نظرة عامة على نطاق العمل
لإدراك المشكلات المعقدة والفرص التي أصبحت جدَّ ملحةٍ في القرن الحادي والعشرين، ينبغي إدراك أن «الطاقة والبيئة» موضوع واحد، وليستا موضوعين. فإذا كنَّا نريد الحدَّ من الأخطار التي تهدِّد بيئتنا — سواء الضباب الدخاني المحلي، أو التغيرات العالمية على عموم الكوكب — يجب أن نواجه في نهاية المطاف القضايا الواسعة النطاق حول كيفية استخدامنا للطاقة. في الوقت نفسه، فإن أيَّ جهود لإنشاء مصادر طاقة آمنة في المستقبل، أو لتحويل استخدامنا لهذه الموارد إلى اتجاه بنَّاء، يجب أن تأخذ في الاعتبار الآثارَ البيئية المفيد منها والضار.
تحديد الأولويات من بين كمٍّ كبير من الخيارات يتطلَّب دراسة معلومات وقائعية فيما يتعلق بالجدوى الفنية والتكاليف، ولكن أيَّ تقييم سينطوي بالضرورة على اختلاط بالسياسة، وسيُثقَل ثقلًا كبيرًا بقيم نسبية يربطها صانع القرار بكل نتيجة ممكنة. ولأن كل خيار يعكس مزيجًا معقدًا من القيم السياسية والاجتماعية والثقافية، فلا توجد قرارات محايدة أو فنية بحتة في هذه الساحة.
الطاقة هي مقياس للقدرة على أداء عملٍ ما؛ أيْ مقياس للقدرة على إحداث تغيير في عالمنا المادي. الهدف من مثل هذا العمل يمكن أن يكون مشروعًا بنائيًّا ضخمًا يتطلب تنفيذه قوة ومقدرة بدنية غير عاديتين، أو قد يكون مسألةَ تحكُّم دقيق كما هو الحال في العملية الحاسوبية التي تُنفَّذ من دون بذل كثير من الجهد الميكانيكي. وينبغي أن تكون أهداف عملنا متاحة أمام النقد الاجتماعي وكذلك التكنولوجي، ولكن مهما كانت الأهداف في حالات معينة، فإن كافة أوجُه الحياة الحديثة تتطلب منَّا الاستفادة من موارد الطاقة وتكييفها حسب التطبيقات العملية. وربما نفضل خفض أو زيادة استخدامنا للطاقة بينما نكتشف أن سلوكًا جديدًا يتسق أكثر مع أنماط الحياة المفضلة لدينا، ولكن استخدام الطاقة لتحقيق التغيير عملية لا يمكننا الاستغناء عنها.
نبدأ في هذا الفصل في معالجة الخطوات التكنولوجية الأولى في العملية الأكبر لتحديد الأولويات، مركِّزين أولًا على استخدامنا السابق والحالي للطاقة بهدف إدراك كيف يمكن أن يحدث التغيير وكيف حدث. بعد ذلك نتناول بالشرح الجوانب القابلة للتشكيل من الطاقة؛ وذلك لأن فهم الجدوى في هذا المجال يجب أن يرتكز قبل كل شيء على وضوحٍ حيال الطاقة وأشكالها الكثيرة، وكيفية تحويلها لخدمة أغراض مختلفة.
(١) تاريخ من التغيير
هل يجب أن تُنسَب هذه التغييرات إلى قوى السوق أم إلى «المورد المطلق» المتمثل في الإبداع التكنولوجي البشري؟ بما أن الخشب والفحم والنفط كانت موارد متوافرة بكثرة خلال القرن التالي بعد عام ١٨٥٠، فمن المأمون منح الفضل لقوى السوق في كثير من التغييرات؛ حيث انتقل المستخدمون من وقودٍ إلى آخَر استجابةً لتغيُّرات الأسعار ورغبة المستهلك في الراحة. وبالتأكيد تضمَّنَ الأمرُ عمليةَ ابتكار كبيرة؛ فمن بين أمور أخرى، كان لا بد من إعادة تصميم الأفران للتوافق مع كل وقود جديد، وطُوِّر التعدين السطحي من أجل الفحم، وابتُكِرت تقنيات حفر جديدة لتحسين استخراج النفط من الآبار الموجودة أو الوصول إلى رواسب جديدة؛ ومع ذلك، كانت التغيرات التكنولوجية المطلوبة إلى حدٍّ كبير إضافات للأفكار الهندسية السابقة، ولم تكن ابتكارات ثورية.
والأكثر ارتباطًا بشواغلنا الحالية هو حقيقة أنه في الماضي لم يكن التحول من وقود إلى آخر مثيرًا للجدل سياسيًّا أو اقتصاديًّا؛ لأن ندرة الموارد أو القضايا البيئية لم تكن شاغلًا كبيرًا في ذلك الوقت. وعندما مَنَحَت التغييراتُ قطاعًا من قطاعات الاقتصاد ميزةً على قطاع آخر، اعتبرتْ ضرورته أمرًا مفروغًا منه في الصورة الأكبر. قوبل الضرر البيئي — مثل الضرر الناتج من التعدين السطحي غير الخاضع للرقابة — إلى حدٍّ كبير بالتجاهل طوال معظم الفترة، ولم يُشَرْ إليه إلا كأثر محلي. وعند غياب الخلافات الحادة، يمكن إجراء التغييرات دون خلق أنواع الضغوط المتضمنة في اعتناق نهج جديد تمامًا للإمداد بالطاقة واستخدامها. سيتطلب وضعنا الحالي في العديد من النواحي تغييرًا جذريًّا أكبر بكثير في سياقٍ من عدم اليقين، وينبغي أن نتوقع تسببه في خلافات تدعمها آراء قوية.
مصدر النفط | معدل الإنتاج (مليون برميل/يوم) | النسبة المئوية |
---|---|---|
المجموع | ١٠٣ | ١٠٠ |
النفط الخام – الحقول المنتِجة حاليًّا | ٢٧ | ٢٦ |
النفط الخام – حقول لم تُستخدَم بعدُ | ٢٣ | ٢٣ |
النفط الخام – حقول لم تُكتشَف بعدُ | ٢٠ | ١٩ |
الغاز الطبيعي المسال | ٢٠ | ١٩ |
نفط غير تقليدي | ٨ | ٨ |
استخلاص معزَّز إضافي للنفط | ٥ | ٥ |
(٢) قياس الطاقة
من أجل مضاهاة ومقارنة خيارات الطاقة الكثيرة التي سبق أن اقتُرحت في كل وسائل الإعلام والمنشورات الفنية، وكذلك تلك المقترحات التي لم تأتِ بعد؛ نحن في حاجة إلى مقياس لقياس الطاقة. سيكون من المستحيل دون هذا المقياس تمييز الآثار الكبيرة من الآثار الصغيرة، والتافهة من المهمة. وكما هو الحال مع تناول أيِّ موضوع كميٍّ، توجد مقاييس متعددة شائعة الاستعمال، فحتى المقياس البسيط المألوف نسبيًّا مثل المسافة يمكن التعبير عنه بالأقدام والياردات والأميال أو بالسنتيمترات والأمتار والكيلومترات، ناهيك عن التركيز في الآونة الأخيرة على الأبعاد الجزيئية بالنانومترات.
لأن الوحدة الكهربائية «واط» مستخدمة على نطاق واسع في الإضاءة المنزلية وفواتير الكهرباء الشهرية، فإنها تمثل مقياسًا مألوفًا ومفيدًا لمعدل استخدام الطاقة. والمصباح الكهربائي بقدرة ١٠٠ واط معروف جيدًا في جميع المجتمعات المتقدمة، وأصبح في واقع الأمر رمزًا يمثل الأفكار والتقدم لجزء كبير من القرن الماضي. إذا اعتبرنا أن المنزل الصغير العادي يحتاج إلى ضوء عشرة مصابيح بقدرة ١٠٠ واط في الوقت نفسه، فإن معدل استخدام الطاقة هو عشرة أمثال ١٠٠ واط؛ أيْ ١٠٠٠ واط، وهو ما يسمى أيضًا «كيلوواط». وفي حي صغير مكوَّن من ألف منزل مثل هذا المنزل، فإن معدل الاستخدام يكون ١٠٠٠ كيلوواط، وهو ما يسمى «ميجاواط». ومعدل استخدام الطاقة — أيِ استخدام الطاقة لكل وحدة زمنية — هو المقصود من مصطلح «القدرة»، وعندما يُستخدم لهذا الغرض، يمكن حساب كمية الطاقة من القدرة عن طريق ضرب معدل الاستخدام في الفترة الزمنية للاستخدام. وغالبًا ما يعبر عن المقياس من الطاقة بالكيلوواط الساعيِّ (كيلوواط في الساعة).
(٣) الإمدادات: من أين نحصل عليها؟
المصدر | الاستخدام بالتيراواط | النسبة المئوية |
---|---|---|
المجموع | ٣٫٢٨ | ١٠٠ |
المجموع بالجيجاواط = ٣٢٨٠ | ||
البترول | ١٫٢٤ | ٣٧ |
الغاز الطبيعي | ٠٫٨٠ | ٢٤ |
الفحم | ٠٫٧٤ | ٢٣ |
الطاقة النووية | ٠٫٢٦ | ٩ |
الكتلة الحيوية (بما في ذلك الإيثانول) | ٠٫١٤ | ٤ |
الطاقة الكهرومائية | ٠٫٠٧ | ٢ |
الطاقة الحرارية الأرضية + الطاقة الشمسية + الرياح | ٠٫٠٣ | ١ |
المصدر | الاستخدام بالتيراواط | النسبة المئوية |
---|---|---|
المجموع | ١٧٫٨ | ١٠٠ |
المجموع بالجيجاواط = ١٧٨٠٠ | ||
البترول | ٥٫٨ | ٣٣ |
الفحم | ٤٫٣ | ٢٤ |
الغاز الطبيعي | ٣٫٦ | ٢١ |
الكتلة الحيوية (الخشب + نفايات المحاصيل + روث الحيوانات) | ٢ | ١١ |
الطاقة الكهرومائية | ١٫١ | ٦ |
الطاقة النووية | ١ | ٥ |
الطاقة الحرارية الأرضية + الطاقة الشمسية + الرياح | ٠٫٠٥ | ٠ |
(٤) الطلب: كيف نستخدمه؟
في الولايات المتحدة، ينقسم استهلاك الطاقة بالتساوي تقريبًا بين ثلاثة استخدامات: النقل والصناعة والتدفئة المنزلية. وحتى الآن لا تعتمد وسائل النقل اعتمادًا كبيرًا على مصدر الطاقة فحسب، ولكن تعتمد أيضًا على شكل من الطاقة بوجه خاص؛ أيْ إن السيارات والطائرات والقطارات تعمل باستخدام سوائل عالية المحتوى من الطاقة الكيميائية لكل وحدة حجم، فنحتاج لهذه الطاقة المركزة لتحقيق المطلوب من التسارعات والمسافات المقطوعة بين مرات ملء خزانات الوقود لدينا. في الوقت الحالي، يُستخرج البنزين ووقود الديزل ووقود الطائرات النفاثة من النفط، مع وجود حصة من الإيثانول في البنزين، ولكن الوقود في المستقبل ربما يُستخرج من مصادر مختلفة تمامًا. ومن بين الاحتمالات التي ستُناقَش في الفصول اللاحقة تغويز الفحم أو الكتلة الحيوية لصنع غاز اصطناعي (خليط من الهيدروجين وأول أكسيد الكربون). ويمكن أن يَتْبع هذه الخطوةَ الأولى تفاعلاتٌ محفِّزة مختارة لتكوين السوائل الهيدروكربونية أو الكحولية، وستوفر هذه التطوراتُ الوقودَ السائل الذي نحتاجه بينما تُحررنا من الاعتماد على النفط.
يختلف مصدر الطاقة في الصناعة اختلافًا كبيرًا اعتمادًا على معرفة إن كانت طبيعة عمليات الإنتاج في الأساس ميكانيكية أم كهربائية أم كيميائية. ويمكن العثور على أمثلة عديدة من المصانع التي تستخدم كل شكل من أشكال الطاقة. فتصنيع الألومنيوم، على سبيل المثال، يتطلب استثمارات ضخمة في الطاقة الكهربائية، كذلك تصنيع الكلور. والفحم المحوَّل إلى كوك هو مقوم رئيسي في صهر المواد الخام لتكرير المعادن، والقوة الميكانيكية ضرورية في تشكيل المعادن أو درفلتها، والصناعة التي تنتج أو تستخدم البلاستيك والألياف الاصطناعية برمَّتها هي مستخدم رئيسي للمواد الكيميائية؛ إما كمواد متفاعلة أو مواد محفزة. تقدم هذه القائمة اللانهائية تقريبًا العديد من الفرص لخفض كميات أحد أنواع الطاقة أو استبدال أحد أشكال الطاقة بشكل آخَر أكثر فائدة.
لا يزال تسخين المياه في المنازل والتدفئة يعتمدان في المقام الأول على النفط والغاز، رغم ظهور تطورات جديدة تشمل تسخين المياه بالطاقة الشمسية. والاستخدام المنزلي للكهرباء، سواء لأجهزة التدفئة أو مكيفات الهواء أو الأجهزة الأخرى، يعتمد على مصدر الطاقة الذي تستخدمه شركة الكهرباء المحلية في محطات التوليد لديها. واليوم، اعتمادًا على الموقع، يمكن أن يكون المصدرُ الوقودَ الحفري أو الطاقة الكهرومائية أو النووية. في واقع الأمر، من المرجح أن تكون الطاقة مُنتَجة من كل هذه الأصول في وقت واحد، إذا كانت الطاقة مأخوذة من شبكة طاقة مشتركة تغطي منطقة واسعة. وفي المستقبل، ربما تُلبَّى الاحتياجات المنزلية من خلال خلايا وقود مثبَّتة في كل منزل على حدة، ولكن هذه الخلايا لم تُطوَّر بعدُ بالكامل على المستوى التجاري. إذا توافرت هذه البدائل، فإنها ستوفِّر قدرًا أكبر من المرونة المحلية، وربما تنقل الاستخدام على المدى الطويل إلى وقود لا يعتمد على مصادر النفط.
(٥) هل سينفد البترول أم الغاز؟
بما أن النفط هو مصدر الطاقة الرئيسي اليوم لدينا، ويُتوقَّع أن يظل كذلك في المستقبل القريب، فثمة سؤال بديهي ومن الضروري طرحه من أجل أغراض التخطيط: إلى متى سيدوم النفط؟ الجواب مسألة داخلية خطيرة بالنسبة للولايات المتحدة، ولها عواقب دولية كبيرة.
الاحتياطيات العالمية المؤكدة | الاحتياطيات الرئيسية القابلة للاسترداد = تقدير منخفض | الاحتياطيات الرئيسية القابلة للاسترداد = تقدير عالٍ | |
---|---|---|---|
التقديرات (مليار برميل) | ١٠٠٠ | ٢٠٠٠ | ٣٣٠٠ |
الاستخدام الحالي (مليار برميل/السنة) | ٣٠ | ٣٠ | ٣٠ |
الاستخدام المتوقَّع في عام ٢٠٣٠ (مليار برميل/السنة) | ٤٠ | ٤٠ | ٤٠ |
السنوات المتبقية وفق معدل الاستخدام الحالي | ٣٣ | ٦٧ | ١١٠ |
السنوات المتبقية وفق معدل الاستخدام المتوقع | ٢٥ | ٥٠ | ٨٢ |
تنشأ شكوك إضافية فيما يتعلق بهذه المسألة من عدد من الاتجاهات، بعض منها تكنولوجي وبعض اقتصادي وبعض سياسي. ومن بين هذه الاتجاهات الثلاثة، التكنولوجيا هي الأكثر وضوحًا في أهدافها المباشرة، حتى لو كانت تفاصيل تطوُّرها يمكن أن تكون معقدة: يلزم أن تكون جيولوجيا رواسب النفط أكثر موثوقية، ويلزم إيجاد تقنيات حفر جديدة للوصول إلى الرواسب الأعمق، ويلزم ابتكار هندسة كيميائية مطوَّرة لاستخراج النفط من الصخر النفطي والرمال القطرانية، والمصادر الأخرى غير المرجحة. ويعتبر كل ما هو قابل للتحقيق من الناحية التكنولوجية في أيِّ وقت من الأوقات عاملًا محددًا مهمًّا في كمية النفط المتاح كاحتياطيات مؤكدة؛ أيْ كمية النفط التي يمكن استخراجها من الأرض.
المنطقة | النسبة |
---|---|
الإجمالي | ١٠٠ |
الشرق الأوسط | ٦٥ |
أمريكا الجنوبية | ٩ |
أفريقيا | ٧ |
الاتحاد السوفييتي السابق | ٦ |
أمريكا الشمالية | ٦ |
آسيا والمحيط الهادئ | ٤ |
أوروبا | ٢ |
أخيرًا، حتى إذا وُضع تقدير عملي لما هو متاح وما سوف يكون متاحًا في المستقبل القريب، فإن التوقعات بشأن الاستخدام السنوي لن تكون واضحة تمامًا. وكلما ازداد ازدهار العالم النامي، زادت شهيته نحو النفط. ففي السنوات الأخيرة كان النمو في الصين والهند جديرًا بالملاحظة على نحو خاص، ولكن من المتوقع أن يكون تأثير المشكلة أكبر إذ تحقِّق دولٌ بجنوب شرق آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية تقدمًا اقتصاديًّا. وبالنظر إلى هذه التوقعات، يبدو أن الاستخدام العالمي السنوي المتوقع البالغ ٤٠ مليار برميل، والذي أدى إلى التقديرات الأكبر بتوافر الإمدادات إلى ٨٢ عامًا؛ قد يكون في الواقع مفرطًا في التفاؤل، ويمكن استنفاد الاحتياطي في فترة أقصر على نحو ملحوظ. ومع ذلك، لتحقيق التوازن في الصورة على نحو سليم، ينبغي أن يضاف إلى ذلك أنه لا تزال اكتشافات البترول الجديدة مستمرة في أجزاء كثيرة من العالم.
احتياطيات الولايات المتحدة المؤكدة | إجمالي تقديرات الولايات المتحدة | احتياطيات عالمية مؤكدة | |
---|---|---|---|
الاحتياطيات (تريليون قدم مكعب) | ٢١١ | ١,٧٤٧ | ٦٢٥٤ |
الاستهلاك السنوي (تريليون قدم مكعب/السنة) | ٢٣٫٢ | ٢٣٫٢ | ١٠٤ |
سنوات متبقية | ٩ | ٧٥ | ٦٠ |
إجمالًا، يمكننا أن نقول إن لدينا إمدادات وقود حفري كافية لتلبية الاحتياجات الحالية لما لا يقل عن نصف القرن القادم، إلا أن الصورة قد تتغير إذا زادت الاحتياجات على مستوى العالم أكثر مما هو متوقع. ولكن بقولنا ذلك، فإنه يبقى أن نتساءل هل كنا «نريد» مواصلة حرق الوقود الحفري في ضوء الفهم الحالي للآثار المترتبة على مناخنا العالمي وكل ما يتبع ذلك. يبدو أن لدينا فرصة سانحة لن تدوم طويلًا؛ أيْ فترة من الزمن يمكن خلالها — إذا اخترنا القيام بذلك — أن نتمكَّن من مواصلة حرق الوقود الحفري من أجل إتاحة الانتقال إلى نمط حياة تكنولوجي واقتصادي مختلف.
(٦) أشكال الطاقة
تمهيدًا لأيِّ دراسة لبدائل للطاقة، من الضروري تذكُّر حقيقة أساسية؛ وهي أن الطاقة لا تستُحدث ولا تفنى، إنما يتغير شكلها فحسب. يحدث هذا بطريقة مشابهة لشراء عملة جديدة في مقابل ما يمتلكه الشخص بالفعل، فبعد عملية الإبدال تختلف المظاهر ولكن تبقى القيمة الأساسية نفسها. ومن ثَم، فإن أيَّ دراسة للخيارات هي بمنزلة دراسة للتحول من شكل إلى آخر، وأفضل ما يمكن أن نأمل فيه على الإطلاق هو أن يكون شكل الطاقة الجديد أكثر توافرًا وأكثر مرونةً أو أكثر فائدة في العموم في تلبية احتياجاتنا. تحتاج هذه الفكرة تفصيلًا أكثر من خلال التعرُّف على ماهية أشكال الطاقة المختلفة في الواقع.
يصادف كل واحد منا الطاقة بمختلف أشكالها في وقائع الحياة اليومية. تصل إلينا «الطاقة الإشعاعية» من الشمس في خارج المنزل في أيِّ يوم صافٍ، ونرى جزءًا من هذه الطاقة مباشَرةً في صورة ضوء مرئي ونشعر بالجزء غير المرئي من طيف الشمس في صورة حرارة عندما تمتصه بشرتنا. وإشعاع الشمس مصدر أيضًا لتفاعلات التمثيل الضوئي التي تساعد النباتات على النمو؛ ومن ثَم تتحول الطاقة الإشعاعية إلى «طاقة كيميائية»؛ حيث تُخزن في النباتات حتى تُؤكل أو تُحرق أو تفسد، وإذا أكل البشر أو الحيوانات الأخرى النباتات، تُخزن الطاقة في أشكال كيميائية أخرى في الأنسجة الحيوانية.
على مدى العصور الجيولوجية، دُفنت بعض النباتات والحيوانات التي كانت موجودة آنذاك وتغيرت كيميائيًّا عندما تعرضت لظروف قاسية من الحرارة والضغط. شكَّلَت تلك التغيرات الكيميائية الفحم والنفط والغاز التي نستخدمها اليوم؛ أو ما يسمى بالوقود الحفري، وبحرقها نطلق في الواقع طاقةَ الشمس المخزنة لفترة طويلة في ذلك الوقود في شكل مواد كيميائية تسمى هيدروكربونات. وهدفنا من حرق الوقود — بطبيعة الحال — هو إطلاق هذه الطاقة المخزنة في شكل «طاقة حرارية»، يمكن استخدامها لتوليد البخار تحت ضغط. وحتى يتحرر ضغط البخار، يمكننا أن نفكر فيه على أنه شيء تتوافر فيه الإمكانية لأداء وظيفة لم يؤدِّها بعدُ، وعندما يُستخدم لتشغيل محرك بخاري أو عجلة توربينية، تتحقق هذه الإمكانية؛ بمعنى أن «الطاقة الكامنة» تتحول إلى طاقة حركة «ميكانيكية»، والتي تسمى أيضًا «طاقة حركية»، والتوربين بدوره يشغِّل مولدًا كهربائيًّا لتوليد الكهرباء.
يحدث تحوُّل مشابه للطاقة الكامنة إلى طاقة حركية عند إطلاق المياه المخزنة خلف السد عبر التوربينات، فتُستخدم الحركة المغزلية للتوربينات في توليد الكهرباء أيضًا، وتعطينا ما نسميه عادة الطاقة الكهرومائية. وبتتبع خطوات هذا التحول إلى البداية، نجد أن كل شيء بدأ من الشمس، عندما بخَّرَتِ الطاقةُ الإشعاعية المياهَ التي تكثفت وسقطت في صورة أمطار وثلوج، وجرى الماء في الأنهار التي ملأت المساحة وراء السد، والإطلاق اللاحق للطاقة الكامنة في المياه المخزنة جعل من الممكن توليد «طاقة كهربائية».
ومن الجدير بالذكر أنه توجد صور كثيرة لهذا الأمر. فعلى سبيل المثال، في الجهاز الذي يسمى «خلية وقود»، تتحول الطاقة الكيميائية المخزنة في الوقود إلى كهرباء مباشرةً، دون خطوات وسيطة. وفي محرك الاحتراق الداخلي الذي يشغِّل سياراتنا تتحول الطاقة الكيميائية في البنزين (أو الإيثانول) إلى طاقة ميكانيكية لتحريك السيارات. وفي السيارات الهجينة الأحدث، يُستخدم بعض من الطاقة الكيميائية للوقود لشحن البطارية؛ أيْ يُستخدم لتخزين الطاقة في صورة كيميائية أخرى. إضافة إلى ذلك، عندما تُستخدَم المكابح، بعضٌ من الطاقة الحركية الموجودة في العجلات تُشغل مولدًا صغيرًا يشحن أيضًا البطارية.
النوع | الأمثلة |
---|---|
طاقة إشعاعية | أشعة الشمس |
طاقة كيميائية | النباتات والنفط والغاز والبطاريات |
طاقة حرارية | الحرارة |
طاقة كامنة | ضغط البخار والمياه خلف السد |
طاقة حركية | حركة الناعورة والطاحونة الهوائية والسيارات |
طاقة ميكانيكية | حركة الآلات |
طاقة كهربية | التيار في الأسلاك |
طاقة نووية | انشطار اليورانيوم واندماج الهيدروجين |
أخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن الكهرباء ليست بالضرورة نهاية التحوُّلات. إذا تبددت الطاقة الكهربائية في عنصر التسخين بمحمصة الخبز، فإن الغرض هنا هو تحرير الطاقة الحرارية؛ وإذا كانت تغذي فرن الميكروويف، فإن الطاقة الكهربائية تتحول إلى موجات كهرومغناطيسية تقوم بدورها بتسخين الطعام لدرجة الحرارة المطلوبة.
تحويل الطاقة | ||
---|---|---|
المثال | من | إلى |
التمثيل الضوئي للنباتات | طاقة إشعاعية | طاقة كيميائية |
حرق الفحم | طاقة كيميائية | طاقة حرارية |
ضغط البخار | طاقة حرارية | طاقة كامنة |
التوربين ومحرك البخار | طاقة كامنة | طاقة ميكانيكية |
الدينامو (المولد الكهربي) | طاقة ميكانيكية | طاقة كهربائية |
لا ينبغي أن تؤخذ حقيقة أن الطاقة يمكن أن تتحول من شكل لآخر على أنها تعني أن كل التحولات فاعلة بالقدر نفسه؛ فكفاءة التحول عالية جدًّا في الواقع بالنسبة لبعض الخطوات، فالمولد الكهربي — على سبيل المثال — يحول الطاقة الحركية إلى كهرباء بمعدل أفضل من ٩٨٪. من ناحية أخرى، لا يمكن تحويل الحرارة إلى حركة ميكانيكية عادة إلا في حدود حوالي ٣٠٪، وفي هذه الحالة، نسبة اﻟ ٧٠٪ التي لا يمكن تحويلها يجب أن تُطرح في شكل حرارة منخفضة الدرجة. ومحرك الاحتراق الداخلي عادة ما يحول أقل من ٢٥٪ من الطاقة الكيميائية الموجودة في الوقود إلى حركة في العجلات؛ إذ يُطرح الباقي مرة أخرى في شكل حرارة من الاحتكاك أو في مبرِّد المشعاع (ماء أو جليكول) ومنه إلى الهواء المحيط.
إن إدراك أن الطاقة يمكن تحويلها من شكل إلى آخر هو ما أدى في نهاية المطاف إلى الملاحظة التاريخية المتمثلة في أن الطاقة لا تُستحدَث ولا تفنى، وإنما تتحول فحسب. مع ذلك، ينبغي إضافة أنه في أيِّ تحوُّل من شكل إلى آخر، تنخفض جودة جزء من الطاقة ويمكن أن ينتج في صورة أقل قدرة على تلبية احتياجاتنا؛ وهكذا يمكن القول عن تحويل الطاقة إنه لا يوجد شيء دون مقابل. والمقارنة بتحويل العملات مفيدة هنا مرة أخرى؛ إذ ينبغي تضمين الرسوم التي يتقاضاها البنك أو الوكيل الذي يقوم بعملية التحويل في تقدير القيمة. وستتكرر مواضيع التحول والفقد تلك فيما يلي، ومع وضع أوجُه القصور هذه في الاعتبار سوف نستكشف في الفصول القادمة مجموعة متنوعة من الأفكار لتحسين وضع الطاقة لدينا.