عثمان يقوم بأخطر مهمة!
قال رقم «صفر» في كلمات قليلة: من الضروري خطفُ «د. إيفانز» قبل أن تَصِل العصابة إليه.
كان الشياطين يستمعون إليه، وقد غرقت القاعة في الصمت. أضاف يقول: أنتم تعرفون أن دكتور «إيفانز» عالم كيمياء شهير بجوار أنه خبيرٌ في المفرقعات. وقد جاءَت تقاريرُ من عملائنا في لندن تقول إن عصابة «سادة العالم» سوف تقوم بخطف «د. إيفانز» ليُشرفَ على مصنع المفرقعات الذي أوشك على الانتهاء؛ فالعصابة تنوي القيام بسلسلة من العمليات، التي لم نعرف تفاصيلها بعدُ. فإذا استطعنا أن نُخفيَ «د. إيفانز»؛ فإن مشروعاتهم سوف تتوقف مؤقتًا على الأقل. وفي تلك الفترة نستطيع أن نقوم بالتخلُّص من المصنع نفسه.
سكت رقم «صفر»، بينما كان الشياطين مستغرقين في أفكارهم، فهذه ليست أولَ مرة يقومون فيها بمغامرة داخل العاصمة الإنجليزية، وإن كانت هذه أول مرة يقومون فيها بخطف إنسان.
قطع الزعيمُ أفكارَهم قائلًا: إن لدينا معلومات كاملة عن المصنع الذي أقامَته العصابة لكن ذلك ليس مهمًّا الآن.
سكَت مرة أخرى، لكنَّ صَمْتَه لم يستغرق دقيقة، فأضاف: إن «أحمد»، و«رشيد»، و«عثمان» سوف يقومون بمهمة الخطف والعودة بدكتور «إيفانز» إلى المقر السري، ومن المهم أن تعرفوا أن الوقت مهمٌّ جدًّا؛ لأن هناك سباقًا الآن بيننا وبين عصابة «سادة العالم» … صحيح أن العصابة لا تعرف أننا ننوي خطْفَ «إيفانز»، لكنهم سوف يُسرعون بتنفيذ خطتهم لخطفه.
نظر الشياطين إلى بعضهم؛ فقد تحدَّدت الأسماء التي سوف تقوم بالمغامرة، جاء صوت رقم «صفر»، يقول: إن المعلومات الكاملة عن المغامرة سوف تجدونها في ملف خاص موجود في السيارة.
صمت لحظة، ثم قال: أتمنى لكم التوفيق.
أخذَت خطواته تبتعد، حتى اختفت تمامًا. في نفس اللحظة، كان الشياطين يغادرون قاعة الاجتماعات، وكان يمشي في المقدمة «أحمد»، و«رشيد» و«عثمان».
لم تنقضِ ربع ساعة حتى كان الثلاثة يأخذون طريقَهم إلى السيارة؛ حيث جلس «رشيد» في مقعد القيادة، وفي لحظة كانت السيارة تتجاوز بوابة المقر السري لتنطلق في الخلاء الفسيح.
فتح «أحمد» تابلوه السيارة، فوجد الملف الخاص بمعلومات المغامرة، فتحه ثم بدأت عيناه تجريان فوق الأوراق.
كانت المعلومات عبارة عن صورة للدكتور «إيفانز»، ثم تاريخ حياته، والأعمال التي قام بها، ثم في النهاية خريطة للمنطقة التي يعيش فيها، وخريطة أخرى لبيته من الداخل حتى يستطيع الشياطين التحركَ داخل البيت، دون أن يعوقَهم شيء …
ثم مواعيد «إيفانز»؛ متى يصحو، وأين يذهب، ومَن في البيت. غير أن ما استوقف «أحمد» كان تقريرًا عن حالته الصحية؛ فقد أُصيب «إيفانز» بأزمة قلبية منذ عامين، وذلك يعني أن أيَّ انفعال يمكن أن يكون خطيرًا بالنسبة له.
عندما انتهى «أحمد» من قراءة المعلومات التي ضمَّها الملف. بدأ يعرض على «رشيد» و«عثمان» ما قرأه.
قال «عثمان»: أعتقد أن وجود الخدم في البيت، يمكن أن يمثِّل عائقًا أمامنا، فهم يمكن أن يكتشفوا كلَّ عمل نقوم به في سبيل الحفاظ على «د. إيفانز».
ردَّ «أحمد»: إن المسألة في رأيي تتعلق ﺑ «إيفانز» نفسه، إنه يمكن أن يجعل مهمَّتنا سهلة، ويمكن أن يزيدَها تعقيدًا، وأظن أننا سوف نستطيع التفاهم معه؛ لأنه سوف يُدرك مدى الخطر الذي سوف يتعرض له.
سأل «رشيد»: ألَا يوجد حرسٌ خاص للدكتور؟!
توقَّف «أحمد» قليلًا أمام هذا السؤال، ثم قال بعد لحظة: إن التقرير لم يتضمن أيةَ معلومات عن وجود حرس خاص به!
قال «رشيد» مرة أخرى: لا أظن أن عالمًا مثل «د. إيفانز» يمكن أن يعيش بلا حراسة، فهو عالمٌ مهم، بجوار أنه خبير في المتفجرات كما ذكر رقم «صفر»!
علَّق «أحمد»: هي نقطة جديرة — فعلًا — بأن نبحثَها، أو نُرسلَ إلى المقر السري لنعرف!
تساءل «عثمان» هو الآخر: ألَا توجد أسرة للدكتور «إيفانز»؛ زوجة مثلًا أو أولاد؟
ردَّ «أحمد»: أسرة الدكتور «إيفانز» تُقيم في أمريكا، وهي مكوَّنة من زوجة وابن … وهو دكتور أيضًا في علم الفضائيات … أما ابنته فتعيش في باريس مع زوجها صاحب مصنع للملابس.
صمت الثلاثة قليلًا … غير أن «رشيد» قطع الصمتَ قائلًا: هل دكتور «إيفانز» إنجليزي الأصل؟
ردَّ «أحمد»: اسمه «إيفانز جولستاين» … وهو ألمانيُّ الأصل، غادر ألمانيا بعد تقسيمها في نهاية الحرب العالمية الثانية، واستقر في إنجلترا، غير أن زوجته وابنه لم يصاحباه إلى هناك؛ فقد هاجر من ألمانيا، وظلَّت ابنتُه معه، حتى تزوَّجت واستقرَّت مع زوجها في باريس بعد ذلك.
سكت «أحمد» لحظة، ثم تساءل: لماذا سألتَ عن جنسيته؟
ابتسم «رشيد» وقال: لقد فكَّرتُ فعلًا في شيء من هذا القبيل؛ عالم ألماني، لا بد أن يكون قد هاجر، بعد كلِّ ما حدث في ألمانيا خلال الحرب، وبعدها، فلقد تمزَّقَت الأُسَر الألمانية بعد الحرب، لكن ليس لهذا كنت أسأل. إنني أتصور أن ابنَه عالِمَ الفضائيات في أمريكا ربما يكون نقطة ضغط عليه يومًا ما!
قال «أحمد»: أفهم ماذا تعني، لكني أظن أن أمريكا لا تترك عالِمًا مثل «إيفانز» بلا حراسة كاملة!
عندما أعلنَت الساعة العاشرة، كانت سيارة الشياطين تدخل دائرة المطار … توقَّفت السيارة، فأسرع الشياطين إلى حيث كانت تذاكر السفر في مكتب الخطوط الجوية البريطانية، كانوا قد نظَّموا وقتَهم حتى يصلوا إلى المطار قبل قيام الطائرة بقليل، وحتى لا يبقوا في المطار لفترة طويلة؛ فطبيعة المغامرة الجديدة محدَّدة والمعلومات متوفرة، وهم لا يحتاجون إلى المزيد؛ ولذلك أخذوا طريقهم إلى الداخل، ثم إلى الطائرة التي كانت قد بدأت في استقبال ركابها؛ أخذوا أماكنهم في صفٍّ واحد، ولم تمضِ دقائق حتى بدأت الطائرةُ طيرانَها.
لم تكن الرحلة إلى لندن ثقيلة؛ فقد قطعوا الوقت في ذكريات ممتعة، ولم تكن هذه الذكريات إلا تفاصيلَ مغامرات قديمة قاموا بها؛ ولذلك انقضى الوقتُ بسرعة … ولم يشعروا إلا عندما أعلنت مذيعة الطائرة أن على الركاب أن يربطوا الأحزمة … فالطائرة في طريقها إلى الهبوط في مطار «هيثرو»، ولم تمضِ ثلثُ ساعة حتى كانت الطائرةُ تهبط في المطار. كانت الساعة تُشير إلى الواحدة ظهرًا. في دقائق كانوا خارجَ المطار. استقلُّوا سيارة إلى شارع «٢٠»، حيث يقع فندق «سكاي» الصغير. كان الشارع هادئًا تمامًا، أما الفندق فلم يكن يلفت النظر إليه سوى لافتة نُحاسية صغيرة. دخلوا من الباب؛ حيث كان أمامهم مباشرة مكتبٌ صغير، جلسَت خلفه سيدةٌ متقدمة في السنِّ عرفوا أنها صاحبة الفندق، ومديرته، واسمها «روز».
سألتهم: كم ليلة سوف تبيتون؟
لم تكن هناك مدة محددة، إلا أن «أحمد» أسرع يقول: أسبوعًا.
ثم قدَّم لها مبلغًا من المال تحت الحساب وهو يقول: سوف نتناول الإفطار والعشاء فقط.
أرشدَتهم «روز» إلى الغرفة التي طلبوها … وعندما استقروا فيها، قال أحمد بسرعة: ينبغي أن نُسرعَ بالاتصال بعميل رقم «صفر»، إنني أتمنَّى أن نعود إلى المقر السري غدًا.
ابتسم «رشيد»، وقال: هذا إذا كان «د. إيفانز» قد جهَّز حقائبَه للسفر!
ابتسم «أحمد»، وضحك «عثمان» وهو يقول: مَن يدري، قد يكون «إيفانز» أسرعَ استجابة مما نتصور!
رفع «أحمد» سماعة التليفون، وأدار القرص، ثم انتظر لحظة … جاء صوت عميل رقم «صفر» بعد أن ذكر له «أحمد» كلمة السر.
قال العميل: أهلًا بكم في لندن، لقد كنت في الانتظار.
طلب «أحمد» رقم تليفون «د. إيفانز»، فأعطاه العميل الرقم، وهو يقول: أرجو ألَّا نتصورَ أن الوصول إلى «إيفانز» سهل!
ردَّ «أحمد»: أرجو أن يكون سهلًا!
قال العميل: لقد ظهرَت تفاصيلُ جديدة؛ فهناك بعض رجال عصابة «سادة العالم» حول بيته، يبدو أنهم يجهِّزون المكان لتنفيذ خطَّتِهم.
كانت كلمات العميل كالجبل … شعَر «أحمد» أنهم مقبلون على عملية كبيرة، وأنهم سوف يدخلون صراعًا، لم يكن في حسبانه، قال بعد لحظة: لا بأس … إن صراعنا مع عصابة «سادة العالم» لا ينتهي، وأتمنى أن نفوز كالعادة؟
سكَت قليلًا ثم سأل: هل توجد تفاصيل أخرى؟
ردَّ العميل بسرعة: نعم، ينبغي أن نلتقيَ قبل أن تقرِّروا أيَّ خطوة.
اتفقَا على موعد اللقاء الذي كان بعد ساعتين. وضع «أحمد» السمَّاعة. كان «رشيد» و«عثمان» ينظران إليه في انتظار ما سوف ينقله إليهم.
كان «أحمد» قد شرَد لحظة يفكِّر: هل يُرسل إلى رقم «صفر»، يطلب عددًا آخر من الشياطين، ما دامت المهمة قد دخلَت في خطأ آخر.
قال «رشيد» بسرعة يقطع على «أحمد» أفكارَه: يبدو أن الأمور ليست طيبة.
ردَّ «أحمد» في هدوء: يبدو هذا فعلًا.
سأل «عثمان»: ماذا هناك؟
نقل إليهما «أحمد» ما قاله عميل رقم «صفر» ثم قال في النهاية: على أية حال نحن في انتظار الأخبار الأخرى التي سوف يقولها لنا العميل. وبعدها يمكن أن نقرِّر ما سوف نفعله.
قال «رشيد» في هدوء: لقد كنتُ أتوقَّع أيَّ شيء، إلا أن تكون المهمة سهلة.
أضاف «أحمد»: يبدو أنهم أسرعوا بتنفيذ خطة خطف «د. إيفانز»!
صمت لحظة ثم قال: أعتقد أن «عثمان» سوف يحمل العبء الأكبر في المهمة.
تساءَل «عثمان» مبتسمًا: ماذا تعني؟
ردَّ «أحمد»: سوف تعرف ذلك، عندما تبدأ المهمة.