الفصل السادس عشر
وقف في الغرفة التي كُشف فيها النقاب عن الحقيقة مجموعةٌ من الرجال، ممن هم أحياء على حق، لكنهم غير ظاهرين للباحثين. اثنان منهم بدا الغضبُ واضحًا عليهما، وإن كان قد بدا على أحدهما على نحو مختلف عن الآخر. أما باقي المجموعة فبدَوا في غاية البهجة والسرور. كان أحد الرجلَين الغاضبَين برنتون نفسه، الذي كان ثائرًا في وجوم. أما الآخر فكان، ليكوك الفرنسي الذي كان غاضبًا بشدة تمامًا مثل برنتون، لكنه بدلًا من الوجوم، أخذ يثرثر ويهذر على نحو مبالغ فيه.
صاح قائلًا: «اعلما أن الخطأ ليس خطئي. لقد سرت على أسس صحيحة من البداية. لكن ضللني من كان يجب أن يكون أعلم مني.» ثم واصل حديثه مستديرًا أولًا إلى شخصٍ ثم إلى الآخر: «تذكران، أيها السادة، أن ما قلته هو أن لدينا حقائق مؤكدةً للسير عليها. كان من بين تلك الحقائق حقيقة حصلت عليها من السيد برنتون. لقد قلت له في حضوركما «هل سممت نفسك؟» وأجابني، كما شهدتم جميعًا: «لا، لم أفعل.» واعتبرت إجابته حقيقةً مؤكدة. ظننت أنني أتحدث إلى رجل متزن يدرك ما يتحدث عنه.»
أجاب برنتون، في سخط: «ألم أخبرك مرارًا أن ثمة خطأً قد حدث؟ لقد سألتني إذا كنت أنا من سممت نفسي. وأجبتك بأنني لم أفعل ذلك. سؤالك كان يتعلق بالانتحار. وأنا لم أنتحر. كنت ضحية خطأ صيدلاني. لو كنت سألتني إن كنت قد تناولت دواءً قبل أن أذهب إلى الفراش، لأخبرتك بكل صراحة: «أجل. تناولت كبسولةً من الكينين.» لقد أدمنت تناوله لسنوات، كلما شعرت بأنني في حالةٍ غير جيدة. لم يخطر في ذهني شيء مما حدث.»
قال ليكوك: «سيدي العزيز، لقد نبَّهتك، ونبهت هؤلاء السادة، إلى أن التفاصيل التي تبدو تافهةً إلى رجلٍ أهوج هي الأمور التي أحيانًا ما تكون فارقة. كان عليك أن تخبرني بكل شيء. لو كنت قد تناولت أي شيء، كان عليك أن تخبرني بذلك. لو قلت لي: «سيد ليكوك، قبل أن أخلد إلى النوم أخذت خمس ذرات من الكينين»، لقلت لك في الحال: «ابحث عن هذا الكينين، وتأكد إن كان كينين بالفعل، وتأكد أن خطأً لم يحدث.» لقد ضُلِّلت تمامًا، بل ضُللت بغباء.»
قال برنتون: «حسنًا، إذا كان ثمة غباء، فهو يرجع إليك.»
ضحك سبيد قائلًا: «اهدءُوا، اهدءُوا أيها السادة، لقد انتهى كل شيء على ما يرام. لقد أخطأ الجميع، هذا كل ما في الأمر. لقد ضُللتْ ألمع العقول البوليسية في أوروبا وأمريكا، وفي العالم بأسره، بل حتى على أرض الأرواح. جميعكم أخطأتم دون استثناء. اعترفوا بذلك، ودعوا ما حدث يمضي.»
قال ليكوك: «سيدي العزيز، لن أعترف بأي شيء. لم أكن مخطئًا، بل ضُللت. كانت هذه الطريقة …»
«كفاك، بربك لا تَعُد إلى هذا الحديث مرةً أخرى. نحن نتفهَّم الظروف تمامًا.»
صاح برنتون بنبرة غاضبة: «أؤكد لك أن …»
قال سبيد: «اهدأ، اهدأ، لقد اكتفينا من هذا النقاش. قلت لكم إنكم جميعًا أخطأتم، جميعكم. تعالَ معي يا برنتون، سننصرف عن هذا التجمُّع الهزلي.»
أجاب برنتون باقتضاب: «لن أنصرف.»
«عظيم للغاية، افعل ما تشاء. أنا سعيد أن اللغز قد وصل إلى نهايته، وسعيد أن من وضع هذه النهاية هو صديقي من شيكاجو.»
سخر برنتون باستخفافٍ قائلًا: «صديقك من شيكاجو! من كشف اللغز هو الدكتور ستيفن رولاند.»
قال سبيد: «عزيزي، ستيفن رولاند كان أمامه الوقت لكشف اللغز، لكنه لم يفعل، ولم يكن ليكتشف اللغز لولا أن قابله جورج ستراتون. حسنًا، إلى اللقاء أيها السادة؛ يؤسفني أن أخبركم بأنني خضت في هذا النقاش بما يكفي حقًّا. لكن اتضح لي شيء واحد أهم من كل ذلك، ألا وهو أن شيكاجو تتصدر العالم في كل شيء؛ في التحري الجنائي وفي إطلاق النيران أيضًا.»
صاح ليكوك: «سيدي العزيز، هذا غير صحيح. سأثبت لك خلال لحظة …»
قال سبيد: «لن تثبت لي شيئًا.» ثم اختفى في الحال.
قال برنتون: «تعالَ، يا فيريس، أنت الصديق الوحيد الذي يبدو أنني فزت به في النهاية؛ تعالَ معي.»
سأله فيريس، وهما يغادران المكان: «إلى أين ستذهب؟»
«أريد أن أرى كيف ستستقبل زوجتي الخبر.»
قال السيد فيريس: «لا تفعل، تجنب أي شيءٍ من هذا القبيل. دع الأمور على وضعها كما هي. وسيصبح كل شيءٍ، كما تقولون، على ما يرام. لقد رأيت بنفسك أن تدخلك، كما سار، لا نفع منه ولا خير. أريد الآن أن ألفت انتباهك إلى أشياء أخرى.»
قال برنتون: «عظيم، سأنصت إليك إذا جئت معي ورأيت كيف ستستقبل زوجتي الخبر. أريد أن أنعم ولو بلحظةٍ أو لحظتين أراها فيهما سعيدةً ومرتاحة البال عندما تجد أن سُمعتها الطيبة لم يمسسها سوء.»
وافق فيريس: «عظيم، سأذهب معك.»
عندما وصلا، وجدا الصحفي القادم من شيكاجو قد سبقهما إلى هناك. كان واضحًا أنه قد بشَّر زوجة السيد برنتون بالأخبار كلها، وبدا وجهها متوردًا ويشع سعادةً غامرةً وهي تستمع إلى سرده للأخبار.
قال الرجل من شيكاجو: «والآن، سوف أغادر سينسيناتي. هل يحزنك رحيلي؟»
قالت السيدة برنتون وهي تنظر إلى وجهه: «لا، لست حزينة.»
احمر وجه ستراتون حرجًا، ثم قال، وهو يأخذ قبعته في يده: «عظيم، عليَّ أن أودعك وأتمنى لك يومًا طيبًا يا سيدتي.»
قالت السيدة برنتون، وهي تمد يدها له: «لست حزينة لأنني سأرحل عن سينسيناتي، وأتمنى ألا أرى هذه المدينة ثانية. لهذا إذا بقيت أنت هنا، كما ترى، فلن أقابلك أبدًا مرةً أخرى، يا سيد ستراتون.»
صاح ستراتون وهو يجذب يدها بين يديه في اندفاع: «أليس، ألا تفكرين في أنكِ قد ترغبين في اتخاذ شيكاجو مستقرًّا لكِ؟»
أجابته: «لا أعرف، يا جورج. سأذهب إلى أوروبا، وسوف أظل هناك لعام أو عامين.»
ثم قال بلهفة:
«عند عودتك، أو إذا ذهبت أنا لرؤيتك بعد عامٍ أو عامين، فهل تسمحين لي بأن أكرر عليكِ هذا السؤال مرةً ثانية؟»
أجابت في همس: «نعم.»
قال برنتون لفيريس: «هيا، لنذهب.»