خطَّة الشياطين!
قاد الحُراس «إلهام» إلى مبنًى قريب، بدا في الظلام من الخارج كأنه وكرٌ للشياطين، ودخلوا المبنى باتجاه حُجرةٍ واسعةٍ يُوجَد بداخلها عددٌ من الأجهزة الإلكترونية المعقَّدة، والشاشات التليفزيونية، وفي منتصفها طاولةٌ عريضة … وبدا شكل الحجرة مثل حجرات العمليات بالمستشفيات الكبرى، غير أنَّ تلك الحجرة كانت أجهزتها معقَّدةً وغريبة.
وانفتَح بابٌ في ركن الحجرة، وظهر «كارلوس» وهو يقول: مرحبًا يا صغيرتي … إنني سعيدٌ بمجيئك إلى هنا دون اعتراض.
قطَّبَت «إلهام» حاجبَيها متسائلة: ماذا تريد؟
كارلوس: إنني أريد أن أنفِّذ تلك النظرية التي تقولُ إنَّ قدرات المرأة من الناحية البيولوجية أقل من الرجل … وأُثبِت أنَّ المرأة يمكن أن تكون مساويةً في قُوَّتها للرجل، بل وتتفوَّق عليه أيضًا … والدليل أنتِ!
تساءلَت «إلهام» في دهشة: أنا … ماذا تقصد؟
كارلوس: لقد كنتِ رائعةً في قتالك مع الحُراس … وأكثر منهم مهارة، ولا شك أنَّ تجاربي عليكِ سوف تؤكِّد تلك المهارة … وتستكشف أسرارَها داخل خلايا جسدك وعقلك.
تراجعَت «إلهام» إلى الوراء ذاهلة، وقد أدركَت غَرضَ ذلك الشيطان المجنون، وصاحت به: هل تريد إجراء تجاربك الإجرامية عليَّ أيها المجنون؟
أشار «كارلوس» إلى رجاله قائلًا: ضعوها فوق طاولة التجارب، وقيِّدوا يدَيها وقدمَيها.
وفي الحال اندفَع الحُراس نحو «إلهام» ولكنها عاجلَت أولهم بضربةٍ قوية أطاحت به إلى الوراء في عنف، وتحاشت ضربةَ الثاني، ثم وجَّهَت إليه ضربةً قوية وانقضَّت كالنمر على رجلٍ ثالث، وضربَتْه، فترنَّح في ألم، ثم ناولَتْه ضربةً أخرى أطاحت به بعيدًا، ولكن … من الخلف جاءت ضربةٌ عنيفة فوق رأس «إلهام» من مؤخرة مدفع أحد الحُراس … وترنَّحَت «إلهام» من شدة الألم، وكادت تفقد وعيها … فتدافَع الحراس إليها وحملُوها في عنفٍ إلى الطاولة العريضة، ثم قيَّدوا يدَيها وقدمَيها بسيورٍ جلديةٍ قوية، واقترب منها «كارلوس»، وعيناه تشعَّان بريقًا جنونيًّا وقال: كانت معركةً قصيرة ولكنها رائعة؛ فأنتِ تقاتلين مثل الفهد … وهو ما سيجعلُني أثق في أنَّ تجاربي عليكِ ستأتي بنتائجَ طيبة … فلا بد أنَّ خلايا جسدكِ ومخكِ تحتوي على أشياءَ مثيرةٍ غير عادية.
وقَهقَه في سرور وهو يُمسِك بعددٍ من المَشارِط في يده … فأغمضَت «إلهام» عينَيها في ألم، وهي تشعر كأنَّها ضحيةٌ مُساقةٌ إلى الذبح في طقوسٍ وثنيةٍ مجنونة، فهتَف «كارلوس» بها: أليس شيئًا رائعًا أن أقوم بالبحث داخل خلايا مخك وأنت متيقِّظة ومُنتبِهة إلى ما أفعلُه دون أن أُضطَر إلى تخديرك؟
صاحت «هدى» من قلب الزنزانة وهي تنظُر من نافذتها الحديدية ذات القضبان المتشابكة: أيها الحُراس … يُوجد لدينا هنا شخصٌ يموت.
اندفَع أحد الحُراس نحو باب الزنزانة من الخارج في شَك، فصاحت «هدى» به: يُوجَد هنا شخصٌ يموت!
تساءل الحارس في شك وهو ينظُر من خلف قضبان باب الزنزانة: أين هو؟
اندفعَت ذراع «هدى» من الناحية الأخرى لتمسك برقبته وتضغطها بعنف إلى الداخل وهي تقول في قسوة: إنَّه أنتَ الذي سيموت أيها الغبي، إن لم تفتح باب هذه الزنزانة حالًا!
ظهَر الألم الشديد على وجه الحارس وهو يُحاوِل الإفلات من ذراع «هدى» بلا فائدة … وتَحشرَج صوتُه وتنفسُّه فصاحت «هدى» به: تبقَّت لك خمس ثوانٍ فقط، وبعدها سأقوم بتحطيمك!
هتَف الحارس بصوتٍ متحشرج: سأفتح لكم الباب.
ومدَّ المفتاح في فتحة باب الزنزانة، وانفتح الباب فدفعَتْه «هدى» بعنف، فاصطدم بالحارس الذي سقَط على الأرض فاقدًا الوعي.
وهتَف «أحمد»: هيا بنا!
والتفَت إلى «عثمان» قائلًا: هل عرفتَ ما ستقوم به أنت و«هدى»؟
أجاب «عثمان»: لا تقلَق.
قيس: ونحن سنُنفِّذ أيضًا ما اتفقنا عليه.
أحمد: إذن … هيَّا بنا.
والتقط مِدفَع الحارس الرشَّاش وألقاه إلى «هدى» … واتجهوا خارجين من الممر الضيق أمام الزنزانة في اللحظة التي ظهر فيها أربعةُ حُراسٍ وهم يقتربون، ففاجأهم الشياطين بضرباتٍ سريعةٍ متلاحقة لم تمكِّنهم حتى من الصُّراخ أو طلَب النجدة وحصَل الشياطين على أسلحتهم.
ورفع «عثمان» و«هدى» أيديَهُم بعلامات النصر ﻟ «أحمد»، ثم انسلُّوا من المبنى وابتلعَهُم الظَّلام … وتبِعَهما «قيس» و«خالد» فاختفَيا في الظلام أيضًا … وبقي «أحمد» مكانه، يفكِّر في قلق: أي اتجاهٍ يسلُكُه ليؤدي به إلى حجرة العمليات لمنع ذلك الشيطان المجنون «كاريوس» من القيام بتجاربه المجنونة على «إلهام»؟
اقترب «عثمان» و«هدى» من سور السجن، وتسلَّقاه في خفة، ووجَّها ضربةً قوية إلى الحارس القريب الذي تمدَّد في صمتٍ فوق السور، وقفَز «عثمان» و«هدى» إلى الناحية الأخرى.
وفي صمتٍ وهدوءٍ تسلَّلا نحو صف الأشجار القريب المتشابك، يُخفيهما الظلام عن العيون.
وكانا يعرفان الطريق إلى هدفهما، المولِّد الكهربائي الكبير الذي يمُدُّ الجزيرة كلَّها بالطاقة … وكانت مهمَّتهما كما شرحها لهما «أحمد» هي إفساد المولِّد وتعطيله. وظهر المولِّد لهما على بُعد فاقتربا منه في حذَر.
وكان هناك حارسان يقفان أمامه … تكفَّلَت بطةُ «عثمانَ» بإرسال أحدهما إلى عالم الغيبوبة، أما الآخر فسقطَت «هدى» فوقه، وبضربةٍ هائلةٍ أفقدَته وعيه.
ودخل «عثمان» و«هدى» إلى قلب المولِّد الضخم، ووقف «عثمان» حائرًا أمام الأسلاك … والتوصيلات العديدة، وتساءل في حَيرة: كيف سنتمكَّن من تعطيل هذا المولِّد؟
أجابته «هدى» في تصميم: هناك وسيلةٌ واحدةٌ مؤكَّدة.
وصوَّبَت مدفعها الرشاش نحو المولِّد ثم أطلقَته، وفي الحال تصاعَد شررٌ كبير ورائحةٌ نفَّاذة، ثم اشتعلَت النيران في المكان كأنها الجحيم.