المهمة … الوقوع في الأَسْر!
ساد الوجومُ لحظات، بعد حديث رقم «صفر» … ثم توالت تعليقات الشياطين.
ريما: هذا مذهل!
بو عمير: فريق بأكمله يختفي … شيءٌ لا يُصدَّق!
فهد: من المؤكَّد أنَّ لهؤلاء الخطَّافين قدرةً هائلة، لكي يقوموا بعملٍ بمثل هذه المهارة … وعلى امتداد العالم كله!
زبيدة: من المؤكَّد أنَّ من يقوم بذلك العملِ الإجراميِّ منظمةٌ إرهابية عالمية، على قَدْرٍ كبير من التنظيم والمهارة والتمويل!
وتساءل «عثمان»: ولكن، لماذا … ما الهدف من كل عمليات الاختطاف هذه … إنَّ أيَّ منظمة إرهابية أو جهةٍ عالميةٍ، لن تقوم بعملية الاختطاف … وتُنفِق عليها الملايين دون هدف، فهل طالب المختطفون بفدية لإطلاق سراح هؤلاء الرياضيين؟
رقم «صفر»: لا … إنَّهم لم يطالبوا بأيَّة فدية، ولا أعتقد أنَّ هذا هو هدفهم من عملية الاختطاف. وساد صمتٌ قصير، بعد كلمات رقم «صفر» … الذي واصل قائلًا: لا شك أنَّ عمليات الاختفاء أو الاختطاف المتكررة لهؤلاء الرياضيين قد لفتَت انتباه أجهزة الشرطة والمخابرات في العالم كله؛ ومن ثمَّ فقد هبَّت جهاتٌ عديدة لكشف أسرار هذا العمل الغريب، ومن جانبنا، كان لا بد أن نشارك في عملية البحث هذه … خاصة وأننا قد تدخَّلنا لكيلا يتم كشف عملية اختطاف فريق منتخب كرة القدم العربي، حتى لا نتسبب في حدوث حالة ذُعرٍ لكل الرياضيين … ولكننا بالطبع كنَّا نعمل وبطريقةٍ محمومة، ومن أجل كشف أسرار هذا الاختطاف، والهدف منه.
إلهام: وهل توصَّلتُم إلى أسرار هذه العملية؟
رقم «صفر»: هذا صحيحٌ تمامًا، لقد اكتشفنا من هو المسئول عن هذا العمل الإجرامي، وكذلك الغرض من عمليات الاختطاف للرياضيين بالذات!
وانطبعَت صورةٌ لرجلٍ أوروبي الملامح، في حوالي الخمسين من عمره، بوجهٍ أحمرَ محتقن، وشعرٍ ناري اللون، وعينَين واسعتَين، لهما نظرةٌ نفَّاذة قوية جدًّا، برغم النظارة الطبية فوقهما!
وقال رقم «صفر»: هذا الرجل هو عالمٌ ألماني شرقي، يُدعى «كارلوس هانز»، وقد كان حتى عامَين ماضيَين، يعمل في إحدى الجهات العلمية التابعة لدولة ألمانيا الشرقية، وكان يُشرِف على عمليات وتجاربَ غاية في السرية!
أحمد: وهذه العمليات تتعلق بمجالات القدرات الرياضية المتميزة وغير العادية، أليس كذلك؟
رقم «صفر»: هذا صحيح تمامًا يا «أحمد» … أنتم تعرفون أنَّه في وقت من الأوقات، كانت الكتلةُ الشرقيةُ بأكملها لا تستطيع منافسة الغرب، سواء في الصناعة أو التقدُّم التكنولوجي؛ ومن ثَم فقد سعت هذه الدول إلى التقدم والتميز في مجالٍ آخر، وهو مجال الرياضة، وتقديم أبطال لا يمكن منافستهم، سواء في الجمباز، أو ألعاب القوى، أو غيرهما من الألعاب، خاصة الألعاب الفردية، وهو ما حدث بالفعل، وتفوَّقَت دول الكتلة الشرقية على كل أبطال العالم، في هذه الرياضات. وكانت مهمة هذا العالم الألماني الشرقي «كارلوس» هي القيام بعمليات اختباراتٍ وتجاربَ كيميائيةٍ وفحوصٍ بيولوجيةٍ وفسيولوجية على هؤلاء الأبطال لمعرفة لماذا تميَّزوا في هذه الألعاب إلى درجةٍ مذهلة دون غيرهم، حتى إذا ما توصَّلَت السلطات والمسئولون إلى الأسباب الخاصة بهذا التميُّز، أمكن تعميمُها ونَشرُها على كل الرياضيين، ليُصبِحوا أبطالًا أيضًا.
بو عمير: إنَّها فكرةٌ مذهلة!
رقم «صفر»: ولكنَّها كانت فكرةً فاشلة تمامًا … فقد فشلَت كل التجارب التي قام بها هذا الرجل، ربما بسبب أنَّ المتفوقين رياضيًّا، لديهم استعدادٌ جسدي ونفسي خاص، لا يملكه الآخرون، هذا بخلاف الموهبة الإلهية، وهو ما لا يمكن تقليدُه أو تعميمُه بأي شكل، ولكن «كارلوس» لم يقتنع بهذا الفشل … ورفض الاستجابة إلى أوامر الحكومة بإيقاف هذه التجارِب … خاصة وأنَّه بدأ يتجه بها اتجاهًا خاصًّا وخطيرًا!
وصمَت رقم «صفر» لحظة، وقد بدا على الشياطين الترقُّب والإثارة الشديدة، وأكمل رقم «صفر»، قائلًا، وهو يقلِّب بعضَ الأوراق أمامه: «لقد بدأ هذا الرجل الاتجاه إلى البحث عن أسباب التفوُّق الرياضي، ليس داخل أجساد هؤلاء الرياضيين، بل داخل عقولهم … وكانت النتيجة مؤلمةً للغاية … فقد تسبَّب في موت عددٍ ممن شملَتهم التجارب … وإصابة البعض الآخر بحالاتٍ من التدمير لخلايا المخ … أو الغيبوبة الدائمة.
إلهام: يا له من متوحش!
زبيدة: إنَّه مجنونٌ، بكل تأكيد.
رقم «صفر»: هذا هو ما تأكَّدَت منه السلطات في «ألمانيا الشرقية»، فأمرت بإغلاق معمل التجارب، وإحالة «كارلوس» إلى المحاكمة، بتهمة تجاوُز الأوامر والتسبُّب في موت وتدمير العديد من الرياضيين، ولكن ذلك العالِم المجنون تمكَّن من الهرب في اللحظة الأخيرة، قبل أن يتم إلقاء القبض عليه. وقد عاد إلى الظهور مرةً أخرى … ولكن لم يشاهده أحدٌ حتى الآن … إلا أنَّ الحوادث الأخيرة تدلُّ على أنَّه هو مُرتكِبُها.
قال «أحمد» في دهشة: ولكن هذه الحوادث تدلُّ على أنَّ من يقوم بها يمتلك تمويلًا ضخمًا … لتنفيذ عملية الاختطاف أولًا، ثم القيام بتجارب على هؤلاء الرياضيين الأبطال، وهو ما يستلزم أجهزةً طبية وعلمية غالية جدًّا.
رقم «صفر»: إنَّ «كارلوس هانز» ليس بحاجة إلى المال … فإنَّ لديه كنزًا من الذهب، لا يقل عن عشرات الملايين؛ فقد ثبت من البحث والتقصِّي في تاريخ هذا الرجل، أنَّ والده كان ضابطًا بالجيش الألماني، في الحرب العالمية الثانية، وقد تمكَّن من الاستيلاء على خزانة بعض البنوك الفرنسية، عندما احتلَّتها ألمانيا، وقام هذا الضابط بنقل ما وجدَه في خزائنها من ذهب إلى مكانٍ سري، وبعد أن تُوفِّي احتفظ ابنه بالسِّر، وعندما احتاج إلى الذهب استَخرجَه وباعه لتنفيذ مشروعه!
قالت «إلهام» في دهشة: إنَّها قصةٌ أشبه بالأفلام الأمريكية المثيرة!
رقم «صفر»: إنَّ العالم حافلٌ بما هو أعجب من الخيال، لشدة إثارته!
عثمان: إنَّ مهمتنا القادمة هي القبض على هذا الرجل المجنون، وإنقاذ الرياضيين من قبضته وتجاربه قبل أن يقتلهم!
رقم «صفر»: هذا ما نرجوه … أن تتمكَّنوا من القبض عليه بأقصى سرعة؛ فإنَّ هذه التجارب عادةً ما تأخذ بعض الوقت، وأرجو أن تصِلوا إلى هذا الرجل المجنون، قبل أن يقوم بإيذاء من اختطفهم من الرياضيِّين، خاصةً منتخبَنا العربيَّ لكرة القدم.
تساءلت «ريما»: ولكن من أين سنبدأ البحث عن هذا العالِم المجنون؟ هل اهتديتُم إلى مكانه؟
أحمد: إنَّ نقطة البداية لا بد أن تكون مكانًا ما في قلب المحيط الأطلنطي، جزيرة نائية في قلب المحيط، إنَّ هذا أصلح مكانٍ يقيم فيه هذا المجنون ليقوم بتجاربه دون أن يعرف مكانَه أيُّ إنسان!
بدَت الدَّهشة على وجوه الشياطين، وتساءلَت «إلهام»: ولماذا توقَّعتَ هذا المكان بالذات ليختفي فيه «كارلوس»؟ إنَّ العالم مليء بالأماكن النائية المتطرفة التي تصلُح لأن تكون مقرًّا لتجارب هذا الرجل المجنون!
مسَح رقم «صفر» نظَّارته بمنديله الحريري، من مكانه المُظلِم، ولمَعَت على وجهه ابتسامةٌ هادئة وهو يقول ﻟ «أحمد»: إذن فقد تنبَّهتَ إلى الملحوظة الهامة التي فاتت على الآخرين!
أحمد: إنَّ استنتاجي يعتمد على المنطق تمامًا … فالمُلاحَظ أنَّ حالات الاختطاف كلها قد وقعَت على شواطئ تُطِل على المحيط الأطلنطي … فاختطاف فريق «هارلم» كان في مدينة «نيويورك» على شواطئ المحيط الأطلنطي، وكذلك بطل الملاكمة الأمريكي في «ميامي» … ومدينة «أبيدجان» التي اختُطِف منها بطل الجري في ساحل العاج، هي أيضًا تُطِل على نفس المحيط، وبطل التزحلُق على الجليد الكندي، اختطف من خليج «بافن» في كندا، المُطِل على نفس المحيط، وحتى فريق كرة القدم العربي، اختُطِف من مدينة «طنجة» المُطِلة على المحيط أيضًا … والاستثناء الوحيد لهذه القاعدة، كان في اختطاف بطل سباق السيارات الأسترالي، وإن كانت مدينة «سيدني» تقع على المحيط أيضًا، وهو ما يجعلنا نُخمِّن أنَّ المركز الذي تنطلقُ منه فرق الاختطاف التابعة لهذا الرجل المجنون، لا بد وأن تكون في موقعٍ وسط بين هذه الأماكن المُطِلة على المحيط الأطلنطي، وهو ما يعني أنَّ هذا المركز لا بد وأن يكون إحدى جُزر هذا المحيط!
رقم «صفر»: تحليلٌ رائع يا «أحمد» … هذه هي الملحوظة التي جعلَتنا نَستنتِج مكان هذا الرجل المجنون، وإن كنَّا لم نُحدِّد مكان الجزيرة بالضبط؛ فالمحيط الأطلنطي مساحتُه هائلة، ويحتوي على آلاف الجزر النائية، التي يمكن أن تصلُح أيٌّ منها لتكون مركزًا أو مقرًّا لهذا العالِم المجنون … ولا شك أنَّه قد قام بتجهيزها بالأجهزة العلمية ومصادر الطاقة والغذاء … وأنَّ هناك مَن يقوم على حراستها بأسلحةٍ متقدمة، وأيضًا فلا شك أنَّ هذا العالِم المجنون قد قام بتجنيد عددٍ كبير من الإرهابيين ليعملوا تحت إمرته، للقيام بعمليات الاختطاف، وأنَّه يستخدم في ذلك مجموعةً من الزوارق والسفن السريعة الحديثة، التي يمكنها أن تقطع المحيط في وقتٍ قصير!
إلهام: وهل توصَّلَت أجهزة مخابرات الدول الكبرى إلى نفس الاستنتاج؟
رقم «صفر»: «هذا صحيح تمامًا … ففي هذه القضية بالذات، تحالفَت أكثرُ من دولةٍ لكشفِ أسرار هذه العملية … وكانت هناك اقتراحاتٌ كثيرة بأن تقوم أجهزة المخابرات العالمية بالتنسيق معًا، بمسح المحيط لاكتشافِ مكانِ هذه الجزيرة والقبضِ على العالِم المجنون ورجاله من الإرهابيين، لولا أنَّ هذه الاقتراحات تم استبعادها، خوفًا من أن تكون نتيجتها انتقام «كارلوس» من الرياضيين الأَسْرى لديه بقتلهم عندما يشعُر بالهجوم على الجزيرة؛ ولهذا وقع الاختيار عليكم لتنفيذ المهمة.
أحمد: إذن، فمهمَّتُنا القادمة هي البحث عن جزيرة «كارلوس»، ثم التسلُّل إليها، وإنقاذ الرياضيين، والقبض على «كارلوس» ورجاله؟
رقم «صفر»: لا … لن تكون هذه هي مهمَّتكم!
وصمت رقم «صفر» لحظةً قصيرة، ثم أضاف في صوتٍ عميق: إنَّ مهمَّتَكم هي الوقوع في أَسْر رجال «كارلوس» الإرهابيين!