الفصل الأول

(في بيت أبي الحسن؛ بيت فقير الحال)

الجزء الأول

(أبو الحسن، عرقوب)
أبو الحسن (لذاته) : واخلط السواد بالبياضِ.
عرقوب (لذاته) : اخلط.
أبو الحسن (لذاته) :
فينقضي أمري بلا اعتراض
عرقوب (لذاته) : اخرط.
أبو الحسن (لذاته) :
اقضي على طه إمام الجامعِ
شيخ الخوان الخابل المخادعِ
والأرديا المنافقون الأربعةْ
اشنقهمُ من بعد ألفِ مقرعةْ
قد كنتُ عندهمُ أعزَّ الناسِ
فغادروني إذْ رأَوْا إفلاسي
فالآن آنَ القهرُ للحُسَّادِ
ما دمتُ سلطانًا على بغدادِ
عرقوب (لذاته) :
كم تشتهي المُحالَ في الأوهامِ
ولم تَنَلْه غيرَ في الأحلامِ

(ساخرًا بأبي الحسن.)

أبو الحسن (لذاته) :
وبعد هذا نخلع العذارا
ونجعل الليل لنا نهارا
ثم نغنِّي مع نقِيَّات البدنْ
عرقوب ([ﻟ]١ أبو الحسن) :
معلِّمي معلِّمي أبا الحسنْ
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) :
دعني دعني اذهب عني
اتركني اتركني يا عرقوبُ
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : لا أتر …
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) :
… كفى أن تزعجني
اتركني فعقلي …
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) :
… … مسلوب
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : لا أتركك ما لم تعمل لي وظيفة، حيث جعلتَ نفسَك في هذه الرتبة المنيفة، ألعلَّك تجعلني عوض جعفر الوزير؛ لأسعفك بحسن التدبير.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : أيوا، هذا الذي بدا لي، وتردَّد في بالي؛ لأنك هرمٌ، مدعوك من الزمان، وتليق لك هذه الرتبة بأجلى بيان، ولكن يلزمك أن تحسِّن سلوكك بين الجماعة، وتكون مواظبًا عندي على السمع والطاعة، ولا تعصِ أمري نظير بنتي سلمى الشقية، المزمعة أن ترفض الزواج بعثمان بالكلية، والحال أنَّ عثمان لا يخطبني أخته دعد، إلَّا بعد تتميم هذا الوعد.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : من أين علمتَ شقاوتها، وتحقَّقتَ إزماع مخالفتها وعصاوتها؟ هل خاطبتَها فلاحظت منها دلائل عدم القبول؟
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : لا لا لا، ولكن اسمع ما أقول:
أنا بسلمى خبير
أنا أبوها الشهير (١)
إن قلتُ: يا بنتي موتي
تقول ذا لا يصير
فلو تكون مطيعةْ
كمثل تلك الوديعةْ
لكنت أع… ما علينا
اذكر لي دعد البديعةْ

***

عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : بعده، بعده نتكلم؛ لأني أرى مصباحًا وافدًا من بعيد، أقول إن هذا أخوك سعيد؟ لا لا، هذا عثمان، وما معه أحد مصحوب، سوى أخته دعد.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : كدرتني، يا عرقوب.
ويحك إن هذه كل منيتي
لأنَّ مَرْآها يُزيل همِّي
وا بهجتي يوم أناديها على
رغم العِدا: يا دعد بنت عمِّي!
ها هي مقبلة مع أخيها عثمان. رُحْ أنت أعدَّ لنا المشروبات في الإيوان.
انطلق هيِّ الحميَّا
واصلح الآلات (٢)
إنني ما دمتُ حيَّا
عاشق الكاسات
من تعاطى منها شيَّا
في الدُّجى ما مات
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) :
لكن للمُدام شرطٌ يا همام
مع أهل الغرام تنشد النغمات

(عرقوب يذهب.)

الجزء الثاني

(أبو الحسن، دعد، عثمان)
الاثنان ([ﻟ] أبو الحسن) :
يا لياليكم سعيدة.
أبو الحسن ([ﻟ] للاثنين) :
مرحبًا أهلًا.
الاثنان ([ﻟ] أبو الحسن) :
دم بخيراتٍ مزيدةْ
زائدًا فضلَا
أبو الحسن ([ﻟ] عثمان) :
سيدي، سلمى عنيدةْ
تتبع العدلَا
دبرت العلاج وفقًا للمزاج ترضى بالزواج، آه ما أحلاه!
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : تفضلي اجلسي يا دعد، ارفعي إزارك يا فاتنة الناس.
أبو الحسن ([ﻟ] عثمان) : وأنت أيضًا إذا أردتَ أن تجلس فلا بأس.
عثمان (لذاته) : كلام، وحياتي كلام، هذا الفشار بعينه، ولكن يفرجها الله، لا بد للمديون عن وفا دينه.
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : انظريني يا دعد، الليلة أنا بكل عافية، حتى أمس أيضًا كانتْ علتي بلا قافية؛ لأني ذهبت إلى فراشي حسب إرادتكم، وما كنت أشعر بوجع نظير شهادتكم.
دعد ([ﻟ] أبو الحسن) :
أسَفي عليك لأن هذي علةٌ
مخفيةٌ حسب الكتاب الخالي
من ليس يشعر بالسقام فما له
غير التحفُّظ في مكانٍ خالِ
فالزم فراشك فهو خير تعالجٍ
هذا روته خالتي عن خالي
عثمان ([ﻟ] أبو الحسن) : أرني نبضك. (يجس نبضه) آه، ادخل مخدعك، خذ راحتك، الزم فراشك، احترس من البرد، دارِ صحتك.

(ويدفعه رويدًا رويدًا.)

عثمان ([ﻟ] دعد) : مسكين، انظري، لم يزل من أمس لونه أصفر، انظري وجهه تغير.
أبو الحسن (لذاته) : ما أنا فاهم شي من هذه المعاني.
أبو الحسن ([ﻟ] للاثنين) (يستعد للذهاب) : عذري واضح، أرجوكما لا تؤاخذاني، البيت بيتكما، أنا ذاهب؛ لأني مشعر بوجع شديد.
دعد ([ﻟ] أبو الحسن) : مع ذلك ارجع إذا كنتَ تريد.
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : كيف؟
دعد ([ﻟ] أبو الحسن) : كيف؟
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : تدعيني لكي أرجع، لا لا لا أقدر، لا أقدر.
دعد ([ﻟ] أبو الحسن) : المعذور لا يُجبر، الله يسعد مساك.
عثمان ([ﻟ] أبو الحسن) : الله يسعد مساك.
دعد ([ﻟ] أبو الحسن) : تعطينا قول.
عثمان ([ﻟ] أبو الحسن) : إن شا الله في الغد نراك.
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : أعطيك قول أني أشفى بالحال، وأعود إليكما على جناح الاستعجال.

الجزء الثالث

(أبو الحسن، عرقوب، دعد، عثمان)
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : معلمي أبو الحسن.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : خير إن شا الله يا عرقوب.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : عن إذنك، مطلوب.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : مطلوب؟! أنا وحيد فريد في بغداد، لا مدين ولا مديون لأحد من العباد. توجَّه وقل لِمَن يطلبني بأني لم أزلْ مريضًا منذ أمس، ولم أقدر أن أشفى قبل شروق الشمس … لا لا … قل له إني غايب، وخلصني من هذه النوايب.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : أظن أنه سمع صوتك حينما لحَّنتَ، فلا يوافق العذر كما أعلنت.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : أف … أيصدِّق صوتي ويكذِّبك أنت؟! رُحْ قل له كما تلقَّنت.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : هذا صديقك دادا محمود، الذي غمرنا بالكرم والجود.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : إذا كان وحده فمسانا مسعود، وأمَّا إذا كان معه دادا مصطفى فدونك والاثنين، وأغنانا الله عن الحالين.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) :
لو كنت تنظر ما قد أصحباه لنا
من الهدايا لما أنكرتَ فضلهما
زادٌ وأشربةٌ تُهدَى إلى ملكٍ
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) :
عندي من الرأي رأيٌ مقنعٌ لهما (ويفتكر)
دعد ([ﻟ] عثمان) : فلنسمع الرايات الرشيدة، والتدابير السديدة.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : الرأي عندي أنهما … يتركان لنا الهدايا (متفكرًا)
ويذهبان هما بحراسة باري البرايا.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : وإذا لم يقنعا بهذا الرأي الصايب؟
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : تعال معي لأريك الخبرة والعجايب (ويذهبان).
دعد (لذاتها) : آه آه، ما شا الله! (ضاحكة).

الجزء الرابع

(دعد، عثمان)
عثمان ([ﻟ] دعد) : عجبًا! سلمى أين هي الآن؟
دعد ([ﻟ] عثمان) : لا أعلم، ولا أرى سعيدًا أيضًا بهذا المكان.
عثمان ([ﻟ] دعد) : أظن أن سعيدًا مزمع أن يتخالَف مع أخيه؛ لأن كلًّا منهما يريد أن تتزوَّجيه، وأنا أطمعتُ أبا الحسن بنوال الآمال؛ لكي يزوِّجني بنته سلمى ذات الجمال.

(دعد تنهض غضبانة.)

دعد ([ﻟ] عثمان) : لقد أخطأتَ بهذا التدبير؛ لأنك وعدتَه بما لا يمكن أن يصير، فأنا لا أقبل ولا أريد غير … غير …
عثمان ([ﻟ] دعد) : غير سعيد، هذا القصد الوحيد، ولكن لي غاية بهذا المعنى؛ لأحصل على بنته، وبعده ننظر كيف تتدبر الأمور معنا، فإننا نضحك عليه لأنه بسيط ساذج الفؤاد، وكيفما قِيد ينقاد.
دعد ([ﻟ] عثمان) : علي أي وجهٍ كان وقع منك الغلط، وما كان حاجة لمعاطاتك الأمور على هذا النمط.
عتبي حقًّا عليك
يا أخي عثمان (٣)
حيث سلمى في يديك
مثل غصنٍ لان
إنها تصبو إليك
والهوى فتَّان
إن تلقَ الهلاك
لا ترضى سواك
فاقنع أن خَطاك
واضح البرهان
عثمان ([ﻟ] دعد) :
هل صدقٌ
هل حقٌّ
حب سلمى لي؟ (٤)
دعد ([ﻟ] عثمان) :
ذاك أكيد
أما سعيد
فاترٌ سالي

***

عثمان ([ﻟ] دعد) :
لا تتهميه بهذا
فهو قتيلٌ بحبك
فهل تظنين سلمى
تحبني كمحبك؟
احكي لي عنها كلامًا
يكون من كل قلبك
دعد ([ﻟ] عثمان) : أفٍّ، ولكن لنُنهِ حديثَنا للنهاية، كمِّل لي وصْف سعيدٍ ثم احكِ ألف حكاية.
عثمان ([ﻟ] دعد) : هو يحبك، يحبك ويموت بين يديك.
دعد ([ﻟ] عثمان) : أتؤكِّد لي؟
عثمان ([ﻟ] دعد) : هكذا وحياةِ عينيك، غير أنه هو لا يُظهر غرامه، بل إنه من حسن أخلاقه يخفي هيامه، فهو شاب ذو أطباعٍ حميدة، ومن جملة خصاله الفريدة، أنه …

الجزء الخامس

(دعد، عثمان، أبو الحسن)
أبو الحسن (لذاته) : أودعتُهما في القاعة، وقلتُ لهما إني أغيب ربع ساعة. والحال أني لا أتزعزع من هنا، ما دامتْ عندي دعد مجلبة الشفا والهنا؛ لأنني إذْ وعدتها أن أشفى من المرض، فبالحال ظهر وجعي الخفي وتأكدت أنه عرض. وبناءً عليه رجعتُ لأتمِّم مع دعد الصفا، فقط أخاف من دادا مصطفى، ليلَّا يعرف هذا الخفا، ويعنفنا بسحره؛ لأنه ساحر مريد، وعفريتٌ شديد، آهٍ! عسى أن يكون تعلُّقه بي ليكتسب بواسطتي عزًّا، ويكشف على وجهي كنزًا … وا طرَباه! أني أدخل هذا الكنز فأجد فيه من أحمال الذهب سبعة، فأطمع أنا عليه وآخذ منها ثلاثة، ولا أترك له غير تسعة، آهٍ! حقًّا طالِعي سعيد، وتدبيري حسن.
دعد ([ﻟ] أبو الحسن) : مَن هو هذا يا أبا الحسن؟
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : هذا أنا يا دعد، صاحب القسم الأكبر، ومالك … ومالك الشاني الأبتر.
دعد ([ﻟ] أبو الحسن) : هذا أنا يا دعد، ما هو معنى هذا الكلام؟ لعلَّك انجذبت من مغناطيس الأحلام؟! أنا سألتُك: مَن هذا؟ أعني مَن جاء بطلبك؟ ولماذا؟
مَن ذاك وافاك
مَن ترى زارا؟
هل ضيف؟ (٥)
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) :
بل طيفُ
في الهوا طارا

***

دعد ([ﻟ] أبو الحسن) : صدقت بذلك … فأخبرني إذن عن غير شيء، ولا تكتم عني هذا السر بحيات عينيَّ. قد ذكرتَ أنك مالك الشاني الأبتر، فما معنى هذا القول الأنور؟
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : اعلمي أنَّ الشاني الأبتر هو سيف مضارب، كان يتقلَّده الإمام علي ابن عم … خال … حمي أخي أبا طالب.

(دعد تنظر الخليفة وجعفر فتذهب فيلتفت أبو الحسن ويتبعها قليلًا باكيًا على فراقها.)

الجزء السادس

(عثمان، أبو الحسن، الخليفة، جعفر)
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) :
الليلُ جنَّا فالقلب حنَّا
بادر كي نجلي أقداحَا (٦)
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) :
رُحِ امضِ عنَّا
أمرٌ عظيم فعلٌ ذميمُ
تأتي من غير استئذاني
عندي حريمُ

(يشعر بقدوم جعفر الذي يكون ورا الخليفة.)

أبو الحسن ([ﻟ] جعفر) : أهلًا وسهلًا
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) :
لا بأس أصلًا
ادخل لم يوجد تكليف
أبو الحسن (لذاته) :
لا حول إلَّا
أبو الحسن ([ﻟ] للاثنين) :
فتقدَّما يا صاحبان
شرفتما هذا المكان (٧)
الاثنان (لذاتهما) :
إنا ضيوف زايرون
وإلى الْمُضيف لتابعون (ويتقدمان)
أبو الحسن وعثمان (لذاتهما) :
إن الدراويش الكرام
أرباب طُهْرٍ واحتشام
أكرم بهم فرعًا أصيل
ما منهمُ إلَّا فضيل
أبو الحسن ([ﻟ] عثمان) :
لا ينبغي، إنَّ الحريم
يخجلن من فرعٍ كريم
فادخل وقصَّ لها العِلَل
وارجع بدعدٍ بالعجل

***

عثمان (لذاته) : ساعة مباركة، اخلفنا ذا القرنين.
أبو الحسن ([ﻟ] عثمان) : ماذا تقول؟
عثمان ([ﻟ] أبو الحسن) : قلت على الراس والعين.

الجزء السابع

(أبو الحسن، الخليفة، جعفر)
أبو الحسن ([ﻟ] جعفر) : بالحقيقة يا دادا محمود، إنَّ حبكما في قلبي موجود، فقط رفيقك في تلك الليلة، أوقع الفتنة بيني وبين العيلة، حتى طلقتُ امرأتي، وعدمت لذَّاتي، فأرجوك يا دادا مصطفى، يا سيد الظرفا …
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) : كن مطمئنًّا، لا بد لي أن أصلح ما انعكس عليك. وإنْ شئتَ أرجع امرأتَكَ إليك.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : لا تكلِّف خاطرك؛ فلم يَبْقَ لي مرام بترجيعها إليَّ، بل أرجوك أن تُسْعِفني وتساعدني لكي …

الجزء الثامن

(أبو الحسن، الخليفة، جعفر، دعد، عثمان)
أبو الحسن ([ﻟ] للاثنين) : أما قلت لكما إن عيلتي وعيلة عثمان، هما عيلتان متفقتان؟ (ويتوشوش معهما.)
دعد ([ﻟ] عثمان) : تأمَّل هذه الحركات العجيبة، والإشارات الغريبة.
أبو الحسن ([ﻟ] للاثنين) : ولم يوجد بيننا تكليف، وأنتما لكونكما من الدراويش ذوي أصلٍ شريف، فلا …
جعفر ([ﻟ] أبو الحسن) : فلا ينبغي الاحتجاب عنكما.
أبو الحسن ([ﻟ] للاثنين) : فلا ينبغي الاحتجاب عنكما، ولا … ولا … (ويلتمس من جعفر المساعدة).
جعفر ([ﻟ] أبو الحسن) : ولا ينبغي الانقباض منكما.
أبو الحسن ([ﻟ] للاثنين) : ولا ينبغي اﻟ… الانقباض منكما؛ لأنكما معدن الجود والكرم، ونفتخر بهداياكم على العرب والعجم.
خليفة ([ﻟ] دعد) : حقيقة يا … ما الاسم الكريم؟
دعد ([ﻟ] خليفة) : عبدتك دعد.
خليفة ([ﻟ] دعد) : ما شا الله الرحمن الرحيم! حقيقةً يا دعد إن أبا الحسن مستقيم، نظرًا لاتحاده مع عيلتكم ودخول الرجال على الحريم، فهو بهذا الشأن صاحب الفضل.
أبو الحسن ([ﻟ] جعفر) : قد تكلَّم الآن بالصواب والعدل (ويُقبل يد الخليفة).
دعد (لذاتها) : عجبًا! ما هي نتيجة هذا الخطاب؟
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : اسمعي له، اسمعي له، ولا يكون جوابك إلَّا بالإيجاب.
خليفة ([ﻟ] دعد) : وذلك لأنه يُظهِر بنته على أخيك وهو شاب، فعن ذلك يجب له الشكر لجملة أسباب.
أبو الحسن ([ﻟ] جعفر) : حقًّا، اصطلح حال رفيقك.
جعفر ([ﻟ] أبو الحسن) : يقول المثل: «إن صديقك، مَن كان صديق صديقك»، فهو صار يحبك لمحبتي، ويودك لمودتي.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : كمِّل كمِّل كمِّل كلامك، رفع الله مقامك.
خليفة ([ﻟ] دعد) : وأما أنتِ ظهورك عليه وانجلاكِ علينا وبرزكِ لديه (أبو الحسن يرفع يده عن لحيته) فهذا الأمر غير عجيب، ومن كل خطرٍ مأمون؛ لأننا كلنا جماعة كهول مسنُّون.
أبو الحسن (لذاته) : يا ربي! رجِّع إليَّ نفث العبارات السمِّيَّة. أخاف أن دعد تصدق بهذه التهمة القوية.
جعفر ([ﻟ] خليفة) : إنَّك ظلمتَ صاحبنا بهذا الاتهام، نعم، نحن ناهزنا الأربعين، ولكن هو لم يتجاوز ثلاثين عام.
أبو الحسن ([ﻟ] جعفر) : حياك الله يا دادا محمود المعتبر.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : هكذا فلتكن أصحاب النظر (مشيرًا عن جعفر).
خليفة ([ﻟ] جعفر) : ثلاثين عام! أمَا تنظر تغيير سحنته، والشيب الذي وَخَطَ لحيته؟ (ويتأمل لحية أبي الحسن.)
أبو الحسن ([ﻟ] جعفر) : يكفي يا مصطفى استعمالك المزاح، فقد ضيقت الأبصار في الأرواح، دعني أكمل لدعد حديثًا كنتُ بدأتُ به قبل وصولك، وانقطع حين دخولك.
الثلاثة ([ﻟ] أبو الحسن) :
كمِّل لها حكايتك
وارْوِ لها روايتك (٨)

***

أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : أين أودعنا الحديث، قبل دخول هذا الشيخ الحدِّيث …؟ ما قلنا إن الشاني الأبتر … هو سيف علي الإمام، الذي قتل به عنتر، عليه السلام؟
خليفة (لذاته) : عنتر عليه السلام!
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) : نعم نعم نعم، ما أحد أخبرنا عن ذلك من الأمم، بل إن عليًّا لم يعرف عنتر ولم يكن في أجياله.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : نعم، ولكن …
جعفر ([ﻟ] أبو الحسن) : ولكنه قتل غير عنتر من أمثاله.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : ولكنه قتل غير عنتر من أمثاله؛ مثل … مثل …

(ويلتمس من جعفر المساعدة.)

دعد ([ﻟ] عثمان) : إن محمودًا لأبي الحسن محب واثق.
عثمان ([ﻟ] دعد) : وصديق صادق.
جعفر ([ﻟ] أبو الحسن) : مثل عمر بن ودٍّ العامري.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : مثل عمر ابن المعماري، ومثل …
جعفر ([ﻟ] أبو الحسن) : سبيع الملقَّب بذي الخمار.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : ومثل السبع المعرقب بذي الحمار، ومثل …
جعفر ([ﻟ] أبو الحسن) : لم يخطر على بالي.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : ومثل لم يخطر على بالي، صاحب القدر العالي، ومثل … أودعتكم لله، البيت بيتي وتركت لكم إياه.

(ويهم أن يخرج خارجًا.)

خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) : إلى أين ذاهب يا فقيه؟ (ماسكًا ومرجعًا إياه.)
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : إلى محلٍّ لا توجد أنت فيه.
عثمان ([ﻟ] أبو الحسن) : ارجع بحياتي عليك، فأنت ملزوم أن تحمل ضيوفك على عاتقيك (يرجع).
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : اسمع … أنت طلبتَ مني حين دخولك لهذا المقام، أن أذهب بصحبتك لنَتَعاطى الْمُدام، فلنتوجَّه الآن الآن، واسمع مني غرايب الألحان.
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) :
إن لم تشأْ تجلس هنا
رح سر وحدك بالهنا (٩)
فأنا رضيت بذا المقام
هذا مرادي والسلام

(أبو الحسن بهذه المرة يشير إلى دعد عن الخليفة أنه ثقيل.)

أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : دع هذا الكلام ولا تكن شيخًا عنيفا (١٠)
انطلق معي واسمع من فمي نشدًا عفيفا.

النحو دوكاه، والصرف سيكاه، ثم النوى الأجوف،

والرصد اللفيفا. بادر بادر نذهب.
جعفر ([ﻟ] خليفة) :
شنف مسمعك
جعفر ([ﻟ] أبو الحسن) :
الحق معك،
امضِ لنطرب

الجزء التاسع

(دعد، عثمان)
عثمان ([ﻟ] دعد) : أتعرفين يا دعد أنَّ أبا الحسن وجد فرصةً عظيمة، وإنْ دام تعلُّق هذين الدرويشين فيه تعود عليه نعمته القديمة؛ لأنهما مرتضيان بسذاجته وعاشقان صوته، وقد أملآ من الخيرات بيته.
دعد ([ﻟ] عثمان) : ماذا تنفعه الخيرات والكرامات، فيعود كالأول ينفقها على اللهو والتنزهات، فلا تظن بذلك أني أمدح البخل، بل أعترف أنه مذموم وقبيح، غير أن الكرم أيضًا إذا كان بدون ترتيب فليس هو مليح، وهل تصرُّف أبي الحسن هو من باب الكرم؟ لا لعمري، بل هو من باب إزالة النِّعَم.
فهو قد أفنى كلَّ إرْثِ أبيه
مسرفًا مالَه ومالَ أخيه
والذي قد أبقاه طه وصيُّ اﻟ
ـمال قد أفناه على الترفيه
والمراءون إذْ رأَوْه غبيَّا
صاحَبوه وأمُّه تَنْهِيه
سلبوا مالَه وما منهم الآن
صديقًا نراه يعبأ فيه
إن الغنى لمثله لا يصلحُ
لأنه مغفَّلُ (١١)
أما أخوه بارحٌ ومفلحُ
له الغنى يوهلُ
فهو كريمٌ خلقةً لكنه
مصرفٌ بفطنةِ
دعد وعثمان (لذاتهما) :
كذا جديرٌ للكريم أنَّهُ
يفي السخا بالحكمةِ

***

(يُسمَع غِنا وَرَا المرسح.)

دعد ([ﻟ] عثمان) : اسمع الألحان، اسمع ضرب العيدان.
عثمان ([ﻟ] دعد) : هذا ما هو شي بالنسبة إلى السيران المزمع أن يكون.
دعد ([ﻟ] عثمان) : ما هو السيران؟ وأي متى إليه يذهبون؟
عثمان ([ﻟ] دعد) : آه، هذا سيران ذو قدرٍ وثمن، معد من الدراويش على الدجلة إلى أبي الحسن، سيتوجَّهون إليه في الغد صباح الإثنين، ويقومون هناك يومين.
دعد ([ﻟ] عثمان) : فإذن ستخلو لنا الديار، وفي الغد نخلع نحن وأصحابنا الأستار.
عثمان ([ﻟ] دعد) : والحاجَّة أم أبي الحسن إنْ وصلتْ من الحج نهار غدًا؟
دعد ([ﻟ] عثمان) : آه، يضيع أملنا سدى، ولكنني أنا فهمت جيدًا من عرقوب، بأنها لا تصل إلَّا بعد غدا، يوم الثلاثا بعد الغروب.

الجزء العاشر

(دعد، عثمان، عرقوب)
عرقوب ([ﻟ] عثمان) :
رأيي أن تسير بسرعةٍ
يا سيدي عثمان (١٢)
إذْ معلِّمي بعد برهةٍ
يرجع سكران
الاثنان ([ﻟ] عرقوب) :
هذا الصحيح
رأيٌ مليح (ويتأهبان للذهاب)
لكن بعهدٍ أن يزورنا الحبيبان.
عرقوب ([ﻟ] للاثنين) :
اذهبا
اذهبا
حضِّرا المشربا (١٣)
إذ يقر
القرار
نلتقي كلنا
الاثنان ([ﻟ] لعرقوب) :
نحن في الانتظار
كي ننال المنى
عرقوب ([ﻟ] للاثنين) : هذا شغلي أنا.

الجزء الحادي عشر

(عرقوب)
عرقوب (لذاته) : يا ترى مَن منا يضحك على رفيقه أكثر؟! أظنني أنا الرابح عليهم من الأصغر إلى الأكبر؛ لأنني أُساير الجميع كل واحد على مرامه، وأتنعَّم بعطاياه وإنعامه، وحينما يطربون أطرب معهم، وحيثما يذهبون أكن متبعهم … لازم أن أقابل سعيد وسلمى؛ لأخبرهما بما حصل بهذه البرهة، لكي أنال منهما … (مشيرًا عن الدراهم) ها هي معلمتي سلمى بغير شبهة، ها هو معلمي سعيد كلٌّ منهما آتٍ من جهة.

الجزء الثاني عشر

(عرقوب، سلمى، سعيد)
عرقوب ([ﻟ] الاثنين) :
أتيتما وقت اللزوم فعنـ
ـدي خبرٌ أقوله لكما
إن تسمعاه تطربا طربًا
لا شك أنه يسرُّكما
لكن هنا الوقت مضايقنا
لم نستطع أن نسهب الكلما
عرقوب ([ﻟ] سعيد) : فأخوك سكران، وبعد قليل للمجي هنا له نية، فلنخلِ هذا الحوش في عجلٍ، ولنفرد جوا بحرية.
سعيد ([ﻟ] عرقوب) : اسبقنا قليلًا يا عرقوب، سنأتيك حسب المرغوب؛ لأن لي شغلًا مع بنت أخي مقدار ربع ساعة.
عرقوب ([ﻟ] سعيد) : السمع والطاعة.
سلمى ([ﻟ] عرقوب) : أنت شيخ الصلاح، أنت مربِّي الجميع، بهذا القدر كفاية، وإن شاء الله تعبك لا يضيع.

(يذهب عرقوب.)

الجزء الرابع عشر

(سلمى، سعيد)
سعيد ([ﻟ] سلمى) : سلمى أتحفظين السِّرَّ؛ لأطلِعَكِ على سِرِّي؟
سلمي ([ﻟ] سعيد) : عندي بير عميقة، اشكي لي أمرك؛ لأشكي لك أمري.
سعيد ([ﻟ] سلمى) : لا أخفي عنك، أنا لي أربٌ وغرام.

(يُسمع صوت غنا من داخل ثم يُسمع صوت أبي الحسن وحده قريب من باب المدخل.)

ها هو أخي آتٍ، فما بقِي معنا وقت لتتميم الكلام، أرجوك أن تتركيني معه قليلًا؛ فلي بذلك مرام.
سلمى سعيد : لا بأس يا عمي لا بأس (وتستعد للذهاب) ولكن اذكر أن الناس للناس، فلا تنسني وأنت ربما تعلم بما عندي من الغصة.
سعيد ([ﻟ] سلمى) : أعلم جيدًا، فلا بد أن أساعدك متى سمحت الفرصة.

الجزء الخامس عشر

(سعيد، أبو الحسن)
أبو الحسن (لذاته) :
ما لعيني أبصرتْ
أرضنا قد أقفرتْ (١٤)
وغدا ظبيي بعيد
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) :
أين دعدٌ يا سعيد؟
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) :
حينما جئتُ هنا
لم أجد إلَّا … أنا
أبو الحسن (لذاته) :
عاملتْني بالجفا
كلُّه من مصطفى
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : أخبرني يا أخي على الحقيقة، أمَا نظرت دعد الرشيقة؟
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : نعم، نظرتُها حين توجهتُ إلى بيتهم في هذا الصباح، وهي بكل خيرٍ وانشراح.
أبو الحسن (لذاته) : ولقد تُباح لك الأسرار، من غير سؤال ولا استخبار.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : هل تعرف جيدًا موضعهم؟
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : ولي محبة عظيمة معهم.
أبو الحسن (لذاته) : يا لطيف.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : هل تُكثر لبيتهم الترداد؟
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : مراتٍ ما لها تعداد.
أبو الحسن (لذاته) : يا لطيف! لازم مداركة العيب قبلما يزيد.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : اسمع يا أخي سعيد، أنا أريد أن أتكلم معك عن قضية.
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : وأنا أيضًا أريد أن أستأذنك عن مادة جوهرية.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : قل ما بدا لك.
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : لا لا، أوضح أنت قبلًا مقالك.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : أنا كان لي قصد، أن أسألك عن دعد، كيف نظرتَ محيَّاها؟
سعيد (لذاته) : وا سروري! مراده أن يخطب لي إياها.
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : وأنت كيف نظرته يا أخي أبا الحسن؟
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : أنا نظرتُ محيَّاها كله حُسْن … الحق معك لا يوجد مثلها في هذا الزمن، خالية من العيب … ما بذلك ريب، وجهها مليح، فهمت، فهمت صحيح، عمرها مديد، معلوم أكيد، عدوها هالك، صدقت بذلك.
عيناها مثل اللآلي
والعنق قطعة مسكِ (١٥)
وجسمها كالخيالِ
والوجه فرمان تركي
جبينها مثل منبر
والشعر ريش نعامِ
وخدها لوح مرمر
والقد مثل الحسامِ

***

(سعيد بأثناء إنشاد أبي الحسن يستهجن هذه التشبيهات الباردة ويستهزئ به.)

والحاصل نصفها كمال، وثلثها الباقى جمال.
سعيد (لذاته) : مضبوط.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : شريفة مرتبة عظيمة، وهي أحسن جدًّا من امرأتي القديمة، فاصغ يا أخي لما أقول، ولا تكون بالجواب عجول، فأنا بالحقيقة أُدعَى باسم أخيك، ولكنني ربَّيْتُك عوض أبيك.
سعيد (لذاته) : نعم نعم، نعم التربية التي ربيتنيها، ما كلفتني غير ضياع متروكات أبي على بكرة أبيها.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : وها أنت لحد الآن عايش في خيري، ومستغنٍ عن كل أحدٍ غيري، فأريد أن لا تخالفني بما صوبتُ فكري إليه.
سعيد (لذاته) : ينبغي أن أتمنَّع وأتدلَّل قليلًا عليه.
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : أنت يا أخي تأمر على كل شيء، ما عدا الزواج لا تعرضه عليَّ.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : آه يا خبيث! لا بقي لك وريث، هل كلامي على سبيل الاستيذان؛ كي تجيبني بغير ميزان؟ لا لعمري، بل على نوع التخبير؛ لأني أنا أخوك الكبير، وأنت بكل وقت لأمري أسير.
سعيد (لذاته) : صح الصحيح وأقبل السعد؛ لأن أخي قصده جازم على تأهيلي بدعد.
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : يا أخي …
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : اذهب من قدامي (مغضبًا).
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : يا أبا الحسن.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : لا تدنُ مني، ولا تقِفْ أمامي.
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : سامحني عما افتريتُ به عليك، وأْمر بالذي يحسن لديك.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : هكذا كان الواجب أن تجيبني من البداية، ولا تعترضني على قصدي بهذه الغاية؛ لأن المثل الساير ينادي على روس الأعلام، لا رهبانية في الإسلام، ومعلومك أن أخاك هذا المسكين قد تطلَّق من امرأته، وهو لم يزل شابًّا، فهل يعيش راهبًا بقية حياته؟
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : وبعده، هذه النتيجة يجب لها الاستغراب؛ لأنها لا توافق بداية الخطاب.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : كيف … أتتعجَّب لقصدي على التأهيل بدعد، كما تتعجَّب من البرق قبل الرعد؟
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : على التأهيل بدعد؟ دعد! دعد! مَن يتزوجها؟ … أ … أنت … أ … أنت؟! (مغضبًا.)
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : نعم، أ … أنا، أ … أنا، لعلَّك ما استحسنت (مستهزيًا).
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : عن إذنك، لا تُطمِع نفسك بالمُحال؛ فهذه البنت نصيبي بلا قيل وقال.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : فشرت يا سلحفة ملسا، وخنفسة فطسا، وضفدعة خرسا، بل هي عروسي، وفي مرآها أجلي بئوسي، قسمًا بأعضا مكة والحطيم، لئن لم تنتهِ لنصفعنَّ بوجهك الوخيم.
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : قل كما تشتهي وتريد، فأنا عن قصدي لا أحيد، كله عندي سوا، وكلامك مثل الهوا.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : اخرس يا تعيس، يا ضرطة إبليس (ويتقابضان متخاصمَين).

الجزء السادس عشر

(سعيد، أبو الحسن، الخليفة)
خليفة ([ﻟ] للاثنين) :
يكفاكما يكفاكما
أقلقتما أحشاكما (١٦)
هذا جنونٌ واضحُ
بل هذا شيءٌ فاضحُ

(ويفرقهما عن بعضهما جملة مرار، أخيرًا يجلس كل واحد بجهة بعيدين عن بعضهما.)

أبو الحسن (لذاته) : هذا الدرويش يتحرش لكل الأشياء، الآن يطبق علينا الدنيا.
خليفة ([ﻟ] للاثنين) : اقصصا عليَّ سبب هذا الاختلاف؛ لأحكم بينكما بالإنصاف.
خليفة ([ﻟ] سعيد) : أنت رُحْ إلى تلك الناحية، يا قليل الأدب وعديم النظر؛ لأسمع من أبي الحسن الصادق حقيقة الخبر.

(ويغمزه واضعًا إصبعه على شفتيه.)

أبو الحسن (لذاته) : لا شك أن العيش والخمر قد أصلحا أحواله، وغيَّرا إلى اللطف أثقاله.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : افهم قصتي وأرعني سمعك.
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) : لا تقدر أن تكون مذنبًا، الحق معك.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : إن أخي هذا العديم الوفا، مراده أن يزاحمني على دعد يا دادا مصطفى، مع أن …
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) : فهمتُ فهمتُ، كفى كفى، حقًّا هذه من أخيك مجاسرة كلية، فأنت اثبتْ على عزمك وعليَّ تدبير القضية، آه، كان مستاهلًا منك سحق الراس، وتخميد الأنفاس، ولكنك (هذه العبارة يقولها بصوت منخفض كأنه يُخفيها عن سعيد)(وها هنا يرفع صوته):
أنت طويل البال
خالٍ من البلبال
سامحته في الحال
قلبك صافي كالزلال
لا زلتَ ممدوح الفعال (١٧)
سامحته عن جهله
هذه شئون ابن الحلال

***

(يخفض صوته):

ها إنني ساعٍ إلى التنبيهِ
له وعن ضلالِه أنهيهِ
أودُّ أن يُطِيعني وإنْ عصى
دونك إياه بهذه العصا
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : إن هذا الولد ذو طباعٍ ردية، فأوصيك بمداركته توصية كلية، وإن لزم الأمر لأعطاه هدية، بناء أن يترك لي دعد البهية، فأوعده عني بعقدٍ ذي قيمةٍ وفية، وبالنتيجة على أي وجهٍ كان أرجوك نهي هذه القضية.
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) : لا تفتكر، ابقَ مكانك، واحسب أنها مقضية.

(ثم ينتقل لجهة سعيد.)

أبو الحسن (لذاته) : بارك الله فيك، وتمَّم حُسْن مساعيك.
خليفة ([ﻟ] سعيد) : أفٍّ أفٍّ، ما هذا الطبع الذي له؟ وكيف أمكنك أن تحتمله؟ (بصوت منخفض كأنه يُخفِي الكلام عن أبي الحسن.)
سعيد ([ﻟ] خليفة) : أفهمتَ القصة جيدًا؟ أم تريد أن أعرضها بين يديك؟
خليفة ([ﻟ] سعيد) : فهمتُها فهمتُها، أنا حين دخولي كنتُ أظن الحق عليك، فانتهرتُ فيك كأنك مفتري، ولكنني الآن تأكدتُ أنه هو المذنب وأنت البري، ولقد كان باقيًا على عناده، غير أني بعد الجهد غيَّرتُه عن اعتماده، ولأجل تمكينه على وعده لي قد مدحتُ حسن فعايله، وأنشدتُ له شعرًا ولو كان غير مستاهله.
سعيد ([ﻟ] خليفة) : سمعتُك تشكره لمسامحته لي، ولاحظتُ عنايتك من حركاتك، فلا أحرمني الله مزيد هماتك.
أبو الحسن (لذاته) : الله يعطيك يد المعونة على هذا الولد الفاجر.
خليفة ([ﻟ] سعيد) : فليطِب منك الخاطر، وليقر منك الناظر؛ لأنه وعدني أن يترك لك دعد إن قدمتَ له الطاعة، فاضحَكْ عليه، ولا تبهدله كما فعلت تلك الساعة.

(رافعًا صوته ليسمع أبو الحسن):

ليس بدعًا أن كنتَ ترجو رضاه
باحتشامٍ وطاعةٍ بالأحرى
واجبٌ أن يطاع منك لعمري
كونه أوفى منك عُمْرًا وقدرَا
هذا أخوك الأكبرُ
هذا الشهير الأشهرُ (١٨)
إنَّ له التقدُّمَا
وواجبٌ أن يُكرَمَا
أبو الحسن (لذاته) : كلام مثل الدُّرِّ والألماس، طيَّب الله هذه الأنفاس.
خليفة ([ﻟ] سعيد) (خافضًا صوته) : اضحك عليه وسايره، وقدِّم له الاعتبار؛ لأنه أخيرًا قال لي إن قدَّمتَ لي الخضوع والوقار، فليس أنه يسامحك عمَّا فرط، ويترك لك دعد فقط، بل إنه …
لقد صاغ عقدًا مثمنًا لامرأته (رافعًا صوته)
وأبقاه من بعد الطلاق لغيرها
فيعطيك إياه إذا جئتَ طائعًا
وبُسْتَ يدًا جادتْ عليك بخيرها
أبو الحسن (لذاته) : ما هذا الكلام؟ هذا متعلم العروض من خالتي عن خالي.
سعيد ([ﻟ] خليفة) : لك عليَّ أن أقدِّم له الإكرام العالي، كما يتوجَّب على العبيد إلى الموالي، وأسقط له حقي عن الشريعة التي كنتُ مُزْمِعًا أن أُقِيمها ضدَّه. آه لو تعلم مقدار ما كلَّفتْني إقامتي عنده، يكفي بأن تعرف بأنَّه لم يُبْقِ لنا من متروكات أبي سوى هذه الدار التي تراها، ولولا سداد عوزنا بهذه المدة من إنعاماتك لكنا بعناها، وكله من تغفُّل أخي؛ لأنَّ المرحوم والدي قبل توفِّيه لملاحظته أني كنتُ صبي، وأن أخي معتوهٌ لا يعرف الحي من اللي، فأقام علينا وصيًّا الإمام طه، فخان حقوق وظيفته الشريفة وتعدَّاها، وصار هذا من جهة وذاك من جهة ينفقان من الحواضر، ومعلومك أن الذي لا تتعب به الأيادي لا تحزن عليه الخواطر، فأصبحنا كما ترى معدومين المال والأحبة، وأمي الحاجَّة من قهرها قصدت الحج الشريف وربما تموت في الغربة (ويتكي ليبكي).
خليفة ([ﻟ] سعيد) : لا تفتكر من نحو الحاجَّة، ولا يستحوذ عليك الحزن والأسى؛ لأنني تحقَّقتُ جيدًا بأنها تأتي بعد غد، يوم الثلاثا المسا.
أبو الحسن (لذاته) : طالتِ الجلسة … إنْ أبطأ رسولُك استبشر بالفرج القريب، فيها خير إن شاء السميع المجيب.
سعيد ([ﻟ] خليفة) : صدقت إنَّ ميعاد وصولها بعد غد في العشية، ولكنها مريضة في حُمَّى قوية، فربما …
خليفة ([ﻟ] سعيد) : ما لنا وهذا الكلام، فهو بغير فايدة؟ واللازم أن أعود إلى أخيك لأتمِّم معه المعاهدة.
أبو الحسن (لذاته) : لا يوجد عايق من صوبي، ها هو ذا العقد في جيبي.
خليفة ([ﻟ] سعيد) (خافضًا صوته) : والرأي عندي إذا عاد أخلف في عهده، ورجع إلى شوم زعمه وقصده، أنك تُشهِر له العصا كما يستحق؛ لأنه هو المحقوق وأنت المحق، وليس السلطة للأخ الأكبر على الأصغر، إلا نظرًا لحقوق الطبيعة، لا نظرًا لحقوق الشريعة.
سعيد ([ﻟ] خليفة) : آه، حينئذٍ يصير الشغل شغلي، وتنظر وقتئذٍ فعلي؛ لأنه دايمًا يحتقرني، ولا أراه نحوي غير غضبان، فقلبي منه ملآن.
خليفة ([ﻟ] سعيد) : اصبر قليلًا غير مأمور؛ لأنظر كيف تنتهي الأمور.

(وينتقل نحو أبي الحسن.)

سعيد (لذاته) : الله يعطيك العافية، ويديمك على هذه النية الصافية.
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) (خافضًا صوته) : أبا الحسن، حقًّا لم أرَ أخاك كما قلتَ عنه، بل رأيتُه ندمان على ما فرط منه، وقد وعدني بأنه ليس يترك لك دعد فقط، بل إنه يطلب منك السماح عن الغلط، وما ذلك إلَّا بسبب ما قلتُ له من الكلام الفعَّال.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : قد سمعتُ بعضه، فلا عَدِمْتُك يا سيد الأبطال.
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) : والحاصل الآن قد نهينا الجدال.
سيأتيك ندمانًا وللعفو طالبًا
فهيِّ له عقدًا عليه جرى العقد (ويتوشوشان)
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : العقد معي لا يفارقني دقيقة؛ لأني لا أملك سواه، وكنتُ أعدُّه إلى يوم الضيقة.
سعيد (لذاته) : ما هذا الدرويش؟ … هذا سند متين، هذا كنزٌ ثمين.
خليفة ([ﻟ] للاثنين) :
لم يَبْقَ شيءٌ مانعٌ فتقدَّما
لبعضكما وليَجْرِ بينكما العهد (ويذهب)

الجزء السابع عشر

(سعيد، أبو الحسن)
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : أنا لستُ أخاك بل عبدك، فأرجوك أن تسامحني وتقبلني كخادم عندك.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : لبيك يا أخي لبيك، هو ذا العقد بين يديك.
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : اعطني يدَك لكي أقبِّلها، (ويتناول العقد) وأضعها على رأسي وأبجِّلها.
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : أنت أخي وشقيقي، (ويعانقه عوض أعطاه يده) وعوني عند ضيقي.
سعيد (لذاته) (يستعد للخروج) : بالحقيقة هذا العقد، لا يصلح إلا لعروستي دعد.

الجزء الثامن عشر

(أبو الحسن)
أبو الحسن (لذاته) : حقًّا هذا الدرويش عاد اصطلح، فالآن صدري قد انشرح؛ لأن أخي قنع متبرطلًا بالعقد الدني، وتركني أن أمضي مع دعد عيشًا هني، فما بقي مانع لتأهيلي بها سوى أن أستحضر بنتي سلمى، وأخاطبها على الزواج بعثمان حتمًا. (بصوت عال) سلمى، سلمى. (سلمى تجيبه من داخل: نعم)، احضري لأخاطبك بكلام وجيز، وهو عندي أمر معتبر وعزيز.

الجزء التاسع عشر

(أبو الحسن، سلمى)
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) :
اؤمر فأنا طوع الأمرِ (١٩)
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) :
قد جال كلامٌ في فكري
وأخاف بألَّا يعجبكِ
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) :
ويلي، يا ويلي، يا قهري

***

أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : قد عولت على أن ترفضي طلبي، وتخرقي في بغداد حسبي ونسبي.
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) : أي متى خالفتك يا أبي؟
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : نعم، إني لم أزل ما خاطبتكِ عن هذا المشكل. ولكنني من جودة فراستي قد علمتُ بالمستقبل، فأنا مؤكد بأنك سترفضين الذي لاح في ذهني، وتخالفيني إن أعلنتُه لك بعدما كان مكتومًا في بطني، فألطُمُ وجهي، وأنتِفُ ذَقْني، وأقطع خمسي، وأضرب نفسي.
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) : رويدًا رويدًا، أشفِق على حالك، واحكِ لي ما جال في بالك، وأكِّد أنَّ كل ما تأمر به فهو مقبولي، ولو …
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : ولو كان على تزويجي بعثمان الشمولي، قولي مقبولي، قولي قولي هذه اللفظة.
سلمى (لذاتها) : عثمان!
أبو الحسن (لذاته) : أنا خايف من أطباعها الفظة.
سلمى (لذاتها) : هل هذا منام أم يقظة؟!
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) :
مقبولي مقبولي أقبل (٢٠)
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) :
وأنا عن رأيي لا أنزل
لا أرضى هذا كليًّا
يا بنت الملعون الأرزل

***

يا فاجرة، أنا ما كان قصدي بذلك، إلَّا لأعلم حقيقة أحوالك؟ فالآن علمتُ أنك عاشقة، وأن مزاياك غير موافقة، هكذا تقبلين بالزواج من أول لفظة، ولا تتركيني أن أتلو عليك سبعين ستين وعظة، وا قهراه! وا قهراه! يا شقوتي! وا لهفاه! وا لهفاه! يا حسرتي!

(ويضرب نفسه ويبكي كالأول.)

سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) : يكفاك يا أبي أن تزعج ذاتك، وتكثر شهقاتك، وحياتك أنا لم أسرع بالجواب، إلَّا لتقفل عني باب هذا الخطاب؛ لأن هذا الشخص الذي ذكرته لي لا أشتهيه، ولا لي مرامٌ فيه؟
أبو الحسن (لذاته) : لا لا لا، قصدتُ أن أُوقِع في قلبها هيبتي، فضحكت على شيبتي.
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : كلام حتمي؟
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) : كلام جزمي.
أبو الحسن (لذاته) : وا ندمي، وا ندمي.
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : من الفؤاد؟ (مستفهمًا.)
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) : من صميم الأكباد.
أبو الحسن (لذاته) : ثقلت الأمور.
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : ألا تجعلين صرفًا لهذه القضية؟
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) : أبدًا أبدًا بالكلية.
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : ما بقي لذلك انفكاك؟
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) : ولو أُلقِيتُ إلى الهلاك؟
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : ها ها، الآن علمتُ أنكِ حُرَّة الشمائل، وأن طبعك إلى الرجال غير مايل، فارجعي إلى رأيك السابق، واقبلي عثمان زوجًا لك لأنه لايق.
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) : لا لا، عن إذنك يا أبتاه.

(بصوت يُظهِر عدم الرضا والتذلل لأبيها.)

أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : نعم نعم، عن إذنك يا ابنتاه (متقلِّدًا لها).
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) : لا يمكن بالحقيقة.
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : نعم، يمكن بهذه الدقيقة، سأريك يا بنت اللعين، (ويذهب حردانَ ومغضبًا ثم يعود قايلًا): أي شي ماذا تقولين؟
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) : لم أكلمك بشي (أبو الحسن يذهب ثم يلتفت إلى سلمى.)
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : كيف كيف؟ هل تعنين عليَّ؟
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) : ما كلمتك يا أبي، اذهب بحراسة الله.

(أبو الحسن يتقدَّم إليها.)

أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : هل ترضين عثمان؟ هذا الذي أتمنَّاه.
سلمى (لذاتها) :
وا أسفاه وا أسفاه وا أسفاه!
يزوِّجني بمَن لا أرضاه

(وتبكي.)

أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) :
رويدًا كفاك بكاك رويدًا
قفي نتصالح فبوسي يدي
رويدًا خذيها خذي قبِّليها
فأنعمت فيها قفي واهتدي
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) : لماذا تلجُّ بأمر زواجي كأني أثقل … (وتريد تخرج).
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : لا تحردي، أنت … أنت … أنت، وحياتك لا تثقلين يا بنتي، ولكن الزواج الزواج …
أبو الحسن (لذاته) : أين محمود ليعطينا لهذا الارتباك علاج؟
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : الزواج شي وأي شي؟ … يجعل الميت حي، خصوصًا لجنس النسا، وأيضًا لجنس الرجال؛ فإنه مُطيل العمر بغير جدال. وبضد ذلك البتولية؛ فإنها تجعل البنت الفتاة الصبية، أن تموت في سن الطفولية، هذه قاعدة منطقية.
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) : العفو يا أبي، يكفي تهزى بي، انظر خالتك فإنها لم تتزوَّج بأحد من الأنام، وقد بلغ عمرها تسعين عام.
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) : نعم، ولكن أما عندك العلم اليقين، بأن خالتي لو تزوَّجت بعثمان أو بأحد العثمانين، لكان يكون الآن عمرها … أكثر من تسعين، والحاصل أنا أريد على أي وجهٍ كان، بأن تتزوَّجي من الآن.
سلمى ([ﻟ] أبو الحسن) : هذا شي عديم الإمكان.
أبو الحسن ([ﻟ] سلمى) :
جاء وقت القول بالجدِّ (٢١)
طاوعيني واسمعي رشدي (مغضبًا)
وإذا لم تكملي قصدي
لا تلوميني إذا متُّ
ويكِ سلمى! (ويبكي)
… … … … …

الجزء العشرون

(أبو الحسن، سلمى، الخليفة، عرقوب)
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) :
ماذا أبكاكا؟
ما عسى جدَّ وأضناكا؟

(ويختلي تارة مع أبي الحسن وتارة مع عرقوب.)

سلمى (لذاتها) :
ضاق صدري ضاقا من ذاكا
نحس سارٍ كيفما سرتُ
آه لو كان مصطفى تعوَّق خمس دقايق، لبينما كنتُ نهيتُ هذا الصالح الموافق. ومع ذلك لا بأس من التأنِّي؛ لأني أرى أبي مضطرًّا أكثر منِّي، لا أعلم لماذا هو مجتهد هذا الجهد، آه، أظن ما هو إلَّا لإجراء المحبة وتزويج عمي سعيد مع دعد.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : أوصيك جدًّا بأن تجعل المخاطبة تحت الطي.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : تقدر أن تعتمد عليَّ (وينتقل نحو سلمى متوشوشًا معها).
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) : لا تخف، علَّمتُ عرقوب كيف يتكلَّم معها، وأرشدته كيف يصنع ليُقْنِعَها.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : أدامك الله يا بطل الزمان.
أبو الحسن (لذاته) : كيف اصطلح حال هذا الإنسان.
عرقوب ([ﻟ] سلمى) :
اعلمي أن أباك قصده
جازمٌ أن يتأهل بامرأة (٢٢)
وهي تأبى أن تراكِ عنده
سلمى ([ﻟ] عرقوب) :
أنا أيضًا لستُ أقبل أن أراه (تتوجه)

الجزء الحادي والعشرون

(أبو الحسن، الخليفة، عرقوب)
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : طاوعتْ أخيرًا، والآن ذهبتْ لتأخذ رضا عمِّها، فينبغي أن أتبعها خوفًا من أن يغيِّرها عن عزمها.
خليفة ([ﻟ] عرقوب) : لا يلزمك توصية وتكرار.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : لا يلزمك توصية وتكرار.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : كن مرتاح الأفكار.
عرقوب (لذاته) : أفٍّ، صارتِ الساعة الثالثة بعد الغروب، فعثمان يكون انشقَّ من الانتظار.

الجزء الثاني والعشرون

(أبو الحسن، الخليفة)
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) : ها، الآن من كل شي فكرك ارتاح، ففي غدٍ إن شا الله على الدجلة تحصل على تمام الانشراح.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : معلوم معلوم، ولو كانت تُعطى في بلادنا للحريم الحرية، وتذهب معنا دعد إلى البرِّية، لكنتَ تسمع مني أنغامًا عجيبة، وترى حركاتٍ مضحكة غريبة؛ لأنها …
أبو الحسن (لذاته) : أنا خايف أن يكون سعيد عاد توجَّه لمحلِّها، ونرجع إلى الافتتان لأجلها.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : أرجوك عدم المؤاخذة، فأنا سأعود عليك بأقرب زمان.
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) : رح رح، لا يوجد تكليف بين الأصحاب والخلان.

الجزء الثالث والعشرون

(الخليفة)
خليفة (لذاته) : حقًّا صدري قد انشرح بأنواعٍ غزيرة، في مداعبة هذه العيلة الفقيرة، ومع ذلك، لا بد لي أن أتمِّم ما خطر في بالي، والصواب أن أتعاهد مع عرقوب لإبلاغ آمالي.
إن من كان مغفل يجري (٢٣)
خدعه جدًّا وهزلًا كالغلام
راق لي أنِّي أفعل أمرًا
يبقى في التاريخ يُتْلَى للدوام

الجزء الرابع والعشرون

(الخليفة، عرقوب)
عرقوب ([ﻟ] خليفة) :
مولاي، قم أدرك أخاك
قد كاد يُلقَى في الهلاك (٢٤)
معه جنودٌ جمةٌ
لم يستطع منها انفكاك

(خايفًا وراجفًا.)

***

خليفة ([ﻟ] عرقوب) : لا تفتكر يا عرقوب من هذا القَبِيل، تقدَّم نحوي قليل … (يتقدم.)
نحن لسنا دراويش، بل إننا
نحن من نُدَما أمير العرب
وهو قد خصَّنا كي نطوف البلا
د ونحكي له ما نراه عجب
عرقوب ([ﻟ] خليفة) : أنتما، أنتما من ندماء الرشيد؟ (خايفًا راجفًا.)
عرقوب (لذاته) : يا ربي، ماذا أفعل … من ندماء الرشيد، وأظن أن هذا مصطفى هو النديم الأول؛ لأنه مُطاع ومُهابٌ ومبجَّل.
خليفة ([ﻟ] عرقوب) : ارجع إلى عقلك، لا تكن مثل معلمك المغفل، اسمع مقالي، وجاوبني عن سؤالي: هل لك أن تطاوِعَنا، وتكون متَّحِدًا معنا؟ لأنه تجلَّى لي أن أفعل فعلة، وسنعلمك بتفصيلها غداة غدٍ في الوليمة على الدجلة، فإن نجحتَ جيدًا لتبليغنا مرامنا، لك علينا أن نفيض عليك بجود إنعامنا.
عرقوب ([ﻟ] خليفة) : أنتما أصحاب الفضل مقدَّمًا ومؤخَّر، فإن أمرتماني على الموت لا أتأخَّر، ولكن يا سيدي أرجوك أن تُخبر عبدك عن قضية: لماذا توجَّه رفيقك ورجع بهذه الجنود الوفية؟
خليفة ([ﻟ] عرقوب) : ها، أما سمعتَ معلِّمك مراتٍ ما لها تعداد، يُكثر الحدث لكي يحكم هذه البلاد، ويجلس ولو يومًا واحدًا على كرسي خلافة بغداد؟ فلهذه الغاية كان توجه رفيقي حين كان معلمك سكران؛ لأجل إدخال الحيلة عليه بقدر الإمكان، على أن هذه الجوقة التي نظرتها نجعلها بين يديه، ونقول له إنه صار خليفة، ومجتهدين أن ندخِّل الحيلة عليه، لننظر ما يجري منه بذاك الحين، ونبقى نعرضه على أمير المؤمنين. هذا الذي كنتُ افتكرتُ به، وإنما الآن لم يَبْقَ له لزوم؛ لأني عدت افتكرتُ بأن أُبقِي ذلك لوقت السيران المعلوم.

الجزء الخامس والعشرون

(الخليفة، عرقوب، جعفر، الجوقة)
جعفر وجوقة (للخليفة) :
قد تم ما أمرته
وأُطيع ما أشهرته (٢٥)
خليفة ([ﻟ] جعفر) :
دبرت أمرًا آخرًا
جعفر وجوقة (للخليفة) :
أحْسِنْ بما دبَّرته
خليفة ([ﻟ] جعفر) :
قد جعلنا مع عرقوب كلام
لتمام الحيلة (٢٦)
يستوي معنا لتحصيل المرام
في احتفال الدجلة
فلنجد الآن سعيًا لا ننام
كلنا بالجملة
جعفر وجوقة (للخليفة) :
كل ما تأمره فهو مطاع
إنما الأمر إليك
واجبٌ تمثيله والاتباع
كلنا طوع يديك
خليفة ([ﻟ] جعفر) :
لم يعد غير جزا الخادم
بالغنا (٢٧)
فامنح الإنعام كاللازم
عرقوب ([ﻟ] جعفر) :
ها أنا
الثلاثة ([ﻟ] خليفة) :
أيَّد الله العليُّ الدايم
مجدك المَنِيع البنا
اسلمْ سرمدًا
اغنمْ أبدًا
دمْ بالهنا!
جعفر ([ﻟ] عرقوب) :
ويكَ عرقوب بادر تقدم (٢٨)
… … … … …

(جعفر يمدُّ يده لجيبه، وعرقوب يمدُّ يده ليقبض.)

عرقوب ([ﻟ] جعفر) :
خلِّ يا سيدي ليس يلزم
أنا حرٌّ للعطايا لستُ أقبل

(دايمًا مادًّا يده.)

جعفر ([ﻟ] عرقوب) : خذ عطية شريفة (جعفر يدفع كيسًا إلى عرقوب).
جوقة ([ﻟ] عرقوب) : وادعين للخليفة (جعفر يدفع كيسًا آخَر إلى عرقوب).
جعفر ([ﻟ] عرقوب) : وأبقِ هذا باسم مولاك المغفل.
عرقوب ([ﻟ] للاثنين) : دام مَن جاد بهذا وتفضَّل.
خليفة ([ﻟ] عرقوب) :
قبل انطلاقي (٢٩)
الثلاثة ([ﻟ] خليفة) :
بالسعود بحفظ بارينا الودود
خليفة ([ﻟ] عرقوب) :
أوصيك في حفظ العهود
عرقوب ([ﻟ] الثلاثة) :
ما رمتم افعلوه
عرقوب (لذاته) :
معلمي أبو الحسن

(ناظرًا ومخشخشًا الدراهم التي قبضها من جعفر)

لا يَسْوَى نصف ذا الثمن
عرقوب ([ﻟ] الثلاثة) :
عليَّ مشترى الكفن
إن شئتمُ اقتلوه
١  أُضيف حرف «ﻟ» قبل «المتحدَّث إليه» للتمييز بينه وبين «المتحدِّث» (الناشر).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤