اختطافُ الرياضيِّين!
كانت صالةُ جمانيزيوم الشياطين، في كهفهم السِّري، عامرةً بالنشاط والحركة، وقد انقسم الشياطينُ إلى مجموعات، كلٌّ منها تمارسُ لعبةً رياضيةً معيَّنة … وكانت أشدهم حماسًا هي «إلهام»، التي راحت تتدرَّبُ على لُعبة كرة السرعة الحديثة، وقد راحت تَلطِمُ الكرةَ الصغيرةَ بمِضربٍ في يدها يمينًا ويسارًا في سرعةٍ بالغة، وبمهارةٍ شديدة.
واقترب منها «أحمد» باسمًا، وقد التمعَت حباتُ العرقِ فوق جبهته من أداء تمارين السويديِّ الرياضيةِ التي تُحافِظ على رشاقته ولياقته العالية، وقال ﻟ «إلهام»: يبدو أنَّكِ ستُصبحينَ بطلةً في هذه اللُّعبة!
توقَّفَت «إلهام» عن اللَّعب، وقالت: إنَّها لعبةٌ رائعة، لا يمَلُّ منها الإنسانُ أبدًا، وسوف أُحطِّم أرقامَها القياسيةَ قريبًا.
أحمد: لن يُدهشَني هذا … فإنَّ أبطالَ هذه اللعبةِ على مستوى العالم كله من المصريين، وأيضًا مخترع اللعبةِ نفسه … وقد قرأتُ أنَّ هناك فريقًا عربيًّا من أبطال هذه اللعبة، سوف يسافر إلى أمريكا لأداء بعض المباريات هناك، وللمساعدة في نشر هذه اللعبة الحديثة.
قالت «إلهام» ضاحكةً: أتمنى لو أنني انضمَمتُ مع هذا الفريق، بشرط أن يسمح لي رقم «صفر» بذلك!
أحمد: أحيانًا يُخيَّل لي أنَّ رقم «صفر» قد نسِيَنا … لأنَّه يتركنا عدةَ أسابيعَ دون أن يستدعيَنا من أجل مهمَّة!
فجأة، لمعَت لمبةٌ حمراءُ كبيرة في مدخل صالة الجمانيزيوم، فقالت «إلهام» بلهجةٍ تملؤها الدهشة: ها قد تذكَّرَنا رقم «صفر» … يبدو أن الاستدعاء عاجلٌ هذه المرَّة.
اقتَرب «عثمان» وهو يُجفِّف عَرقَه المُنسال، قائلًا: ليس أمامَنا غيرُ عشرِ دقائقَ لأخذ حمَّامٍ بارد.
واتَّجه الشياطينُ خارجين من الصالة، وأخذ كلٌّ منهم دشًّا باردًا، استعاد به صفاء ذهنه … ثم استقَرُّوا جميعًا في مقاعدهم بقاعة الاجتماعات.
وما كاد الباب ينغلقُ عليهم … حتى ساد الظلامُ القاعة، وبدأَت آلة العرض السينمائية في العمل … كان المشهد السينمائي يُمثِّل لقطةً من دوري كرة السلة الأمريكية، أشهر لُعبةٍ رياضية في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد ظَهرَت مجموعةٌ من أفراد فريق «هارلم» لكرة السلة، وهم يتلاعبون بمنافسيهم في مهارةٍ بالغةٍ انتهت بفوزهم بعددٍ كبيرٍ من النقاط، ورفَع أفرادُ الفريق أيديَهم لتحية الجماهير الغفيرة المُحتشِدة في صالة اللعب.
وهمس «عثمان» ﻟ «أحمد»، ووجهه يتألَّق سرورًا: لقد أسعدني الحظ، فشاهدتُ بعض مباريات هذا الفريق الرائع عندما قام بأداء بعض المباريات الاستعراضية في مصر و… وفجأةً توقَّف «عثمان» عن تكملةِ عبارته، عندما شاهَد عنوان جريدة «النيوزويك» الأمريكية، وقد كُتب عليها بالخط العريض: «اختفاء مجموعة من أمهر لاعبي «هارلم» … الشرطة الأمريكية تُواصِل تحرياتها.»
ترامَقَ الشياطين في صمتٍ ودهشة … وتَوالَى ظهور العناوين على الشاشة، لعددٍ من الجرائد والمجلات الأمريكية والعالمية … وكلها تتحدَّث عن هذا الاختفاء العجيب، وما تبذلُه الشرطة الأمريكية من جهودٍ بلا فائدة.
وجاء صوت رقم «صفر» يقطعُ الصمتَ العميق، قائلًا: لقد تم الاختطاف منذ ما يزيد على شهرَين … وحتى الآن، لا أثَر لهؤلاء الأفراد المختطَفين من أبطال فريق كرة السلة العالمي «هارلم»، والذي كان يؤدي مباراةً استعراضية في مدينة «نيويورك» الأمريكية على ساحل الأطلنطي … ثم اختفى بعدها دون أي أثَر … وحتى الآن.
قالت «إلهام» في دهشة: هذا أمرٌ عجيب!
أحمد: لعلها دعايةٌ غريبة يقوم بها هذا الفريق … ثم يظهر المُختطِفون بعد وقت!
رقم «صفر»: لا … إنَّ الأحداث التالية تؤكِّد أنَّ حادث الاختطاف حقيقي!
واختفى فريق «هارلم» من فوق الشاشة، وظَهرَت على الشاشة مباراة ملاكمةٍ مثيرة، وقد احتشد آلاف المشاهدين حول الحلَبة … وقال رقم «صفر»: هذه المباراة كانت لتأهيل مَن يفوز بها للمنافسة على بطولة العالم في الوزن الثقيل … وقد اختفى الفائزُ بها … أو اختُطِف بمعنًى أدقَّ بعد فوزه بهذه المباراة، التي أُقيمَت بمدينة «ميامي» الأمريكية.
خالد: هذا شيءٌ مذهل.
قيس: كأنَّ هناك جهةً معينةً تختطفُ أبطالَ الرياضة!
تساءلَت «ريما»: والشرطة الأمريكية … هل فشلَت في الوصول إلى المُختطفين؟
رقم «صفر»: حتى الآن … لا!
أحمد: وهل حدثَت عمليات اختفاء أو اختطافٍ أخرى؟
لم يردَّ رقم «صفر» على الفور، بل ظَهرَت على الشاشة مسابقةٌ للتزحلُق على الجليد، وقد راح المتنافسون يبذلون قصارى جهدهم في تقديم الألعاب الخطيرة، مستعرضين مهارتهم ولياقتهم، وظهر الفائز بالبطولة الدولية، وهو يتسلَّم كأس البطولة الذهبية … وبعدها اختفت صورة البطل من الشاشة، وظهر مكانها عنوانٌ عريض لجريدةٍ كندية رياضية عليها صورة البطل، وفوقها عنوان: «اختفاء بطل كندا في التزحلُق على الجليد في ظروف غامضة».
وكانت التفاصيل تقول إنَّ البطل، بعد أدائه لمباراة هامَّةٍ بالقرب من خليج «بافن» الكندي، اختفى من فندقه، دون ترك أي أثَرٍ وراءه.
تبادَل الشياطين نظرة دهشة، وقالت «زبيدة» متجهمة: يبدو أنَّ أحداثًا خطيرةً قد جرت في العالم دون أن ندري عنها شيئًا ونحن في الكهفِ السري!
جاء رقم «صفر» يقول: لقد تعمَّدتُ ألا أنقل لكم هذه الأخبار، انتظارًا للحظة المناسبة؛ ولذلك منعتُ دخول الجرائد والمجلات التي تحمل هذه الأنباء إليكم!
وسادت لحظة صمتٍ قصيرة. وتساءلَت «إلهام»: وهل توقَّفَت حوادث اختفاء أو اختطاف الرياضيين؟
رقم «صفر»: لا … لقد وقعَت عدةُ حوادثَ أخرى؛ فقد اختفى بطل العالم في جري المسافات الطويلة، وهو من ساحل العاج، وكان عائدًا إلى بلاده، بعد سباقٍ عالمي للجري، فاز فيه، وما إن استقر في منزله ﺑ «أبيدجان» عاصمة ساحل العاج، على ساحل المحيط … حتى اختفى، دون تَركِ أي أثَر وراءه!
قال «أحمد» بفتور: لقد انتقلَت الحوادث من القارة الأمريكية إلى القارة الأفريقية.
رقم «صفر»: وهناك حادثٌ آخر، وقع هذه المرة في أستراليا … على شواطئ مدينة «سيدني» الجميلة؛ فبَعدَ سباق عالمي للسيارات، قطع خلاله المتسابقون آلاف الكيلومترات عَبْر القارة الأسترالية، وكانت نقطة النهاية في مدينة «سيدني» … وبعد فوز بطل أستراليا بالسباق وتسلُّمه الجائزة … اختفى في نفس الليلة … وقبل سفره إلى «أوروبا».
إلهام: إنَّ هذا يُثبِت أنَّ حوادث الاختطاف عالمية … لا تقتصر على قارَّة أو جنسيةٍ واحدة.
رقم «صفر»: هذا صحيح … فمن المؤكَّد أنَّ تلك الجهةَ التي قامت بهذه العمليات الغريبة من اختطاف الأبطال، تضع أبطال العالم الرياضيين كلهم تحت عيونها، دون الاقتصار على جنسيةٍ معيَّنة … أو قارَّة بالذات!
أحمد: وبالنسبة لوطننا العربي، هل وقعت أيَّة حوادثَ مماثلة؟
ساد صمتٌ عميق، بعد سؤال «أحمد». وبدا في عيون الشياطين الترقُّب الشديد، انتظارًا للإجابة. ولم ينطق رقم «صفر» بالإجابة على الفور، كأنَّه يريد أن ينقل للشياطين إحساسًا معينًا … ومرةً أخرى، عادت الشاشة السينمائية تعرض لقطاتٍ رياضية، وكانت لمباريات كرة القدم، أشهر لعبةٍ رياضية في العالم، وقد ظهر على الشاشة عددٌ من أمهر نجوم كرة القدم على امتداد الوطن العربي، وهم يُحرِزون أهدافًا رائعة … وبعضهم وهو يحمل كأس البطولة، فوق يدَيه.
وجاء صوت رقم «صفر» ليقطع الصمت، قائلًا: لا شك أنَّكم تعرفون أغلب نجوم كرة القدم في كل أرجاء وطننا العربي؛ فلدينا بعض اللاعبين من أصحاب المهارة العالية جدًّا، لو أُتيحَت لهم فرص الاحتراف والاحتكاك بالفرق الأجنبية العالمية لكان لهم شأنٌ آخر … ولصارت الكرة العربية لها ثقلُها في ميزان كرة القدم العالمية … ولذلك فكَّر عددٌ من الاتحادات العربية لكرة القدم في اختيار منتخبٍ عربي لكرة القدم، يشتمل على أمهر اللاعبين في كل المراكز، وبالفعل فقد تم تكوين هذا المنتخب، والذي كان مقرَّرًا له أن يقوم بجولة في عواصم الكرة العالمية، في أوروبا وأمريكا الجنوبية، وكان يُنتظَر لهذا الفريق أن يحقِّق نتائجَ طيبة، ولكن لسوء حظ هذا الفريق، فإنَّه لم يلعب مباراةً واحدة! إلهام: هل تعرَّض الفريق للاختطاف أيضًا؟
رقم «صفر»: هذا هو ما حدَث بالضبط … فقد كان مقررًا أن تقوم رحلةُ الفريق من مدينة «طنجة» المغربية المُطِلة على جبل طارق، وكان من المفترض عبور الفريق المحيط الأطلنطي بالطائرة إلى قارة أمريكا الجنوبية، لأداء بعض المباريات مع فريق البرازيل والأرجنتين، ولكن الفريق كله اختفى، عندما ذهب اللاعبون إلى الشاطئ لقضاء بعض الوقت للتسلية والسباحة … ولكنَّهم اختفَوا جميعًا، ولم يعُد منهم أحدٌ حتى هذه اللحظة!