى الغد.»
عندما ذهب الثلاثة إلى منزل ويليام برنتون، بدءُوا في تفتيش الغرفة التي مات فيها برنتون، ولكن لم يعثروا على شيءٍ بها. عند التفتيش في خزانة الغرفة حيث كانت ملابس برنتون معلَّقة، وجد ستراتون في جيب صدرية إحدى ستراته علبةً صغيرةً تحتوي على ما وُصف بأنها كبسولات، بكلٍّ منها خمس ذرات من سلفات الكينين. مزق الطبيب واحدةً من هذه الكبسولات لكي يرى ما بداخلها. ودون تردد ولو للحظة قال:
«ها أنت ترى بنفسك! ها هو المورفين. هذه العلبة كان بها ست كبسولات، وواحدة منها غير موجودة. ويليام برنتون سمَّم نفسه! شعر بتعبٍ، وبلا شك أخذ ما ظن أنها جرعة من الكينين. يتمادى كثير من الرجال فيما نُطلق عليه اعتياد الكينين. وما يلبث أن يصبح شكلًا مخففًا من الإدمان. لقد انتحر برنتون دون أن يعي ذلك!»