الشياطين ينقذون الموقف!
كان القلق يسيطر على الجميع. نظر «أحمد» في ساعته، ثم قال في نفسه: إننا نقترب من مطار «بالما» في جزيرة «مايوركا»، إن هذه هي فرصتنا الأخيرة، لإنقاذ الطائرة بمن عليها.
استغرق في التفكير، كان يقول لنفسه: إننا نحتاج إلى مجموعة من الشياطين، تقوم بعملية اقتحام في خارج الطائرة. أو على الأقل، تكون جاهزة في مكان قريب، فربما تحتاج الأحداث إلى وجودهم. غير أن ذلك لن يتحقق الآن، يجب أن تَصِل الطائرة أولًا إلى الأرض. ثم نبدأ في التنفيذ. لكن هل الوقت سوف يكون كافيًا لوصول الشياطين إلى مطار «بالما»؟
جاء صوت قائد المجموعة الإرهابية يقول: اربطوا الأحزمة؛ فسوف نهبط بعد قليل.
أسرع المسافرون يربطون الأحزمة، كانت العيون تلتقي في خوف؛ فأيُّ خطأ يمكن أن يؤديَ إلى النهاية.
لم يمضِ وقتٌ طويل، حتى كانت الطائرة تأخذ طريقها إلى أرض المطار. وعندما استقرت تمامًا، نظر «أحمد» من نافذة الطائرة، فعرف أن اتصالًا ما قد حدَث بين الطائرة والمطار. كانت هناك سيارات إطفاء، وسيارات إسعاف، ومجموعة كبيرة من رجال الشرطة المسلَّحين. وضع يده في جيبه، ثم أرسل رسالة شفرية إلى رقم «صفر»، الذي ردَّ بسرعة: لقد تحركت مجموعة تضم «خالد» و«باسم» و«قيس» و«بو عمير» إلى «بالما» بطائرة خاصة، ومعهم خطة كاملة لاقتحام الطائرة، مع حرية في التعديل، حسب الظروف.
نقل «أحمد» معنى الرسالة إلى «رشيد» في نفس الوقت، كان يفكِّر أن مباحثات تدور الآن داخل كابينة القيادة وسلطة المطار. وهو لا يعرف ماذا يدور، ولو أنه عرف فربما كانت له أفكارٌ تصلح للتفاهم.
فجأة، فُتح باب الطائرة. وصرخ أحد الملثَّمين في راكب كان يبدو أمريكيًّا، فوقف الراكب، وتقدَّم تبعًا لتعليمات الملثَّم، حتى وقف عند باب الطائرة المفتوح. فجأة، انطلقت مجموعة طلقات من المدفع الرشاش الذي يحمله، فسقط الراكب خارج الطائرة.
عرف «أحمد» أن السلطات رفضت الخضوع للإرهابيِّين، وأنهم ينفذون تهديدهم.
فجأة، مرة أخرى، صرخ أحد الملثمين في راكب آخر، فتقدَّم رافعًا يديه إلى أعلى، واتجه إلى الباب. أعطى ظهره للطائرة، ووجهه للخارج. كان وجهه يلمع تحت ضوء المطار، وقد غطاه العرق … فجأة تردد صوت المجموعة في الميكروفون: واحد … اثنان … ثلاثة.
فدوَّت عدة طلقات سقط بعدها الراكب خارج الطائرة. كان «إيفانز» يرتعد وهو يجلس في مقعده.
همس له «أحمد»: سيدي الدكتور لا تَخَف، إن كل شيء سوف يكون على ما يرام بعد قليل.
نظر له «إيفانز» لحظة، ولم ينطق بكلمة واحدة … فجأة، شعر «أحمد» بحرارة جهاز الاستقبال، فعرف أن هناك رسالة. تلقَّى الرسالة، وكانت من الشياطين. كانت الرسالة تقول: «إننا الآن في المطار، سوف نقتحم الطائرة من باب البضائع، الموجود في مؤخرة الطائرة، سأعطيك إشارة بلحظة الهجوم.»
ابتسم «أحمد» ابتسامة خفيفة … ثم نظر إلى «رشيد»، وهمس: لقد بدأ التنفيذ.
اتسعت عَينا «رشيد» وهو يهمس: ماذا تعني؟
ردَّ «أحمد» هامسًا: أعني أن الشياطين في المطار الآن … وسوف يَصِلنا موعد الاقتحام حالًا.
نظر «أحمد» إلى «عثمان» نظراتٍ لها معنى. فَهِمها بسرعة، ثم ابتسم … قال «أحمد» للدكتور «إيفانز»: بعد قليل، سوف ينتهي كلُّ شيء.
سكت لحظة، ثم أضاف: عندما أتحركُ، انزلْ بسرعة تحت المقعد، حتى تكون بعيدًا عن مرمى الرصاص.
ملأت الدهشةُ وجهَ «إيفانز»، وكاد ينطق، إلا أن «أحمد» أسرع يقول: لا داعي لأي شيء … عليك أن تنفِّذ ما قُلتُه لك فقط.
مرَّت دقائق ثقيلة، ثم فجأة دوَّى صوت الميكروفون: الضحية الثالثة.
صرخ الملثَّم في أحد الركاب، فوقف، واتجه إلى الباب، لكنه لم يستطع أن يصل إليه، فقد سقط مغمًى عليه.
صرح الملثم في آخر، فاتجه إلى الباب. في نفس الوقت الذي تقدَّم فيه أحد الملثمين، فحمل الراكب الذي أُغميَ عليه … ثم قذف به خارج الطائرة … انتهزها الراكب الآخر فرصة، ثم قفز، إلا أن طلقات الرصاص تدافعَت خلفه.
كان قلب «أحمد» يعتصر ألمًا لما يدور، وكان ينتظر بفارغ الصبر لحظةَ اقتحام الطائرة. أرسل إلى الشياطين يقول: ينبغي الإسراع بالاقتحام؛ فهم يقضون على الركاب الأبرياء الواحد بعد الآخر.
وبسرعة، جاء الرد: «بعد خمس دقائق سوف تتم العملية.» نظر «أحمد» إلى «رشيد»، ثم إلى «عثمان» … وبعينَيه نقل إليهما ساعة الاقتحام، تحفَّز الثلاثة؛ أمسك «أحمد» يد «إيفانز» وظل يرقُب الساعة، مرَّت دقيقة، دقيقتان، ثلاثة.
همس «إيفانز»: ماذا هناك؟
رد «أحمد» بحزم: اسكت.
فجأةً، دوَّت قنبلة دخان داخل الطائرة، فصنعت ما يُشبه الضباب. في نفس اللحظة، كان «أحمد» و«رشيد» و«عثمان» قد قفزوا من أماكنهم في اتجاه الملثَّمين. ضرب «عثمان» أقربهم إليه ضربة قوية فانحنى لقوة الضربة. وتردَّدت طلقات الرصاص من مدفعه الرشاش، لكنها كانت في أرض الطائرة.
كان «أحمد» قد قفز سريعًا إلى حيث كابينة القيادة، حيث يوجد قائد المجموعة الإرهابية. وعندما بدأ الدخان يتسرَّب، أسرع قائد المجموعة الملثم خارجًا، إلا أن «أحمد» كان في انتظاره. فقبل أن يخطوَ خطوة واحدة، كانت يدٌ كالمِطْرقة، قد قابلَته فأصابته، وقبل أن يتحرَّك أيَّ حركة كان «أحمد» قد عاجله بضربة أخرى أكثر عنفًا، جعلَته يصطدم بجدار الطائرة، ثم يسقط على الأرض، صرخ «أحمد» في أحد الركاب: أوثِق يديه.
إلا أن كابتن الطائرة كان أسرع، فلوَى ذراعَي قائد الإرهابيِّين، عاد «أحمد» سريعًا إلى مؤخرة الطائرة، حيث كان يتركَّز الإرهابيون. لمح «بو عميرة» وهو يُمسك أحدَ الملثَّمين ويضربه بشدة. بينما كان «باسم»، قد دخل معركة مع ملثم آخر.
في نفس الوقت كان الركاب يهربون من الباب بسرعة … كان الضباب قد بدأ يتكاثف، أكثر فأكثر … بينما طلقات الرصاص تتوالى، لكنها كانت في جسم الطائرة، أو في فراغ الباب المفتوح.
نظر «أحمد» خلفه، فوجد قائد الطائرة طلب منه أن يُديرَ المحركات ويُدير أجهزة التكييف … أسرع القائد بتنفيذ التعليمات … بينما أسرع «أحمد» إلى حيث تدور المعركة بالأيدي بين الملثمين والشياطين الذين كانوا يسيطرون على الموقف تمامًا.
كان «عثمان» قد سدَّد ضربة قوية إلى أحدهم. فتراجع في اتجاه «أحمد»، لكنه اصطدم بمسند أحد المقاعد، فسقط على الأرض. عاجله «أحمد» بضربة قوية جعلَته يفقد حركته تمامًا.
أخذ الدخان يخفُّ شيئًا فشيئًا … وبدأت الأشياء تظهر بوضوح، كانت المعركة قد أوشكَت على الانتهاء … فلم يكن هناك اشتباك إلا بين «رشيد» وأحد الملثمين.
كان رجلًا نحيلًا، لكنه يبدو في صلابة الحديد. ضرب «رشيد» ضربة عنيفة … جعلَت «رشيد» يترنَّح، إلا أن «باسم» القريب منهما كان أسرع إليه، فطار في الهواء فوق مساند المقاعد وكأنه السهم، ثم اصطدم به، فأوقعه على الأرض. وبسرعة كان «بو عمير» قد دخل معه معركة حامية جدًّا ووجَّه له ضربات متلاحقة.
كان الدخان قد انتهى تمامًا، ولم تكن هناك سوى بقايا المعركة. الملثمون وهم فوق الأرض بلا حراك، وقِطَع متناثرة من سقف الطائرة والمساند والمقاعد.
دخل رجال الشرطة المسلحون، ولم يكن هناك سوى الشياطين يبتسمون بعد أن أنقذوا كلَّ شيء.
فجأةً، أسرع «أحمد» إلى حيث كان يجلس «د. إيفانز»، فلم يجده فوق مقعده. أسرع ينظر تحت المقعد، فامتلأ وجهُه بالدهشة، لم يكن «إيفانز» موجودًا. وقف بسرعة ونظر في اتجاه الشياطين … كانت الشرطة قد قبضَت على الملثمين، ولفت نظر «أحمد» أنهم كانوا يريدون مغادرة الطائرة بسرعة … قفز في اتجاههم وقال بسرعة: هناك كارثة سوف تحدث الآن، ثم نادى: «د. إيفانز» أين أنت؟ إن الطائرة سوف تحترق.
انتظر لحظة، كان الملثمون يتدافعون خارجين من باب الطائرة، فصرخ «أحمد»: أسرعوا أنتم أيضًا، حتى لا نضيع.
ثم قفز هو الآخر خارجًا من الباب. كانت أرض المطار مزدحمة بكل شيء، كان «أحمد» يشعر بالأسَى، فهو لا يعرف أين يوجد «د. إيفانز» الآن. عندما ابتعد الجميع عن الطائرة لمح ابتسامة على وجه أحد الملثَّمين. ولم تمرَّ دقيقة، حتى دوَّى انفجار رهيب … ثم اشتعلت النيران في الطائرة.
عرف «أحمد» أن الملثمين كانوا قد جهَّزوا لنسف الطائرة، وها هي قد نُسفت أخيرًا.
تجمَّع الشياطين معًا. كان يبدو على «أحمد» و«رشيد» و«عثمان» الأسف، بينما كانت سيارات الإطفاء قد اتجهت إلى الطائرة بسرعة.
سأل «بو عمير»: أين «د. إيفانز»؟
لم يجد «أحمد» ما يقوله؛ فقد أيقن أنه قد ضاع في حريق الطائرة.
لكن فجأة، كان «د. إيفانز» يقف بينهم مبتسمًا. ثم احتضن «أحمد» وهو يقول: إنني مدين لك بحياتي.
نظر له «أحمد» مذهولًا، فقال «إيفانز» مبتسمًا: لقد نفذتُ ما قلتَه لي، واختبأتُ أسفل المقعد، لكن عندما تدافع الركاب خارجين أسرعت واندسَسْت بينهم خارجًا؛ فقد أيقنت أن المختطفين سوف يفجِّرون الطائرة في أي وقت.
احتضَنه «أحمد» في سعادة … ووقف الجميع يرقبون رجال المطافئ وهم يحاولون التغلب على النيران.
أسرع «أحمد» يرسل إلى رقم «صفر»: انتهت المغامرة بنجاح، نحن في الطريق.
ثم أخذوا طريقهم إلى حيث تقف الطائرة الخاصة للشياطين. وعندما استقروا فيها، قال «د. إيفانز» مبتسمًا: كنَّا سنهرب من العصابة إلى الجحيم.
رد «أحمد» في هدوء: الشياطين لا يقفون في الجحيم أبدًا.
ودارت محركات الطائرة متجهة إلى المقر السري!