نظرة على السياسة الجغرافية
توجد مؤلفات هائلة ومتزايدة حول الاحترار العالمي تتناول الموضوع من كل منظور يمكن تخيُّله تقريبًا. في هذه الظروف، ربما يتساءل المرء عمَّا يمكن تعلُّمه من إعادة تركيز النقاش الحالي من منطلق الخلاف السابق عن الطاقة والبيئة؛ الجدل الذي أثير حول حدود النمو في سبعينيات القرن العشرين. توجد في الواقع بعض الدروس المفيدة التي يمكن استقاؤها من هذا الجدل السابق، وسوف نعرضها فيما يلي في هذا الفصل. وعلاوة على ذلك، توجد فوائد من عرض المناقشة الحالية من منظور «المنفعة العامة» الدولية، وهي الفئة التي لم تكن موجودة قبل الآن. ومن أجل تقديم خلفية تحليلية جديدة للمناقشة، سنستكشف أيضًا ما يمكن أن يعلِّمنا إياه هذا الإطار عن ضرورة تدشين مثل هذه المنفعة العامة وتحقيق الاستدامة لها. يمثِّل هذان المنهجان لتناول موضوعات تغيُّر المناخ والتحكُّم فيه البنيةَ الأساسية لهذا الفصل، وسنزيد جزءًا ختاميًّا حول الجدل السياساتي الذي يمهد الطريق للفصول التالية المتخصصة على نحو أكبر.
(١) هل توجد حدود للنمو؟
كان وضع نموذج جديد للنمو ضروريًّا على ما يبدو، على الرغم من عدم وضوح ما قد يكون عليه هذا النموذج أو إن كان أيٌّ من النماذج البديلة أكثر قابلية للتطبيق أو أكثر قبولًا، لا سيما في العالم الثالث، من قابلية النموذج الحالي للتطبيق أو قبوله. وأزمة النفط التي اندلعت بعد حرب «يوم كيبور» في عام ١٩٧٣ في الشرق الأوسط — الزيادة التي وصلت إلى ٥٠٠ بالمائة في أسعار النفط في غضون بضع سنوات قصيرة — ساهمت بلا شك في النظرة المتشائمة التي سادت الجدل حول نضوب الموارد وارتفاع الأسعار والصراع والاضطراب العالمي المحتمل. وعلاوة على ذلك، أثارت أزمة النفط في ذلك الوقت بعضَ ردود الفعل المتطرفة من جانب البلاد المستهلكة، والتي تمثِّل تحذيرًا مفيدًا حول أخطار الهستيريا تحت الضغط؛ إذ دعا البعض لغزو المملكة العربية السعودية وبلاد الخليج الأخرى بناءً على مبدأ أنهم لا يمتلكون الموارد الموجودة تحت أراضيهم، ونادَى آخَرون إلى استخدام الغذاء كسلاح، على ما يبدو، لتجويع السعوديين وغيرهم؛ لإجبارهم على خفض الأسعار أو القيام بذلك؛ خوفًا مما قد تفعله الولايات المتحدة أو ما قد يفعله الآخَرون. ويبدو أن وصفات الكوارث والفوضى تلك لم تتخطَّ قطُّ نطاقَ المقالات الرنانة في مجلات مثل «كومنتاري»، ولكنها خوَّفت السعوديين بالفعل ودفعتهم لمحاولة زراعة الحبوب الغذائية لأنفسهم بتكلفة عالية جدًّا في صحارى قاحلة للغاية.
أسهم كتاب «حدود النمو» بالفعل إسهامًا كبيرًا في ظهور وتعميق الحركة البيئية، وقدَّمَ على ما يبدو تحذيرًا حول الآثار المترتبة على النموذج السائد للنمو الاقتصادي. لم يكن التحذير ينصُّ على أن كل شيء كان سينفد فجأةً، أو أن الانهيار حتمي في تاريخ معين، بل تناول التحذير في شكل ضمني حدودَ السرعة؛ إذا كان الكتَّاب مُحِقُّون، فإننا كنَّا نتجاوز السرعات الآمنة في استخدامنا الموارد وضغْطنا على البيئة، وسندفع — كلنا — ثمنًا باهظًا إذا لم نصلح أساليبنا بسرعة. ولكن «حدود النمو» والكثير من نماذج (أو مجادلات) التشاؤم الأخرى التي أوجدها وبدا أنه يبرِّرها، أثارت أيضًا ردودَ فعل سلبية قوية من عدة مصادر رئيسية؛ هي: العالم الثالث، والكثير من الاقتصاديين الكلاسيكيين الجدد، وبعض العلماء المختلفين في الرأي الذين رأوا أن هذه الرفاهية والتصنيع مفيدان بالنسبة للبيئة والفقراء في نهاية المطاف؛ وذلك في الواقع يَقْلب حجج المتشائمين رأسًا على عقب.
كان موقف العالم الثالث أيديولوجيًّا إلى حدٍّ كبير؛ فمن الصعب العثور على أيِّ تحليلات محددة بوضوح ومدروسة من الناحية المفاهيمية للآثار المترتبة على الحدود الحقيقية أو المزعومة للنمو من قِبَل محلِّلي العالم الثالث. ما بَدَا أن الكثيرَ من زعماء العالم الثالث ومثقفيه يعتقدونه هو — لا إراديًّا تقريبًا — أن الجدل كله كان مؤامرة من جانب الدول المتقدمة الغنية للحفاظ على قوتها وازدهارها، عن طريق إخبار البلدان النامية أن عليهم التخلي عن نموذج النمو الذي نجح جيدًا في الماضي، وبَدَا أنه النموذج الوحيد الذي من شأنه أن يضع البلدان النامية على نفس الطريق نحو تحقيق الثروة وارتفاع مستويات الدخل. فإذا تخلَّتِ البلدان النامية عن هذا النموذج، الذي يمثِّل التصنيعُ السريع أحدَ مكوناته، فماذا يمكن أن يحل محله؟ وإذا استخدموا الموارد على نحو أكثر اعتدالًا، فكيف سيتغلبون على الفقر؟
في الواقع، لم يركِّز جدول أعمال العالم الثالث على استنفاد الأوزون أو الاحترار العالمي (باستثناء بعض الدول الجزرية المهدَّدة)، بل ركَّزَ على قضايا مثل انخفاض الإنتاجية الزراعية، والتلوث بالكيماويات السامة، وقبل كل شيء النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل والوصول التفضيلي إلى الأسواق والمزيد من المساعدات الخارجية. إضافة إلى ذلك، كان هناك جهد متواصِل لإلقاء اللوم في أزمات الطاقة والأزمات البيئية على العالم المتقدم، والإصرار على أن الدول المتقدمة كانت بناءً على ذلك مسئولة عن التكاليف الكاملة لإصلاح الضرر. وكان اتجاه الصين والهند وغيرهما من البلدان النامية لأنْ يكونوا مساهمين كبارًا في كلتا الأزمتين يُعتبَر مشكلة مستقبلية، وليس المشكلة الرئيسية حول مَن كان مسئولًا عن خلق المشاكل الموجودة الآن.
وكان جزء من مقاومة العالم الثالث مجرد رغبة في إجبار الدول المتقدمة على زيادة المساعدات الخارجية والاستثمار المباشِر، وزادها ما بين النخب من مخاوف من أنه قد يسبب أيُّ تغيير فقدانَهم للسيطرة المباشرة على كيف وأين ينبغي إنفاق أموال المساعدات. عكَسَ جزءٌ آخَر من المقاومة فكرة أن الاهتمام بالبيئة ترفٌ لا يمكن لهذه البلدان تحمله بعد. وهذا يتشابه أيضًا مع الحجة التي كانت مألوفة من قبلُ، والتي كان يقدِّمها الكثير من النخب الحاكمة، والتي مفادها أن الديمقراطية والمنافسة السياسية من الرفاهيات التي لا يمكن للبلدان الفقيرة تحمُّلها. كانت هذه الحجة الأنانية ستصير أكثر منطقيةً إذا كانت النخب الحاكمة استخدمت قوتها بالفعل من أجل الصالح العام، ولكنها للأسف أساءت استخدام قدر كبير من هذه القوة لمجرد الاحتفاظ بالسلطة ومكافأة الأصدقاء وإبعاد الأعداء المحتملين. علاوة على ذلك، نظرًا لحقيقة أن الكثير من الموارد التي كانت في طريقها للتعرُّض لأن تكون شحيحة تكمن في العالم الثالث، كان هناك أيضًا أمل في أنها ربما تستفيد في الواقع من زيادات الأسعار الناتجة، كما حدث مع النفط.
قدَّمت هذه الحجج نقدًا مفيدًا لبعض نقاط الضعف في نماذج حدود النمو؛ كانت المبالغة في التبسيط تهمة ملائمة بشكل خاص لأن النماذج أسقطت الكثير جدًّا من الأمور، على الأصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، أو تجاهلَتْها. مع ذلك، في حين أظهرت السوق ازدهارًا كبيرًا، كان النقاد — الذين أسندوا حجتهم إلى الطريقة التي ينبغي للسوق أن تعمل وفقًا لها، أو ربما التي تعمل وفقًا لها بالفعل — يسقطون أيضًا بعض الاعتبارات الرئيسية. ربما تستجيب الأسواق لمؤشرات الأسعار، لكنها كثيرًا ما تفعل ذلك مع فجوة زمنية خطيرة، وربما تكون النظم السياسية والرأي العام أكثر بطئًا، خاصة عندما تقاوم المصالح القوية التعديل ويظل عدم اليقين الفكري سائدًا. لا يمكننا ببساطة الوثوق ثقة عمياء في أن قدرة الإنسان على الابتكار لا تنضب، وأنها سوف توفِّر الحلول في الوقت المناسب، وأن الإجحاف المحتمل من بعض التعديلات قد يكون أيضًا مصدرًا آخَر للتأخير، وربما تحدث الأزمات بصدمات حادة مفاجئة، وليس تدريجيًّا مع وجود وقت للتكيُّف.
هذا لا يعني القول بوجود اتفاق كامل في الآراء بشأن جميع هذه القضايا. على العكس من ذلك، هناك درجة معينة من الاختلاف في كل قضية تقريبًا، ولكن الاختلافات ليست شديدة كما كانت من قبلُ. حتى أشد مؤيدي السوق الحرة يرون الآن ضرورة العمل على حماية البيئة، وأدرك معظم مناصري حماية البيئة أن هناك حاجة لنوع من نمو الدخل. يتعلق الكثير من الخلافات الآن بخيارات سياساتية محددة ومقايضة صعبة بين القيم المختلفة، حتى مع إقرار كلا الجانبين أن القضايا العلمية والفنية التي لا تزال دون حل، والتي تحتاج إلى توضيح، لا ينبغي أن تُستخدَم لتسويغ التقاعس التام عن العمل. القضية الرئيسة هي كيفية التوفيق بين هدفين مشروعين بالدرجة نفسها، ولكن يحتمل أن يكونا متباينين؛ النمو المستمر للدخل والتخفيف من الفقر مقابل حماية البيئة من أسوأ آثار النمو وحمايتها من استمرار الاعتماد على الوقود الكربوني. يوجد بصيص من الأمل يطل من إمكانية وضع نوع جديد من استراتيجيات النمو النوعية، ولكن حتى إذا وُضِعت هذه الاستراتيجية، فإنه ليس من الواضح أنها ستلقى قبولًا من البلدان المتقدمة أو النامية، في ضوء الظروف الاقتصادية المحفوفة بالمخاطر ومقاومة المصالح القائمة.
ماذا يمكن أن يُقال عن هذه الحجة؟ في المقام الأول، إذا ما وُضِعت هذه الحجة في السياق مع الحجج السابقة، فليس من الصعب رؤية السبب في أنه حتى المراقبون الأذكياء يمكن أن يختلفوا حول الاحترار العالمي وأزمة الطاقة. يوجد على ما يبدو حجج معقولة تدعم الكثير من السياسات المختلفة، وما يتم اختياره في كثيرٍ من الحالات يعكس على الأرجح أيديولوجيات شخصية وتفسيرات للمصلحة الذاتية، بل أيضًا مجموعة الإحصاءات التي سيتم التركيز عليها. ثانيًا، تقدِّم حجة أوزوبيل وواجنر بطرق عديدة للبلدان النامية حلمًا طالما روادَهَا؛ فلا تخبرها فحسب أن المنهج المعياري للتنمية الاقتصادية لا يزال أفضل وسيلة لتحقيق النمو والازدهار — فلا حاجة للمخاطرة بتطبيق نظريات جديدة غير مجرَّبة — ولكن تخبرها أيضًا أنه سيُنتِج في يوم من الأيام نتائج بيئية أفضل. أخيرًا، حتى لو انخفضت كثافات الاستخدام بصورة مطردة كما أشار أوزوبيل وواجنر، فماذا سيحدث للاحترار العالمي مع تواصل هذا الإيقاع السريع للتصنيع؟ ماذا لو ثبت أن هذا الإيمان بأن السوق سوف توفر بدائل كافية للموارد التي تزداد ندرتها وارتفاع ثمنها اتضح أنه مفرط التفاؤل؟ وماذا لو عرقل الاضطراب الاقتصادي والصراع السياسي وعدم الاستقرار الاجتماعي التوجه نحو «إزالة الكربون» قبل حدوث الرفاهية والتحسينات البيئية؟ باختصار، في الوقت الذي يقدِّم لنا فيه أوزوبيل وواجنر صورةً للنجاح على المدى الطويل، فإنهما يتجاهلان كل المخاطر والصعوبات على المدى القصير التي قد تجعل استنتاجاتهما نظرية بحتة.
(٢) المنافع العامة والأضرار العامة
عندما نتحدث عن المنافع العامة نعني المنافع غير التنافسية؛ أيْ إن استهلاكها من قِبَل طرف واحد لا يقلِّل المعروض من المنافع للآخَرين. والمنافع العامة أيضًا لا تقبل الاستبعاد؛ أيْ لا يمكن استبعاد أيِّ شخص من استخدام المنفعة. وتشمل المنافع العامة تقليديًّا أمورًا مثل الدفاع الوطني والمنارات ونظام المدارس العامة ونظام الطرق السريعة بين الولايات. ومع ذلك، توجد أشكال أخرى من المنافع العامة. منافع النادي غير تنافسية ولكنها تقبل الاستبعاد؛ وتشمل الأمثلة عليها: المتنزهات الوطنية وملاعب الجولف العامة والطرق السريعة التي تتقاضى رسومًا من المستخدم. والنوع الآخَر الذي يُوصَف بأنه تنافسي ولكن لا يقبل الاستبعاد هو ما يُطلَق عليه «موارد الممتلكات العامة»؛ وتشمل الأمثلة عليه مصايد الأسماك في أعماق البحار أو استنفاد مناطق الرعي المشتركة من خلال الإفراط في استخدامها، وكثيرًا ما يشار إلى هذا الحدث الأخير بأنه «مأساة المشاعات». ونظرًا لأن الأسواق غير منسقة وتقودها المصلحة الذاتية الفردية، فإنها تفشل أحيانًا في إنتاج المنافع العامة أو في إنتاج جزء من اللازم منها. ونتيجة لذلك، عادة ما تتولى الدولة إنتاج المنافع العامة، ولكن يمكن أيضًا أن يتولى في بعض الأحيان إنتاج هذه المنافع جهاتٌ فاعلة جماعية من غير الدول مثل الكنائس أو المنظمات غير الحكومية مثل نادي سييرا أو الصليب الأحمر؛ أو بالطبع قد لا تُنتَج على الإطلاق. والجهات الفاعلة التي تستخدم المنفعة أو تستفيد منها ولكن لا تدفع مقابل صنعها أو صيانتها تُوصَف بأنها «منتفعة بالمجان». إن الحافز للتخلي عن تصنيع المنفعة العامة وعدم دفع حصة عادلة من تكلفة إنتاجها، يمكن أن يكون عاليًا جدًّا إذا لم تكن المنافع كبيرة أو كانت عقوبات عدم الامتثال ضعيفة أو يسهل التهرب منها.
توجد أسئلة واضحة تطرأ فيما يتعلق بإنتاج المنافع العامة: كم يلزم إنتاجه من المنفعة؟ كيف ينبغي تمويل إنتاجها؟ في ظل الشكوك التي تكتنف قاعدة المعرفة العلمية التكنولوجية في المستقبل، يوجد أيضًا سؤال حول كيفية الحصول على أيِّ نوع من أنواع المعرفة لتبرير عملية صنع منفعة عامة سيجري تنفيذها على نحو فاعل. في الواقع، يمكن للشكوك حول تكاليف ومخاطر عدم الامتثال أو التطورات غير المتوقعة أن تقوِّض إنتاج المنافع العامة. لماذا تُدفَع هذه التكاليف أو يُلتزم بالامتثال لها إذا كانت المخاطر والتكاليف مرتفعة واحتمالية عدم الامتثال لها عالية؟
عادة ما تقتصر مناقشة المنافع العامة على الدول القومية، وتظهر بالفعل في مجال المالية العامة. ولكن ما رأيناه على نحو متزايد في الثلاثين أو الأربعين سنة الماضية مع العولمة هو أن العوامل الخارجية السلبية — التكاليف الإضافية للإجراءات الاقتصادية — تتحملها الدول المجاورة عبر الحدود على نحو متزايد. وهكذا أصبح السعي من أجل المنافع العامة العالمية بؤرة اهتمام جديدة؛ ليس فقط بسبب «تجاوز» العوامل الخارجية حدود الدولة، ولكن أيضًا لأن المخاطر النظامية العالمية أصبحت مساحةَ قلق متزايدة. إن الأزمة الاقتصادية الحالية وعدم القدرة الواضحة للبنية المالية العالمية على التعامل معها يوضحان الخطر الكامن في نطاق واحد من الإخلال بتوفير مثل هذه المنافع. وتعد نقاط ضعف النظام المتزايدة في ردع الانتشار النووي مثالًا آخر لعواقب عدم ابتكار منفعة عامة عالمية فاعلة. وبطبيعة الحال، تتمثل مشكلة النظام الدولي في أن الانتفاع بالمجان يمكن أن ينتشر؛ فالغش سهل للغاية مع غياب نظام عقوبات قوي وغياب أيِّ هيئات مخولة لردع الانتهاكات أو لفرض عقوبات على عدم الامتثال.
شاركنا في جدل علمي وفني حول حجم المشاكل في مجال الطاقة والبيئة، وجدل سياسي حول وسيلة تحقيق التعاون وتوزيع التكاليف والفوائد، وجدل أخلاقي حول الإنصاف والمسئوليات حيال أجيال المستقبل، والمطالبات الجوهرية للبيئة نفسها. توجد خلافات حول كل هذه الأمور، ولكن بعضها شديد والآخَر يوجد به درجة من التقارب. الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الجميع تقريبًا هو أن أيًّا من المشاكل في هذه العوالم المعقدة لا يمكن حلها من جانب واحد أو عن طريق مجموعة صغيرة نسبيًّا من الدول؛ المطلوب فعليًّا هو درجة كبيرة وغير مسبوقة من التعاون الدولي. فالأزمات العالمية أو الإقليمية لا يمكن تركيزها أو احتواؤها ضمن الحدود الوطنية، كما أوضحت مشكلتا الأمطار الحمضية وتشيرنوبل بطرق مختلفة. وحتى لو أثبت الأمن الجماعي عدم نجاحه أو عدم فاعليته، ربما يجب وضع نظام مختلف لأمن الطاقة والأمن البيئي الجماعي.
- (١)
غياب الاتفاق الفكري.
- (٢)
التركيز على المدى القصير.
- (٣)
الرغبة في حماية درجة سيادة مستمرة في التناقص.
- (٤)
المؤسسات الدولية الضعيفة والفقيرة التي لا تستطيع أن تفرض بسهولة عقوبات على السلوك المنحرف.
- (٥)
الأيديولوجيات والتفسيرات المختلفة لأصحاب المصالح الوطنية والدولية.
- (٦)
التفاوت في القوة.
- (٧)
الصراعات المحلية والإقليمية.
- (٨)
الشكوك الوقائعية التي ترفع من مخاطر اتخاذ خيارات سياساتية واضحة.
- (٩)
القيود والهموم التي أوجدَتْها الأزمة الاقتصادية الحالية.
علاوة على ذلك، المارقون والمنتفعون بالمجان خطر لا مفر منه في مثل هذه الظروف. وباختصار، لدينا فجوة كبيرة جدًّا بين الطلب على وسائل أكثر فاعليةً لتحقيق درجات ضرورية ومفيدة من التعاون والقدرة على توفير ذلك دوليًّا. وكما ذُكِر سابقًا، نحن نتعامل مع الصراعات المثقلة بالانحياز القيمي بشكل أساسي، التي لا يمكن حلها إلا من خلال العملية السياسية. وربما يمكننا الحصول على منظور أفضل بشأن هذه القضايا إذا انتقلنا لمناقشة وجيزة حول مشكلة تحليلية مشابهة جدًّا، وهي عدم كفاية ما يتم توفيره من منافع عامة دولية. أو ربما سنتعلم شيئًا أكثر فائدةً، وهو أنه قد يكون من الضروري اتباع نهج مختلف لتحقيق التعاون.
في أغلب الأوقات كانت المنافع العامة الدولية أصعب بكثير في إنتاجها من المنافع العامة المحلية. وإضافة إلى العقبات المذكورة بالفعل، هناك بعض العوائق الأخرى التي تستحق تعليقًا وجيزًا. بطبيعة الحال، إن الإنصاف بين الأجيال قوة أضعف بين مختلف البلدان مما هي عليه في أيِّ أمة واحدة، وتوجد بالتأكيد بعض العادات والتقاليد المشتركة في النظام الدولي ولكن في السياق الحالي، فهي حتى الآن بدائية ومقصورة في الغالب على مجموعة صغيرة نسبيًّا من أنصار حماية البيئة الملتزمين. ولن تكون النصائح أو التحذيرات المخيفة من كارثة وشيكة كافيةً عندما يوجد الكثير جدًّا من المشاكل الأكثر إلحاحًا التي تتطلب الاهتمام. أخيرًا، توجد معضلة أساسية في جذور العلاقات الدولية، وهي أن غياب الثقة أكبر بكثير مما هو عليه في النظم المحلية، فإمكانية أن يتراجع الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى عن الالتزامات أكبرُ، ومن الصعب معرفة أو اكتشاف ما تعتزم الأطراف الأخرى القيامَ به، وتختلف المصالح اختلافًا كبيرًا في أبعاد كثيرة، وربما تتغير الظروف الأولية التي أدَّت إلى المفاوضات من الأساس؛ ما يولد الحاجة أو الرغبة في اغتنام الفرص الجديدة أو درء التهديدات الجديدة. وتتمثل إحدى نتائج ذلك في أن التركيز ينتقل أحيانًا من خلق المنافع العامة التي يصعب التفاوض حولها إلى التفاوض بشأن اتفاقات لدرء «الأضرار» العامة المتفق عليها بالتراضي. ومع ذلك، هذا أيضًا لم يكن سهلًا؛ فلاحظْ — على سبيل المثال — صعوبةَ تحقيقِ مستوًى حيويٍّ من التوافق بشأن وقف انتشار الأسلحة النووية، كما هو الحال مع إيران وكوريا الشمالية.
أشار بعض الباحثين إلى أن المؤسسات الدولية يمكن أن تتدخل في هذه المرحلة للمساعدة في التفاوض وصولًا لاتفاق دولي والمحافظة عليه. فوفقًا لرأيهم، يمكن لمثل هذه المؤسسات أن تساعد في التغلب على مشاكل الإجراء الجماعي من خلال توفير معلومات مهمة حول تفضيلات الأطراف، ومراقبة التنفيذ والإعلان العام عن عدم الامتثال للالتزامات، والمساعدة في التركيز على مبدأ الإنصاف وتحقيقه. للأسف، المؤسسات الدولية القائمة نادرًا ما توفِّر هذه الفوائد، والسياسةُ الداخلية داخل الدول هي الأكثر أهميةً. وعلاوة على ذلك، كان عدم الإقدام على إصلاح معظم المؤسسات الدولية خلال فترةِ تَولِّي كوفي أنان منصب الأمين العام للأمم المتحدة يعني أنها لا تزال ضعيفة، وتفتقر إلى الموارد، وتعاني سوء مستوى العاملين (على الرغم من كفاءة بعض المسئولين)، وأنها مقسومة بسبب الأيديولوجيات والمصالح مثل الدول نفسها.
(٣) وضع السياسات والمفاوضات
ربما تكون المقترحات حول عناصر مجموعة السياسات الشاملة مفيدة عمومًا لكنها تعاني اثنين من أوجُه القصور الرئيسية. ففي المقام الأول، إنها لا توفر توجيهًا مفيدًا لكيفية تحقيق الأهداف المنصوص عليها؛ في الواقع، هي أفضل بكثير من حيث كونها لا توضح شيئًا سوى السبب في أنه من غير المرجح أن تكون تلك السياسات نفسها مجدية من الناحية السياسية. ثانيًا، حتى لو افترضنا إمكانية الموافقة على حزمة تدابير شاملة، فإنها ربما لا تقدِّم أيَّ توجيه بشأن الهدف السياساتي الذي ينبغي أن تكون له أولوية على غيره. ما الذي ينبغي أن يأتي أولًا؟ وهل يصنع ذلك فارقًا؟ من المفترض أنه في عالم سياساتي ذي موارد شحيحة للغاية، يحتاج المرء بعض التوجيهات حول الأولويات و/أو المبادئ التي تتحدد من خلالها تلك الأولويات، فمجرد إعادة تسمية المشكلات بوصفها متعلقةً بالأمن لا يكفي.
سنناقش استراتيجيات التفاوض الممكنة في الفصل السابع وما يليه حتى الفصل العاشر، ولكن ربما تكون بعض التعليقات الأولية مفيدة في هذه المرحلة. أولًا: المفاوضات عبارة عن مسألة متعددة الأبعاد؛ فهي في الواقع بمنزلة مباريات شطرنج متعددة الأبعاد مع وجود لوحاتِ لعبٍ مختلفة، ولاعبين مختلفين عند كل لوحة، وتخطيطات واستراتيجيات مختلفة في كل مباراة. إن كيفية تحريك جميع المباريات في الاتجاه نفسه ليست واضحة، ولكن يجب وجود «توافق كافٍ» على الأقل على كل مستوًى قبل أن يصبح الاتفاق النهائي مُجديًا. وتعقيدات إرضاء الكثير جدًّا من المصالح في نفس الوقت تشير إلى سعي للخيارات الأحادية الجانب، أو إنشاء ائتلافات من مجموعات صغيرة. كما تشير أيضًا إلى أن المفاوضات «الخاطفة» في المؤتمرات العالمية قد لا تكون أفضل نهج، وأن شكلًا من أشكال «التدرج المتسارع خطوة فخطوة» ربما يكون أكثر ملاءمة. وفي النهاية، ربما يعتمد النجاح على توافق عدد من العوامل: وهي القيادة السياسية القوية من جانب البلدان الرئيسية (وليس فقط من جانب الولايات المتحدة)، والمدفوعات الجانبية للمتضررين من أيِّ اتفاق، و«الهندسة المتغيرة» حتى تستطيع مختلف البلدان ذات القدرات المختلفة تحقيق الأهداف المشتركة بسرعات مختلفة، وبشعور لدى جميع الجهات الفاعلة بأن الجميع يقدِّمون التزامات ذات مصداقية نحو تنفيذ السياسات المتفق عليها.
أخيرًا، توجد نقطة صغيرة تستحق ذكرها مجددًا. نظرًا للشكوك السائدة وعدم الرغبة في تحمُّل مخاطر كبيرة، فمن السهل للغاية الوقوع في فخ عدم القيام بأي شيء، أو طلب درجة من الوضوح حول مواضيع مثل الاحترار العالمي أو أنواع الوقود البديل التي من غير المرجح أن تأتي لبعض الوقت، أو الانتظار حتى فوات الأوان أو حتى تصبح تكلفة التصرُّف أعلى بكثير. يجب أن نكون على استعداد لنسأل عن المخاطر التي نرغب في أن نأمن منها. وإذا كان هؤلاء الذين يحذِّرون من المخاطر المتزايدة للاحترار العالمي واستمرار الاعتماد على الوقود الكربوني البالغَي التشاؤم، فإن التكاليف التي سيتكبدها المجتمع عالية ولكن ليست كارثية؛ إذ سنكون قد أنفقنا موارد على أشياء ينبغي القيام بها على أيِّ حال، حتى لو بمعدل أو بدرجة سابقة لأوانها. من ناحية أخرى، إذا كان أولئك الذين ينكرون الاحترار العالمي أو مدى سرعة وانتشار حدوثه مخطئين، يمكن أن تكون النتائج كارثية بالنسبة للبلدان المتقدمة، وكذلك بالنسبة للبلدان النامية، بل بالنسبة لكوكب الأرض نفسه أيضًا؛ فلا ينبغي استخدام الشكوك كذريعة للمماطلة. نحن لا نعرف كل شيء نودُّ أن نعرفه، لكننا نعرف ما يكفي لتبرير الجهود الجادة لإبطاء الاحترار العالمي وخفض اعتمادنا على الوقود الحفري بأسرع ما يمكن.