صيفٌ مفعم بالتذمُّر
كان الأطفال في حالة ترقُّب جنونية مساء يوم عودة كيفن من فرنسا. كانت صوفي تدور بسرعةٍ حول طاولة المطبخ حتى اصطدمت في كرسيٍّ وخدشت جبينها. وكان ويس يقفز بحماسٍ شديد على زنبركات الأريكة وطار فوق جانب الأريكة المُنجَّد ووقع على مشغل الأقراص، وبطريقةٍ ما لم يتعرَّض لإصابة. وقد اختلطت عليَّ معلومات طائرة كيفن وتركته في المطار لمدة ساعة حتى أنقذه أخي الأكبر.
حين ظهر كيفن عند الباب الأمامي كان الوقت قد تجاوز موعد خلود الأطفال إلى النوم وكانت الدموع تخطُّ وجناتهم. لم أشعر أنا نفسي بحماسٍ شديد، ولكن هذا شيء تستطيع كمية كبيرة من الهدايا الأوروبية إصلاحه. فتح كيفن حقيبةً ووزَّع هدية تلو الأخرى: مركبًا شراعيًّا فرنسيًّا وسِكِّينًا حقيقية لِويس (عبستُ ولكني احتفظت بسلطتي الأبوية لوقتٍ لاحق) ودمية محشوة على شكل أرنب فرنسية المنشأ لصوفي. وكان يوجد ألعاب ألمانية بزنبرك، وملابس داخلية إيطالية لي، ومجموعة من قطع الشوكولاتة الفرنسية للفأر.
لم تكن الشوكولاتة للفأر، ولكنه أكل نصف دستة من قطع الشوكولاتة ذات الورق الذهبي في الليلة الأولى التي عاد فيها كيفن إلى المنزل بعد أن تركناها دون أن نفتحها على طاولة في غرفة المعيشة. وقد كان لمصير الشوكولاتة أثر غيَّر مشاعر كيفن حيال مكافحة الحشرات بالقتل.
سألني في صباح اليوم التالي ونحن نفحص الأغلفة الذهبية وقطع الشوكولاتة غير المأكولة المتناثرة على الأرض: «أين قلتِ إنك وضعتِ المصيدتين الخشبيتين؟»
لدهشتي، لم أكن متأكدةً من أنني أريد أن أُخبِره. لقد غيَّرت رأيي حيال موضوع قتل الفأر في الأيام الأخيرة. لم يكن السبب هو اعتراضي على هذه الفكرة بالمطلق، لكنني وجدت أنني أريد فرصةً أخرى لتخليص المكان من الفأر دون الحاجة إلى الاختيار بين بديلين كريهين: انتهاك المقاطعة بشراء مصائد رحيمة صينية والإبقاء على حياة الفأر، أو قتل الفأر باستخدام مصيدة أمريكية قاتلة وإنقاذ المقاطعة. نبع هذا التحوُّل في مشاعري من لقائي بالفأر وجهًا لوجه أول مرة، والذي كان كما وصفتْه والدتي لي بالضبط بعد لقائها به بأنه «كائن صغير لطيف، وإن كان قذرًا أيضًا، وربما كان حاملًا للأمراض.»
حدث لقائي بالفأر فيما بعد ظهيرة أحد الأيام عندما كنت أجلس مرةً أخرى إلى طاولة المطبخ وسمعت مرةً أخرى خشخشة كيس بقالة بلاستيكي خفيف. وكما حدث سابقًا، انسللت من مقعدي وبدأت التسلل ببطءٍ نحو الخزانة تحت حوض المطبخ، وكانت منشفة الأطباق بين يديَّ مرة أخرى على أهبة الاستعداد. ثم فاجأني الفأر. وقبل أن أصل إلى الخزانة، قفز من كيس القُمامة البلاستيكي الذي كنت قد علَّقته على مقبض الباب خارج الخزانة، وجرى بسرعةٍ خاطفة على طول الحافة العلوية لباب الخزانة، واختفى في مكانٍ معتم بين الخزانة وضاغط النُّفايات. افترضتُ أني قد أبعدت كيس القُمامة عن الفأر، ولكن خطرت على بالي الآن فكرة أنني قد جعلت الأمر أكثر ملاءمةً له للقفز في الكيس لتناول غداء سريع ثم الخروج بسرعة عند أول علامة على اقتراب المتاعب. ارتكبت خطأً أساسيًّا. نظرت إلى الخزانة من منظوري البشري الواسع وليس من منظور الفأر، الذي يجعله يرى الجزء العلوي الضيق من الخزانة طريقًا سريعًا واسعًا مثاليًّا للهرب السريع.
الفئران ليست حيوانات ذكية، ولكني أُعرِب عن احترامي الناقم إزاء تفوُّقه عليَّ في الذكاء على هذا النحو. كانت والدتي مُحِقَّة في تقييمها للفأر: لطيف، وقذر أيضًا، إلا أنني فوجئت مثل كيفن لدى سماع صوت اعتراضاتي الداخلية على معالجة الأمر بالقتل في صباح اليوم التالي لحفلة الشوكولاتة الخاصة بالفأر.
قلت لكيفن: «تراودني فكرة بنصب فخٍّ للإمساك بالفأر ثم إطلاقه بعيدًا. امنحني ليلتين لتجرِبتها.»
وقال وقد بدا متشككًا:
«افعلي ما يحلو لك، لكني في اليوم الثالث سوف أتدخَّل بنفسي.»
•••
بحلول هذا الوقت كنت أعرف شيئًا أو اثنين عن هذا الفأر، وهذا هو السبب في شعوري بالتفاؤل بأن فكرة مصيدة الفئران المنزلية الصنع ستنجح؛ فهي تعتمد على نقاط الضعف المعروفة لدى الفأر: الشوكولاتة الفرنسية، والكعك، وميله إلى التسكع في محيط حوض المطبخ.
في تلك الليلة، بعد أن نام الأطفال، وضعت قطعًا من الكعك المتكسِّر وقطعًا من الشوكولاتة في إبريق حليبٍ فارغ. ووضعت الإبريق على جانبه على المنضدة المُبلَّطة بالرخام بجانب الحوض. ثم أخذت علبة تونة صغيرة غير مفتوحة ووضعتها تحت فتحة الإبريق كدَرَج مؤقت لمساعدة الفأر في التسلق داخل الإبريق. ثم أطفأت الأنوار وتوجَّهت إلى الفراش، وانتظرت صوت خشخشة البلاستيك، أو ربما صوت مضغ الكعك في الفك الصغير. تكمن نقطة ضعف مصيدتي في آلية الإنذار، لكن غرفة نومنا مجاورة للمطبخ وكنت متأكدة من أنني سأسمع شيئًا يُنبِّهني إلى وقوع الفأر في الفخ. وعندما أسمع هذا الصوت، سوف أنهض دون ضجة، وأنسلُّ بصمتٍ إلى المطبخ، وأمسك بالإبريق بينما الفأر في داخله، وأوقفه عموديًّا بسرعة، ثم أسد فُوَّهته بمنشفة الأطباق قبل أن يدرك الفأر ما حدث له. وفي اليوم التالي سوف نقود سيارتنا إلى البحيرة ونطلق الفأر بالقرب من بيوت الأغنياء، كما اقترح كيفن. سوف يتخبَّط وسط الأعشاب الضارة، ممتنًّا لرحمتنا به ومترنِّحًا جرَّاء تناول كمية كبيرة من السكر. وستكون هذه نهاية الفأر، ونهاية القصة. وستكون هذه حلقة أخرى من الفوز في معركتنا للتغلب على القيود التي فرضتْها مقاطعة الصين على حياتنا.
لم أرَ كيف يمكن لهذه الخطة أن تخفق.
في تلك الليلة استيقظت مرتين على أصوات خشخشة ونهضت ومشيت على أطراف أصابعي نحو المطبخ، وأصابتني خيبة الأمل عندما جذبت الإبريق، وسددت فتحته بالمنشفة، وأضأت النور لأرى أني قبضت على الشوكولاتة والكعك فحسب في داخله.
تكرَّرَت القصة نفسها في الليلة الثانية: استيقاظ، وتسلل، وتغطية للإبريق، وغرق في خيبة الأمل.
في صباح اليوم الثالث نظر كيفن في وجهي نظرةً متجهمةً وهو يتناول قدحًا من القهوة وقال:
«حان وقت العمل الجاد.»
أذهلني عزم كيفن. اعتقدت أنه سيُغيِّر رأيه ويبدأ في الضغط مرةً أخرى من أجل مصيدةٍ رحيمة صينية. أعرف أنه متعاطف مع المخلوقات البرية، رغم أن مسألة كون فأر الضواحي بريًّا أم لا قابلة للنقاش. يحب كيفن مراقبة الطيور، ويمكنه أن يُميِّز بين خازن البندق وصائد البعوض. ويمسك بالعناكب في المنزل باستخدام مناديل ورقية ويطلقها في الفناء الخلفي. وقد هدَّدتْ مشاعرُه الطيبة هذه حيال الحيوانات البرية خُطَّتَه هو وشقيقه الأكبر — الذي لا يزال على قيد الحياة — في فصل الشتاء خلال العام الذي قضياه في ألاسكا؛ فبعد إغلاق الكرنفال الذي كانا يعملان فيه خلال ذلك الموسم، انتقل الولدان إلى مقصورةٍ برية مهجورة على بُعد تسعة أميال من قرية كاسيلوف. وظنَّا أن بإمكانهما البقاء على قيد الحياة خلال أشهُر تساقط الثلوج بتناول عصائر تانج وعصيدة دقيق الذرة وما يستطيعان صَيدَه. إلا أن الخطة تداعت عندما لم يستطع كيفن إرغام نفسه على سحب زناد المسدس عيار ٠٫٢٢ حتى عندما تجمَّع سرب من الطيور البرية حول قدمَيه بحثًا عن الطعام في الأرض.
أخبرني عن ذلك بعد سنواتٍ قائلًا: «كان من السهل للغاية إطلاق النار على شيءٍ شديد الغباء حتى إنه لا يشعر بالخوف.»
انتقل الأخوان إلى أنكوريدج، حيث عمل كيفن في بيع الحيوانات المُحنَّطة وأشجار الكريسماس. وحصل شقيقه على وظيفة في رصيف تحميل، وكانت تتطلب منه أن يقطع سبعة أميال عبر الجليد كل صباح. ثم عادا إلى كاليفورنيا في الربيع بأيدٍ لم تُلوِّثها دماء الحيوانات البرية في ألاسكا.
المقصد من ذلك أنني تعلمت شيئًا عن الطبيعة البشرية، أو طبيعة كيفن، في صباح هذا اليوم من شهر يوليو بعد ثلاثة عقود. تعلمت أن مرور ٣٠ عامًا، والاعتزاز بملكية منزلٍ خاص، والْتهام فأرٍ عدواني حفنةً من قطع الشوكولاتة الفرنسية الغالية الثمن؛ كلها أشياء يمكن أن تُغيِّر كثيرًا من الأشياء في الإنسان، بما في ذلك مشاعره العاطفية تجاه أفراد مملكة الحيوان.
قال كيفن مكررًا بينما يشرب قهوته: «أين المصائد من فضلك؟»
أشرت إلى باب غرفة الغسيل وقلت:
«هناك، احترس لأصابعك.»
أمسك كيفن الفأر من المرة الأولى بعد وضع المصيدة الأمريكية القاتلة تحت الحوض، وهذا هو سبب دهشتي الشديدة من رؤية الفأر يجري على أرضية غرفة الغسيل بعد بضعة أيامٍ لاحقة. لا عجب في أنه استولى على منطقة نفوذ كبيرة في الأيام التي سبقت عودة كيفن. ربما أصبح لديه أصدقاء، أو ربما أقارب.
ذهب كيفن إلى متجر الأدوات المنزلية وأحضر عددًا من المصائد الأمريكية. وأمسكنا ثلاثة فئران أخرى خلال هذا الأسبوع.
قال كيفن في صباح أحد الأيام بعد فحص المنطقة تحت الحوض: «لا بد أن الأمر قد انتهى. أعتقد أننا انتهينا من قصة الفأر.»
بدا تفاؤله متعجلًا، ولكني لم أقُل شيئًا. كان كيفن يتعامل مع صعوبات المقاطعة في تلك الأيام، ولم أشأ أن أُفسد مزاجه الجيد؛ فمنذ عودته من فرنسا، شرع في إصلاح أجهزة المنزل بنحوٍ عملي مرِح. ولم تتمكَّن التعقيدات التي تُثيرها المقاطعة من إفساد طبيعته المرحة؛ فأخذ مشغل الأقراص المدمجة المعطل إلى ورشة إصلاح محلية مع إعطاء تعليمات لمالكها بعدم إصلاحه إذا كان مضطرًّا لاستخدام أجزاء صينية لكي يعمل مرةً أخرى، فأكَّد له صاحب الورشة قائلًا: «إننا نأتي بجميع قطع الغيار من أماكن محلية، وليس من الصين.»
لم يجادل كيفن في هذه المسألة مع الرجل.
استطرد قائلًا: «لم أشأ أن أُذكِّره أن المتجر الذي تشتري منه قطع الغيار لا علاقة له في الواقع بمكان صُنْعها. لم أُرِد أن أجرح مشاعره.»
ثَبَّتَ كيفن هوائيًّا معدنيًّا قديمًا فوق التليفزيون لتحسين الصورة. ولم يذكر الخلاط المعطل أو الطابعة المعطلة أو نقص دبابيس الورق، الذي لم يكتشفه بعد. واستسلم في معركته مع دُرْج المطبخ العالق؛ فلم أُمسِك به يجذب المقبض بقوةٍ ولو مرةً واحدة في الأيام التي تلت عودته إلى المنزل. خشيت أننا ربما وصلنا إلى طريق مسدود عندما نَفِدَ الغراء واكتشفنا أن غراء إلمرز مصنوع في الصين، ولكن طاف كيفن جميع أنحاء المدينة بلا كلل إلى أن وجد علبة غراء من كندا.
شككتُ في أن الأوقات الجيدة لن تدوم طويلًا، لكنني قرَّرت الاستمتاع بها ما دامت موجودة.
•••
لا أدعي أنني أملك قوى تخاطر عقلي خاصة. ربما ينبغي أن أدَّعيَ ذلك.
قرأت خبرًا مشئومًا عن مصير مجموعة ليجو الدنماركية، التي تتكبَّد خسائر مالية بينما تنخفض مبيعات لعبة المكعبات البلاستيكية، والسبب على ما يبدو يكمن جزئيًّا في أن الأطفال في العصر الحديث يجدونها مملة مقارنةً بالألعاب الإلكترونية المضيئة. وثَمَّةَ مُنافس كندي ينافس أيضًا في هذا المجال. ويَتوقَّع المحللون أن الشركة الدنماركية سوف تنقل كثيرًا من إنتاجها أو كامل إنتاجها إلى مواقع تصنيع أرخص في الخارج، ربما في آسيا، وقد خلَصتُ إلى أنها تعني الصين. إن أهاليَ بلدة بيلوند في الدنمارك مُتخَمون بالمال؛ فقد جعلتهم ليجو أغنياء. والآن ليجو الصينية ربما تجعلهم فقراء.
أُدرك أنه ليس مِن حُسن الأدب أن أتباهى بقدراتي، لكن يجب أن أقول إنني تنبَّأت بوقوع هذا الأمر. تنبَّأت به قبل ثلاثة أشهُر، في مَمرِّ الألعاب في متجر تارجت، على ملصقٍ موجود على علبةٍ من إنتاج ليجو. أتذكَّر ما كان مكتوبًا عليه: الأجزاء مصنوعة في الدنمارك والصين. غمرتْني موجة ذعر، خشيت على نفسي وعلى الدنمارك. بدا لي حينها أنه إعلان لما هو آتٍ. شعرت بإحباط بسبب فكرة أن الشركة ستهرب إلى الصين ولن تنظر إلى الوراء أبدًا. شعرت بالضيق من أجل بيلوند، لكن سكانها لا يمكنهم توجيه اللوم إليَّ. بدأ ويس يشتكي من أننا نشتري «الكثير» جدًّا من ألعاب ليجو؛ فقد أصبحت ألعاب ليجو هي الهدية الأساسية لحفلات أعياد الميلاد بحكم واقع أن سوق الألعاب الصينية الساحقة محظورة علينا. كما أنني رأيت أنها تُمثِّل هدية جميلة، على الرغم من أن ويس بات في الآونة الأخيرة يشك في ذلك.
سألني ويس ذات يوم: «هل يمكن أن نحصل على شيءٍ آخر إلى جانب لعب ليجو؟ إننا دائمًا ما نشتري لعب ليجو!»
لم أستطع أن أُفكِّر إلا في شيءٍ واحد فقط أقوله له:
«لا.»
•••
سألت صديقي: «لقد أصبحتُ ماذا؟»
فكرَّر في الهاتف قائلًا: «مصدرًا للجدل.» أستطيع أن أشعر أنه يستمتع بذلك.
«كيف هذا؟»
قال إنه هو وزوجته تلقَّيَا مكالماتٍ هاتفيةً من آباء آخرين في الحي، يشعرون بالقلق عن إمكانيتهم تقديم هدايا صينية في حفل عيد ميلاد صوفي التي أتمَّت عامين.
وأضاف: «هم يعتقدون أنهم سيقعون في مأزقٍ إذا ما قدَّموا لعبة مصنوعة في الصين، لكنهم يقولون إن الألعاب الصينية هي المتاحة؛ ومن ثَمَّ فإنهم لا يعرفون ما يُفترض القيام به. قلت لهم إن بإمكانهم إحضار ما يريدون، وأنكِ لن تغضبي. وأكَّدت لهم أنكم لستم مجانين.»
أوحت طريقة قوله للعبارة الأخيرة أنها لا تزال قيد المناقشة.
أقيم حفل عيد ميلاد صوفي بعد بضعة أيام. كان حدثًا فوضويًّا بدأ في الفناء الخلفي تحت الحرارة الشديدة حتى دفعت عاصفة مطيرة مفاجِئة الجميعَ لدخول المنزل، حيث تجمَّع الضيوف حول أطباق ورقية ضعيفة لتناول النقانق وتتسبَّب أجسادهم وأنفاسهم الرطبة في تكثف الضباب على النوافذ. وبحلول الظهيرة، كان نصف الأطفال يبكون، بما في ذلك فتاة حفل عيد الميلاد، التي رمت نفسها على الأرض ورفضت النهوض. واندفع الضيوف واحدًا تلو الآخر خارج الباب الأمامي في حرارة الظهيرة الرطبة.
عندما عاد الجميع إلى منازلهم وأصبح المنزل هادئًا، تفقَّدت هدايا صوفي. لا بد أن أيًّا مما قاله صديقي للآباء الآخرين قد طمأنهم بأنهم لا ينبغي أن يقلقوا من إحضار أشياء صينية. يوجد قميص دون أكمام من نيبال، وكتاب من سنغافورة، ونظارة شمسية من تايوان، إلا أن الصين احتلت مكانها التقليدي كمُهيمن على هدايا حفلات أعياد ميلاد الأطفال الأمريكيين؛ فأسهمَت الصين بدُميتين، ودُمية محشوة على شكل كلب، وحقيبة يدٍ لعبة، وحقيبة ظهْرٍ على هيئة نحلة، وأحجية، ولعبة السيد رأس البطاطس، ومزرعة خيول مُصغَّرة.
ليس خطأ أحد، وأعرف أننا لم نكسر أيًّا من قواعد المقاطعة، ولكن لا يسعني إلا أن أشعر بخيبة أمل في كل مرةٍ يدخل شيء صيني إلى منزلنا. مما لا شك فيه أن إعفاء الهدايا منعنا من إغضاب أشخاصٍ كثيرين، بدءًا من والدتي، لكني أتساءل الآن هل هذا مهرب مريح أكثر من اللازم. لم يخطر على بالي كمُّ الهدايا التي تلقيناها، أو أن الكثير منها مصنوع في الصين. فات الأوان لتغيير القاعدة الآن، وعلى الرغم من أن ذلك ربما يكون مؤسفًا، فإن الأكثر مدعاةً للأسف مع ذلك هو أنني وجدت نفسي أتذمَّر لحظةً من أن لدينا الكثير من الأصدقاء والأقارب الحريصين على منحنا الهدايا، وإن كانت صينية.
واسيت نفسي بأشياء صغيرة؛ فقلت لنفسي إننا بذلنا قصارى جهدنا لإبعاد المنتجات الصينية عن حفل عيد ميلاد صوفي. وضعنا تلك الشموع الإيطالية القصيرة التي يحيط بها قالب معدني في كعكتها بدلًا من شموع أعياد الميلاد الصينية العادية. ولم تكن مبهجةً مثل الشموع التقليدية، لكني لم أجرؤ على أن أطلب مساعدة أخت زوجي في مشكلة الشموع بهذه السرعة بعد عيد ميلاد كيفن. وكانت رسومات سكوبي دو التي زُيِّنَت بها الكعكةُ مصنوعةً في فرنسا، والكعكة نفسها، الكريمة المخفوقة الوردية التي تغطيها والنقانق كانت مصنوعةً في أمريكا. ومن التقليدي إهداء الأطفال عند العودة إلى منازلهم حقائب هدايا تحوي هدايا بسيطة، ولكني اكتشفت أن هذه الحقائب تمتلئ دائمًا بأشياء صينية. تجاوزت عن حقائب الهدايا وأملت ألا يصفنا أحد بأننا مفسدون للمتعة أو بُخَلاء.
•••
تَجدَّد تمرُّد كيفن قبل أن نغادر في رحلةٍ إلى مسقط رأسنا في سان دييجو بكاليفورنيا؛ فقد عاد إلى المنزل حاملًا عدة أشياء للترفيه عن الأطفال أثناء رحلة الطائرة الممتدة لثلاث ساعات، من ضمنها مجموعة من الملصقات المصنوعة من الفوم على شكل أسماك. قلبت العبوة، وعبست لدى قراءة البطاقة الملصقة على المنتج، ثم واجهته بما اكتشفته.
فسألته: «هل تعلم أن هذه الملصقات صينية؟ هل فحصت الملصق من الأساس؟»
ابتسم في وجهي ابتسامةً متجهمة. أخبرني شيءٌ ما في لغة جسده أنني عدت مرةً أخرى إلى الوضع المتزعزع مع كيفن. وتحدَّتْني نظراته أن أقترح العودة إلى المتجر لإرجاع الملصقات. وأخبرني صوت داخلي ألا أبتلع الطعم، لكني لم أستطع مقاومة توبيخه توبيخًا مترفقًا.
قلت له: «أنت تدرك أنني سوف أدوِّن هذا. لمعلوماتك، هذا انتهاك صريح للمقاطعة. ولا بد أن أُخبِرك أنني مندهشة من أنك لم تتعلم بعدُ طريقة التعامل مع هذا الأمر.»
أومأ برأسه ومطَّ شفتيه، موضحًا أنه غير مكترثٍ على الإطلاق بمسألة الملصقات الصينية.
قلت: «حسنًا. هذا لعلمك ليس أكثر.»
تبعتنا المقاطعة إلى كاليفورنيا. واصطحب كيفن معه توجُّهه الذهني السيئ خلال هذه الرحلة.
قال كيفن في صباح اليوم الأول في منزل والدتي: «الأطفال بحاجةٍ إلى بنادقَ مائية. وَويس يحتاج إلى نظارة شمسية.»
وأشار بنفاد صبرٍ إلى قدميه، كان فيهما حذاء جري قديم.
«وأحتاج إلى خُفٍّ. وجميع الخِفاف الموجودة في متجر الخردوات صينية، وليكنْ في علمكِ أنني لن أرتديَ حذاءً وجوربًا على الشاطئ.»
كانت أمي أيضًا تقسو عليَّ في تلك الأيام.
قالت ساخرةً في إحدى الليالي وأنا أصنع صوص البيستو بحبات الصنوبر الصينية: «هل يزعجكِ لمس تلك الحبات؟ لا أريد أن تتلوث يداكِ بها.»
حتى عرَّابة الأطفال — صاحبة أطيب رُوحٍ مَشَتْ على الأرض — لم تستطع مقاومة توجيه ضربة عندما وصلنا إلى منزلها لإقامة حفل شواء.
قالت لي بينما تعطيني كيسًا ملونًا يحتوي على هدية عيد ميلاد متأخرة لصوفي: «لا تقلقي. لا شيء فيها من الصين.»
كان يوجد داخل الكيس حذاء تنس صُنع في فيتنام، وتنورة صُنعت في تركيا، وثوب سباحة صُنِع في إندونيسيا. لقد كنا أصدقاء لمدة ٢٠ عامًا ولكني لم أكن أدرك حتى تلك اللحظة أنها كانت قادرةً على السخرية. شعرت قليلًا بالإساءة وبالرفض لإيحائها بأنني صعبة المِرَاسِ نوعًا ما.
قلت لها: «تعلمين أنكِ لست مضطرةً لمقاطعة الصين. هذه قاعدتنا نحن فقط.»
فردَّتْ وقد اتسعَتْ عيناها: «هل تمزحين؟ لن أُفسِدَ تجربتك.»
لم أذكر أن كيفن يجتهد في فعل ذلك، وأنا نفسي لست بريئةً من ذلك. يمكن أن تكون مقاطعة الصين عملًا منعزلًا.
•••
لم تكن عائلتي قد انتهت من انتقادي حين قرأت خبرًا جعلني أنتقد نفسي كثيرًا. كانت المقالة في صحيفة لوس أنجلوس تايمز تذكر زوجين صينيين عجوزين أَوَيَا أكثر من ٤٠ طفلًا لقيطًا على مر سنوات. كان الزوج — ٨٢ عامًا — يكسب قوته من العمل جامع قُمامة، وكانت زوجته — ٨١ عامًا — تقضي أيامها في رعاية الأطفال في المنزل، الذين كان كثيرون منهم يعانون من إعاقات. وقد أَوَيَا طفلتهما الأولى عندما كانا في منتصف الستينيات من عمرَيْهما بعد أن وجداها متروكة وسط الثلوج خارج محطة قطار.
قالت الزوجة: «لم يكن أحد يريدهم لأنهم يخشَوْن المتاعب.»
وكانت السلطات في البلدة التي يعيش فيها الزوجان الآن عند حافة صحراء جوبي تريد أن تأخذ الأطفال منهما لأنها ترى أنهما طاعنان في السن ولا يستطيعان العناية بهم.
أضاف الزوج: «عليهم قتلي أولًا قبل أن يأخذوا الأطفال منا.»
قرأت المقالة، ثم تفحصت صور الأسرة. كان لدى الوالد تجاعيد عميقة في وجهه وعينان داكنتان. وكانت زوجته تجلس في خلفية صورة أخرى، محتضنة طفلًا جميلًا. تركت الصحيفة من يدي وشعرت بقلق حيال إمكانية أن مقاطعتنا للصين يمكن أن تضيف ولو أقل مشقة إلى حياة هذه الأسرة. وببعض التفكير العقلاني، عدت إلى الوقوف على أرضٍ صُلبة؛ فرغم كل شيء، المقاطعة ليست شيئًا شخصيًّا ضد الصين، ولا يمكن أن أدرك كيف يمكن أن يكون لعادات الشراء التافهة لعائلتي حتى أصغر تأثير على اقتصاد التصدير الصيني الضخم، الذي لا يبدو على أي حال مفيدًا لرجل عجوز اضْطُرَّ للعمل في جمع القُمامة من أجل كسب عيشه. ولكن القصة أثارت قلقي المتزايد من أنني بت خسيسة قليلًا، بصرف النظر عما أقوله لنفسي.
لم أبدأ الشعور «حقًّا» بأنني خسيسة إلا بعد بضعة أيام، عندما خضت مناقشة فلسفية مثيرة للغضب مع ويس عن شطائر الجبن. كنت أنا والأطفال جالسين على درجات السلم الأولى في منزل والدتي عندما أنزل ويس شطيرته فجأة وبدأ في التحدُّث بفمٍ مليء بالجبن.
فقال: «بلدنا لا يملك كثيرًا من الطعام يا أمي.»
دُهِشتُ من اختياره للموضوع، واستنتاجه، وحاولت تصحيح فكره بلهجة لطيفة قائلة:
«هذا البلد يملك طعامًا وفيرًا. أوفر من أي بلدٍ آخر في الواقع.»
هز رأسه رافضًا عبارتي وقال:
«لا أعتقد ذلك.»
قلت بإصرار: «لا، حقًّا، هذا حقيقي. بعض البلدان لا تملك ما يكفي من الطعام، وكثير من الناس في تلك الأماكن يعانون من الجوع طوال الوقت، ولكن هنا متاح لنا كثير من الطعام. وفي بعض البلدان ربما لا يكون ما تأكله سوى قليلٍ من الخبز أو الحساء، أو في بعض الأحيان ربما لا تجد ما تأكله على الإطلاق.»
توقَّف ويس قليلًا للتفكير في هذا الأمر، ثم بحث عن التفاصيل.
أراد أن يعرف، فسأل: «بلدان مثل ماذا؟»
أجبته: «حسنًا، كثير من الأماكن. العديد من الأماكن في أفريقيا، وبعض الأماكن في آسيا، بل وبعض البلدان الكبرى مثل الصين.»
سارع ويس برأي مخجل.
فقال: «أنا سعيد لأنهم لا يملكون ما يكفي من طعام في الصين.»
سألته: «لماذا تقول ذلك؟»
ابتلع قضمته من الشطيرة قبل الإجابة، واستطرد قائلًا:
«لأنهم في الصين يتصرَّفون مع عملائهم بِخِسَّة.»
سألته: «هل هذا هو السبب وراء عدم شرائنا الأشياء الصينية في رأيك؟ سوء خدمة العملاء؟»
أومأ برأسه موافقًا.
ارتبكتْ أفكاري. اعتقدت أننا قد أوضحنا هذا الأمر منذ أسابيع خلال مناقشتنا للسيوف البلاستيكية المضيئة، ولكن الآن يربط ويس بين مقاطعتنا للصين وهفوات مزعومة في خدمة العملاء الصينية. ومِن أين تعلَّم كلمة «عميل» على أي حال؟ أستطيع أن أقول — وبقناعةٍ شبه مؤكدة — إننا لم نناقش قط العملاء أو خدمة العملاء ونحن جلوس إلى مائدة العشاء. جورج بوش، وجورج فورمان، والطقس الحار، والأفلام الجيدة، ومشكلات القوارض، وحتى إقرارنا الضريبي؛ هذه هي الأمور التي كنا نناقشها على مائدة العشاء، وليست مسألة خدمة العملاء من بينها.
قلت لِويس في هذه اللحظة: «ليس صحيحًا أن الناس في الصين يتسمون بالخِسَّة.»
سألني: «لماذا إذن لا نشتري المنتجات الصينية؟»
كان تفسيري أخرق كالعادة.
قلت له: «نحن نحاول شراء أشياء من بلدان أخرى لأن الصين تصنع أشياء كثيرة والمصانع في البلدان الأخرى تحتاج لبيع منتجاتها أيضًا.»
فالتفت إليَّ مُضَيِّقًا إحدى عينيه ومغمضًا الأخرى وتساءل:
«هذا هو السبب في عدم شراء أي شخص للأشياء الصينية؟»
فكَّرت في إخباره بأن لا أحد تقريبًا «لا يشتري» أشياء صينية، لكني لم أكن متأكدةً من أنني ينبغي أن أُعقِّد الأمور بمحاولة توضيح هذه النقطة. أنقذني من هذه الحيرة رنين هاتف والدتي الصيني، الذي اندفع ويس إلى الداخل مسرعًا للرد عليه.
•••
كنت أزور الملعب الجديد في وسط المدينة للمرة الأولى وكان عليَّ الانتباه لما حولي. كان بناء الملعب الجديد هو أهم شيء حدث في مسقط رأسي، سان دييجو، منذ سنوات. ركض لاري ويلك — حفيد الموسيقِي الراحل لورانس ويلك — على أرض الملعب لتنفيذ أول رمية للكرة. دقَّقت في مظهره على شاشة الملعب الكبيرة. كان ممتلئ الجسم، داكن السُّمرة، يرتدي قميصًا دون كُمَّين، قميصًا كنت أشك أنه لجده. ظننت أنني ألمح شيئًا مألوفًا في مظهره.
وددت أن أستوعب المشهد على نحوٍ صحيح، بعينين مغرورقتين بالدموع وقلب مليء بذكريات مباريات الكرة في الماضي، لكن انتباهي تشتَّت بسبب الحروف المطبوعة على السطح الخارجي للعبوة الرابضة في حِجري؛ كانت العبوة تحوي مبرِّدًا بسحاب مصنوعًا من الفاينيل دفعتْ ثمنه أسرة ويلك للترويج لمنتجع تملكه شمال المدينة. كان حجم خط الحروف لا يقل عن بوصة؛ لذلك لم يكن من الممكن أن أغفل العبارة المكتوبة على العبوة: «صنع في الصين».
سألت كيفن: «هل تعتقد أنني يجب أن أعيد هذه مرةً أخرى؟» كنا قد استقررنا في مقاعدنا وكان بالفعل قد فتح مُبرِّده المجاني، وفحص محتوياته ليُرضي فضوله، ووضعه تحت مقعده.
رد قائلًا: «احتفظي به. أنا أحتفظ بالمبرِّد الخاص بي.»
فقلت له: «ولكن انظر إلى العبارة.»
حاولت أن أُرِيَه ملصق «صنع في الصين»، لكنه أشاح بذراعه. كان مشغولًا بمضايقة مشجعي سينسيناتي بمقاطعة تشجيعهم، وشرب البيرة.
حاول أخي الأصغر — الذي كان يجلس بجانبي من الناحية الأخرى — مساعدتي بقوله:
«أعتقد أنكِ يجب أن تحتفظي به لأنه هدية. أنا اشتريت التذاكر؛ لذلك فإن التذاكر كانت هدية، وجاء المبرِّد مع التذاكر؛ من ثَمَّ فإنه هدية أيضًا. أعتقد أنكِ يمكن أن تحتفظي به بضميرٍ مستريح.»
أخي شخص طيب، لكني لست متأكدةً للغاية من أن هذا المبرِّد هدية. إنه حتى لم يكن ملفوفًا كهدية. وكان يمكنني رفضه عند البوابة، حيث دفعتْه فتاة متحمسة من أصول لاتينية في يدي وأنا أجتاز الباب الدَّوَّار.
قالت لي: «أتمنى لكِ عيد ميلاد سعيدًا.»
وألقت بواحد لكيفن ورائي قائلة:
«عيد ميلاد سعيد.»
في هذه اللحظة، وأنا أنظر إلى العلبة الموجودة في حِجري، تخيَّلت نفسي أسير إلى بوابة الدخول وأُعيد المبرِّد المجانيَّ إلى الفتاة. سأغطي ملامح وجهي بملامح حزينة ملائمة قبل أن أسلمها المبرِّد الذي لم يُفتَح وأقول شيئًا على غرار: «آسفة، لا يمكنني قَبول هذا المبرِّد الصيني المجاني من عائلة ويلك. إنها مسألة تتعلق بقرار العام الجديد، الذي بدأت أشعر بالندم عليه في هذه اللحظات. شكرًا على كل حال.»
توقفت عن التخيُّل قبل أن أُضْطَرَّ لمشاهدة ما كان سيحدث بعد ذلك؛ فمن المؤلم للغاية تخيُّل ما قد تقوله هذه الفتاة إذا حاولتُ إعادة المُبرِّد، ولكني أراهن أنها سوف تنطق ببعض الكلمات النابية، ولن تتلعثم ولو لحظة؛ فهي ليست من نوعية الفتيات التي قد تطيق الأغبياء، كنت أستطيع رؤية ذلك من فوري. كلا، ما من سبيلٍ لإعادة المُبرِّد الصيني إذا كانت إعادته تعني مواجهة تلك الفتاة.
بعد ذلك، فكرت في خيار «التظاهر بنسيان» المُبرِّد الموجود تحت مقعدي بعد أن تنتهيَ المباراة، أو إقحامه بين الشجيرات الموجودة في طريق الخروج لكي يجده شخص آخر، ولكن بدا لي هذا غير مُرضٍ، وبطبيعة الحال، ما زالت توجد مشكلة مُبرِّد كيفن الصيني، الذي لن يتخلى عنه أبدًا.
إضافة إلى ذلك، راق لي مُبرِّدي الصيني. تصحيح: أحببت مُبرِّدي الصيني. كان الجانب الخارجي مُزَينًا برسم توضيحي تفصيلي بالألوان لميناء سان دييجو، يشمل الملعب الجديد وأبراج الشقق والمكاتب المحيطة به التي تلوح في الأفق. كما أنه متقن الصنع للغاية، وإن كان أيضًا شديد الابتذال. يمكننا ملء هذا الشيء بالجعة ورقائق البطاطس وقضاء أوقات رائعة على الشاطئ، ابتداءً من غد.
رغم ذلك، أشعرتْني فكرة الاحتفاظ بالمُبرِّد بالضِّيق. لقد تحايلت على قواعد المقاطعة من قبل — أقسم أننا كسرناها علنًا ما لا يقل عن ثلاث أو أربع مرات — ولكنني أشعر أنه عند نقطةٍ معينة عليك أن تكون جادًّا وتبدأ الامتثال للقواعد إذا كنت تهتم من الأساس بالقيام بالمقاطعة. أجريت في ذهني مراجعة سريعة لانتهاكاتنا للمقاطعة حتى هذه اللحظة: اليوسفي الصيني، وحوض السباحة غير الشرعي في عيد ميلاد كيفن، وملصقات الأسماك، وفُرَش التلوين، فضلًا عن المكاسب غير المشروعة التي دخلت المنزل وفق قاعدة الهدايا خلال المقاطعة. والآن توجد مسألة المُبرِّد الصيني، الذي لا يتفق تمامًا مع فئة الهدايا، بصرف النظر عما يقوله أخي الأصغر.
التفتُّ إلى كيفن. كان قد صعَّد من إساءاته لسينسيناتي وبدأ في اجتذاب نظرات الأشخاص الجالسين حولنا، وشجَّعتْه نظرات تقدير.
فصرخ بعد أن وصل فريق سينسيناتي للقاعدة الأولى باستحقاق: «أيها الغشاش!»
كنا نجلس في صف المقاعد العلوي من الاستاد، فكان على كيفن حقًّا بذل قصارى جهده لو كان هناك ولو بارقة أمل في انزعاج مشجعي سينسيناتي من كلماته؛ بالفعل لم يدَّخر كيفن جهدًا. كما كان قابضًا أيضًا على سلةٍ مليئة بقطع الناتشو، وخدع أخي ليشتريَ له جعة ثانية، وأقام صداقة مع الطالب الفرنسي المذهول الجالس بجانبه الذي كان يدرس في أمريكا ضمن برنامج تبادل طلاب تابع للمدرسة الثانوية. بعبارةٍ أخرى، كان يُمضي وقتًا رائعًا وأنا أمسك المُبرِّد الصيني بيدٍ رطبة، وأُكلِّف نفسي تعب القلق بشأن المقاطعة. لم أتابع نتيجة المباراة. ولم أكن منتبهةً عندما بدأ الجميع في القيام بحركة الموجة وأغفلت دوري ووقفت متأخرةً للغاية. وأصابتْني قطع الناتشو بمغص.
وددت لو أقول إن هذه الظروف كانت استثنائية، ولكن الحالة ليست كذلك. لقد تكرَّر هذا المشهد بصور مختلفة آلاف المرات على مدى سنوات زواجنا: ينتصر كيفن على حشدٍ من الغرباء بالسخرية منهم بصوتٍ عالٍ، وأتقوقع أنا في مقعدي على أمل ألا يلاحظوا وجودي.
وحين ساد الهدوء لفترة، وقفت واستدرت لأنظر خلفي عبر حافة الملعب. يوجد خارج الملعب حي صناعي ممتلئ بالمستودعات وخطوط السكك الحديدية، وأستطيع أن أرى وراءه اللون الأزرق الداكن لخليج سان دييجو. وسمعت بعيدًا عن الحشد جرس إشارة المرور بينما مرَّ قطار بطيء على القضبان. لم أعرف إلى أين يتجه، أو ماذا يوجد في عرباته، ولكن هذا لم يمنعني من التوصُّل إلى استنتاج سريع حول ما يحمله. المزيد من الأشياء الصينية.
التفتُّ وألقيت نظرةً أخرى على كيفن. كان سعيدًا في هذه اللحظة، ولكن غدًا صباحًا، عندما يصبح الحشد وقطع الناتشو ذكريات، سوف تعود عباراته المريرة التي بات يُردِّدها في الأيام الأخيرة من جديد. سوف ينتقدني على ثلاث جرائم في العطلة مرتبطة بالمقاطعة. لا بنادق مائية، ولا نظارة شمسية لِويس، ولا شبشب لقدميه. لقد كنت أماطل على الجبهات الثلاث، غالبًا من خلال تجاهله، ولكن يبدو لي أن جدوى هذه الاستراتيجية تقلُّ يومًا بعد يوم.
نَفِدَت مني الخيارات. ونَفِدَ صبر كيفن.