أحلام الصين
أحضر ويس لي قلمًا وورقة وأخبرني أنه حان وقت كتابة قائمة هدايا الكريسماس الخاصة به ليُقدِّمها إلى بابا نويل. لا يزال أمامنا أربعة أشهر حتى موعد الكريسماس؛ فهواء منتصف النهار المتوهِّج في خارج المنزل يمكن أن يُذيب ثورًا. ولكن ويس لن يخاطر بأن يغفل بابا نويل عما يدور في خلده.
كانت قائمة طويلة وسرعان ما لم أستطع إخراجها من ذهني. ألصقها ويس على الجزء الأمامي من الثلاجة بمغناطيس لكي أتذكَّر رغباته غير المحقَّقة من الألعاب في كل مرةٍ أُحضِر فيها الحليب. وينزعها كل يومٍ أو يومين ويطلب مني أن أُضيف شيئًا جديدًا. وحتى ذلك الوقت، لم يبدُ أي بند فيها واعدًا، بمعنى أن جميعها تقريبًا تبدو صينية.
نزعتُ الورقة عن الثلاجة في يومٍ ما وتحققتُ سريعًا من بلاد المنشأ المحتملة للبنود المدرجة على قائمته حتى الآن:
سيارة إطفاء؟ على الأرجح صينية.
صانعة مثلجات؟ بالتأكيد صينية.
حقيبة ظهر عليها بطل خارق؟ صينية.
أدوات بطل خارق داخل حقيبة الظهر؟ صينية.
صندوق غداء؟ أفضل رهان، صينية.
يويو؟ صينية.
سمكة قرش طائرة؟ صينية.
إنسان آلي أزرق، بالإضافة إلى كل الألوان الأخرى، أيضًا؟ صيني.
دمية محشوة على شكل دب؟ صينية.
سيف مضيء؟ صيني. تحققت من ذلك، أكثر من مرة.
أصابتني القائمة بالخوف من البداية. ثم أضاف ويس بندًا جديدًا: أدوات رجل شرطة.
أخبرني قائلًا في ذات ليلة: «أحتاج إلى أصفاد، حقيقية، وأيضًا شارة وقبعة ضابط شرطة، وحبل وخطاف معدني وشيء أُدوِّن فيه.» ثم كرَّر ما كان يراه بندًا أساسيًّا: «وبعض الأصفاد، الحقيقية.»
بدا كل طلب وكأنه مسمار في نعشي، خاصةً الأصفاد، فلا يلزم أن يخبرني أحد أين تُصنع الأصفاد البلاستيكية.
•••
لا أحب أن أعترف بذلك، لكني وجدت نفسي أُفكِّر في المقاطعة بعد يومين من ضرب إعصار كاترينا ساحل الخليج، وبعد أن أصبح واضحًا لنا ولكل شخصٍ آخر أن الإعصار كارثة بحجمٍ لا يمكن تصوُّره.
في صباح اليوم التالي للعاصفة كنت في المتجر لشراء ألعابٍ لأطفالٍ في ملاجئ الطوارئ في بلدتنا الواقعة على بُعد ٨٠ ميلًا من نيو أورليانز. في معظم أنحاء البلدة، مرَّ يوم الإعصار كيومٍ عاصف شديد الرياح لا أكثر. كانت العاصفة قد أدَّت إلى انقطاع الكهرباء في وقتٍ مبكر، فانتظرنا في الحرِّ أن تسوء الأوضاع، لكن شيئًا لم يحدث، فبقينا بعيدين عن النوافذ، وكان الكلب عصبيًّا. انتهى أسوأ ما في الأمر في غضون ساعات قليلة، وخرج الجيران من منازلهم لبدء تنظيف أفنيتهم. وكنا نظن كما لو أننا تفادينا رصاصة الموت.
بدأت اللقطات السريالية في اليوم التالي تُبَث على شاشات التليفزيون وبدأتْ بلدتنا تمتلئ بأشخاص مشردين من نيو أورليانز.
كانت الرحلة إلى المتجر هي أول رحلة لي خارج المنزل منذ ضربتْنا العاصفة. أحضرت كتب تلوين ماليزية، وألوانًا شمعية أمريكية، وجوارب نسائية أمريكية، وعدة زجاجات من لعبة الفقاعات «مستر بابل»، التي يقول ملصقها الجاد إن سائل الفقاعات مصنوع في المكسيك، والزجاجة البلاستيكية التي تحتويه مصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية. كما أحضرت بعض الحفَّاظات وطعامًا للرُّضَّع للتبرُّع بها، وكانت الحفَّاظات والأطعمة أمريكية الصنع أيضًا.
أثناء وقوفي في طابور الدفع بدأت أشعر بانزعاج ٍحيال ما أفعله؛ لم يكن الأمر يقتصر على مجرد الشعور بقليلٍ من الإزعاج؛ لقد كنت هنا من أجل الأطفال النازحين، لكن حالتي المزاجية قوَّضت أي فضيلةٍ في أفعالي. كنت لا أزال أفكر في المقاطعة؛ مما كان يوحي أنني لست شخصًا جادًّا، أو ربما حتى لست لطيفةً للغاية. كنت أودُّ أن أرى نفسي شخصًا ينسى أمر ملصقات المنتجات في خضم هذه الفوضى والحزن الناجمَين عن أحداث الأيام القليلة الماضية، ولكن مقاطعة الصين بقيت معي وأنا أتجوَّل في المتجر وأملأ سلة المشتريات بأشياء للملاجئ.
وأنا أنتظر في الطابور، تساءلت عما كان سيتطلبه الأمر كي أنسى المقاطعة. هل سأظل أتفحَّص ملصقات بلد المنشأ إذا تُوفِّي شخص أعرفه وكنت في حاجةٍ إلى فستان أسود لحضور جنازته؟ هل سيوجد فرق إذا كان المُتوفَّى أحد أقاربي، أو مجرد صديق؟ لا أستطيع أن أُصدِّق أني أفكر في هذا، وحاولت التوقف ولكني وجدت أني لا أستطيع مقاومة الإجابة عن السؤال الذي طرحتُه على نفسي. لا، لا يمكن أن أكون بهذه السطحية. وقلت إنني بالتأكيد سأتجاهل أي أفكار بشأن المقاطعة في حال وقوع مأساةٍ شخصية. على الأقل، آمل في هذا. بالتأكيد شعور انفطار القلب سيتغلب على تلك التجرِبة البسيطة مع العولمة. سيحدث هذا تلقائيًّا، دون جهد، أليس كذلك؟ أنا واثقة من أنه سيحدث؛ أكاد أكون متأكدة. أعتقد أنني لا يمكن أن أكون متأكدة، وأرجو ألا أُضطَر لاكتشاف ذلك أبدًا.
حاولت مرةً أخرى أن أدفع عن ذهني هذا الجزء الشنيع من التحليل الذاتي، لكن القيام بهذا صعب لأن الطابور كان طويلًا وبطيئًا وما يزال لديَّ وقت طويل. لست متأكدةً أنني مررت فيما مضى بما يمكن تسميته أحسن الأوقات، لكني مررت بأوقات أفضل من هذا الوقت.
ربما كنت على خطأٍ في استنتاجي السَّمْحِ بشأن أساسيات آداب سلوكي البشرية؛ فعندما اتصلت بأمي قالت لي إنها اشترت ٦٠٠ زوج من الملابس الداخلية للتبرُّع بها للنازحين. سألتها إن كانت قد نظرت في مكان صنعها.
أجابت قائلةً: «لم أفكر في فحصها. لم يخطر ذلك على بالي.»
إنها «بالطبع» لم تفكر في فحصها و«بالطبع» لم يخطر ذلك على بالها؛ فهي لا تفكر في مقاطعة الصين، التي لا تنطبق قواعدها عليها على أي حال؛ فهي تفكر في الأشخاص البائسين الذين فقدوا كل شيء، وهو الشيء الوحيد الذي ينبغي أن أُركِّز عليه أنا أيضًا. يمكنك أن تكون على يقينٍ أيضًا من أن والدتي ليست من النوع الذي كان سيستمر في فحص البطاقات التجارية للمنتجات، لو أنها كانت تقاطع الصين وتُوفِّي أحد معارفها وكانت في حاجةٍ إلى ثوب لحضور الجنازة.
فحصت والدتي البطاقات التجارية من أجلي، ثم اتصلت بي مرة أخرى وقالت:
«إنها مصنوعة في هندوراس على الأغلب. مع ذلك، أعتقد أنه يوجد بعض منها أمريكي أيضًا.»
شعرت بالاشمئزاز من نفسي مرةً أخرى عندما أخبرتْني بهذا؛ لأنني أدركت أنني شعرت بشيءٍ من السعادة غير الملائمة على الإطلاق حين علمت أن والدتي اشترت للتو ٦٠٠ زوج من الملابس الداخلية غير الصينية.
•••
رأيت حلمًا بدا كما لو أنه يدور حول وول مارت، ولكنه في الحقيقة كان يدور حول مقاطعة الصين.
السبب في أنني كنت واثقة من أن حلمي يدور حول المقاطعة وليس حول وول مارت هو أنني لست قلقةً حقًّا حيال الانهزام أمام وول مارت، في حين أن التمسُّك بالمقاطعة يبدو غير مؤكدٍ أكثر من أي وقتٍ مضى. شعرت في حلمي أنني أواجه عملاقًا وغير مهيأةٍ للقتال، لكنني في الواقع لا أعتبر نفسي مجردة من الأسلحة في معركتي ضد وول مارت؛ فألقيت نظرةً طويلة المدى على هذه المسألة؛ ففي يومٍ ما، تلك النزعة الغامضة لدى شركة وول مارت نحو «الأسعار المنخفضة» ستعود عليها بعواقب وخيمة وستنهار الشركة على غرار شركة إنرون. ربما يستغرق ذلك أربعين عامًا، ولكن في النهاية، سأكون أنا من يضحك أخيرًا. وسيكون ذلك موتًا بطيئًا؛ لننتظرْ ونرَ.
أما تجنُّب البضائع الصينية للفترة المتبقية من السنة فإنه أمر آخر.
وفي هذه الحالة، ربما هممت بأمرٍ أكبر مما أستطيع تحمُّله، لا سيما ونحن نقترب من الكريسماس، الذي يُمثِّل ذروة مبيعات المنتجات الصينية خلال العام. بدأت القلق حيال المقاطعة كل صباح ريثما أتناول فنجان قهوتي وأداوم على القلق حتى وقت النوم. والآن أصبحت المقاطعة تطاردني في نومي.
رأيت في الحلم أنني موجودة في وول مارت قبل الكريسماس ببضعة أيام. أجفلتُ تحت الأضواء وحاولتُ الابتعاد عن طريق الأشخاص المندفعين عبر الممرات مع عربات تسوُّق تكدَّست صناديق المنتجات الصينية فيها في أكوام مرتفعة. كانت الحشود هائجةً ولا تهدأ. وكان الناس المنتظرون في طابور طويل يهجمون على علب شوكولاتة العيد الموضوعة على طاولة عرض بجانب الطابور. كانوا يقضمون الشوكولاتة ويعيدون النصف الباقي إلى الصناديق. ولسبب ما كنت أبحث عن مدير المحل — السيد جوشوا — ولكن لم يستطع أحد أن يخبرني أين أجده. على بُعد عدة ممرات، في منتصف المتجر، رأيت سيرًا متحركًا يحمل علبًا ذهبية اللون إلى الطابق الثاني. مشيت إليه، ونظرت حولي لأرى هل يراني من أحد، ثم تسلقت على السير المتحرك. حملني إلى الطابق العلوي عبر فتحةٍ مربعة في السقف المُبلَّط إلى مكتبٍ باهتٍ مكسوٍّ بألواح من خشب البلوط. ظهرت حارسة أمن من كنف الظلام عندما نزلت عن السير، وخطوتُ على سجادة لونها عُنَّابِي.
قالت الحارسة في الحُلم بصرامة: «هذا مكتب السيد جوشوا؛ ليس من المفترض أن تكوني هنا.»
والشيء التالي الذي أعرفه هو أنها وجَّهتْني مرة أخرى إلى السير المتحرك، الذي عُكِسَ اتجاهه وأصبح يتجه الآن نحو الطابق السفلي. تسلقت وركبت عليه. وفي الأسفل، كان ينتظرني اثنان من حراس الأمن. كان الناس قد ازدادوا في طابور الدفع في ذلك الوقت، وكانوا أكثر عصبيةً من ذي قبل. وكثر المتسوِّقون المنقضُّون على علب الشوكولاتة. كان ذلك السلوك يبدو وكأنه مشارفة على ارتكاب أعمال شغبٍ في المتجر، أو كأنه انهيار نهائي لمجتمعٍ متحضر دفعةً واحدة، ولكن لم يبدُ أن حارسَيِ الأمن كانا يكترثان لأكل الشوكولاتة غير المشروع. كانا يركزان عليَّ، وكانت أعينهم تفيض بالازدراء. أردتُ أن أصرخ قائلة «أنا لست المجرمة هنا!» ولكن عندما فتحتُ فمي لم يخرج أي صوت. أمسك أحد الحارسَين ذراعي وسحبني نحو باب الخروج. انفتحت الأبواب الأوتوماتيكية على ظلام دامس. دفعني الحارس للخارج، وتعثَّرت واقعةً في المجهول، ولوَّحت بذراعيَّ لحماية نفسي من المخاطر المستترة في جُنْحِ الفراغ المظلم أمامي.
فتحت عينيَّ وحدقت في عتمة غرفة النوم، قلقةً من الخلود مرةً أخرى إلى النوم.
كما أشار الحلم، كنت قلقة، لسبب وجيه.
خذ مثلًا قائمة ويس لهدايا الكريسماس، التي تزيدني إحباطًا يومًا بعد يوم؛ فمنذ بضعة أيام طلب مني إضافة شاحنة ضخمة وصافرة وخزانة. وأنا أضيف هذه العناصر إلى القائمة كنت أُكرِّر كلمة واحدة لنفسي: «الصين، الصين، الصين.»
بدأت منشورات العيد التسويقية في الوصول إلى صندوق البريد. وكما هو متوقَّع، كانت مليئةً بالأغراض الصينية، رغم أن الشركات صاحبة المنشورات التسويقية لا تحب الاعتراف بذلك. اتصلت بشركةٍ صاحبة منشور تسويقي لزينة العطلة للسؤال عن مفرش مائدة ذي رسومات تُعبِّر عن عيد الشكر وفُرُش على شكل ديك رومي من الفينيل لوضع الأواني الساخنة عليها التي يصفها المنشور التسويقي بأنها «مستوردة». أخبرني ممثل خدمة العملاء أن كليهما مصنوع في الصين، وهي المعلومات التي بعثت في نفسي راحة؛ لأنها إن لم تكن كذلك كنت سأُغرى بشرائها وآخر شيءٍ يحتاجه هذا المنزل هو المزيد من الأشياء التافهة، لا سيما أي كراكيب على شكل ديوك رومية.
في متجرٍ كبير لأدوات الأعمال الحرفية وجدتُ أشجار كريسماس صينية صناعية بطول ست أقدام معلقةً عليها بالفعل كراتُ تزيينٍ صينيةُ الصنع. وكان يوجد بجانب الأشجار تمثال صيني ضخم للغاية من البلاستيك لسانتا كلوز ربما يثير الرعب في نفوس الأطفال. وعددت صفوف زينة الكريسماس الصينية. خمسة عشر صفًّا مزدوجًا بارتفاع اثنتي عشرة قدمًا.
قَوَّيْتُ عزيمتي بتشجيعٍ من مصادر غير متوقَّعة؛ فشعار علامة نايكي التجارية يقول لي: «افعليها وحسب.» ونصحني ملصق لمُمتصِّ الصدمات في السيارة قائلًا: «يوم في العمر.» وقلت لنفسي: «اغتنمي الفرصة.» وحاولت ألا أتعرقل في أفكاري حول فترة الأعياد.
من الصعب ألا أَعلَق في هذه الأفكار لأن كل شيء حولي يُخبرني أن الكريسماس يقترب. بدأت صوفي وضعَ قائمتها لسانتا. كانت القائمة تضم خمسة بنود، هي: إنسان آلي مقاتل أزرق اللون، والقطار توماس، ولعبة أدوات المطبخ، وكلب أزرق اللون، وعربة طفل. كانت بنود قائمتها من البنود الصينية مثل قائمة أخيها.
حتى والدتي لم تكن لتسمح لي بنسيان ما ينتظرني في المستقبل.
فقد سألتني ذات ليلة: «ألم تبدئي التسوُّق من أجل شراء لوازم الكريسماس؟ لقد انتهيتُ من التسوق تقريبًا.»
قلت لها: «لقد بدأت القلق بشأنه ولكن هذا أقصى ما فعلتُه حياله.» ثم أضفت: «أنا أعمل على نحوٍ أفضل تحت الضغط.» على الرغم من أن هذا ليس صحيحًا.
اتصلَت امرأة شابة من شركة لخدمات التليفزيون ذات الاشتراك الخاص لتقول إنهم يُقدِّمون خدمة التليفزيون الكابلي مقابل دولارين، ثم يسمحون لنا بالاستمتاع بأربعة أشهر من الخدمة بنصف الثمن. بدا لي عرضها غير حقيقي من فرط روعته، وهو ما تَبيَّن صحته؛ فعندما وصل موظف التركيب، قال إن مصاريف التركيب ٧٥ دولارًا، وتساءل عن السبب في اعتقادي أنهم ينبغي أن يمنحونا خصمًا لأربعة أشهر من الخدمة. واتضح أن أخباره السيئة كانت في مصلحتنا؛ فخلال حوارنا المرتبك في غرفة المعيشة، ألقيت نظرة سريعة على الشريط الذي يربط الكابل الذي يحمله عند ردفه. كان مكتوبًا عليه «صنع في الصين». وكانت نتيجة هذا اللقاء هي أننا لم نحصل على خدمة التليفزيون الكابلي وأدركت أيضًا أنني ليست لديَّ قاعدة في المقاطعة تتعلق بالتعامل مع عمال الإصلاحات المنزلية وغيرهم ممن يتعاملون في مهنتهم مع الأدوات الصينية.
جذبَت المقاطعة انتباهَ واحدةٍ من السيدات في مدرسة الأطفال التمهيدية. وأخبرتْني أنها بدأت في التحقُّق من البطاقات التجارية الملصقة على أحذية صوفي وملابسها للتأكُّد من أنها ليست من الصين. وأوضحت أنها لا تعتقد أن قضاء عام دون منتجات صينية أمر ممكن، أو معقول.
وأضافت: «سوف تخطئون، وعندما تفعلون، سوف تعرفون ذلك مني.»
فقلت لها: «لن يحدث ذلك. وبالمناسبة، يمكنها أن تحصل على أشياء مستعملة من بنت عمتها، فهذا لا يخالف القواعد.»
فقالت: «هذا عادل بما فيه الكفاية.»
كانت صوفي تُشبه كلب الراعي الإنجليزي بدرجةٍ متزايدة؛ حيث لم تكن قادرةً على الرؤية عبْر ستارة الشعر التي تُغطي وجهها.
«إن شعرها ينمو إلى الأمام، إنها بحاجةٍ إلى مشبك للشعر.» هكذا أوضحت مصففة الشعر الخاصة بنا، بعد أن قصَّت شعرها؛ الأمر الذي لم يُفِدْ كثيرًا.
ومشابك الشعر تأتي من الصين.
تتمتع صوفي بإدراكٍ جيد يجعلها قادرةً على مساعدة نفسها؛ فبعد عودتنا إلى المنزل من إحدى الحفلات، اكتشفت مشبكًا مُعلَّقًا في يدها. لا بد أنها وجدتْه على الأرض في منزل أصدقائنا. لم أعرف أي فتاة صغيرة فقدته، وأهملت الاتصال لمعرفة ذلك بنحوٍ جعلني أشعر بالإحراج. في الأيام القليلة التالية ربطتُ شعر صوفي بسعادةٍ على شكل نافورة فوق رأسها. واستطاعت أن ترى بوضوحٍ للمرة الأولى منذ أسابيع.
فقدنا مشبك الشعر في غضون أيام. واختفى وجه صوفي مرةً أخرى وراء ساتر من الشعر الأشقر.
•••
بعد حوالي أسبوع من حُلم وول مارت رأيت حُلمًا آخر حول المقاطعة. حلمت هذه المرة بأنَّ راكب الأمواج الشهير ليرد هاميلتون يعطيني دروسًا في ركوب الأمواج في المياه الفضية قبالة سواحل هاواي. ربما يشير الشخص العاقل إلى أن هذا الحلم أيضًا لا علاقة له بالمقاطعة. والحلقة الأضعف من بين الأشخاص الذين غفلوا عن الرابط.
كنت أُدرك العلاقة أكثر من غيري على غرار حُلم وول مارت.
قال كيفن وهو يتناول القهوة في الصباح التالي: «ركوب الأمواج مع ليرد هاميلتون، يا لها من مفاجأة! أستطيع أن أقول إن هذا يُمثِّل تقدمًا بالنسبة إلى حلمك بدونالد رامسفيلد بالتأكيد.»
أخذت نَفَسًا عميقًا لكي يكون لديَّ ما يكفي من الهواء لأُفهِم كيفن الوضع.
ثم قلت: «ألا ترى؟ لم يكن حلمي يتمحور حول ركوب الأمواج مع ليرد هاميلتون، بل كان يتمحور حول مواجهة الاحتمالات المستحيلة؛ فإن ليرد هاميلتون تغلَّب على موجات طولها ٤٠ قدمًا كان ينبغي أن تقتل أي بشري. موجات عملاقة في حجم المباني. موجات كان يمكن أن تكسر رقبته أو تسحقه على الشعاب المرجانية تحت الماء إذا خطا خطوة واحدة خاطئة. هذا هو بيت القصيد. إنه يفعل المستحيل. إنه يتغلب على عمالقةٍ ويعيش ليحكيَ عن ذلك. ومن المفترض أن أتغلب أنا أيضًا على عملاقٍ من خلال النجاح في عبور فترة الأعياد دون شراء أي شيءٍ من الصين.»
بدا كيفن متشككًا.
ثم أضاف: «ربما أنكِ معجبة بليرد هاميلتون. يمكنكِ أن تعترفي بذلك. هذا لا يزعجني.»
هززت رأسي نفيًا وقلت:
«جميع النساء معجبات بليرد هاميلتون. هذا أمر بديهي. لكن هذا الحلم كان شيئًا آخر. كان هذا الحلم «رسالة».»
مطَّ كيفن شفتيه في إشارةٍ إلى عدم إيمانه بالرسائل الكونية وتَصوُّره — حتى هذا الصباح — أنني لم أكن أومن بها أيضًا.
ثم استطرد قائلًا: «حسنًا، إذا كان هذا ما تعتقدينه.»
تجاهلتُ تشككه. ما لا يدركه الحلقة الأضعف هو أن الأمور بدأت تتحسَّن فجأةً فيما يتعلق بالمقاطعة؛ فقد بدأتُ أرى بصيصًا من نورٍ يتخلل الستار المظلم الذي اكتنف نظرتي لموسم الأعياد القادم. جعلني حُلم ليرد هاميلتون أجلس وأنتبه إلى سلسلة الانتصارات الصغيرة التي كنتُ قد أغفلتها، بدءًا من اليوم الذي جلب فيه كيفن للمنزل كيسًا من قطع الفلين البرتغالية لكي يستطيع هو والأطفال صنع صواريخ منزلية الصنع من الزجاجات باستخدام الخل وصودا الخبز. وأطلقوا قطع الفلين حتى ارتفاع ثلاثين قدمًا في الهواء؛ مما أثار حالة عالية التأثير من المرح لا تخلقها عادة سوى الألعاب النارية الصينية.
كانت قطع الفلين البرتغالية مجرد بداية. توقفتُ عن تضييق عينيَّ وأخذت نظارة كيفن الخاصة بالتزلج على الجليد. قررتُ أن أحافظ على كرامتي عندما أكون واقفةً في إشارة مرور ويحدق الناس في وجهي. كنت أتظاهر بأنني لا ألاحظ نظراتهم وأُبقي عينيَّ على الإشارة.
وصلتْ خراطيش الطابعة التي لا تحمل علامة تجارية. كان مكتوبًا على صندوق الورق المقوَّى «صنع في الولايات المتحدة الأمريكية» ولكني خشيت أن الصندوق ربما يكون هو فقط المصنوع محليًّا. ينبغي أن أتصل بالشركة مرةً أخرى لأعرف هذا على نحوٍ مؤكَّد، ولكن بطريقةٍ ما لم أجد وقتًا لذلك. بدلًا من هذا، فعلت ما لا بد أن ليرد هاميلتون يفعله عندما يوجِّه لوح ركوب الأمواج نحو موجةٍ متوحشة يمكن أن تقتله؛ «التفكير بإيجابية». قررتُ أنني سأُصدِّق ما يقوله لي صندوق الورق المقوى: إن محتوياته مصنوعة في الولايات المتحدة الأمريكية. سوف أثق في بائع متجر فينيكس الذي قال لي إن الخراطيش مصنوعة في إلينوي، وليست مجمعةً هناك فحسب. سوف أثق في حُسن حظي ولن أنظر إلى الوراء أبدًا. «سأُصدِّق»، وفي الأيام التي لن أستطيع فيها ذلك، على الأقل سوف أواجه ظل الموجة المتوحشة من خلفي بحالةٍ من الإنكار.
بعد أن رفضتْ صوفي مهاراتي في الخياطة في الماضي، طلبتْ على نحوٍ غير متوقَّع أن أصنع لها تنورة قصيرة. اشتريت شريطًا مكسيكيًّا وقماش تول أمريكيًّا من متجر أدوات الأعمال الحرفية، وفي غضون عشر دقائق كنت قد انتهيت من التنورة. وشاهدتها تلفُّ في أنحاء الغرفة، مرتديةً تنورتها فوق سروالٍ من الجينز الأزرق.
حتى المنشورات التسويقية المليئة بالبضائع الصينية لم تَعُدْ تخيفني كما حدث في الأسبوع السابق؛ فوجدت ويس يُقلِّب صفحات منشور تسويقي يحتوي على مئات من أزياء الأطفال لعيد الهالوين معظمها مستورد؛ وهو ما يعني بالنسبة إليَّ أنها مصنوعة في الصين. وتوقَّف عند صفحةٍ تَعرض زي شرطي مكونًا من عشر قطع يأتي مع دفتر مخالفات، وأصفاد، وصافرة، وغيرها من ملحقات قوات تنفيذ القانون. اسْتَبَقْتُ ويس قبل أن يُتاح له وقت لبدء التوسُّل إليَّ قائلة:
«هذا العام سيكون عيد الهالوين مميزًا؛ فهذا العام سوف أخيط زيك بنفسي. أعتقد أنك سوف تبدو وسيمًا في رداءٍ كعباءة دون كُمَّين، مثل مصاص دماء أو ربما أمير.»
نظر ويس إليَّ وفتح فمه، ولكني غادرت الغرفة بسرعةٍ قبل أن يتمكَّن من الاعتراض.
بالحديث عن الاعتراضات، لقد توصلت أيضًا إلى استراتيجيةٍ للوقاية من المزاعم المستقبلية المحتمَلة من ويس بأن الكريسماس فاشل بسبب المقاطعة، وهي احتمالية بارزة نظرًا لوفرة البنود الصينية في قائمته لسانتا. استراتيجيتي بائسة، وأعترف بهذا، ولكني أظن أنها ستنجح. وعدتُ ويس وصوفي أن بإمكانهما اختيار ثلاث لُعَب في أول يوم من العام الجديد، عندما تكون مقاطعة الصين قد انتهت رسميًّا.
قلت له: «ثلاثة أشياء. أيًّا كان ما تريده. أعدك أنني لن أنظر حتى في البطاقات التجارية للتحقُّق من مكان صناعتها.»
فسألني: «ثلاث لُعَب؟»
«ثلاث لُعَب.»
أراد أن يحصل مني على تأكيدٍ على هذا الشأن.
فسألني: «أي ثلاث لُعَب؟»
بدأت أفقد أعصابي؛ فقلت:
«لا أشياء باهظة الثمن.»
فأراد أن يعرف: «ألعاب صينية؟»
فقلت مؤكِّدة: «ألعاب صينية، ألعاب مكسيكية، ألعاب مصرية، أي نوع من الألعاب. ثلاث ألعاب.»
وردت أنباء سيئة عن وول مارت، وهي أخبار جيدة بالنسبة إليَّ. قرأت أنه يواجه دعوى قضائية بشأن انتهاكات مزعومة لحقوق العمال في مصانع مورِّديه في الخارج. وكما قلت من قبل، عندما يتعلق الأمر بزوال وول مارت، سيكون ذلك أشبه بالموت البطيء. إنها فقط مسألة وقت.
•••
في ليلة جمعة في منتصف سبتمبر استعنَّا بجليسة أطفال للعناية بالأطفال. لم نخرج لتناول العشاء ومشاهدة فيلم؛ إنما توجَّهنا إلى الطابق العلوي، إلى العِلِّيَّة، لإصلاح سطح المنزل.
سمعنا دويًّا غامضًا لاصطدامٍ بالمنزل خلال الإعصار ولكننا لم نعرف ما تَسبَّب به حتى ذلك اليوم. اتضح أن العاصفة أزالت غطاءً معدنيًّا كان يمتدُّ على طول الجزء العلوي من المنزل؛ مما ترك فجوة بعرض ثلاث بوصات وبطول حوالي خمس عشرة قدمًا في أعلى نقطةٍ من السطح. كان الجو جافًّا في معظم الأيام التي تلت العاصفة؛ لذا لم ندرك وجود مشكلةٍ حتى هذا اليوم، أثناء هطول الأمطار. عندما دخلتُ غرفة نوم ويس اكتشفتُ وجود مياه متسربة عبر مصباح. اتصلنا بعدد من بَنَّائي الأسقف، لكنهم كانوا مشغولين في مشاريع أكبر؛ لذلك كان علينا ترقيع الجزء المتضرِّر إلى أن يتمكنوا من القدوم إلى هنا خلال أسبوع.
كنت أشعر باضطرابٍ وقلقٍ في معدتي وأنا أتبع كيفن على السلم المثبَّت في خزانة ملابس صوفي إلى العِلِّيَّة؛ وهي منطقة مظلمة مهجورة رطبة مليئة بالأسلاك الكهربائية ومادة عازلة وردية متعفنة. كان كلٌّ منَّا مضطرًّا للزحف على يديه وركبتيه لأن المساحة ضيقة جدًّا. وكانت يداي تضغطان على الأسلاك التي تتقاطع مع المادة العازلة. كنت قلقة من أن أُصعَق بالكهرباء. وحاولت عدم التفكير في الجرذان.
في مرحلةٍ ما، كنت مضطرةً للعبور بعد كيفن من خلال فتحةٍ ضيقة في قطعةٍ من الخشب الرقائقي (الأبلكاش) للوصول إلى جزء السقف الذي توجد به الفجوة. للحظة، لم أكن متأكدةً من قدرتي على فعل ذلك، لكنني لم أشأ المخاطرة باحتمالية أن يُصعق كيفن بالكهرباء هنا، وحيدًا في الحر والظلام؛ لذلك حشرت نفسي عبر الفتحة وحاولت عدم لمس أي شيءٍ قد يقتلني أو يلدغني.
في يومٍ سابق كنت قد أقنعت نفسي بأنني لن أواصل التفكير في المقاطعة عند حدوث حالة وفاة في العائلة، ولكن خلال رحلتنا إلى العِلِّيَّة أدركت أن الحال ربما لا تكون كذلك. تضمَّنَت المرحلة الأولى من مشاركتي في إصلاح السقف قَطع أجزاءٍ من غطاء بلاستيكي من لفافة كبيرةٍ ووضع الأجزاء على الفجوة في السقف بينما يثبتها كيفن في مكانها باستخدام مسدس تثبيت دبابيس الخشب. وخلال فترة الاستراحة، بينما كان كيفن يتحرَّك في المكان — شاتمًا ومشككًا في فعالية تقنيتنا لمقاومة تسرُّب المطر — وجَّهت مصباحي اليدوي إلى الحقيبة التي جاء فيها الغطاء البلاستيكي. تجوَّلت بالضوء إلى أن وجد الشعاع الأصفر ما أبحث عنه. كان مكتوبًا على حقيبة التغليف: «منتج عالي الجودة من إنتاج وورب بروس، شيكاجو، إلينوي.» وكان يوجد بجوارها علم أمريكي مع عبارة «صنع في الولايات المتحدة الأمريكية» بجانبه. نما لقلبي جناحان وطار من الفرحة.
إذن، مَن الذي أخدعه؟ إذا ما كنت أواصل التفكير في المقاطعة وسط المخاطرة بالتعرُّض للصعق بالكهرباء وهجوم من الجرذان في عِلِّيَّةٍ قذرة في درجة حرارة تبلغ ١٠٠ درجة فهرنهايت، فإنه ربما يكون من المعقول أن أستنتج أنه ما من ظروف يمكن أن تجعلني أتغاضى عن المقاطعة.
•••
قلت لكيفن: «دروس بيانو، مثل العام الماضي.»
كان كيفن يريد أن يعرف ما أريده في الكريسماس، وهو الأمر المنذِر بالخطر؛ لأن كيفن شخصٌ مسترخٍ لا يبدأ عادةً التفكير في الكريسماس حتى العاشر من ديسمبر، وذلك يكون مبكرًا جدًّا بالنسبة إليه؛ فإذا كان يفكر في الكريسماس في سبتمبر، فلا بد أنه يبدو يائسًا.
فقال: «ولكنكِ لم تشتركي فعليًّا قط في الدروس؛ لذلك فإنني لم أُقدِّم لك أي شيءٍ في العام الماضي.»
فأكَّدتُ له قائلة: «أعلم، ولكنها لا تزال هدية جيدة للكريسماس؛ فهي لم تكلفنا شيئًا، وأقنَعَت العديد من صديقاتي أن لديك روح شاعر. كُنَّ يرَيْنَ أن هذه الهدية رومانسية. أعتقد أنك ربما أوقعت بعض الأزواج الآخرين في ورطةٍ لأنهم لم يستطيعوا تقديم أي شيءٍ تقريبًا بهذه الجودة.»
فتساءل: «هل لديكِ صديقات يعتقدن أن من الرومانسية أنني لم أُقدِّم لك أي شيءٍ في الكريسماس؟»
فقلت: «إنهن لا يعرفن أنني لم أتلقَّ أي دروسٍ قط. ما يعرفنه هو أنك جئت بفكرة دروس البيانو بنفسك؛ وهو ما يمثل منطقة مكتشفة حديثًا بالنسبة إلى الأزواج وهدايا الكريسماس، بقدر ما أعرف.»
فتنهَّد وقال:
«حسنًا، ولكن هذه المرة سوف أجد لك مُعلمًا وأسجل اسمك حتى تحضري الدروس فعليًّا.»
فردَدْتُ مبتسمة:
«كما تشاء.»
سعدتُ بنفسي؛ فمرةً أخرى راوغت قيود المقاطعة ووفَّرت مبلغًا كبيرًا من المال في هذه العملية؛ إذ إنه لا توجد احتمالية أن يجد كيفن أو أنا وقتًا للبحث عن معلم بيانو، فقلت لنفسي: «أحسنتِ.»
•••
في إحدى الليالي، دخل ويس الغرفة حاملًا منشورَ ألعابٍ تسويقيًّا به صفحات مطوية الزوايا، وفتحه على صفحةٍ ما وأشار إلى صورة لشاحنة تعمل بجهاز تحكُّم عن بُعد تُسمَّى «مورفيبيان». وادَّعى الوصف المكتوب أنها تستطيع «السير على الأراضي الوعرة والجري عبر المياه.»
ثم سألني ويس: «هل يمكنني الحصول على هذه الشاحنة في الكريسماس؟»
أعطيته جوابًا مراوغًا؛ وهو ما يعني أنني لم أُعطِه أي جوابٍ على الإطلاق؛ إذ قلت له: «أضفها لقائمتك لسانتا. وسننظر ماذا يرى.»