مغامرة جديدة في الفضاء!
في الطريق إلى منزل «د. إيفانز» قال «أحمد»: يجب أن نتحاشى الاصطدام بقدر الإمكان، إننا نريد أن نُنجز مهمتنا بسرعة.
وصلَت السيارات إلى المنزل، فغادرها الثلاثة. كان الباب مفتوحًا. أسرعوا إلى الداخل، وما إن خطَا «أحمد» أول خطوة حتى سمع هذا الحوار:
– أين «إيفانز»؟
جاء صوت السيدة التي لم يرَها من قبل، والتي يعرف صوتها جيدًا تقول: لا أدري، لقد اختفى!
سمع صوتَ رجل يقول: منذ متى؟!
ردَّت: لقد كان هنا منذ خمس دقائق فقط.
قال صوت الرجل: أوثقوها حتى تعترف أين ذهب؟
نظر الشياطين إلى بعضهم، ثم تحرَّكوا إلى غرفة المكتب؛ حيث كان يدور الحوار، ألقى «أحمد» نظرة سريعة على الغرفة، كان هناك ثلاثة رجال فقط، همس ﻟ «رشيد» و«عثمان»: إنها معركة سريعة ومتكافئة.
انتظر لحظة. فقد انشغل اثنان في ربط السيدة إلى أحد المقاعد، وبقيَ الثالث حرًّا. أعطى «أحمد» إشارة سريعة. وفي لحظة كان الثلاثة يقفزون داخل الغرفة، وهم يصيحون صيحة واحدة على طريقة رجال الصاعقة.
ضرب «أحمد» الرجل الواقف ضربة قوية جعلَته يتراجع بسرعة، فتابعه «أحمد».
في نفس الوقت كان «رشيد» قد طار في الهواء، وضرب الآخرَين ضربةً قوية، فسقطَا بعيدًا عن مقعد السيدة. وعندما قامَا، كان «عثمان» قد انضم إليه، اشتبك كلُّ واحد من الشياطين مع واحد من رجال العصابة ووقعَت معركة حادة، ولكنها انتهَت بهزيمة رجال العصابة الذين سقطوا على الأرض بلا حَراك، أوثقوهم إلى بعضهم البعض، وقال «أحمد» للسيدة: إنني العالِم الأفريقي، أين الدكتور «إيفانز»؟
ردَّت بسرعة: لا أدري … فعندما ظهر هؤلاء الرجال؛ رفع يدَه بالتحية إليهم، ثم انصرف خارجًا، ولا أدري إلى أين!
قال «أحمد»: هذا يعني أنهم لم يعرفوه.
فكَّر لحظة، ثم قال للسيدة: سوف يكون الدكتور في أمان، وسوف أتصل بك.
أسرع الشياطين إلى الخارج. وعندما ركبوا السيارة، قال «أحمد»: أعتقد أن «إيفانز» في فندق «سكاي» الآن … فهو يعرف أننا ننزل هناك!
اتجهوا بالسيارة إلى الفندق. وعندما وصلوه، قفزوا بسرعة. وبعد أول خطوة، ملأت وجهَ «أحمد» ابتسامةٌ عريضة؛ فقد كان «إيفانز» يجلس في أحد المقاعد ولا يستطيع أحدٌ أن يعرفَه سوى الشياطين.
في نفس الوقت ابتسم «إيفانز» عندما رآهم. وفي دقائق كان يصطحبهم إلى خارج الفندق حيث استقلَّ الجميعُ السيارات في طريقهم إلى المطار.
سأل «إيفانز»: إلى أين؟
ردَّ «أحمد»: إلى حيث تكون في أمان.
نظر «رشيد» في ساعة يده، ثم قال: لا يزال الوقت أمامنا مبكرًا؛ فقد تحرَّكنا في اللحظة المناسبة!
وصلَت السيارة إلى المطار، فغادروها بسرعة إلى الداخل. ومع الدقائق الأولى من وصولهم جاء صوتُ المذيعة الداخلية للمطار، يُعلن عن قيام الطائرة. نظر إليهم «إيفانز» في دهشة وهو يقول: هل أتعرَّض لعملية خطف أخرى؟!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: لا يا سيدي، نحن نبتعد بك عن دائرة العصابة، بجوار أنك سوف تجد كلَّ ما يهمك.
أسرعوا إلى الطائرة، لكن شيئًا ما لفَت نظرَهم. لقد كانت حركةً غير عادية … رجال شرطة يملئون المطار …
همس «عثمان»: لا بد أن هناك شيئًا غير طبيعي!
رد «أحمد» هامسًا: أنت تعرف أن إجراءات الأمن في المطارات أصبحت شديدة بعد حوادث خطف الطائرات، والعمليات الإرهابية التي تحدث في كل مطارات العالم.
ابتسم «عثمان» وهو يقول: أرجو أن تكون رحلتنا هادئة بلا مغامرات جديدة!
عند باب الدخول إلى الطائرة، جرَت عملية تفتيش دقيقة لفتَت الأنظار.
اقترب «أحمد» من أحد رجال الشرطة، وقال: هل هناك شيء؟
نظر له الرجل لحظة، ثم قال: هناك معلومات تقول إن عملية إرهابية سوف تقع، ونحن نحاول أن نمنعها على الأرض قبل أن تحدثَ في الجو.
تجاوز الشياطين … ومعهم دكتور «إيفانز» البابَ، وأخذوا طريقهم إلى الطائرة … وعندما استقروا فيها، كان «أحمد» يجلس عن يمين «إيفانز» بينما جلس «رشيد» عن يساره. أما «عثمان» فقد جلس قريبًا منهم حتى يكون مراقِبًا للموقف.
مرَّت دقائق ثم جاء صوتُ مذيعة الطائرة يعلن عن ضرورة ربط الأحزمة؛ فالطائرة سوف تقلع بعد دقائق.
نظر الشياطين إلى بعضهم في ابتسامة هادئة، فأخيرًا تمَّت المهمة دون صراع يُذكَر. لقد كان في حسبانهم أن المغامرة سوف تكون أصعب مغامرة قاموا بها، ولم يكونوا يتصوروا أنها سوف تتم بهذه السهولة، ولم تكن سهولتها إلا لسبب استجابة «د. إيفانز» السريعة قبل أن يفوت الوقت.
أقلعت الطائرة أخيرًا، فرفع «عثمان» إصبعَيه علامة النصر لكلٍّ من «رشيد» و«أحمد»، إلا أن هذه الحركة لفتت نظر «د. إيفانز» الذي نظر إلى «أحمد» في تساؤل ولم يردَّ «أحمد» إلا بابتسامة.
فقال «إيفانز» على الفور: إنني لا أفهم شيئًا، بجوار أنني بدأت أشك في العملية كلها.
ابتسم «أحمد» وهو يقول: أظن أن الدكتور قد تيقَّن من حسن نوايانا خاصة بعد عملية خطف العصابة.
قال «إيفانز»: هذا صحيح، لكنني الآن مخطوف أيضًا، ولا أدري إلى أين يمكن أن أصل؟
ابتسم «أحمد» ابتسامةً عريضة وهو يقول: سيدي، إنني لا أريد أن أكشف عن شخصيتي، لكن سوف تعرف كلَّ شيء عندما نَصِل إلى هناك.
قال «إيفانز» على الفور: ماذا تعني بكلمة هناك؟!
فكَّر «أحمد» لحظة سريعة، ثم قال: إلى حيث المقر الجديد، الذي سوف تعيش فيه، حتى تنتهيَ الأزمة.
تساءل «إيفانز»: وهل هناك أزمة؟!
كان «أحمد» يحاول أن يهدِّئَ من أفكار «إيفانز»؛ فهو يستطيع في أيِّ لحظة أن يستنجد بأمن الطائرة، وساعتها سوف يكون الشياطين في موقف صعب؛ لأنهم سوف يكونون كالإرهابيِّين تمامًا، خصوصًا وأن «إيفانز» عالِمٌ له مكانته العلمية والعالمية أيضًا. ولذلك قال «أحمد» في هدوء: سيدي، هناك أزمة اختطافك، أليست هذه أزمة؟!
تردَّد «إيفانز» لحظة، ثم قال: لكنني مخطوف الآن أيضًا، أليست هذه أزمة أخرى؟!
أخفى «أحمد» ضحكته وهو يقول: بالعكس يا سيدي، سوف تجد مكانك الحقيقي، وسوف تكون في أمان كامل.
تنهَّد «إيفانز» وهو يقول: أرجو أن يكون ما تقوله صحيحًا.
كانت الطائرة قد أخذت مسارها في الجو. جاء صوت كابتن الطائرة يرحِّب بالمسافرين ويتمنَّى لهم رحلة هادئة، ويقول إنهم الآن يطيرون على ارتفاع ٣٣ ألف قدَم، وإن الطائرة سوف تقطع الرحلة في ثلاث ساعات ونصف.
فجأةً، انقطع صوت الكابتن. وجاء صوت آخر يقول: أرجو ألَّا تنزعجوا، وألَّا يتحرك أحد من مكانه.
نظر «أحمد» بسرعة إلى اتجاه كابينة الطائرة، ثم إلى مؤخرتها … وفَهِم كلَّ شيء. كان هناك أربعةٌ من الشباب الملثَّمين. يحمل كلٌّ منهم مدفعًا رشاشًا، فعرف أن الطائرة قد تعرَّضت لعملية اختطاف إرهابية … همس «إيفانز» قائلًا: ماذا حدث؟
ابتسم «أحمد» حتى يخفف وقْعَ الكلمات على «د. إيفانز»، وقال: إننا جميعًا مختطفون الآن!
دُهش «د. إيفانز» لحظة، ثم انفجر في الضَّحك. لكنَّ صوتًا صارمًا شرسًا، قال في صراخ: اصمت، لا أريد أن أسمع صوتًا.
سكت لحظة ثم قال: مَن يرتفع صوته، فسوف يلقى نهايته.
قطع «إيفانز» ضحكتَه، ونظر إلى «أحمد» في خوف إلا أن «أحمد» ابتسم ابتسامة واثقة، وهو يهمس: لا تخشَ شيئًا، سوف يكون كل شيء على ما يرام.
نظر الشياطين إلى بعضهم نظراتٍ فهموها. كانوا يقولون إنه لا يمكن عمل شيء الآن؛ ففي الجو يكون من الصعب أن تحدُثَ أيُّ مقاومة.
فكَّر «أحمد»: هذه أول مرة نتعرض فيها لعملية اختطاف، وإن هذه مغامرة جديدة فعلًا، وعليهم أن يُحسنوا التصرف، وإلا فإن كلَّ شيء سوف ينتهي نهاية سيئة، فقد يفجِّروا الطائرة، أو تكون نهاية الشياطين الثلاثة على الأقل.
فجأةً، قطع تفكيرَه صوتُ طَلْقٍ ناري، وعندما اتجه ببصره إلى مصدر الصوت، كان أحد الرجال يتهاوى على الأرض. وجاء صوتُ أحدِ الشباب الملثَّمين يقول: هذه نتيجة مَن يحاول المقاومة، يجب أن تكونوا هادئين، لا يحدث لكم شيءٌ إذا ظللتم هادئين.
انكمش المسافرون كلٌّ في مكانه، وبكَى طفل صغير، وارتفع بكاءُ سيدة. فجأة قطع البكاءَ صوتُ الميكروفون الداخلي: إنني أتحدث إليكم بوصفي قائد المجموعة، إن لنا مطالب سياسية، وليست مادية، إن لنا زملاء في السجن في «جواتيمالا»، وأمريكا فقط هي التي تستطيع أن تفرج عنهم. أرجو ألَّا تخشَوا شيئًا، وساعدونا حتى نستطيعَ أن نحقِّقَ هدفنا. إنني أعرف أن بالطائرة عشرين راكبًا أمريكيًّا، وهؤلاء هم الذين سوف يساعدوننا. ولكن إذا تصرَّف أحدٌ تصرُّفًا يسيء إلى خُطتنا، فسوف نضطر إلى نسف الطائرة تمامًا.
سكَت لحظة ثم أضاف: إننا سوف نتَّجه إلى جزيرة «مايوركا». وهناك، سوف تبدأ المفاوضات.
سكت قائد المجموعة الإرهابية. وفكَّر «أحمد»: ولماذا خطف طائرة بركاب مدنيِّين مسالمين؟! وما ذنب هؤلاء الناس العاديِّين في صراع السياسة والحرب؟!
نظر الشياطين؛ فقد بدأت خطة تتكون في أفكار الثلاثة، من أجل إنقاذ الطائرة، وإنقاذ مغامرتهم، وإنقاذ عالِم كبير مثل الدكتور «إيفانز».