الفصل الثالث

الجزء الأول

(دعد، سعيد)
دعد ([ﻟ] سعيد) : الصواب أن نُخبر أمك الحاجَّة عن زواجنا؛ لعلَّها تُصْلِحنا مع أخيك ونستريح من خصامنا وانزعاجنا.
سعيد ([ﻟ] دعد) : آه، أمي الحاجَّة في مخدعها مملوة لنحونا من الغيظ والمقت؛ لأنها وصلتْ من ثلاث ساعات ولم تَرَ سلمى لحدِّ هذا الوقت، وإذْ كنتُ عندها عاتبتْني؛ لأنه لم يتوجَّه منَّا أحد ليستقْبِلَها … عذْرنا واضح، ما كان معنا وقت لكي نعلِّلها … أنا وعثمان كلٌّ منَّا كان اليوم مهتمًّا بتكتيب كتابه، وأخي من أول أمس توجَّه للدجلة، ولحدِّ الآن لم يتيسَّر رجوع جنابه؛ فلذلك يجب علينا الآن، أن نتَّخِذ الكتمان؛ لأنها الآن محزونة بالحقيق، ومتفائلة من منام أبصرتْه في الطريق.
دعد ([ﻟ] سعيد) : هي أخبرتْني عنه إذْ كنتُ عندها في العِلِّيَّة، وقالتْ لي إن الشيخ حسين عبد الجليل فسَّره لها بألفاظ جليَّة، ثم قالتْ لي إن هذا الشيخ قد توجَّه لمقابلتها في الطريق وأبدى نحوها المعروف والوداد، فمَن هو هذا الشيخ الذي اجتهد هذا الاجتهاد؟
سعيد ([ﻟ] دعد) : غير مؤذِّن جعفر، لا أعرف أحدًا يُدعَى بهذا الاسم في بغداد، ولكن هذا ماذا يعنيه ليكلِّف خاطرَه إلى كذا مواد.

الجزء الثاني

(دعد، سعيد، الحاجَّة)
حاجَّة (للاثنين) :
لم ترجعا مذْ غبتُما من عندي
بل رحتما وحسرتي في وجدي
تركتماني في همومي وحدي
أهكذا حق الوفا والعهدِ
وملتقى الغيَّاب بعد البُعدِ
حاجَّة ([ﻟ] سعيد) : أي سعيد، أعلمني أي شي جرى لكم، وماذا أشغل بالكم؟
سعيد ([ﻟ] حاجَّة) : وحياتك يا أماه … ماه … ماه …
حاجَّة (بذاتها) : لا حول ولا قوة إلَّا بالله، قلبي راجف؛ ليلَّا يكون يأتي على سلمى شي، ويكون أبوها لأجلها حصل في العيِّ والغي.
حاجَّة ([ﻟ] دعد) : أنت يا جارتي دعد أخبريني: أين رفيقتك سلمى؟ أعلميني.
دعد ([ﻟ] حاجَّة) : سلمى آ… (محتارة بأمرها لا تعلم كيف وماذا تجيب.)
حاجَّة ([ﻟ] دعد) : آ… (متقلِّدة لها.)
حاجَّة ([ﻟ] سعيد) : أنت احكِ لي يا ابني سعيد.
سعيد ([ﻟ] حاجَّة) : سلمى آ… (مثل دعد).
حاجَّة ([ﻟ] سعيد) : أنت أيضًا سلمى أَ أَ أَ، ماذا أصابك؟
سعيد ([ﻟ] حاجَّة) : صدقتِ أكيد.
حاجَّة ([ﻟ] دعد) : والنهاية؟
حاجَّة ([ﻟ] سعيد) : والنهاية؟
دعد ([ﻟ] حاجَّة) : صحيح صحيح.
حاجَّة ([ﻟ] دعد) : صحيح صحيح! ما هو سبب عدم تكلمكما بالصريح؟
دعد ([ﻟ] حاجَّة) : نعم … لا لا.
حاجَّة ([ﻟ] سعيد) : وأنت كيف رأيك؟ … نعم، لا لا؟
سعيد ([ﻟ] حاجَّة) : نعم … لا لا.
حاجَّة (للاثنين) : اختزيا من وجهي حالًا.

الجزء الثالث

(الحاجَّة)
الحاجَّة (بذاتها) : على أي شيء يلزمني أن أتكبَّد الغمَّ والحزن؟ هل على جنون ابني أبي الحسن، أم على ابني سعيد الذي ارتبط منه اللسان؟ أم على سلمى (تلتفت نحو الباب)، ها هي سلمى آتية مع عثمان، آه يا ناكرة الإحسان! لا بد أن أعرِّفك مقدار جهلك، أنتِ لم تسألي عني وأنا ذاب قلبي لأجلك.

الجزء الرابع

(الحاجَّة، عثمان، سلمى)
الاثنان ([ﻟ] الحاجَّة) : أهلًا بالغُيَّاب، من بعد الهجران عادوا للأوطان. (١)

(سلمى تتقدَّم للحاجَّة فتدفعها.)

حاجَّة ([ﻟ] سلمى) :
قولي لي أسباب
إنكار الإحسان
حاجَّة (بذاتها) :
قُتل الإنسان!
الاثنان (لذاتهما) :
عرفت ما كان
عثمان ([ﻟ] حاجَّة) : ماذا جرى عليكِ يا حاجَّة؟ أعلميني.
سلمى ([ﻟ] حاجَّة) : ماذا أصابكِ يا جدتي أخبريني، لطِّفي خلقك الله يُبْقِيك.
حاجَّة ([ﻟ] سلمى) : كأنكم تجهلون ذنوبكم كلكم، وتجهلين الذي جرى على أبيكِ. آه!
عثمان ([ﻟ] سلمى) : كنَّا مؤملين بالحاجَّة أن تنصرنا وتعذرنا، فوجدناها معولة على أن تهجرنا وتغدرنا.
حاجَّة (بذاتها) : آهًا على طالعي التعيس المذل! فقد لبسنا ثوب العار والذل.
سلمى ([ﻟ] حاجَّة) : لا يذهلنَّك يا جدتي العجب، فلا بد لكل شانٍ من سبب، سنعلمك عن كل شي بالتدقيق، بعد أن تكوني أخذتِ الراحة من مشقة الطريق.
حاجَّة ([ﻟ] عثمان) : اشرح لي أنت يا جار، اشرح لي كل ما صار.
عثمان ([ﻟ] حاجَّة) : عمَّا صار … الذي صار … أما تريدين أن أشرح لك ما صار؟ … نعم أكيد.
حاجَّة (بذاتها) : هذه من مدرسة دعد وسعيد.
حاجَّة ([ﻟ] سلمى) : وأنتِ ماذا تقولين؟ نعم أكيد.
سلمى ([ﻟ] حاجَّة) : نعم.
حاجَّة (بذاتها) : يا ربي، خفِّف عني الألم.
حاجَّة ([ﻟ] سلمى) : أظن أنكم جُنيتم كلكم.
سلمى ([ﻟ] حاجَّة) : نعم.
حاجَّة ([ﻟ] عثمان) : وأنت كذلك يا عثمان؟
عثمان ([ﻟ] حاجَّة) : نعم.
حاجَّة (للاثنين) : يا لله، ادخلا البيمارستان (وتدفعهما إلى المحل الذي دخله دعد وسعيد).

الجزء الخامس

(الحاجَّة)
حاجَّة (بذاتها) :
ما احتيالي إنَّ صبري وَهَى
ليتَ شِعْري ما أصاب الجميع؟
لا أرى شيئًا على حالِهِ
فأجبني راحمًا يا سميع
فلنجرب ربما زال من
خاطر ابني ذا المنام الفظيع

(تَرفع ستارًا عن زاوية المرسح فيظهر أبو الحسن نايمًا بأثوابه التي كان بها بالفصل الأول، وهو يخط في نومه، فتُومي بيدها نحو الباب الذي دخلتْ منه دعد.)

الجزء السادس

(الحاجَّة، أبو الحسن، دعد)
حاجَّة ([ﻟ] دعد) : يا دعد، أنا أعهدك عاقلة، فانتَبِهي لي قليلًا لا تكوني جاهلة، حبيبتي يا جارة أخبريني ماذا جرى على ابني أبي الحسن، وأريحي ضميري من الهم والمحن.
دعد ([ﻟ] حاجَّة) : هو لم يَزَلْ مع الدراويش في نعمٍ وافية.

(ولا تنظر أبا الحسن.)

حاجَّة ([ﻟ] دعد) : في نعمٍ وافية؟! ومَن هو هذا النايم في هذه الزاوية؟

(دعد ترتعش.)

دعد ([ﻟ] حاجَّة) : وحياتكِ، الآن حتى نظرتُه.
حاجَّة ([ﻟ] دعد) : ويلك، أنا من حين وصولي أبصرتُه، وبعدما سمعتُه يُحدِّث بالمُحال، أرخيتُ عليه الستار لأطَّلِع منكم على حقيقة الحال.
دعد ([ﻟ] حاجَّة) : الظاهر أنه أتى حينما كنَّ…
حاجَّة ([ﻟ] دعد) : الظاهر سكنتم الجنَّ …
حاجَّة (بذاتها) :
يا رب يا جبَّار
بالمصطفى المختار (٢)
… … …
أزل همومي
وأجلِ غمومي
بكشف ذي الأسرار

***

أبو الحسن (لذاته) :
حان حين الكاس والطاس على (بصوت عالٍ)
نغم العيدان والألحان حان
هندُ أسما يا سليمى بادري
صبر هذا المغرم الغلبان بان
حاجَّة ([ﻟ] دعد) :
اسمعي يا جارتي الحدث الذي
هو ضربٌ ليس في الإمكان كان
أكدي إلَّم توضِّحي لي حقيقة الخبر فما أنا إلَّا هاجَّة.
دعد ([ﻟ] حاجَّة) : وحياتك يا حاجَّة …
أبو الحسن (لذاته) :
عزَّ منكنَّ جوابي مثلما
دمعُ هذا العاشق الولهان هان
حاجَّة ([ﻟ] دعد) : ادركيني يا حبيبتي بالإفادة لنستدعي له الحكيم بهرام؛ لأنه صار نصف الليل فيجب أن نعجل بطلب الحكيم المذكور قبلما ينام.
دعد ([ﻟ] حاجَّة) :
إنما لابنك إذْ رافَقَه
لرُبا الدِّجْلة درويشان شان
راح يلهو معهما والراح من
دأبه للعقل والجثمان مان
ربما عاد مصابًا من جرى
طوفِه في البرِّ والهيجان جان
حاجَّة ([ﻟ] دعد) : وا قهراه! الدرويشان هما في القاعة الكبيرة، وفي كل برهةٍ يستشرفاننا من الطاقة الصغيرة، فلقد تأوَّل المنام الذي قلتُ لك إنه فسَّره لي الشيخ حسين؛ لأنه قال لي بأن ابني يحكم بغداد مدة يوم أو يومين، وأنه بعد ذلك يُعزَل من درويشين، وأنَّ الأشياء التي يراها بما أنها تفوق العقل والنقل، فيمكن أن ينتهي أمره إلى تزعزع العقل. فهو ذا تأوَّل التفسير، ولم يصدُق منه غير الجزء الأخير.
دعد ([ﻟ] حاجَّة) : الرأيُ عندي أن تتركيه يتنعَّم بهذه المنامات اللذيذة، وإن شئتِ خصمها فعلِّقي في عنقه التعويذة.
حاجَّة ([ﻟ] دعد) : هذه كل راياتك؟! أعتقيني بحياتك، (تدفعها) ادخلي هذا المخدع بمعزلٍ عن سعيد وعثمان؛ لأسألهما بانفرادٍ عما كان، وأجرِّب عسى يعطياني رأيًا مثل رأيك السديد، وتدبيرًا مثل تدبيرك الحميد (دعد تقف في زاوية).
أبو الحسن (لذاته) : أين جعفر؟ أين أبو إسحاق النديم؟ أين أبو نواس؟ أين إسحاق البوَّاب والمماليك والحراس؟ تعالَوْا طوعًا لأمير المؤمنين، فأنا مَلِكُكم ناصر الدين.
حاجَّة ([ﻟ] أبو الحسن) : قم يا ابني سمِّ بسم الله وانتبه من هذا الوسن، فما أنت إلَّا أبو الحسن، أمَا اشتقت إليَّ؟ قم قبِّل يديَّ؛ لأقبِّل وجنتَيْك، وسلِّم عليَّ لأسلِّم عليك.

(أبو الحسن يخط في نومه.)

ما هذه الأحوال؟
زادتْ بي البلبال (٣)
ابني أُصيبا
خبلًا غريبًا
وأمره قد طال

***

أبو الحسن (لذاته) : هذا صوت هند الحجازية، (يفتح عينيه) أفٍّ، من أين أتتْنا هذه الجنية؟ (يرجع ينام.)
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) :
إلَّم تكفِّي المَيْن؟
قسمتُكِ شطرين (٤)
حاجَّة ([ﻟ] أبو الحسن) :
قم يا ضياء العين
قرَّبتَ مني الحَيْن
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) :
ماذا جرى لي؟
حالي يا مالي
أين افتخاري أين؟
حاجَّة (بذاتها) :
وا سوءَ حالي!
قلَّ احتمالي
وقعتُ في أمرين

***

حاجَّة (بذاتها) : يا ربَّاه، إنْ لاطَفْتُه يزداد فيَّ طمَعُه، وإن عنَّفتُه يزداد اضطرابه ووجعُه.
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : يا حاجَّة، حبيبتي يا أمي، قولي لي الصحيح واكشفي عن غمي …
حاجَّة ([ﻟ] أبو الحسن) : حبيبي عيوني (تعانقه) ابني أما اشتقتَ إليَّ، ولا تريد أن تسلم عليَّ؟
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : يا ويلاه! يا ويلاه! الآن وقتُه، سبحان الله … (يأخذها على جهة) كلِّميني.
أبو الحسن (لذاته) : كلمك مرض (يشعر بوجود دعد) ها ها، ها هي هند.
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : اذهبي، ما بقي لي بكِ غرض. (الحاجَّة تقول: معلوم، ما بقي له بي غرض.)
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : يا هند، أين بقية السراري والحشم والخدم؟
دعد ([ﻟ] أبو الحسن) : الخدم والحشم؟! (متعجبة.)
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : نعم الخدم والحشم (مستهزيًا بها).
دعد ([ﻟ] أبو الحسن) : الخدم والحشم (منغمة هذه الجملة مرتين راقصة).
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : الخدم والحشم. (منغمًا نظير دعد) هكذا تُجيبين الخليفة بجواب مهمل مكيد، مع أني لأجلك آذنتُ سلمى أن تتزوَّج بعثمان ودعد بسعيد، ولأجل رجاكِ سمحتُ عن ذنوبهم كلِّهم، وأمرتُ لهم بأربعة آلاف دينار صنديد.

(دعد تنفر منه إذْ يتقدَّم إليها.)

دعد (لذاتها) : عرف القصة الملعون، لا شك أنه مسكون.
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : هكذا تنفرين مني، وأنا لأجلك أُنشِد وأُغنِّي! قولي لي يا هند أي شي تأتَّى عليَّ عند العشا إذْ سكرنا على الطعام، هل أنت لعبتِ معي هذه اللعبة وألبستِني هذا الثوب الخام، أم الآن أنا نايم والأشيا التي ناظرها هي أضغاث أحلام؟ (وينظر إلى ثيابه مُزْدَرِيًا بها.)
دعد ([ﻟ] أبو الحسن) : ما أنتَ إلَّا في بيتك، وما أنت إلَّا في انتباهٍ تام، سمِّ باسم الرحمن، واطرد عنك وساوس الشيطان.
أبو الحسن (لذاته) : لا شك أني مسحور، أو دخل على عقلي أمرٌ من الأمور.
دعد (لذاتها) :
شيءٌ لذيذ
يحلي النبيذ (٥)

(أبو الحسن يتصبَّب حين إنشادها ويتَّكِي.)

هذه غرور
من الخمور
دعد ([ﻟ] حاجَّة) :
فابقي هنا
أما أنا
قد دعاني النوم

(تريد تدخل للجهة الموجود فيها عثمان وسعيد وسلمى فتمنعها الحاجَّة.)

حاجَّة ([ﻟ] دعد) :
لا لا، ارجعي عن مخدعي، ما عليكِ لوم
قصدي أقرر كل واحد منكم بمعزل؛ لألحق آخِر هذا المظهر المعرقل.

الجزء السابع

(الحاجَّة، أبو الحسن)
أبو الحسن (لذاته) : آه يا هند الحجازية، آه على هذه الأنغام الشجية.

(يفتح عينيه فيرتعش.)

أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : أين راحتْ هند؟ أين راحتْ غزالة السِّند والهند؟ فهي أشبه النسا بدعد بالحسن والجمال، وأشبه الناس بإسحاق بالحضور والانتقال. أعلميني أين راحتْ هند وخفِّفي عني الشجن، وأخبريني أمَا أنا مَلِك الزمن؟ (مغضبًا ومتهدِّدًا.)
حاجَّة ([ﻟ] أبو الحسن) : التي كانتْ هنا هذه جارتنا دعد، وأنت ما أنت إلَّا أبو الحسن.
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : أبو الحسن أبوكِ، أبو الحسن أنتِ وابنكِ وأخوكِ.
حاجَّة ([ﻟ] أبو الحسن) : أهل أنا سبيت الدين؟ يكفي تطوش مثل المجانين.
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : يا أمي، قولي لي أي متى حضرتِ؟ أنا سألتُ عنك فأجابوني أنك جاورتِ، فلماذا لم ترسلي لي خبرًا قبل وصولكِ؟ حتى كنتُ أرسلتُ لكِ زمرةَ دولتي لاستقبالكِ حين دخولكِ.
حاجَّة ([ﻟ] أبو الحسن) :
كفى بنيَّ نحن أحقر البشر
كيف اتصالنا إلى هذا القدر؟
دع عنك يا بنيَّ هذه الفِكَر
واسمع لأحكي لك قصة سمر
عمَّا جرى بالحج لي وبالسفر
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : دعي هذا لوقتٍ آخَر نبقى نتحدَّث فيه، أطلعيني الآن على باطن الأمر ولا تخفيه … ويلك صدِّقيني، إني أنا الخليفة.
حاجَّة (بذاتها) : سبحانك الله! كم تخلق من أصحاب العقول السخيفة!
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : أنا عقلي سخيف وأنت الفيلسوفة؟! أنا الحيوان وأنت الفصيحة؟! اصبري لأعلِّمك يا قبيحة (يهجم عليها ليضربها).
حاجَّة ([ﻟ] أبو الحسن) : آه آه! (باكية)، يا ابن الملاعين.
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : أما تقنعين بأني أمير المؤمنين؟! … قولي لي بعد هذه القتلة أنا مَن أكون.
حاجَّة ([ﻟ] أبو الحسن) : أنت مُصاب من الجنِّ قليل العقل مجنون.

(تهرب الحاجَّة فيتبعها أبو الحسن طايفًا في أثرها المسرح ولا يُدْركها، ثم بعد ذلك تقف الحاجَّة وتلمس خدها وتنظر أناملها.)

آه آه! (باكية)، لقد آلَمْتَنِي وأحرَقْتَنِي، وأبكَيْتَنِي وعرَّقْتَنِي، فاحمرَّتْ عيوني، وسال الكحل من جفوني، و…
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : و… و… و… (مستهزيًا بها) إذا لم يكنِ الحُسْن موهوبًا من رب العالمين، فماذا يُفيد الكحل والاصطباغ والتحسين؟!
حاجَّة (بذاتها) : ما شا الله! انفتح عقله، وصار يتكلَّم بالحِكَم وفصيح الكلام، عسى أن يتكذَّب الجزء الأخير ويتصدَّق الجزء الأول من المنام.
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : سامعك تحدِّثين ذاتك، فماذا تقولين؟ ها ها، تقولين إني لستُ أمير المؤمنين، ناوِلِيني هذه العصاة لأجمع على صراخِكِ أهل بغداد. اصبري لأعلِّمك ما هي نتيجة العناد، (يحوم ليأخذ العصا من الزاوية) يا ناس، هذه أمتعتي، كيف العمل؟ هذا بيتي أنا مستيقظ، لقد خاب الأمل (يلبث متأمِّلًا في أثاث بيته محتقرًا له).
حاجَّة (بذاتها) :
واهًا لحال الوالِدِين
كم يحملون من البنين
وعلى الخصوص بسقطهم
في الخَطْب والأمْرِ الْمُهِين
يتكبَّدون دلالهم
والجورَ حينًا بعد حين
إن لاطَفُوهم يَغْضَبوا
لم يذكروا الْمَرْبَى الثمين
أو عاندوهم يجْتَرُوا
للضربِ والشَّتْمِ الْمُهِين
هذا القضا فيه اقتضى
أحكام رب العالمين
إن السعيد الحظ مَن
يحوي البنين الصالحين
حاجَّة ([ﻟ] أبو الحسن) : حبيبي أبا الحسن، ارجع عن جهلك، ولا تَدَعِ الناس تضحك على عقلك؛ فضيوفك بعدُ مستيقظون، وأخاف أن يظنوا أنك مجنون.
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : ضيوفي؟ مَن هم هؤلاء الضيوف؟ ومِن أي الرُّتَب والصفوف؟ (يهي العصا ليَضْرِبها) اعجلي بالجواب يا بنت آوي، قبل أن يأتيك الكاوي (يرفع يده بالعصا).
حاجَّة ([ﻟ] أبو الحسن) : ترفَّقْ ترفَّقْ يا أمير المؤمنين، وحامِيَ حرمة الدِّين.

(أبو الحسن يتعظَّم.)

أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : ها الآن اهتديتِ لمعرفة الأسرار، فلو كنتِ من البداية أقرَّيْتِ هذا الإقرار، أمَا كنتِ وفَّرتِ عنك من القتل حمل حمار؟ … فالآن أنا أيضًا في دوري أخبرك بالحقيقة والصواب: فالذين هناك ما هم ضيوف بل هم الحُجَّاب والنُّوَّاب.
حاجَّة ([ﻟ] أبو الحسن) : يعيش أمير المؤمنين يعيش، (مستهزية) وهل الحُجَّاب يتزيَّون في زيِّ الدراويش؟
أبو الحسن (لذاته) : في زي الدروايش؟ وحياتي هؤلاء أصحابي.
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : اصبري لآتيك بالخبر، اجلسي هنا انتظري جنابي.

(الحاجه تتَّكِي حزينة.)

الجزء الثامن

(الحاجَّة، سعيد، عثمان)
عثمان ([ﻟ] سعيد) : صدقتَ، إن الحاجَّة حردانة علينا كلنا، فأنا كنتُ أظن أنَّها علمتْ بزواجِنا فاغتاظتْ من فعلِنا، وإنما الآن تحققتُ منك سبب غيظها وانفعالها، وعلمتُ أنه من عدم توجُّهنا لاستقبالها.
الاثنان (لذاتهما) :
كنا مؤمِّلين
نحظى بالألْطاف
منها والإنصاف (٦)
صرنا مؤيسين
خالين الإسعاف
من كل الأحلاف

***

عثمان ([ﻟ] سعيد) : نعم، إنَّ زواجنا صار بسَعْي دعد، وبواسطة دادا محمود بأمر أمير المؤمنين، ولم نخش بأسَ أحدٍ من العالمين، ولكن مع ذلك إن أمكننا الاصطلاح، نحصل على الراحة والنجاح؛ لأجل طرح الحسد، ونرفع من بيننا وبين أخيك النَّكَد؛ لأنه يوم خصامِه معك اتَّخَذني كمُساعد لك، وقطع من الزواج أملي وأملك، فالآن إن عرف أننا تزوَّجنا على غير رضاه، يقع بيننا ضرب السلاح بغير اشتباه، فالصواب أن نجعل سلمى تخاطب أمك كما علَّمناها، وتتملَّقها وتأتي على هواها؛ لأن النساء يعرفن أطباع بعضهن؛ فهي أدرى منَّا بطبعها، وقد قيل: لا تُقطع الشجرة إلَّا بفرعها … ماذا أرى؟ ها هي أمك هناك.
سعيد ([ﻟ] حاجَّة) : يا أمي، هل لك أن تُسْعِفينا وتُخلِّصينا من الخصام والانشباك؟ كلِّفي خاطرك، قابلي سلمى لتخبرك عمَّا مر.
حاجَّة ([ﻟ] سعيد) : آه، أخوك سبَّب لي … رح قبلًا أحضر الحكيم فهو ألزم وأضر.
سعيد ([ﻟ] عثمان) : مسكينة، غياب أخي سبَّب لها المرض والدبلة.
سعيد ([ﻟ] حاجَّة) : لا تفتكري من جهة أخي؛ فهو بخيرٍ، خالٍ من كل علة، ولو لم يكن الآن فات نصفُ الليل لكان رجَعَ من الدِّجْلة، ففِي الصباح يَرجِع بخير إن شاء الله.
حاجَّة ([ﻟ] سعيد) : يرجع بخير، آه منك آه! قلتَ إن سلمى تُخبِرني عمَّا مرَّ، وتحكي لي الحكاية، لا بأس، لا بد من أن ألحق القصة إلى النهاية.

الجزء التاسع

(سعيد، عثمان، عرقوب)
عرقوب ([ﻟ] للاثنين) :
مساءٌ سعيدٌ وعرسٌ سَنِي (٧)
فدُوما بسعدٍ وعيشٍ هني

(ويتشاغل بعدد دنانير.)

الاثنان (لذاتهما) :
تُرى مَن نباه بذي القصةِ
أما كان معهم على الدِّجْلةِ؟

***

عرقوب (لذاته) : هذا إيرادُ أمسِ بغير خلاف، وبهذه الليلة إن شاء الله أحصل على الأضعاف.
سعيد ([ﻟ] عثمان) : لا بد أن يكون أخي آتٍ ويكون سكران، فلا ينبغي أن نواجِهَه قبل أن تقابِلَه أمي وتلطِّف معه الهيجان؛ ليلَّا نقَعَ معه في البلا والهوان.
عرقوب (لذاته) : يجب أن أعمل طريقةً لترحيل سعيد وعثمان.
الاثنان ([ﻟ] عرقوب) : لِمَا جيتَ عرقوبُ قبلَ الجميع؟ (٨)
عرقوب ([ﻟ] للاثنين) :
كذا أمروني
وإني مُطيع
وهم يتبعوني
بوجْه العَجل
الاثنان ([ﻟ] عرقوب) :
فهِمنا فنحن
علينا شغل

الجزء العاشر

(عرقوب)
عرقوب (لذاته) : يلزم أن أقفل عليهم الأبواب؛ ليلَّا يدهمنا منهم أحد ويخلَّ معنا الحساب، (يقفل باب اليمين والشمال) في هذه الزاوية أحسن ما يكون، ليظن معلمي أني هنا من مدة طويلة مكنون … يلزمني أن أدخل الصنعة هنا بكل الإمكان، أكثر ممَّا فعلتُ معه في الدِّجلة والإيوان، وبعد ذلك لا بد لي من نقْض الحساب مع محمود النديم؛ لأني بعتُه وزارتي بثمن غير عادلٍ ولا مستقيم (يضجع).

الجزء الحادي عشر

(عرقوب، أبو الحسن)
أبو الحسن (لذاته) :
كلامُهما مَلا عقلي
لكون أخي رَدِي الأصلِ
فأمسى يوم خلفَتِنا
يهدِّدني على قتْلي
وأوعدني بمَكْيَدةٍ
ليسحَرَني بلا شكلِ
بالحقيقة إن دادا مصطفى، كشف الأمر وأظهر الخفا، وعمي دادا محمود صادق على قوله المنظوم، فهذا عندي كلامه مكرَّس لأنه معصوم، فيقرب العقل أن يكون أخي الْتَجا إلى الساحر بهرام، خصوصًا بعد إحساسه بقدوم عساكر الأعجام؛ ليتزوَّج بدعد وأنا مشغول بالأحكام، وبعد قليلٍ أهلكُ بمحاربة أوليك الأقوام؛ لأن الأعجام كلٌّ منهم شديد في عزمه، وإنْ ضُرب عنقه يحمل رأسَه في فمه ولا يزال حتى ينتقم من خصمه، أما عثمان بعدما كان اتفق مع أخي يوم خلفتنا وشاركَه في الكيد والعناد، وأظهر ما في باطنه من الخبث والفساد، عاد ندم على خطئه، وعرف مكْرَ أخي وافتراه، والْتَجَا إلى الشريشي بما أنه ساحر أكبر، وأعرف من بهرام وأمهر.
فساعَدَنِي وأسعَدَنِي
وأنجدَنِي من الخبلِ
تُراه علامَ مجتهدًا …
ليفضل صاحبَ الفضلِ
ويأخذ بنتي مفتخرًا
ويقهر جوقة العدلِ
ويخطبني ويزوجني
بدعد عديمة المثلِ
هكذا أوضح لي الدرويشان، فإذن أنا في بيتي … أنا صاحٍ … أنا يقظان، والتي كانتْ هنا لم تكن هند الحجازية، بل هي دعد، وغلطتُ بها إذْ كنتُ مدهوشًا قبل أن أعرف حقيقة الكيفية … فالآنَ عرفتُ أنَّ بهرام … آه! لازم أن يكون بهرام أعرف سحرًا من مصطفى وأشهر؛ لأنه لولا ذلك لَمَا أمْكَنَه أن يُكَرْدِسَنا جميعنا إذْ كنا على الدِّجْلة نسكر، غير أنَّ الدرويشَيْن مع ذلك أوْعداني بكشْفِ العار، وأنهما بمساعدة الشريشي يأخذان لنا بالثار، أمَّا أنا فيخصُّني تأديب سعيد وطرْحه في الويل، ومجازاة عثمان بتزويجه بنتي في هذا الليل، وفي غد أبلغ الجهد؛ لكي أتزوَّج بأخته دعد … يلزمني قبلًا أن أستغفر من أمي؛ لأني إذْ كنتُ مدهوشًا قد أهنْتُها، وأقول لها الألفاظ التي تلقَّنتُها، وبعد ذلك أشتري كما أومرت كميةً من البخور؛ لأجل قضا المصلحة وإنجاز الأمور.

(يريد الذهاب نحو مخدع الحاجَّة فيرى نايمًا عرقوب الذي يكون ضحك على أبي الحسن مدة كلامه بمعزل.)

ها ها، هذا جع… عرقوب، مسكين، كيف يخط في نومه كأنه مكروب؟
عرقوب (لذاته) :
ضو النهار
زيحي الستار (٩)

(أبو الحسن يسمع له ويضحك عليه.)

ذات الجمال
يكفي دلال
أبو الحسن (لذاته) :
هذا اكتوى
مثلي سوا
حاله يُعذر
عرقوب (لذاته) :
إن لم أنلْ
منكِ الأملْ
لم أكن جعفر

***

أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : قم يا مفقع، قم وفر عنك التعب والعنا، ما في الميدان إلَّا أنت وأنا.
عرقوب (لذاته) : كما أن الخليفة ناصر الدين يُغنِّي مع البنات الأبكار، فأنا أيضًا أريد أن ألعب على إسحاق البوَّاب وأخلصَك منه يا ضو النهار (أبو الحسن يضحك عليه مزدريًا به).
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) (يتقلَّد صوت النساء) : قم يا حبيبي أتتْ إليك محبوبتك، فأنا هي ضو النهار معشوقتك.
عرقوب (لذاته) : آه يا ليلي آه! (يفتح عينيه ويهمُّ ليصافح ضو النهار فإذا هو أبو الحسن فينفر) ما هذا الذي أراه؟ (يجعل نفسه متحيرًا) أين أنا؟ مَن أنا؟ أين عزِّي راح؟ (يكرِّر نظره إلى أبي الحسن فاركًا عينيه جاعلًا نفسه كأنه يجهله، كل هذا وأبو الحسن يضحك عليه.)
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : أفٍّ، لماذا يا أمير المؤمنين استعملتَ معي هذا المزاح؟ (يرجع لينام.) الذي أراه الآن هو منام؛ لأني لستُ في دار الخلافة.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : ما نحن إلَّا في بيتنا، قم بلا أكل كنافة.
أبو الحسن (لذاته) : مسكين مسكين! الحق معه أن يجهل الشك من اليقين، حسابي وافق حسابك، والذي أصابني أصابك، فأنا أعذرك دون الناس.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : قم يا هرِم قم؛ لأحكي لك القصة وأرفع عنك الالتباس.
عرقوب (لذاته) : يا رباه! ما هذا البلبال؟! (يجلس.)
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : احكِ لي يا سيدي ما عندك بالحال، فعذري واضح بهذا الاستعجال؛ لأني حين أفتح عينيَّ أنظر منامات بكلِّ إكراه، وإذ أغمضها أحصل على تمام الانتباه.
أبو الحسن (لذاته) : هذا طِبْق الذي أصابني بغير خلل.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : ويلك! ما أنا خليفة، ولا أنت وزير، اقطع الأمل، واعلم أن هذا سحر إلينا اتصل.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : سحر اتصل إلينا، بنا، فينا، منَّا، كيف؟ هل نكذِّب نظر أعيننا؟ أستغفر الله العلي العظيم، أنا لا أعتقد بهذا الرأيِ الوخيم، أكذِّب عيوني وأصدِّق الآذان؟! (مكرِّرًا هذه السجعة الأخيرة جملة أمرار.)
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : معلوم؛ لأن الأُذن تعشق قبل العين بعض الأحيان، هكذا روَتْ خالتي عن خالي عن الذي سقط من ماء السماء النعمان.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : ولو أن جبريل رواه عن إسرافيل، وإسرافيل رواه عن ميكاييل، عن …
عرقوب (لذاته) : الذي يقبض روحك.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : إزرائيل، فأنا لا أصدِّق بالخبر! وأرتاب بالنظر، فأنت كن كما شئتَ، وأنا ماضٍ إلى المحل الذي منه جئت (يريد الخروج فيُمسِكه أبو الحسن).
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : ارجع قليلًا لأُنبِيك بحقايق الأمور، واصغَ لأعلمك بما نطقتْ به السطور.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) :
لم أصغَ قطعًا سامعًا
ولا أريدُ أرجعُ
لم أصغَ قطعًا راجعًا
ولا أريد أسمعُ
لم أصغَ قطعًا هاجعًا
ولا أريد أقنعُ
لم أصغَ قطعًا قانعًا
ولا أريد أهجعُ

(أبو الحسن يُرجعه عنفًا.)

أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) :
هبِ الفرار نافعًا
قبضي عليك أنفعُ
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : أفٍّ، أفٍّ، احكِ يا سيدي، واقْضِها في لحيتي.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : تعال (يقبض على لحية عرقوب).
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : بحيث إنك تستعجل وتخلِّصني لأتوجَّه إلى مأموريتي.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : اعلم أنَّ دادا مصطفى كشف لي عن الأسرار، وأعلَمَني أنَّ مصيبتنا هي من سِحرٍ أدخَلَه علينا ساحر من كُهَّان عبدة النار الأشرار. (عرقوب يستوعب قليلًا قليلًا كلام أبي الحسن كأنَّه اقتنع) وذلك بسعْي أخي سعيد العديم الوفا.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : هذا كلام مصطفى؟
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : نعم، وأمرني لكي أشتري بخورًا من كبريت، وكميةً وافرة من حنتيت ومنتيت.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : آه! هذا ينفع لتمويت العفاريت.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : أيوا، ومقصوده به ليأخذ لنا عن الماضي بالثار، ويحمينا بالمستقبل من الأخطار.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : آه! لو كنتُ أجتمع مع سعيد لكنتُ … كيدًا فيك …
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : هدِّ خلقَك.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : اتركني لأبرد خلقي، الله يبقيك.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : هدِّ خلقَك، أمر سعيد يعنيني لا يعنيك، اترك هذا الآن واذهب اشتَرِ عنِّي البخورَ بالعجل، خذْ ثمنه، (يمد يده لجيبه) فأنا أريد أسلِّم على أمي، وأستغفر منها عن الخطأ والزَّلَل.
عرقوب (لذاته) : سحر، مكر، كيف يمكن؟ من أين؟ أستغفر الله، أنا لا أكذِّب نظر العين. (أبو الحسن يشعر بورقة في جيبه فيُخْرجها.)
أبو الحسن (لذاته) : ما هذه الورقة، ما هو معناها؟
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : جع… عرقوب خذ اقراها (عرقوب يتناولها وأبو الحسن ينظرها متعجبًا عند قراءتها).
عرقوب (لذاته) :
أنا الشريشي المعلم
أنا الحكيم المعزم (١٠)
لقد نقذتُك جهرًا
من سحر بهرام قهرًا
فكن لفضلي شهيدًا
واحذَرْ أخاك سعيدًا

***

تحريرًا سنة ماية وخمس وثمانين هجرية، حين باع عرقوب وزارته بقيمة دنية، (يطوي الورقة ويضعها في جيبه، وهذه الورقة يُظهِرها عرقوب في جزء ٢٣) ها هذا سند على محمود النديم … دادا محمود أين هو محمود؟ أين مصطفى الندي… دادا مصطفى أين هو موجود؟

(يطوف في المرسح كالحاير المدهوش، وبهذه الحيلة يفتح الأبواب التي قَفَلها في الجزء المتقدِّم، وهي أبواب الشمال واليمين، وأبو الحسن يخمع من خلفه متقلِّدًا له.)

فأنا لا أقعد عن حقي ولا أعود.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : ويلك! بلا قلة عقل! كفى تفور وتدور، اتركني لأستَسْمِحَ من أمي وأنت اذهب اشترِ البخور، (يلتفت نحو الباب) ها هو عثمان، ما بقِيَ معي وقتٌ لأذهب إلى أمي وأترضَّاها، أنت قابِلْها عني واطلب لي رضاها، وإذا كانتْ دعد عندها قُلْ لها ألَّا تذهب قبل أن أراها، أبقِ الآن مشتَرَى البخور واقضِ هذه الرسالة بغير تعويق.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : الحق معك حقيق حقيق، ولكني أقول لك سلفًا إنك لازم تندم على كل هذا التصديق.

الجزء الثاني عشر

(أبو الحسن، سعيد، عثمان)

(سعيد مستترًا بعثمان.)

أبو الحسن ([ﻟ] عثمان) : أهلًا وسهلًا ومرحبًا، مثلك فلتكن الأقربا.
أبو الحسن (لذاته) : بماذا أكافيه عن تخليصه لي من السحر والأخطار؟ … لازم أزوِّجه ببنتي قبل النهار.
عثمان (لذاته) : آه! صار له علم بما فعلناه، وكلامه تهكُّم بغير اشتباه، فما بقي سوى أن أتملَّقه لأخلص من بلواه.
عثمان ([ﻟ] أبو الحسن) :
يا سيدي ارفق بيَا
واسمع مقالًا مرضيا
كن صاغيًا لشرحيا
واحكم عليَّ أو ليَا
كان أخوك عنديا …
… … …
أبو الحسن ([ﻟ] عثمان) :
دع ذكره يا صهريا
ذا ولدٌ عاري الحيا
مستغرقٌ بالكبريا
سأشفي منه قلبيا
أما أنت فلكونكَ فعلتَ فعلًا عجيبًا لم يفعله سواك، وندمتَ على إهانتِكَ لي وخطاك؛ فلذلك أنا مرتضٍ من فعلك كلَّ الرضا، وصرتُ متَّحِدًا معك إلى الانقضا، وأما أخي … حاشا لله أن يكون أخي، بل بابوجي وشروالي المرتخي، آه آه! خمسة عشر ماية آه! لو كانتْ عيني تراه!
سعيد (لذاته) : كل هذا محسوب ما بقي إلَّا أن أظهر له وأطلب منه الغفران، والذي يفعله غدًا يفعله الآن، ولعلَّه يعفو عنِّي إن خضعتُ له كما عفا عن عثمان.
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : مولا… (١١) (يُظهِر ذاته من الزاوية ويتقدَّم نحو أبي الحسن.)
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : عليكَ … (هاجمًا على سعيد.)
عثمان ([ﻟ] أبو الحسن) :
ترفَّقْ (محاميًا عن سعيد.)
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) :
مولاي، سامحني وأشفق
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) :
عليك ويلٌ لتشبع
عثمان ([ﻟ] أبو الحسن) :
ترفَّق، اعذر
عثمان ([ﻟ] أبو الحسن) :
تشجَّع
أبو الحسن ([ﻟ] عثمان) :
عدمتُ رُشْدي وصبري
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) :
بالغتَ جدًّا بغَدْري
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) :
إني بكم مستجيرُ
حقًّا خطائي كبيرُ

***

(أبو الحسن يلتفت نحو باب الداخل.)

أبو الحسن (لذاته) : عرقوب عرقوب، تعال انظر سعيدًا متذلِّلًا لديَّ، اسمع كيف يستغفر مني لأجل السحر الذي أدْخَلَه عليَّ، أكذِّب عيوني وأصدِّق الآذان؟! أكشِّب عيوني وأشدِّق الآشان؟! (مستهزيًا بعرقوب) تعال فانظر هل يوجد أعظم من هذا البرهان؟
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) :
فأنت يا ذا المعالي
أخي على كل حالِ (١٢)
عثمان ([ﻟ] أبو الحسن) :
قد اشتكى بعيوبه

الجزء الثالث عشر

(المذكورون، ودعد)
الاثنان ([ﻟ] أبو الحسن) :
فاصفح إذن عن ذنوبه
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) :
لبيكِ أنتِ مرادي
سامحتُه من فؤادي
الاثنان ([ﻟ] سعيد) :
كن إذن شاكرًا
أفضاله يا سعيد (١٣)
سعيد ([ﻟ] للاثنين) :
إنني طايعٌ
أقواله كالعبيد
أبو الحسن :
إنني شانئ
أفعاله بالأكيد
إنما دعد لإقباله
تعطف الفؤاد الحديد
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) :
فاعرف أربي
واحلف بأبي
ألَّا تحيد

الجزء الرابع عشر

(المذكورون، والخليفة، وجعفر)
خليفة ([ﻟ] وجعفر) :
آه! وا ذُلَّنا! ذَلَّنا بهرام
ورمانا بالسحر ذلك المكَّار (١٤)
لذاتهما :
لا بدَّ لنا من الانتقام
والشريشي يُسعِفنا لأخذ الثار
عثمان ([ﻟ] دعد، سعيد) :
رابوا عقلنا بهذا الكلام
ويلاه! تُرى ما هذه الأسرار؟!
الاثنان ([ﻟ] أبو الحسن) :
اعرف فضلنا أيُّها الهمام
سوف تنظر الهول بكشف العار
أبو الحسن ([ﻟ] للاثنين) :
كونا كما شئتُما وسُودا
لكن دعا لي أخي سعيدا (١٥)
لي غرضٌ أن أراه وحده
إن قَبِل الشرط لستُ ضدَّه

***

يا خليليَّ أرجوكما
اتركاني وهذا العنيد

(مشيرًا على سعيد.)

شرِّفا مخدعي برهةً
علَّه مانحي ما أريد
إنْ أبَى سوف أدعوكما
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) :
خُذْ عليه الرباط الوطيد
جعفر ([ﻟ] خليفة) :
لا تَخَفْ عقلُه ثاقبٌ
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) :
لا تَخَفْ إنَّ عقلي فريد

الجزء الخامس عشر

(أبو الحسن، سعيد، عثمان، دعد)
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) :
هل حقَّقتْ أُذناك البطش والقدرةْ؟ (١٦)
فذُقْ مقالي وإلَّا تُبْلَ بالحسرةْ
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) :
إني مطيعٌ أخِي مستعظمٌ قدرَهْ
فليأمرَنَّ لأني سامعٌ أمرَهْ
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) :
اصغَ لي بلا ملل
واحلف القسم (١٧)
هل تريد تترك لي
دعد؟ قل: نعم
الجميع ([ﻟ] أبو الحسن) :
ويك مُتْ من الخجلِ
أو من الندم
دعْ تعلُّقَ الأملِ
واقطع العشم
الثلاثة (لذاتهم) :
قد أُصِيب بالخبل
عقلُه انهزم
الجميع ([ﻟ] أبو الحسن) :
هذا كلامٌ عن جنون
يا مشتَهِي ما لا يكون (١٨)
أبو الحسن ([ﻟ] الجميع) :
لم أدرِ ما معناكمُ؟
روحي فِدا هذه العيون

(مشيرًا على دعد.)

الثلاثة (لذاتهم) :
ألعلَّه ما استخبرا
أوَليس يعلَمُ ما جرى
أبو الحسن ([ﻟ] الجميع) :
هذا الحديث مضمَّنٌ
هذا هو الأكل اﻟ… درا

الجزء السادس عشر

(المذكورون، والحاجَّة، وسلمى)
سلمى ([ﻟ] حاجَّة، بذاتهما) :
الأمر مضى ما عاد حيلةْ (١٩)
… … … …
حاجَّة ([ﻟ] سلمى) :
لا تضطربي أنا كفيلةْ
عندي
إن أتحفكِ رضاه حتما
… … …
الجميع ([ﻟ] حاجَّة) :
يا حاجَّة ما هذه المعاني؟
… … …
أبديها تفوزي بالأماني
أبدي
هل جدَّ مصيبةٌ لسلمى
… … …
حاجَّة ([ﻟ] أبو الحسن) :
عثمان تصافى مع سعيدِ
… … …
ثم امتثلا أمرَ الرشيدِ
ابني

(متدلِّلة عليه وهو يتقلَّدها.)

ما المقصد في هذا الغناج؟
… … … …
حاجَّة ([ﻟ] أبو الحسن) :
إن رُمتَ رضاي فاعفُ عنها
… … … …
ثم ارضَ لها بل احتضنها
يعني
بارك لهما على الزواجِ
… … … …
أبو الحسن ([ﻟ] الجميع) :
هذا قولٌ عسر الهضمِ
أشعلتم في بطني النارَا
تتزوَّج بنتي بلا علمي
الجميع ([ﻟ] أبو الحسن) :
أمرٌ ماضٍ شيءٌ صارا
أبو الحسن ([ﻟ] الجميع) :
فإذن خلُّوا دعدًا قسمي
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) :
اسكت هذا طيرٌ طارا
هذه عرسي، هذه شمسي
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : ذا المقال محال، هل أنت في ضلال؟

الجزء السابع عشر

(المذكورون، وعرقوب)
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) :
فلنأخذ الثارا
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : يا ويلاه يا ويلاه! الآن وقته، سبحان الله! اتركني لأدبِّر لي طريقة.
أبو الحسن ([ﻟ] عثمان) : صهري عثمان، قل لي على الحقيقة (يأخذه على جهة ويتوشوش معه).
سعيد ([ﻟ] دعد) : أريهِ الأمر الذي حصَّله لكِ دادا محمود من الخليفة؛ ليقتصر عنا بمخاطباته الكثيفة.
دعد ([ﻟ] سعيد) : هو ذا الأمر في جيبي، وتسلَّمتُه بحضور رجل يُشبه عرقوب، قالوا لي إنه وزير، ولكني ما صدقتُ بذلك؛ لأنه غير مرهوب (يتوشوشان مع بعضهما).
حاجَّة ([ﻟ] عرقوب) : قلتَ إن الدرويشين هما من نُدماء الملك السعيد، وإن محمودًا هو الذي استجلب أمر الخليفة إلى عثمان وسعيد.
عرقوب ([ﻟ] حاجَّة) : نعم، والأبلغ من ذلك أنَّه بعد رضا معلمي حتى صدر أمر الرشيد.
عرقوب ([ﻟ] للحاجَّة وسلمى) : ولكن ينبغي كما حلفتما لي أن تكتما السر؛ ليلَّا يغتاظا ويحرمانا من العطا والبر.
سلمى ([ﻟ] عرقوب) : لا تفتكر من جهة كتم السر، فقط قل لي مَن من النديمين أكبر من رفيقه؟
عرقوب ([ﻟ] سلمى) : مصطفى هو الأعظم؛ لأنه لا يُجرَى شي بدون أمره وتصديقه.
سلمى ([ﻟ] عرقوب) : والخليفة، هل انشرح منك ومِن أبي وأنعم عليكما بشي يُذكر؟
عرقوب ([ﻟ] سلمى) : صدِّقيني، إني ما رأيتُ لا الخليفة ولا جعفر، بل حسستُ بأنَّهما كانا يتفرَّجان علينا من وراء البلور. أمَّا من جهة الإنعامات ما حصل قصور، خصوصًا أبوك؛ بلغني أن الخليفة أنعم عليه بكلِّ المال الذي أخذه حين تخفَّى في زي النسوان، وفي الغد يُرسِله له مع هند الحجازية عوض امرأتِه التي طلَّقها قبل الآن.
عثمان ([ﻟ] أبو الحسن) : نعم، كان حصل بيننا بعض مكالمات بهذه القضية، ولكننا لم نتعاهَد ولم نكتب بيننا حجة شرعية، ومع ذلك الأمر مضى.
أبو الحسن (لذاته) : كيف، ما هذا القضا، لقد كوَوْني على الجمر، ولا أسمع منهم إلَّا كلمة: مضى الأمر، آه! راحتْ دعد، وما بقي لي غير القهر.
أبو الحسن ([ﻟ] حاجَّة) : بارك لهما على الشواشي، الآن فهمتُ أنَّ كلامكِ عن مكر ناشي، مَن تزوج؟ قولي لي، قولي، هل تزوجتْ دعد بنت الشمولي؟ اعجلي بالجواب يا بنت آوي، قبل أن يأتيك الكاوي. (يهجم عليها ليضربها فتتستَّر بدعد فيُحاميها عثمان.)
عثمان ([ﻟ] أبو الحسن) : كفاك قلة أدب.
أبو الحسن ([ﻟ] عثمان) : أنت أيضًا خصمي.
أبو الحسن (لذاته) : ما هذا الغضب؟
دعد ([ﻟ] حاجَّة) : قومي يا حاجَّة، لا تخافي أصلًا (الحاجَّة تنهض من ورا دعد).
حاجَّة ([ﻟ] دعد) : هل ضربني أم لا؟ (دعد تبتسم مستهزية بالحاجَّة.)
دعد ([ﻟ] حاجَّة) : لا بد أوصل إليكِ بعض ضربات.
حاجَّة ([ﻟ] دعد) : آه آه آه! (باكية)، ارحموني يا أصحاب الرحمات.
سلمى (لذاتها) : آه آه آه! (باكية)، وأنا أيضًا وصل لي وهج الشرار.
عرقوب (لذاته) : آه آه آه! (باكيًا تقليدًا للحاجَّة وسلمى)، وأنا هذه الليلة لم أزلْ ما قبضتُ ولا دينارًا.
حاجَّة (لعرقوب وسلمى) : أقول لكما الصحيح، أنا ذايقة طعمة الكاوي، اسمعا ما قال الراوي، الهرب ثلاثة أرباع الشجاعة (وتذهب مهرولة).
سلمى ([ﻟ] حاجَّة) : وأنا معكِ، لا أفارقكِ ولا ساعة (تتبع الحاجَّة).
عرقوب (لذاته) : وأنا لا أتحرَّك من هذا الحوش حتى أنظر حسابي مع الجماعة.

الجزء الثامن عشر

(أبو الحسن، سعيد، عثمان، دعد، عرقوب)
أبو الحسن (لذاته) : ما هذا الغضب؟ دعد تزوَّجها سعيد، إن كان صحيحًا لا بدَّ أن أطلِّقها منه قبل الموسم الجديد. ها لهذا السبب دعد وسلمى متزيِّنتان بالحُلَى والحُلَل، هذا لأجل زواجهما … يا ربي، كيف العمل؟! (متأسفًا.)
سعيد (لذاته) :
أراه كمستعجبٍ
لما صار يا للعجب
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) :
أنا صار لي نحو سا
عةٍ في الشقا والتعب
ذليلًا ومستغفرًا
لتعفُوَ عمَّا ذهب
أليس لكوني أخذ
تُ دعد افتخار العرب
أبو الحسن ([ﻟ] سعيد) : اسكت لا تذكر هذا الفال، أنت ما كنت تستغفر مني لأجل هذا المحال، بل استغفرتَ مني لأجل ما أدخلْتَه عليَّ من السحر والأهوال.
سعيد ([ﻟ] أبو الحسن) : السحر والأهوال؟!
سعيد (لذاته) : آه آه آه (متقهقهًا)، ما أحلاه!
عثمان (لذاته) : آه آه آه (متقهقهًا)، يا رباه!
دعد (لذاتها) : آه آه آه (متقهقهة)، ما أشهاه!
أبو الحسن ([ﻟ] وعرقوب) : آه آه آه (تقليدًا لهم)، اسم الله! آه آه آه، ما شا الله!
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : يا ناكرة الجميل، ولكن بغير شك هم ألزموكِ، وعلى الزواج بسعيد هم غصبوكِ.
دعد ([ﻟ] أبو الحسن) : وحياتك لم يغصبني أحد، في هذا البلد، ولكن الرشيد هو الذي أمرنا لنتزوج كما رأيت، وأنعم على كلٍّ منَّا بألف دينار لتجهيز البيت، وكان ذلك بهمة دادا محمود، وهو ذا أمر الخليفة (مبرزة له الورقة التي تناولتْها من جعفر في الفصل الثاني)، أيَّدَه الإله المعبود.
أبو الحسن (لذاته) : يا سلام، يا سلام، هذا أنا الذي أمرتُ بتكتيب هذا الأمر إذْ كنتُ في الإيوان.
عرقوب (لذاته) : يا سلام، يا سلام، وأنا نظرتُه هناك بعدما بعتُ وزارتي بأَوْكس الأثمان، أين دادا محمود، أين دادا محمود؟ (يجول هنا وهنا) فأنا ما بعتُه وزارتي إلَّا حينما كنتُ سكران.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : قل أيضًا إن هذا سحر، فهل يوجد أعظم من هذا البرهان؟
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : الحق معك، تعال لننظر الدراويش، لا لا، اصبر لأفحص عن شي ورد إلى بالي.
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : هند … دعد تعالَيْ هنا … أنا سمحتُ لكم عن كل شيء بحيث تُخْبريني عن حقيقة حالي. (يخاطبها في همسٍ كأنه يقول لها سرًّا أنه كان ملكًا وهو آمِر بما صار.)
سعيد ([ﻟ] عرقوب) : ويلك عرقوب ما هذا الكلام الذي تتكلَّمه؟ أنت أيضًا مجنون.
عرقوب ([ﻟ] سعيد) : عن قريب يظهر السِّرُّ المكنون (يختلي مع سعيد وعثمان).
دعد ([ﻟ] أبو الحسن) :
لا تكمِّل لله ﻫ
ـذا الحديث المكدَّرا
إنما النجم أقرب
لك حتى حال الكرى
ثم فلنفترض كلا
مًا محالًا مستنكرا
أنت لو صرتَ مالكًا
هل تولِّي مقهقرا؟
أوَترضى لزيجتي
بسعيدٍ كما جرى؟
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : مسكينة على قلة عقلك! وهل مثلي حينئذٍ كان يسأَل عن مثْلِك؟! يا مسكينة، أنا كان عندي، ولم يَزَلْ عندي مبلغ من الجواري، كلٌّ منهن تفوق عليك وعلى الحواري.
عرقوب (لذاته) : بلا تلتلات، ما كان عندك غير الخدَّامات، وكم جارية من المُغنِّيات.
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) : ما لنا وهذا كله؟ فلنتركه على جهة لوقته، قولي لي أما سمعتِ بتطويف طه ورفقته؟
دعد ([ﻟ] أبو الحسن) :
إي نعم، هذا انقضى أمسِ
أبو الحسن ([ﻟ] دعد) :
ضحوةً في غيبة الشمسِ
ويكِ، ألم تقبلي كَلِمي؟
أضرب الآن بكِ نفسي
لم يكن غيري مقاصصهم
حينما قد كنتُ في أنسي
قسمًا لولا شفاعةُ هند
لمات الكلُّ في حبسي
لم يكن غيري مآمركم
غلطًا في ذلك العرسِ
أبو الحسن (لذاته) : يا إلهي! (عرقوب يضع يده على فمه كأنه يحرِّض سعيدًا وعثمان على كتم السر.)
أبو الحسن ([ﻟ] الجميع) :
ويلكم فأنا
أنا سلطانٌ على جنسي
عرقوب ([ﻟ] دعد) : نعم نعم، أنا أكبر شاهد بأنه سلطان العالم، وأنا …
أبو الحسن ([ﻟ] الثلاثة) : وهذا وزيري يا بني آدم.
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : تعال معي لنعمل لنا طريقة، ونتخلص من هذه الضيقة، أدركني، أدركني.
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) : اتركني، اتركني (ويتَّكي).
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : لا أتر…
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) :
كفى أن تزعجني
اتركني فعقلي
عرقوب (لذاته) :
مسلوبُ
عثمان ([ﻟ] دعد) : أتعرفين يا دعد مَن هو دادا محمود الذي أبْدَى معنا كلَّ هذا الإحسان؟ اعلَمِي أنه هو ودادا مصطفى نديمان عند مَلِك الزمان، وقد أدْخلا الحيلة على أبي الحسن، وجعلاه خليفةً بمطابقة هذا الخادم المؤتَمَن، وما ذلك إلَّا لأجل تنزيه الرشيد.
دعد ([ﻟ] عثمان) : ماذا أسمع؟! هذا شي بعيد.
سعيد ([ﻟ] دعد) : والوزير المعلوم الذي أخبرتني عنه، ها هو أمامكِ خذي ثأرَكِ منه. (مشيرًا على عرقوب، وعرقوب يلتفت نحو الباب ويُومي إلى سعيد وعثمان ودعد لكي يسكتوا.)
أبو الحسن (لذاته) : يا أمة الدين، أدركوا مَلِكَكم ناصر الدين، (وينهض واقفًا) الوحا الوحا فأمري واضح مبين، تملَّكتُ منذ أربع سنين، في اليوم السابع والثلاثين، من شهر محرم الحرامين، سنة إقبال العنب والتين.
عرقوب (لذاته) : نعم، وأشهد، والله خير الشاهدين.
أبو الحسن ([ﻟ] الثلاثة) : قولوا لي بعد هذه الشهادة، أما تصدِّقون بأني أمير المؤمنين؟!

الجزء التاسع عشر

(المذكورون، والخليفة، وجعفر)
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) : يكفي يا رجل شقشقة لسان، يكفي تدَّعي بكرسي ملك الزمان.
أبو الحسن ([ﻟ] خليفة) : وأنتَ، ماذا إليك لتعارضني بهذه المعارضة العنيفة؟
خليفة ([ﻟ] أبو الحسن) : تأدَّبْ والْزَم الاحتشام؛ فأنا لست درويشًا بل من أتباع … الخليفة.
جعفر ([ﻟ] أبو الحسن) : بل من نُدماء … حضرته الشريفة.
خليفة ([ﻟ] جعفر) : زدْهُ أيضًا إيضاحًا لمعرفة القضية، وقل له إني من حُجَّاب … ذات الدولة البهية.
جعفر ([ﻟ] أبو الحسن) : لا، بل إنه وزير … مولانا الرشيد، صاحب الملك الوطيد.
عثمان ([ﻟ] عرقوب) : عرقوب، أرى الحال تبدَّل.
عرقوب ([ﻟ] عثمان) : أنا أعلم، تغير المعدَّل.
خليفة ([ﻟ] جعفر) : جعفر، أخبرهم بالحقيقة، وارفع من ضميرهم الوسواس.
جعفر ([ﻟ] الجميع) : وإنْ شئتمُ الإيضاح عن هذا الالتباس، فاعلَموا أنَّ هذا هو هو الخليفة هارون الرشيد الخامس من بني العباس، (هنا يصير ضوضاء وهيبة في المرسح من الجميع) وأنا وَزِيرُه جعفر، المغمور منه بفضلٍ لا يُنكَر، وما لبس الدراويش إلَّا من عادة الملوك، لينزِّهوا صدورهم ويفتَقِدوا رعاياهم من غنيٍّ وصعلوك.

(أبو الحسن يبتدي يهتزُّ خوفًا والخليفة يصفِّق بكفَّيْه.)

الجزء العشرون

(المذكورون، والجوقة)
جوقة ([ﻟ] خليفة) :
قد جاء عبيدُكَ يا ملكُ
فأْمُرْهم كي يقضوا أمرك (٢١)
لا زال بخدمتك الفلكُ
ويعظم بارينا قدرك
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) :
يكفي تهتز وتحتركُ
جوقة ([ﻟ] خليفة) :
والله يُطيل لنا عُمرك
عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) :
اتَّقِ السلطان
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) :
ويكَ يا شيطان!
ذا الغنا لنا
ذي الجند لي أنا
ذا الأمر لا يُدرك

الجزء الحادي والعشرون

(سعيد، عثمان، دعد، عرقوب، الخليفة، جعفر، جوقة)
خليفة ([ﻟ] عرقوب) :
أنت عرقوب أستاذك اتبع (٢٢)
وأْتِني فيه بالحال وارجع
كي تنالوا كلُّكم منَّا السعادة
… … … … … …
عرقوب ([ﻟ] خليفة) :
حيث هذه الحقيقة
لم أغِبْ إلَّا دقيقة

الجزء الثاني والعشرون

(سعيد، عثمان، دعد، عرقوب، الخليفة، جعفر، جوقة)
جعفر ([ﻟ] جوقة) : هاتوا كيس المال كي تقضى الإرادة (واحد من الجوقة يناول جعفر كيسًا).
الجميع (لذاتهم) : دام مولانا بعزٍّ وسيادة.
جعفر ([ﻟ] خليفة) :
لقد تهبَّتْ ثياب الفخر والجاهِ (٢٣)
فهل لها شرفٌ من جسمك الباهي
خليفة ([ﻟ] لجعفر وجوقة) : فليُجرَ حسب رسوم العالم الزاهي

(واحد من الجوقة يُلبِس الخليفة ثيابَه الملوكية التي كان لابسها أبو الحسن بالفصل الثاني مع التاج والعصا.)

دعد ([ﻟ] عثمان) : ما هذا المجد والفخار!
سعيد ([ﻟ] دعد) : ما هذا العز والاعتبار!
عثمان ([ﻟ] سعيد) : ما هذه الهيبة والوقار!
خليفة ([ﻟ] جوقة) : ولبِّسوا جعفرًا أيضًا ملابسه (٢٤) (واحد من الجوقة يُلبس جعفر ملبوس الوزارة الذي كان لابسه عرقوب بالفصل ٢.)
دعد ([ﻟ] سعيد) : ما هذا الكمال!
سعيد ([ﻟ] عثمان) : ما هذا الجمال!
عثمان ([ﻟ] سعيد) : ما هذا الاحتفال!
خليفة (لذاته) : جميعه زايلٌ والملك للهِ (٢٥)
جوقة (لذاتهم) :
الملك لله الواحد القهار
الحمد لله القادر الجبار

(دُعا بصوت عالي.)

جوقة ([ﻟ] خليفة) :
هودج العز أضحى معدًّا
كي يطأه المليكُ المُفَدَّى (٢٦)
فمتى استحسن مولانا الخليفة
… … … … … …
نقل أقدام سنية
… … … … … …
بالمسرات الوفية
… … … … … …
جوقة ([ﻟ] خليفة) :
كلنا نسعى لتتميم الوظيفة
… … … … … …
خادمين الحضرة العُلْيا المنيفة
… … … … … …
خليفة ([ﻟ] جوقة) :
ينبغي قبلًا جزا هذه اللفيفة
… … … … … …
الجميع ([ﻟ] خليفة) :
يحيى فريد العصرِ
سلطاننا المفضال (٢٧)
ادعوا له بالنصر
والعز والإقبال
واهتفوا جميعًا
نصرهُ اللهُ

الجزء الثالث والعشرون

(المذكورون، وأبو الحسن، وعرقوب)
عرقوب ([ﻟ] خليفة) :
عبدٌ أتى مطيعًا
والأمر أقضاهُ (٢٨)
أتيتُ مع معلمي أبي الحسن
لكنَّه أصابه شوم المحن (٢٩)
قد صار مما قد لقي محزونا
بل صار مما قد رأى مجنونا
كنتُ إذا حدَّثتُه فلا يعي
لولا احتيالي لم يكن أتى معي

(أبو الحسن يزيد اضطرابًا رويدًا رويدًا.)

جعفر ([ﻟ] أبو الحسن) :
ماذا اعتراك أيها المغفلُ؟
اثبت لتحظَى بعطاءٍ يُذهِلُ
أبو الحسن ([ﻟ] جعفر) :
منِّي على عنِّي له معناهُ
خليفة (لذاته) :
واهًا عليه! نحن أضْررْناهُ
خليفة ([ﻟ] وجعفر) :
رأى أمورًا لم يكن رآها
فعقله الصغير ما حواها
أبو الحسن (لذاته) :
أنا أمير الدنيا
لكنَّ ذا أكبر (٣٠)

(مشيرًا إلى الخليفة):

وهذا تاج العليا
لكنَّه أصفر

(مشيرًا إلى التاج):

هذه قميصي الخضرا
والجن يشهدون

(مشيرًا إلى البرفير):

عصاي هذه الحمرا
يا رب اعبدون

(مشيرًا إلى الصولجان):

هذه مماليك لي
كالكوكب المقلي

(مشيرًا إلى الجوقة):

مَن كان يرضى مثلي
يَبقَى بلا عقلِ
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) :
عرقوبُ، انظر نظرة
أين الفتى إسحاق؟

***

عرقوب ([ﻟ] أبو الحسن) : يا ويلاه يا ويلاه! الآن وقته، سبحان الله!
أبو الحسن ([ﻟ] عرقوب) :
أرمى بقلبي حسرة
وطار في الآفاق (٣١)
انظر بلا دولابِ
واسمع بلا مفتاح
كسرتَ لي أنيابي
هيهات بالأقداح
خليفة (لذاته) :
هذا اندهاشٌ فاجاه بالعجلِ (٣٢)
لكنه عرضٌ يُشفى متى اغتنما
يُبرى بإذن المولى كما أمَلي
خليفة ([ﻟ] جعفر) :
أي جعفرُ، امنحهم الإحسان والنعما
عرقوب (لذاته) :
إنَّ العطا إنسانٌ إلى المقل
فهو الطبيب المداوي العقل والسقما
جعفر ([ﻟ] الجميع) : تقدَّموا نحوَ العارِض الهَطِلِ (يتناول كيس الدراهم ويرشُّ منه عليهم في المرسح).
… … …
وادعوا لمَن عدله قد أملأ الأمما
الجميع ([ﻟ] خليفة) :
يا ربنا أبِّد أعظم الدول
وأبقِ سلطاننا بالنصر معتصما
واحفظ لنا وزيرنا
ناظورة الزمان (٣٣)

(جعفر يرشُّ أيضًا عليهم دراهم.)

عرقوب ([ﻟ] جعفر) :
يا ذا الوفا كن منصفا
بالزود والنقصان
هذا السند إلى الأبد
يبقى معي رهان

(يُبرِز عرقوب الورقة التي تناولها من أبي الحسن بهذا الفصل جزء ١١ فيَرَاها أبو الحسن ويندهش، ويُظهِر التأسُّف بفَرْك الأيادي ولطْم الأوْجُه وعضِّ الأنامل؛ ليُظهِر أنه أحسَّ وأشعر بالملعوب.)

فاذكر خطاب
نقض الحساب
إذْ كنت فى الإيوان
وبيعتى
وظيفتي
بأوكس الأثمان
وحيلتي
في الدِّجلةِ
والقصر حتى الآن

(جعفر يرشُّ دراهم أيضًا.)

أبو الحسن (لذاته) :
ها ها هها
عقلي اندهى
دهاه ذا الشيطان

(مشيرًا على عرقوب):

شيخ الضلال
هذا المقال
مضمنٌ بيان
فالآن جاد
عقلي وعاد
حسستُ فيما كان
عرفتُهُ
كشفتُهُ
يا أيها الخوَّان

(أبو الحسن يصفع عرقوب هايجًا عليه، وعرقوب غير مبالٍ، ويجمع من الدنانير التي رشَّها جعفر على الأرض، وذلك لحد نهاية الفصل.)

الجميع (لذاتهم) :
لقد درى
بما جرى
لكنْ مضى الأوان
خليفة (لذاته) :
يا للعجب!
خليفة ([ﻟ] جعفر) :
فلْيُكتَتَب
حديثُ ذا الإنسان

(مشيرًا إلى أبي الحسن):

وسِرْ بنا
لسِرْبِنا

(يأخذ جعفر من يده ويتأهَّب للذهاب.)

الجميع ([ﻟ] خليفة) :
بالحفظ والأمان

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤