مُقَدِّمَةٌ
أَيُّهَا الصَّبِيُّ الْعَزِيزُ:
قَرَأْتَ الرِّحْلَتَيْنِ: الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْمُمْتِعَةِ السَّاحِرَةِ بِشَغَفٍ وَشَوْقٍ لَا مَثِيلَ لَهُمَا، وَكَانَ لَكَ فِي قِرَاءَتِهِمَا أَبْلَغُ دَرْسٍ وَأَبْدَعُ تَسْلِيَةٍ، كَمَا كَانَ لَكَ فِي خَيَالِ الْقِصَّةِ وَعِظَاتِهَا بَهْجَةٌ وَعِبْرَةٌ. وَأَنَا أُوصِيكَ أَنْ تُعِيدَ تِلَاوَةَ مَا قَرَأْتَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى؛ فَإِنَّكَ وَاجِدٌ مِنَ الْمُتْعَةِ وَالْعِظَاتِ مَا يُنِيرُ طَرِيقَ الْحَيَاةِ وَيَكْشِفُ لَكَ أَخْلَاقَ النَّاسِ وَحَقَائِقَهُم الْمَسْتُورَةَ عَنْكَ. وَسَتَرَى — كُلَّمَا تَقَدَّمَتْ بِكَ السِّنُّ — مَعَانِيَ جَدِيدَةً لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا عَهْدٌ.
وَلَقَدْ كُنْتُ أَحْرِصُ — أَشَدَّ الْحِرْصِ — عَلَى تَعَرُّفِ رَأْيِكَ فِيمَا قَرَأْتَ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ، وَأَثَرِهِ فِي نَفْسِكَ، بَعْدَ أَنْ عَرَفْتُ رَأْيَ غَيْرِكَ، وَاطْمَأْنَنْتُ إِلَيْهِ.
فَلَمَّا رَأَيْتُكَ تَتَعَجَّلُ بَقِيَّةَ الْقِصَّةِ وَتُلِحُّ فِي طَلَبِهَا إِلْحَاحًا مُتَوَاصِلًا، أَيْقَنْتُ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ الرَّائِعَةَ قَدْ وَقَعَتْ مِنْ نَفْسِكَ بِحَيْثُ قَدَّرْتُ لَهَا، وَرَأَيْتُ فِي سُرُورِكَ وَرِضَاكَ أَحْسَنَ مُكَافَأَةٍ لِي عَلَى مَا بَذَلْتُ فِي تَرْجَمَتِهَا مِنْ جُهْدٍ وَعَنَاءٍ.
وَحَسْبِي جَزَاءً عَلَى هَذَا الْعَمَلِ الْمُضْنِي الشَّاقِّ أَنْ أَرَى هَذِهِ الْقِصَصَ السَّاحِرَةَ تَفْتَحُ ذِهْنَكَ لِمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ مِنْ حَقَائِقِ الْحَيَاَةِ وَعِبَرِهَا وَمُثُلِهَا الرَّائِعَةِ؛ لِيَسْهُلَ عَلَيْكَ أَنْ تُطَبِّقَهَا عَلَى مَا تَرَاهُ مِنْ أَمْثَالِهَا فِيمَنْ تَعْرِفُ وَتُصَاحِبُ، وَفِيمَا تَرَاهُ مِنَ الْحَوَادِثِ الَّتِي تَقَعُ أَمَامَ عَيْنَيْكَ فِي مُسْتَقْبَلِ أَيَّامِكَ السَّعِيدَةِ.