لقاء في الغرفة رقم «٦»!
مرَّت دقيقة قبل أن يأتيَ صوتُ «د. إيفانز». كان صوتًا هادئًا رقيقًا. قال «د. إيفانز»: أهلًا بالسيد «لانج» في لندن.
ردَّ «أحمد»: أهلًا بك يا سيدي، وإنه لشَرفٌ عظيم أن أتحدَّث إليك.
إيفانز: أشكرك.
أحمد: لقد أتيتُ من أفريقيا الوسطى لأعرض عليك بعضَ تجاربي في مجال الانفجارات.
إيفانز: رائع … ومنذ متى بدأت؟
أحمد: من عدة سنوات.
إيفانز: هل توصَّلت إلى شيء جديد؟!
أحمد: أرجو أن يكون كذلك!
صمت «إيفانز» لحظة، ثم قال: يبدو أنك شابٌّ؛ فصوتك قوي، بجوار أنني لم أسمع اسمك من قبل.
سكَت مرة أخرى، ثم أضاف: على كل حال، يمكن أن ألقاك غدًا، في الثامنة صباحًا، وأتمنى أن يناسبك الموعد.
ردَّ «أحمد» بسرعة، وقد أدهشه قبولُ «إيفانز» السريع للقائه: بالتأكيد يا سيدي!
سأل «إيفانز»: هل تعرف المكان؟
قال «أحمد» بسرعة: نعم يا سيدي.
تساءل «إيفانز»: إذن، أنا في انتظارك غدًا في الثامنة، وأرجو ألَّا تتأخر دقيقة واحدة؛ لأن ذلك قد يسبِّب لك مشكلة بجوار أنه سوف يحزنني!
ردَّ «أحمد» بسرعة: في الثامنة تمامًا سوف أكون عندك. وشكرًا يا سيدي.
قال «إيفانز»: إلى اللقاء.
ثم وضع السماعة. ووضع «أحمد» السماعة هو الآخر. كان لا يزال مأخوذًا لهذه المكالمة التليفونية الرقيقة، والتي حقَّقت ما شكَّ فيه كثيرًا.
ابتسم «عثمان»، وقال: هنيئًا يا سيدي، لقد تحقَّقَت أمنيَّتُك!
ثم ضحك، وقال: إذن … أمامنا إجازة حتى الثامنة صباح الغد.
قال «رشيد»: بالعكس … إن المغامرة قد بدأت الآن، فعلينا أن نجهِّز أنفسنا أن نُعيدَ رصْدَ المكان، ومعرفة أفراد العصابة الذين يقومون بمحاصرة المبنى، حتى تنفيذ مهمتهم، أيضًا علينا أن نفكِّر، ماذا سوف يحدث إذا وافق «د. إيفانز» على الرحيل معنا، أو إذا رفض؟!
لم يعلِّق «أحمد» أو «عثمان»؛ فقد استغرق الجميع في التفكير. إن المهمة قد بدأت الآن فعلًا، وانتقالُ «د. إيفانز» إلى المقر السري مسألةٌ ضرورية، ولا تحتمل أيَّ مناقشة … مرَّ بعضُ الوقت، فجأة قال «أحمد»: إن أمامنا فكرة طيبة. أعتقد أنها كذلك، إذا وافق دكتور «إيفانز» على الرحيل معنا فإن خروجه سوف يكون صعبًا؛ لأن العصابة تحاصر بيته. فإذا انتقل إلى أيِّ مكان، فإنهم سوف يكونون خلفه، يصبح علينا إذن أن نُخفيَ «د. إيفانز» حتى نرحل به، فإذا رفض الفكرة، فلن يكون أمامنا إلا نَقْله بالقوة، وهذه مخاطرة صعبة. يبقى إذن، أن نجد حلًّا، لا يكشف موقفنا، أو يعرِّضنا للمخاطرة.
كان «رشيد» و«عثمان» يُتابعان حديثَ «أحمد» باهتمام شديد؛ ولذلك فعندما توقَّف قال «عثمان» على الفور: أعتقد أنني سوف أقوم بمهمة جيدة. إن الماكياج هو الحل الوحيد لإخفاء شخصية «د. إيفانز» سواء وافق أو رفض، فإذا وافق يصبح الطريق سهلًا، وإذا رفض فإن حقنة مخدرة يمكن أن تجعلَه تحت أيدينا. وعن طريق الماكياج يخرج من البيت في أمان.
انتهى «عثمان» من عرض فكرته، فقال «رشيد»: فكرة جيدة، وإن كانت لها بعض المخاطر، فالدكتور لا يعيش وحده.
ردَّ «عثمان»: لن تكون المسألة صعبة تمامًا.
قال «أحمد»: هي فكرة جيدة على أيِّ حال؛ ولهذا ينبغي أن نجهز كلَّ شيء.
تردَّدت طَرْقةٌ خفيفة على الباب؛ فقال «عثمان» مبتسمًا: أظن أنها السيدة «روز»!
وأسرع إلى الباب. وما إن فتحَه، حتى ظهرت السيدة «روز» وقد غطَّت وجهَها ابتسامةٌ عريضة، فقال «عثمان»: أهلًا بك. تفضَّلي بالدخول.
خطَتْ خطوةً واحدة داخل الغرفة، ثم قالت: جئتُ لأدعوَكم لحفل صغير يضمُّ كلَّ النزلاء، وسوف يبدأ الحفل بعد قليل.
قال «أحمد» بسرعة: سوف نكون في الحفل حالًا.
انصرفَت السيدة «روز»، فقال «عثمان»: إنها فرصة طيبة، لنرى.
قال «رشيد»: لا أظن أننا سوف نرى شيئًا ذا قيمة، بجوار أننا لا نريد المزيد، فخطواتنا مرسومة ومحددة.
ردَّ «أحمد»: مَن يدري! قد يظهر ما لا يخطر لنا على بالٍ!
استعدَّ الشياطين، ثم أخذوا طريقَهم إلى صالة الفندق، كانت الصالة مزدحمة بالكثيرين … حتى إن المكان كان يبدو ممتلئًا حتى النهاية، وما إن ظهروا حتى اتجهت ناحيتهم السيدة «روز» ترحِّب بهم. أخذوا مكانًا في جانب الصالة. ولفَت نظرَ «أحمد» وجودُ نفس الرجال الخمسة، كانوا متفرِّقين في المكان. وكان الجميع يتنقَّلون في الصالة يضحكون. أخذ «رشيد» و«عثمان» طريقَهما إلى مكان آخر … وظل «أحمد» يراقب نفس الرجال. ولم يكن يدري لماذا يهتمُّ بهم هذا الاهتمام! فجأةً، اختفى أحدهم. أخذ «أحمد» يبحث عنهم الواحد بعد الآخر. فجأة، اختفى الثاني. وما إن انتصف وقت الحفل، حتى كان الرجال الخمسة قد اختفوا تمامًا … اقترب «عثمان» من «أحمد» وسأله: ماذا هناك؟! … يبدو أنك مشغول تمامًا!
همس «أحمد»: لقد اختفى الرجال الخمسة!
تساءل «عثمان»: وماذا في ذلك؟!
قال «أحمد»: يبدو أن هناك شيئًا غامضًا، فمن البداية كنت أشعر أن شيئًا ما خلف هؤلاء الرجال!
قال «عثمان»: لا أظن أن لهم علاقة بنا، أو بمغامرتنا!
مضَت لحظة، قبل أن يقول «أحمد»: لا أدري. فلا شيءَ يظهر الآن!
انقضى وقتُ الحفل، وكان الليل قد انتصف. تناول الجميعُ طعامَ العشاء. ثم بدءوا ينصرفون الواحد بعد الآخر. اتجه الشياطين إلى السيدة «روز»، وشكروا لها دعوتهم، ثم أخذوا طريقهم إلى حجرتهم.
قال «أحمد»: سوف أنام، حتى لا يفوتَني الموعد.
ولم ينتظر «رشيد» و«عثمان»؛ فقد اتجه كلٌّ منهم إلى سريره واستغرق في النوم.
وفي الصباح الباكر … كان «أحمد» يقفز من سريره في نشاط … كانت الساعة قد تجاوزَت السادسة بقليل عندما بدأ يؤدي تمريناتِه اليومية.
استيقظ «رشيد» و«عثمان». وقال «أحمد»: ينبغي أن نُرتِّب خطواتِنا قبل أن أنصرف إلى موعدي.
جلس الثلاثة، فقال «أحمد»: سوف أحمل معي أدوات الماكياج، والحقن المخدرة، في نفس الوقت تكونَا على استعداد دائمًا.
قال «عثمان»: أعتقد أننا ينبغي أن نكون قريبين من المكان، فربما حدث ما لا نتوقعه.
أضاف «أحمد»: إذن، عليكما أن تَتْبعاني عن بُعد، حتى لا نبدوَ وكأننا معًا.
وفي دقائق، كانوا يغادرون الفندق إلى حيث يقع مسكن «د. إيفانز». استقل «أحمد» تاكسيًا … بينما كانت سيارة الشياطين خلفه.
وعند منزل «د. إيفانز»، غادر «أحمد» التاكسي، ثم وقف عند الباب، الذي انفتح وحده، دون أن يظهر أحد … دخل «أحمد» فانغلق الباب وحده … كانت هناك حديقة واسعة، يتوسطها المبنى ذو الطابقَين، اتجه «أحمد» إلى باب المبنى مباشرة. كان يحمل حقيبة صغيرة تبدو وكأنَّ بها أبحاثَه، مع أنها كانت تحمل أدوات الماكياج، والحقن المخدرة. وعندما وصل إلى باب المبنى، انفتح وحده أيضًا. وعندما تقدَّم خطوة واحدة، سمع الصوت النسائي يرحِّب به، ويدعوه إلى الحجرة رقم «٦».
نظر «أحمد» إلى الأبواب المغلقة أمامه؛ فقرأ الرقم واتجه إليه مباشرة. وعندما وصل عنده انفتح الباب أيضًا وحده، فدخل، ثم انغلق الباب. كانت حجرة المكتب ليس فيها سوى أرفف المكتب. ثم مكتب متوسط الحجم يتوسط الجدار المقابل للباب.
أخذ «أحمد» يتأمل الحجرة قليلًا. فجأةً جاء صوت السيدة يدعوه إلى الجلوس … ثم قالت: الدكتور «إيفانز» سوف يكون عندك بعد خمس دقائق.
جلس «أحمد» وهو يفكِّر. قال في نفسه: من المؤكد أن هناك شبكة تليفزيونية، تَرقُب المكانَ كلَّه، وتنقل أيَّ حركة إلى غرفة المراقبة، تلك التي تجلس فيها صاحبة الصوت النسائي.
مرَّت دقيقة أو دقيقتان، ثم جاء صوت السيدة مرة أخرى يقول: يمكن أن تتناول القهوة، عندك جهاز القهوة على يمينك تمامًا.
نظر «أحمد» في اتجاه اليمين فرأى رفًّا صغيرًا يخرج من الجدار. اتجه إليه، وعندما وصلَه ظهر فنجان قهوة يتصاعد منه البخار. ابتسم وهو يأخذ الفنجان. كان يقول في نفسه: حياة آلية كاملة، ومن المؤكد أن «د. إيفانز» لا يحتاج لأحد خارج البيت.
كانت الساعة الثامنة وخمس دقائق عندما دخل «أحمد» الحجرة، وعندما دقَّت الساعة الثامنة وعشر دقائق، كان «د. إيفانز» يخطو أول خطوة من نفس الباب الذي دخل «أحمد» منه. كانت الطيبة تبدو على وجهه العجوز، فهو في حوالي الستين.
ابتسم وهو يمدُّ يدَه إلى «أحمد»: أهلًا بك أيها الباحث الشاب.
مدَّ «أحمد» يدَه، وحيَّا العالِمَ العجوز، وهو يقول: شكرًا لك يا سيدي.
جلس «إيفانز» خلف المكتب، وجلس «أحمد» أمامه. وفي ابتسامة طيبة، قال العالم: ماذا عندك؟
ولم يعرف «أحمد» ماذا يقول في هذه اللحظة.