اقتراح بسيط
بدت أخت زوجي حائرة.
قالت متسائلة: «ماذا تريدينني أن أفعل؟»
كررتُ طلبي في الهاتف.
قلت لها: «اعتقدت أنك ربما تستطيعين تقديم حوض سباحة قابل للنفخ لكيفن في عيد ميلاده.» حاولت أن أبدوَ طبيعية، كما لو أن الفكرة أضاءت في رأسي في منتصف حديثنا. «أنت تعرفين كيف يصبح حادَّ الطباع في الطقس الحار. وصراحة، أشار بتلميحٍ ضمني إلى أنه حقًّا يود الحصول على واحد. وربما يكون قد ذكره أكثر من مرة.»
«هل أنتِ متأكدة من ذلك؟»
«متأكدة تمامًا.»
ثم استطردتْ: «اعتقدتُ أنكِ تريدينني أن أقدم له نظارة شمسية جديدة. ألم نتحدث عن ذلك؟»
ردَّدتُ: «هل فعلنا؟ أوه، حسنًا، كنت أعتقد أنه ربما أستطيع «أنا» أن أُهديَه النظارة الشمسية وتستطيعين «أنتِ» إحضار حوض السباحة له. حقًّا، لا أستطيع أن أطلب منك أن تشتري له نظارة شمسية؛ فربما تكلفك مبلغًا كبيرًا. لن يكون هذا أمرًا صائبًا.»
خيَّم الصمت من جانبها.
ثم سألتْ: «إذن، من أين تأتي أحواض السباحة؟»
ردَّدتُ: «تارجت، وول مارت، مثل هذه الأماكن. المتاجر الكبيرة.»
تردَّدتْ مرة أخرى.
ثم أردفت: «ليس هذا ما قصدته. إنما كنت أقصد بذلك مكان صُنْعها؟ ما أسأل عنه هو هل تعتقدين أنها تُصنَع في الصين؟»
خفق قلبي بشدةٍ في صدري وأنا أستعدُّ لأقول لأخت زوجي كذبة كبيرة.
قلت بمرح: «أوه، أنا متأكدة من أن «بعض» أحواض السباحة تُصنع في الصين، ولكن لا أستطيع أن أتخيل أنها «جميعًا» تُصنع هناك. أعتقد أنه يوجد شيء ربما تجدينه. يمكنكِ التفكير في هذا الأمر كبحث متعلق بالمقاطعة. سأكون مهتمةً للغاية بسماع ما تجدينه.»
ثم سألتْ: «وماذا أفعل إذا وجدت أنها كلها صينية الصنع؟»
تظاهرتُ بالبراءة والتعقُّل. وأجبتها:
«حقًّا، ليس القرار هنا بين يديَّ؛ سوف أعتمد على حُكْمك في هذه الحالة؛ فأنت تعرفين قاعدة الهدايا الصينية، أليس كذلك؟ لا تنطبق المقاطعة عليها.»
تنهَّدتْ عبر الهاتف. إنها أخت زوج رائعة للغاية، وطباخة ماهرة، وذكية ولطيفة أيضًا؛ لطيفة لدرجةٍ تمنعها من أن تضعني في قفص الاتهام وتخبرني أنها تستطيع أن ترى حيلتي للالتفاف على المقاطعة. لطيفة بما يكفي لكيلا تشير إلى أنه إذا كنتُ أواجه مشكلاتٍ في ضبط تصرُّفات كيفن، فيما يتعلق بالمقاطعة، فإن هذه مشكلتي أنا ولا ينبغي أن أطلب من الآخرين أن يقوموا بعملي القذر. لطيفة بما يكفي لعدم الشعور بالاستياء من حقيقة أنني أحاول استغلالها كحصانٍ لتوصيل البضائع الصينية غير المشروعة إلى منزلنا.
قالت: «سوف أعاود الاتصال بك.»
ثم أنهينا المكالمة.
كنتُ أتعدَّى الحدود في ذلك الموقف. لم تكن المقاطعة مثاليةً حتى ذلك الوقت، ويُعَد اليوسفي الصيني بمنزلة مثال على ذلك. ولكنَّ أخطاءنا السابقة كانت قابلةً للغفران نوعًا ما؛ إذ كان اليوسفي الصيني خطأً بريئًا. وعندما أحضر ويس للمنزل كيسًا من الهدايا التذكارية المليء بالتذكارات الصينية من حفل عيد ميلادٍ أُقيمَ الشهر الماضي، كان بريئًا بحُكْم إعفاء الهدايا من المقاطعة؛ فلم يكن من الأدب أن يُشير إلى مضيفه الكبير في السن أنه لا يمكنه تقبُّل الدُّمى البلاستيكية ولعبة الكرة والمضرب الرديئة الصُّنع بحكم كونها صينيةَ المنشأ.
كسَر كيفن قاعدة المقاطعة الأساسية عندما اشترى سرًّا فُرَش التلوين الصينية، ولكننا كنا نتوقَّع هذا النوع من التصرفات من «الحلقة الأضعف». المقاطعة هي قرار العام الجديد، وفي رأيه قرارات العام الجديد تنطوي على اليأس والجهد الجاد لتحسين الذات، وهي غير جذابةٍ في تقدير كيفن الشخصي. إلى جانب ذلك، لم يأتِ كيفن بفكرة التخلي عن المصنوعات الصينية لمدة عام. كانت فكرتي أنا؛ فأنا قائدة المقاطعة ورائدتها؛ لذا فإن هناك مجموعة أعلى من القواعد تنطبق عليَّ.
وجدت نفسي أواجه حقيقةً غير مريحة؛ فأنا أزدري بشدةٍ السياسيين المتملقين والمنافقين من الدرجة الأولى مثل وعاظ التليفزيون اللامعين، ولكن عندما تأمَّلت جهودي للالتفاف حول المقاطعة أدركتُ أنني لست مختلفةً كثيرًا عنهم، وربما أسوأ؛ فهم يخونون مبادئهم من أجل المال والسلطة والجنس؛ تلك الأشياء الرائعة، كما تعلم. وعلى سبيل المقارنة، أنا أبيع نفسي مقابل حوض سباحةٍ قابلٍ للنفخ يُباع بأقل من ٣٠ دولارًا.
ولكن إذا تأمَّلتَ موقفي، فستجد أنني وصلت إلى مفترق طرقٍ مع كيفن؛ الحلقة الأضعف. لقد ظل يغالب أشعة الشمس عن طريق تضييق عينيه لأسابيع بينما أنا أُماطل في استبدال نظارته الشمسية الإيطالية. في مرحلةٍ معينة، قد يتضح له الأمر ويبدأ في إلقاء اللوم عليَّ لظهور تجاعيد جديدة عند حوافِّ عينَيه. ولْيساعدْني الله إذا بدأ ذلك الشيء الغامض على شبكية عينَيه في النمو مرةً أخرى جرَّاء التعرُّض للكثير من أشعة الشمس؛ أستطيع أن أؤكِّد لكم أنني لن أنتهيَ من كلمات الاستنكار من كيفن أو طبيب العيون. والآن يواجه كيفن احتمالية المعاناة بصيفٍ قائظ طويل مع عدم وجود مكان لوضع الأطفال، أو قدميه، فيه من أجل بعض الانتعاش بالماء لمدة ستة أشهر من حرارة ساحل الخليج الحارقة.
كل هذه الأمور تعني أنه عندما يقول لي كيفن إنه لا يمزح بشأن حوض السباحة للفناء الخلفي، فإنه يشير بعباراتٍ لا لَبْس فيها أنني بحاجةٍ إلى انتهاك قواعد المقاطعة أو أنه سينسحب منها ويجذب الأطفال إلى جانبه. لم أَخدعْ نفسي لحظةً واحدة بالاعتقاد بأن الأطفال سيظلون معي؛ فقد رأيت عينَي ويس في قسم الألعاب مليئةً بالتوق إلى شاحنات وجنود من أراضي الصين المحرَّمة. لقد وضعني كيفن في مأزق. رأيت أن هذا الأمر يمكن أن ينتهيَ بطريقتين: يمكنني الموافقة على حوض سباحةٍ صيني للفناء الخلفي وأحاول إعادة كيفن مرةً أخرى إلى مسيرة الأشهر السبعة المتبقية من المقاطعة، أو يمكنني التشبُّث بموقفي وتجاهُل توسُّلاته، وأخاطر بمشاهدة المقاطعة تتدمَّر تمامًا. حسبت في عقلي احتمالات تخريب كيفن للمقاطعة إذا منعتُ عنه حوض السباحة الصيني في عيد ميلاده. كانت النتيجة هي احتمالًا بنسبة تسعة إلى واحد بألا تسير الأمور كما أريد.
هاتفتْني أخت زوجي مرةً أخرى بعد نصف ساعة.
قالت: «سأفعل ذلك.»
قلت بينما أُقدِّم وداعًا صامتًا لنزاهة المقاطعة: «رائع!»
•••
قالت صديقتي: «نظارات أوكليز. إنهم يصنعونها في لوس أنجلوس. سوف تُكلِّفك مبلغًا كبيرًا، ولكنها نظارة شمسية ومصنوعة في كاليفورنيا.»
سألتُها: «هل أنتِ متأكدة؟» لقد سمعت بنظارات أوكليز، ولكنها بطريقةٍ ما لم تظهر خلال بحثي على الإنترنت عن النظارات الشمسية غير الصينية؛ مما جعلني أتساءل عما أغفلته أيضًا.
ردَّت: «نعم. يمكنكِ العثور عليها في المركز التجاري.»
صديقتي ذكية وخبيرة بالحياة، ولكن العالم يتغيَّر بسرعة، وأتساءل إن كانت قد حصلت على معلوماتها بطريقةٍ مباشرة. عليك أن تكون ذكيًّا في ظل هذا الاقتصاد العالمي؛ فربما تأوي إلى الفراش في ليلة، وعندما تستيقظ في صباح اليوم التالي تجد شيئًا كنت معتادًا على أن يكون أمريكيًّا أو ألمانيًّا أو يابانيَّ الصنع قد بات صينيًّا فجأة. بحثت عن رقم هاتف خدمة عملاء نظارات أوكليز واتصلت بالشركة. أجاب مورجان، وهو شاب يمتلك لهجة جنوبية بارعة.
أخبرت مورجان أنني أريد شراء نظارة من أوكليز لزوجي، ولكن أولًا أريد أن أتأكَّد من أنها ما زالت تُصنع في كاليفورنيا.
وسألته: «إنها لا تُصنع في الصين، أليس كذلك؟ لا أستطيع شراءها إذا كانت مصنوعةً في الصين.»
قال مورجان ضاحكًا:
«مستحيل! نحن نصنعها هنا في جنوب كاليفورنيا. ليس عليكِ القلق حيال ذلك.»
فردَدْتُ: «رائع أن أسمع ذلك.»
سألني: «هل يمكنني مساعدتكِ في أي شيء آخر؟»
كنت أود إبقاء مورجان على الهاتف، فقط من أجل الاستماع إلى نبرة صوته، التي تجعلني أشعر بحنينٍ إلى الطرق السريعة والشواطئ في جنوب كاليفورنيا التي عشت فيها طفولتي. تخيَّلت مورجان متكئًا في حُجيرةٍ صغيرة في متجرٍ صغير في لوس أنجلوس، رافعًا قدميه اللتين ارتدى فيهما حذاء تنس عالي الجودة على مكتبه، وجسمه مليء بالحلقان والوشوم، وفي غاية الابتهاج.
قلت: «هذا كل شيء يا مورجان. لقد أسعدتَني.»
صاح مورجان وكأنني أنا التي أسعدتُه: «هذا رائع! إلى اللقاء!»
بعد مُضِيِّ عشر دقائق من إنهاء المكالمة مع مورجان كنت في السيارة متوجهةً إلى المركز التجاري. كان وقتي ضيِّقًا؛ فقد تبقَّى خمسة أيام فحسب على حفل عيد ميلاد كيفن وأشعر بضغوطٍ حقيقية من أجل توفير نظارةٍ جديدة له. كان عصبيًّا أكثر من أي وقتٍ مضى، وكان يحرص على أن ألاحظ هذا.
شعرتُ بالإحراج من الاعتراف بأنني مررتُ عدة مراتٍ في الأسابيع الأخيرة على المتجر الصغير الكائن في المركز التجاري الذي يبيع نظارات أوكليز. لم أُكلِّف نفسي عناء التحقُّق من النظارات الشمسية التي يبيعها لأن الاسم كان سخيفًا — صن جلاس هَت — مما جعلني أظن أنه يبيع فقط النظارات الصينية الرخيصة. لا أعتقد أنني كنت متغطرسة، تمامًا. بل ظننت أن حاسَّة سادسة عمَّا إذا كانت منتجات المتاجر في معظمها صينيةً أم لا تنمو لديَّ، وبطريقةٍ ما أو بأخرى بدا هذا المتجر صينيًّا بالنسبة إليَّ. ولكني كنت مخطئة. أخبرني البائع أن شركة إيطالية تمتلك سلسلة المتاجر. مِلت على صندوق العرض الزجاجي ونظرت إلى النظارات الإيطالية والأمريكية من فوق، والتي يبلغ سعرها ١٠٠ إلى ٢٠٠ دولار، وأحيانًا أكثر من ذلك.
استغرقتُ خمس دقائق في اختيار النظارة التي أريدها، وكلفتْني ١٥٠ دولارًا — أي أكثر من أجر شهر في تشاد، وفقًا لكتاب «حقائق العالم» الذي تُصدِره وكالة المخابرات المركزية — ولكن هذه المرة كنت أشعر بارتياحٍ كبيرٍ حال دون شعوري بالذنب.
•••
اصطدمت بعقبةٍ أخرى في الأيام التي سبقت عيد ميلاد كيفن: شموع عيد الميلاد.
اعتقدتُ أنها مجرد صدفةٍ عندما لم أجد أي شموعٍ سوى الشموع الصينية في مَمرِّ المخبوزات في متجر البقالة. بدأت أقلق عندما تفحَّصت متجرَين آخرين، ثم ثالثًا، ثم رابعًا، وفي كل مرةٍ كنت أخرج خالية الوفاض. لست بالشخص الذي يصعب إرضاؤه؛ فتُعجبني شموع عيد الميلاد المُشَكَّلة على شكل الدُّمية باربي، وشموع عيد الميلاد الخادعة التي لا يمكن أن تُطفأ، والشموع البراقة، والشموع المُشَكَّلة على هيئة أرقامٍ ضخمة، ولكنها جميعًا تأتي من الصين. في المنزل، بحثت في أدراج المطبخ ووجدت ثلاث شموع مُغبرة باقية من علبةٍ قديمة، وصينية أيضًا. لم أكن أُدرك أنني كنت متهورةً عندما وعدت ويس بأن نخبز كعكة لوالده ونغطيَها بالشموع، واحدة لكل سنة. سبع وأربعون شمعة؛ هذا عدد كبير من الشموع. وكما هي الحال الآن، أُعاني نقصًا مقداره ٤٤ شمعة. مرَّت الأيام. وأخيرًا، اتصلتُ بأخت زوجي وسألتها أن تُسديَ لي معروفًا آخر.
سألتها: «هل يمكنكِ إحضار بعض شموع عيد الميلاد القديمة إلى الحفلة؟ فلا أجد شيئًا غير تلك الشموع الصينية في المتجر.»
لأخت زوجي حدود؛ ستلعب دور الساذجة لوقتٍ محدود قبل أن تُنبِّهني إلى أنها تفعل ذلك. ليس الأمر أنها لن تجاريَني في هذا، ولكنها تريدني أن أعلم أن خدعتي لا تنطلي عليها.
فتساءلت: «لكن أليست شموعي القديمة صينية أيضًا؟»
فأجبتها: «أعتقد هذا. لكن لا بأس في هذا، ما دامت هدية. الهدايا الصينية مباحة، أتذكرين؟»
فأشارت قائلة: «لكن هذا طلب، وليس هدية.» إنها لا تضع العقبات، إنما فقط تتحدَّث بمنطقية؛ وهو ما يعني الشيء نفسه في هذه الحالة. «هل لديكِ قاعدة للطلبات؟»
كنت أنا الشخصَ الذي تنهَّد هذه المرة.
ثم سألتُها: «هل يمكنكِ إحضارها فحسب؟ إنني في ورطة.»
«سوف أرى ما يمكنني فعله.»
كانت حفلة كيفن في اليوم التالي. سار كل شيء بنجاح. انتهت الكعكة بحمل ثماني شموع، ولكن أحدًا لم يمانع، وربما في الوقت الذي تبلغ فيه سن السابعة والأربعين، يكون نقص الشموع أمرًا جيدًا. تبادلتُ أنا وأخت زوجي نظراتٍ توحي بأننا نعلم ما سيجده كيفن عند فتح علبة حوض السباحة، الذي كان صينيًّا كما هو متوقَّع. فاجأتنا أخته بمضخةٍ صينيةٍ لنفخ حوض السباحة أيضًا.
صاح كيفن: «حوض سباحة!» ثم استدار نحو أخته وقال: «كيف خمنتِ ذلك؟»
قبَّلني كيفن بعد أن فتح صندوق النظارة الشمسية البالغ ثمنها ١٥٠ دولارًا المصنوعة في كاليفورنيا. وارتداها واتفقنا جميعًا على أنه يُشبه طيارًا مقاتلًا.
وجَّه حديثه إليَّ قائلًا: «يا حبيبتي.» هذا هو كل ما كان بحاجةٍ لقوله. إنه يدعوني بكلمة حبيبتي في كل وقت، حتى عندما يكون غاضبًا مني؛ لذلك فإن الكلمة لا تعني بالضرورة أنه مأخوذ بي في أي لحظةٍ معينة. ولكن هذه المرة عندما قالها نظر إليَّ نظرةً تقول إنه يغفر لي كل شيء. سهرنا جميعًا حتى وقتٍ متأخر ودردشنا ونحن نتناول القهوة وأكلنا كثيرًا من كعكة بيتي كروكر البيضاء حتى آلمتْنا بطوننا. لم أرَ كيفن في هذا المزاج الجيد منذ أسابيع. لم يكن بحاجةٍ إلى أن يخبرني، لكنني أعرف بغريزتي أن شيئًا آخر يحدث. لقد عاد إلى مسار المقاطعة، على الأقل في الوقت الراهن.
إنني لا أُقدِّم نصائح عن العلاقات الزوجية، ولا أستطيع أن أقول ما قد ينجح مع الآخرين، ولكن في حالتنا، كل ما كان يلزم لاستعادة الانسجام الزوجي هو حوض سباحةٍ رخيص ونظارة شمسية غالية الثمن واستعداد للتخلي عن قناعاتي.
•••
كانت الفتاة الصينية على غلاف مجلة نيوزويك الصادرة بتاريخ ٩ مايو ٢٠٠٥ في غاية الجمال، وكانت تبتسم كما لو أنها تملك العالم بأكمله، وهي تملكه بالفعل، بطرقٍ عديدة.
كُتب العنوان «قَرن الصين» بأحرفٍ كبيرة فوق رأس الممثلة زيي زانج الجميل. أخبرتْني المجلة أنها وجه الصين الجديدة. إنها وجه جميل جدًّا، مع عينَين ذكيتَين مشرقتَين. إذا كان هذا هو وجهَ الصين الجديدة، فليس لدينا ما يدعو للقلق.
قلَّبتُ في الداخل حتى وصلت إلى التقرير الخاص عن الصين. كان التقرير في صميم الأمر تمامًا: الصين كبيرة، وتسحر الأمريكيين؛ لكنها بينما تزداد ثروةً ونفوذًا، فإن ذلك «الحجم نفسه الذي بدا في غاية الإغراء يشرع في التحوُّل إلى نذير سوء. ويتساءل الأمريكيون: هل «التهديد الصيني» كابوس حقيقي؟»
استأنف المقال مستخدمًا سلسلة من الإحصاءات محيرة للعقل؛ كلها مثيرة للاهتمام، ولكني وجدت أنها لم تقلقني كثيرًا. لقد بلغ قلقي إزاء الصين مرحلة تشبع؛ فالمقاطعة تُذكِّرني يوميًّا بأثر الصين العميق في حياتي — في حياتي السابقة، بالأحرى — وإذا أخذتُ يومًا عطلة من القلق، فإن إحدى صديقاتي تتصل بي حتمًا لنقل بعض الأخبار المتعلقة بالصين. على سبيل المثال، كنت جالسةً هذا الأسبوع على الكمبيوتر، أجاهد للوفاء بموعدٍ أخير لتسليم أحد أعمالي عندما اتصلتْ بي صديقة لتخبرني بمدى خيبة الأمل التي أصابتْها في متجر كوست بلاس وورلد ماركت.
فقالت: «يُسمُّونه «وورلد ماركت»، ولكن يبدو كل شيء هناك من الصين تقريبًا. عليهم تغيير الاسم إلى «كوست بلاس تشاينيز ماركت». سوف تجدين صعوبةً في التسوُّق هناك.»
أُفكِّر في الصين في جميع أنواع المواقف. بعد قراءة تحقيقٍ صحفي عن سلسلةٍ من عمليات السطو على المنازل في حَيِّنا، قرَّرتُ أننا يجب أن نجلب لافتة «احذر من الكلب» من أجل بوابتنا الخلفية، ربما واحدة عليها صورة كلب من نوع دوبرمان يزمجر عليها، ولكن أخشى أننا لن نستطيع العثور على واحدةٍ من أي مكانٍ غير الصين. كانت مفاجأة سارَّة عندما جلب كيفن إلى المنزل لوحة «احذر من الكلب» معدنية من تصنيع شركةٍ في نورثفيلد بأوهايو.
عندما ذهب كيفن في رحلة ليومين إلى سينسيناتي، وجد صعوبةً في العثور على لُعَبٍ وهدايا تذكارية للأطفال، فاشترى قمصانًا بدلًا منها.
اعتذر كيفن قائلًا: «لم أتمكَّن من العثور على أي شيءٍ آخر لم يُصنع في الصين في محل بيع الهدايا في المطار.»
لم يُخفِ ويس خيبة أمله؛ فعندما ترك كيفن غرفة المعيشة، همس ويس في أذني قائلًا:
«كنت آمل في الحصول على سيارة.»
كنت أُفكِّر في الصين خلال دروس السباحة التي يتلقَّاها ويس في جمعية الشبان المسيحيين؛ فبعد أول درسٍ له قال لي إن مدرِّب السباحة يريد أن يغرقني تحت الماء عندما لا يراكِ تراقبينني.
وأضاف قائلًا: «إنه ليس شخصًا طيبًا يا أمي.»
فقلت بإصرار: «إنه شاب لطيف. ولن أسمح له أن يُغرقك. سوف أقفز في حوض السباحة وأسحبك إذا رأيتُ مدرِّب السباحة يحاول القيام بأي شيءٍ من هذا القبيل. ولكن أعدك أنه لن يحاول القيام بذلك.»
بدا ويس غير مقتنع؛ لذلك حاولت رشوته. قلت له إنني سوف أشتري له لوح سباحة مثل لوح ابن عمته ونظارة سباحة إذا واصل حضور الدروس، فرآها فرصة.
فسألني: «هل يمكنني الحصول على لوحين؟ لوحين أزرقين؟»
في تلك اللحظة بالضبط، لا بد أن أمًّا ما أخرى، في مكانٍ ما من الكون، مرَّتْ بتجرِبة خروج من الجسد، وقرَّرتْ أن تحتلَّ جسدي للسيطرة على حبالي الصوتية؛ فلم أستطع أن أجد أي تفسيرٍ آخر لما سمعتُ صوتي يقوله بعد ذلك. إنه شيء تقوله تلك الأمهات اللاتي يسترضين أطفالهن، الأمهات اللاتي ينتهي بهن الأمر بإطعام أطفالهن حلوى إم آند إمز في الإفطار وشراء كل لُعبةٍ يرونها على شاشات التليفزيون لهم لأنهن لا يملكن الحس السليم ليقلن «لا» لأطفالهن. إنني مختلفة للغاية عنهن، طالما كنت هكذا؛ لذلك أدهشني كثيرًا أن أسمع ذلك الصوت — صوتي — يقول: «نعم، يمكنك الحصول على اثنين.»
لا أستطيع أن أُصدِّق مدى الضعف الذي أصبحتُ عليه. ربما أُصِبْتُ بإرهاقٍ من قول «لا» في كثيرٍ من الأحيان. أو أُصِبْتُ بإرهاقٍ عام.
تساءل ويس بعد ذلك: «ماذا عن نظارتَيْ سباحة؟»
استجمعت الأجزاء المتبقية من شخصيتي القوية من حقبةٍ سابقة وسمعتُ نفسي أقول «لا».
توجَّهت إلى المتجر بعد بضعةِ أيام، على أمل أنني لم أُفرِّط في وعودي. أخبرتْني غريزتي الخاصة بالصين أن لوح السباحة ليس صينيًّا، بحُكْم حقيقة أنه يحمل بعض الشبه بأجهزة الإنقاذ التي تساعد على الطفو، والتي تتشابه في هدف إنقاذ الشخص مع الدواء، والدواء ليس شيئًا نأتمن الصينيين على صُنْعه، أو هكذا لاحظتُ من قراءة ملصقات زجاجات الأدوية المخبأة في الخزائن في أرجاء منزلنا؛ فصناعة الأثاث ولعب الأطفال والهواتف المحمولة والأحذية وأنظمة الصوت وأجهزة الرد الآلي جميعها أشياء نأتمن الصين عليها. ولكن الحبوب التي تحافظ على صحتنا والأشياء التي تمنع أطفالنا من الغرق إلى قاع حوض السباحة، لا تناسب القالب الصيني بطريقةٍ ما أو بأخرى.
كنتُ مخطئةً إزاء القالب الصيني؛ فرفوف مَمرِّ لوازم السباحة في متجر تارجت تعجُّ بأجهزة الطفو الصينية للأطفال. بدا لي هذا نذيرَ سوءٍ بالنسبة إلى احتمالية وجود لوح سباحة غير صيني، لكني كنت محظوظةً مرةً أخرى. وجدت لوحًا أزرق مرسومًا عليه سمكة وقلبتُه لفحص بطاقته الملصقة. كان مكتوبًا عليها «صنع في تايوان». وضعتُ لوح سباحة واحدًا في عربة التسوُّق الخاصة بي، على أمل أن ذاكرة ويس ليست جيدة مثل ذاكرة والده وأنه لن يتذكَّر أنني وافقت على تقديم اثنين. أخبرتْني أخت زوجي عن نظارة سباحة كندية في المَمرِّ نفسه؛ فالبحث عن حوض سباحة قابل للنفخ أدخلها في عملية قراءة الملصقات، فأخذتُ نظارة سباحة كندية تبدو كعيون السحلية وتوجهتُ إلى الصرَّاف لدفع الحساب.
في طريق الخروج من موقف السيارات مررتُ بمحل الإكسسوارات الذي اشتريت منه بطارية ساعتي قبل أربعة أشهر. كان لديَّ متسع من الوقت في ذلك اليوم، وكان ينبغي أن أوقف السيارة في ساحة الانتظار، وأسير إلى هناك، وأستوضح مسألة البطارية التي ربما تكون صينية. ولكني وجدت أنني لا أملك الجرأة على فعل ذلك.
قلت لنفسي سأفعل قريبًا، ولكن ليس اليوم.
•••
ظَلِلتُ أراقب مونا ويليامز، أو على الأقل اسمها. مونا ويليامز هي المتحدِّث الرسمي لوول مارت، وبما أنني أسعد بالقصص السلبية اللذيذة عن وول مارت، كثيرًا ما رأيت اسمها بينما تُدافع عن شركتها التي تعمل بها ضد كل أنواع الاتهامات والتلميحات.
في عدد مجلة نيوزويك الذي نُشر بعد أسبوعٍ من عدد الصين الخاص، ادَّعت السيدة ويليامز أن المجلة كانت مخطئة عندما ذكرت أن الكثير من بضائع وول مارت تأتي من الصين. في رسالةٍ إلى المحرِّر، قالت إن متجر التجزئة أنفق ١٨ مليار دولار فقط على البضائع الصينية في عام ٢٠٠٤، مقارنة ﺑ ١٣٧٫٥ مليار دولار على مُورِّدي الولايات المتحدة. وقالت إن المشتريات الصينية تبلغ أقل من ٦ بالمائة من إجمالي المشتريات الأمريكية. ونشرت نيوزويك اعتذارًا مع رسالتها.
قرأت الرسالة مرةً أخرى، ثم مِلْت إلى الوراء على الأريكة للتفكير فيها. ثَمَّةَ شيء في ادِّعاءات السيدة ويليام لا يريحني. أنبأني حدْسي أنها تخدعني أنا وغيري من قُرَّاء نيوزويك عن طريق استخدام الأرقام دون مسئولية. لم يكن لديَّ شيء يدعم اعتقادي سوى ذكريات من الأيام التي كنت أتسوَّق فيها في وول مارت، وما أتذكَّره من تلك الأيام هو أنه لا يمكنك أن تطأ شبرًا في وول مارت دون أن تصطدم بكومةٍ من البضائع الصينية. من الممكن تَصوُّر أني كنت المخطئة. ربما كنت أفحص دائمًا ملصقات الأشياء الخاطئة في وول مارت؛ حيث لم أكن أتوجَّه إلا إلى المنتجات الصينية النادرة في متجرٍ مليء بالسلع المصنوعة في نيو هامبشير وتينيسي. مع ذلك، بطريقةٍ ما لا أعتقد أن هذا هو الواقع. أعلم طريقةً لمعرفة ذلك.
كان الحماس يملؤني في اليوم التالي عندما كنت متوجِّهةً إلى متجر وول مارت. كان وول مارت وجهةً ممنوعةً منذ أن توقفتُ عن الذهاب إليه منذ بضع سنوات؛ لذلك بدتْ زيارته مراوَغةً سارَّة في هذا الوقت. كان الذهاب إلى هناك بحجةٍ زائفة يزيد من الإثارة. بالنسبة إلى المراقب العادي، كنت أُشْبِه متسوقًا عاديًّا في وول مارت يبحث عن صفقات رابحة بين عبوات الشامبو والمكرونة والجبن، في حين أني كنت هنا في الحقيقة على أمل إثبات كذب وول مارت. ربما كان ذلك كما لو كنت جيرالدو ريفيرا يكشف فضيحة على شبكة التليفزيون بكاميرا خفية مثبتة على طية صدر سترته، أو ربما كالجاسوس.
كانت مهمتي بسيطة: فحص مائة منتج معروض في وول مارت، وتسجيل اسم البلد الذي صُنع فيه كلٌّ منها، ثم حساب نسبة البضائع الصينية في مقابل البضائع الأمريكية. إنها ليست عملية علمية دقيقة، ولكنها ستوصلني إلى شيء.
مررتُ بجوار موظف الاستقبال، وهو رجل عجوز أبيض الشعر يرتدي سترة زرقاء تقليدية مكتوبًا على الجزء الخلفي منها عبارة «كيف يمكن أن أساعدك؟» بحروف بيضاء. كان يفحص إيصالات مجموعة من الفتيات المراهقات للتأكُّد من أنهن لم يسرقن مُلمِّع شفاه ومُحدِّد عيون. لم أُحدِّد من أين أبدأ، ولكني رأيت رفوفًا تصطفُّ عليها ملابس السباحة أمامي مباشرةً؛ لذلك قرَّرت أن أبدأ من هناك، ثم تجوَّلت في المتجر وفي رأسي فكرة غريبة: فتحت دفتر ملاحظاتي، ووقفت بجانب رفٍّ من بِذلات السيدات، والْتقطتُ واحدة، وفحصت ملصقها، ثم كتبت: «بذلة سباحة للسيدات من قطعة واحدة، تايوان.»
شققت طريقي عبر الرفوف، مع الوقوف عند الجوارب والملابس الداخلية، ثم الإكسسوارات، وبعد ذلك قسم الفتيات. أخذت قسطًا من الراحة بعد ١٠ دقائق لتحليل تقدُّمي، فوجئت بأنه لا يوجد شيء من الصين بين العناصر الأربعة عشر الأولى في قائمتي. ولوهلة، تساءلت إن كانت مونا ويليامز صادقةً عندما قلَّلتْ من دور الصين في ملء رفوف وول مارت أم لا. عُدْتُ إلى حالتي الواعية مرةً أخرى. لا يمكن أن يكون الوضع هكذا. لقد ذهبت إلى وول مارت من قبل، وَوول مارت يبيع أطنانًا من الأشياء الصينية؛ لذلك لا بد من أن يوجد تفسير آخر. ثم عدت إلى العمل.
الشيء التالي الذي فحصته هو حمَّالة صدر من نوع سويت نوثينجس لونها وردي فاتح بمقاس ٤٠ دي دي. كُتب على الملصق: «صنع في الصين.» آها. ها قد بدأنا.
توجهتُ بعد ذلك إلى الأدوات المنزلية، ثم لعب الأطفال، ثم الإلكترونيات، وكنت أكتب في نشاطٍ بينما أتنقَّل خلال الممرات على أمل ألا يسألني أحد عما أفعل. سارت الأمور بسلاسةٍ حتى توقَّفتُ أمام مجموعةٍ من أجهزة التليفزيون وجميعها صينية، كما أرى.
سمعت صوتًا يقول: «أنت، ماذا تفعلين؟»
تطلعتُ في وجه جارنا القديم العجوز. أفعل؟ كيف عرَف أنني كنت «أفعل» أي شيء؟ أي نوعٍ من الأسئلة هذا؟ شعرت باحمرار وجهي. عقدت ذراعيَّ، ودَسَسْتُ دفتر ملاحظاتي تحت إحداهما لإخفائه. ربما يتجاهل سلوكي الذي لا يمكن تفسيره، حيث إننا منتقلون من كاليفورنيا، وأيضًا لأنني متزوجة من كيفن، الذي يُشتهر بالسلوكيات الغريبة بين جيراننا؛ لذا ربما ينبغي أن أعترف بما أفعله. لكن زوجته تمتلك متجرًا محليًّا لبيع الملابس يبيع الكثير من البضائع الصينية — لقد فحصت الملصقات — لذلك أفضل ألا أقول له خوفًا من أن أبدوَ متكبرةً ومتغطرسة، أو ما هو أسوأ.
قلت بنبرةٍ عادية:
«أوه، كما تعلم، أُلقي نظرة على البضائع. أَتَعَرَّف على هذه البضائع.»
نظر إليَّ بتمعُّن، ثم سألني:
«تتعرَّفين على البضائع في وول مارت؟»
أجبته: «نعم. أتحقَّق فحسب من منشأ البضائع.»
ولوَّحت بيدي نحو أجهزة التليفزيون وقلت:
«ربما يتعطل جهاز التليفزيون لدينا في يوم من الأيام ونحتاج إلى الحصول على واحدٍ جديد. والآن أعرف ما يوجد هنا.»
لم يبدُ عليه أنه اقتنع بكلامي، لكنه كان مهذبًا لدرجةٍ منعتْه من التنقيب في الأمر أكثر؛ فغيَّر الموضوع، وسأل عن الأطفال وكيفن. وسألته عن أحوال زوجته وبناته. ثم عندما كنت قد وصلت إلى الحد الأدنى اللازم لمحادثةٍ قصيرة، استأذنته، وانطلقت مسرعةً خارج قسم الأجهزة الإلكترونية، وتوجَّهت إلى قسمٍ في منتصف المتجر يُسمَّى «منوعات عامة».
كنت أتجوَّل في قسم المنوعات العامة لبضع دقائق عندما أوقفني فجأةً تمثال سيراميكي صيني للسيد المسيح. كان تمثال السيد المسيح يقبع على رفٍّ بجوار تماثيل مُهرِّجين ذوي أعيُن كبيرة وقطط خزفية. الْتقطت التمثال، وتأكَّدت أنه في الواقع من الصين، ثم حُمْتُ في المَمرِّ وتفحَّصته تحت الضوء الساطع. بدا حزينًا، وجعلني أشعر بالشعور نفسه. ما أودُّ أن أعرفه هو هل اهتم أي شخص بتوضيح مَن يكون هذا الرجل للعمَّال الصينيين الذين صنعوه؛ فمِن داعي الإنصاف وحده أنه إذا كنت ستطلب من شخصٍ ما قضاء ١٤ ساعة من اليوم في تلوين تماثيل السيد المسيح أن توضح له الفكرة العامة، وربما تقول له اسمه، وتوضح أيضًا أنه شخصية بارزة مهمة بين الأوساط الدينية في العالم.
ثَمَّةَ معنًى أكبر موجود هنا، ولكني لا أستطيع تحديده. كنت أتمنى لو كانت والدتي هنا، فيمكنها الوصول إلى لُبِّ الموضوع على نحوٍ أسرعَ وأتمَّ عندما يتعلق الأمر بالسيد المسيح. كانت على الأرجح ستشير إلى أن لدينا تمثالًا للسيد المسيح — المدافع البارز عن الفقراء — مصنوعًا وملونًا بأيدي عُمَّال صينيين فقراء على الجانب الآخر من العالم، ومنقولًا عبر الكرة الأرضية في سفن وشاحنات ليستقرَّ هنا في نهاية المطاف، إلى جوار تماثيل القطط والمُهرِّجين حيث يُحقِّق مبيعاتٍ لأغنى متجر للتجزئة في العالم، والبعيد كل البُعد عن اللُّطف، مهما كان ما قد ترغب مونا ويليامز في أن أُومِنَ به. وستشعر والدتي بالسخط إزاء مكان تمثال يسوع على الرف إلى جانب تماثيل ذات ذوقٍ مثير للجدل. وسترى على الفور أن تمثال يسوع السيراميكي هذا مرتبط بكل أنواع الأشياء، ليس من بينها السخرية.
شعرتُ ببعض الإغراء لشراء تمثال السيد المسيح، لإنقاذه من مكانه على الرف، لكني كنت قد فعلت ما يكفي من السوء بكسر قواعد مقاطعة الصين بشراء حوض السباحة القابل للنفخ؛ لذلك يجب على الأقل أن ألتزم بحظر الشراء من وول مارت. وضعت التمثال مرةً أخرى على الرف، وتقدَّمت في الممر. أضفت أشياء قليلة أخرى إلى قائمتي، ثم قمت بحسابٍ سريع لما عندي حتى الآن. كانت قائمتي تحتوي على ١٠٦ بنود. ثم توجهت عائدةً إلى المنزل.
عندما عدت إلى المنزل أخرجت الآلة الحاسبة وحسبت الأرقام. استغرق فرز قائمتي حوالي نصف الساعة، لكن تبيَّن لي باكرًا أن الصين مسئولة عن بضائع المتجر العامة: ٥٢ من البنود المدرجة على القائمة، أو ٤٩ بالمائة من هذه البضائع، مصنوعة هناك. وساهمت الولايات المتحدة ﺑ ٢٣ بندًا، ما يصل إلى حصة قدرها ٢٢ بالمائة من المجموع الكلي. احتلَّت هندوراس المركز الثالث بفارقٍ كبير؛ حيث بلغت منتجاتها أربعة بنود. وجاء ما تبقَّى من البضائع من وجهات متنوعة متفرقة في أنحاء العالم مثل إيطاليا (الجوارب)، وباكستان (الملابس الداخلية)، وتركيا (قمصان دون أكمام).
توحي قائمتي بأشياء كثيرة، منها أنه ينبغي على مونا ويليامز تقديم بعض التوضيحات. إنني لا أدَّعي الانتصار على آلة دعاية وول مارت؛ ليس بعدُ على أي حال؛ فلربما تكون أرقام مونا ويليامز صحيحة بطريقةٍ ما أو بأخرى، فلا يمكن إنكار أنني لم أتجوَّل في ممرات وول مارت التي تسيطر عليها أمريكا — أغذية الحيوانات الأليفة، والبقالة، ومستحضرات التجميل — ولكني أيضًا لم أقضِ كثيرًا من الوقت في الممرات التي تهيمن عليها الصين مثل لعب الأطفال والإلكترونيات. وطريقة نظرتي للأمر هي أنه ما لم تُضَمِّن السيدة ويليامز البقالة أو مواد البناء المستخدَمة في بناء متاجر وول مارت في حسابها للمشتريات الأمريكية، فإنني لا أفهم كيفية توصُّلها إلى أرقامها هذه.
أشارت نتائجي إلى أمورٍ أخرى. لاحظتُ أن جميع الأشياء ذات الألوان الوطنية — ألوان العلم الأمريكي الأحمر والأبيض والأزرق، والمنسوجات القطنية التي يوجد عليها أعلام — مصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية. أظن أن هذا بسبب أن المسئولين عن الشراء الأذكياء في متجر وول مارت يعرفون أن المتسوقين يشعرون بحبٍّ جارفٍ للوطن عندما يتسوَّقون أشياء عليها راية وعلم البلاد، ويكونون أكثر ميلًا إلى التحقُّق من بلد المنشأ على الملصقات من التحقُّق منه عندما يشترون الأحذية أو المناشف. إنه مجرد تخمين، ولكن شعوري هو أنك لا تصبح أكبر شركة في البلاد دون فهم الزبائن.
ألهمتْني بنود أخرى تأملاتٍ ضبابيةً بشأن الاقتصاد العالمي. خذ مثلًا من مساهمة ليسوتو في القائمة؛ قمصان دون أكمام للسيدات بمقاساتٍ كبيرة، فمن ناحيةٍ يمكن أن تراها أمرًا مشجعًا أن دولة أفريقية صغيرة تمارس أعمالًا تجارية مع وول مارت. في ضوء أمورٍ معينة، يبدو هذا تقدمًا؛ فربما ترى أن ليسوتو تمتلك موطئ قدم في الاقتصاد العالمي. من ناحيةٍ أخرى فإن فكرة أن وول مارت يعتمد على العُمَّال البؤساء في الدول الفقيرة للغاية في إنتاج الملابس الداخلية بأسعارٍ بَخْسَة لزيادة الإيرادات وتحقيق أرباح للمساهمين تجعلني أستشيط غضبًا. ذهب متجر وول مارت إلى ليسوتو لأن ليسوتو تستحقُّ جهد وول مارت، والطريقة الوحيدة لكي تستطيع ليسوتو استحقاق جهد وول مارت هي العمل مقابل أجر زهيد، فلا يُغرى وول مارت بالتوجُّه إلى مكانٍ آخر. وليسوتو هي الخاسرة إذا ما ساءت هذه العلاقة، وليس في مقدورها أن تفعل شيئًا حيال ذلك.
بعد ذلك تفكَّرت فيما تعتقده السيدات الصينيات الصغيرات الحجم اللاتي يخطن حمالات صدر سويت نوثينجس بمقاس ٤٠ دي دي حيال الملابس الفائقة الحجم. كيف يتخيَّلن السيدات الكبيرات الحجم اللاتي سيرتدين حمالات الصدر تلك على الجانب الآخر من الأرض؟ أم هل تَفكَّرنَ فيهن على الإطلاق؟ أفترض أنه من الإفراط في التفاؤل أن آمل أن يشرح مديرو المصنع الاسم الساخر على العبوة. سويت نوثينجس؛ إنه أمر بعيد الاحتمال.
لن أحصل على إجاباتٍ لهذه الأسئلة أبدًا، ولكن يوجد لغز ربما أكون قادرةً على تفسيره. بعد أسابيع قليلةٍ من رحلتي إلى المتجر اتصلت هاتفيًّا بمكتب اتصالات شركة وول مارت في بنتونفيل بأركنساس. أوضحت للسيدة التي ردَّت عليَّ أني أرغب في التحدُّث إلى شخصٍ ما عن استعانة الشركة بموردين من خارج البلاد. وتركت رسالة على البريد الصوتي لشخصٍ يُدعى بيل فيرتس.
لم يعاود الاتصال بي مرةً أخرى.
لقد اتخذت من التسرُّع إلى بناء استنتاجات سيئة عن وول مارت مهنةً إضافيةً لي. ولا أرى أي سببٍ لعدم القفز إلى بعضها الآن. لقد أثرتُ ذعر وول مارت.
•••
نَفِدَ الحبر من طابعتي. عادةً لا يدعو هذا إلى القلق، ولكني أُصِبتُ بشعور محبط عندما توقَّفت الآلة دون سابق إنذار وأخبرتْني أن الوقت قد حان لشراء خرطوشة حبر جديدة. كنت مخطئة من قبل، ولكن غريزتي النامية حيال الصين تخبرني أن الصين المسئولة عن تصنيع خراطيش الحبر في العصر الحالي.
شعرت بالكآبة وأنا أتبع امرأة إلى قسم الطابعات في القطاع الخاص بالأدوات المكتبية في المتجر.
ناولتْني علبة وقالت: «هذه هي.» ثم تركتْني وابتعدتْ.
قلبت العلبة من أجل الفحص الروتيني للملصق. كانت أخبارًا سيئة، كما هو متوقَّع. كان الملصق يشير إلى أن الحبر مصنوع في اليابان، والخرطوشة مصنوعة في الصين. كانت الخرطوشة هي الخرطوشة المناسبة لطابعتي — وحذَّرت الشركة المُصنِّعة من مخاطر استخدام علامات تجارية أخرى — ولكني فحصت العلامات التجارية الأخرى على الرف على أي حال، معتقدةً أنني ربما أجد واحدةً غير صينية تناسبني. كانت جميعها صينية. وفي الوقت الذي وصلتُ فيه إلى المنزل، كنت في حالة مزاجية تستدعي الشفقة والتعاطف. لكني لم أحصل على أيٍّ منهما.
قال كيفن بصوتٍ ينضح بالسخرية: «رائع. الآن لدينا طابعة لا يمكننا استخدامها.»
ورمقني بنظرة اشمئزاز، ثم أضاف:
«أوه، ولكنك مؤلفة؛ لذا أعتقد أنك لن تحتاجي الطابعة كثيرًا. من الجيد أنني أنفقت مِائتَي دولار على هذا الشيء.»
يمكنك أن تخمن مَن يشعر بالتذمر حيال المقاطعة مرة أخرى.