تخزين الطاقة
في دراستنا للمصادر المحتملة للطاقة المتجددة ظهرت ملاحظة مقلقة كانت سمة في جميع البدائل تقريبًا، باستثناء طاقة المد والجزر: كانت المصادر متقطعة. فلأن نصف العالم يكون في ظلام لنصف اليوم، فلا توجد طاقة شمسية تحصد حينها حتى لو كانت السماء صافية، وسيكون انقطاع الطاقة ملموسًا أيضًا خلال ساعات النهار في الأيام الممطرة أو الغائمة. وبالمثل، ستنخفض طاقة الرياح أو تنقطع تمامًا عندما تقل سرعة الرياح على نحو كبير. أحد سبل علاج هذا النقص يتمثَّل في نقل الطاقة لمسافات كبيرة من الأماكن التي تتوفر فيها إلى تلك الأجزاء من العالم التي تحتاج إليها، ولكن هذه الفكرة تفترض أن تكاليف النقل ليست باهظة. إن الاستثمارات اللازمة في بعض المواقع لتركيب الأبراج وخطوط الكهرباء لنقل الكهرباء يمكن أن تصل إلى ٥ ملايين دولار للميل الواحد، وهي تكلفة ضخمة في التقييم العملي لطواحين الهواء أو أجهزة الطاقة الشمسية التي يجب أن تُوضَع بعيدًا عن المراكز السكانية حيث تتوافر الشمس والرياح الكافيتان.
لا تزال هناك قيود أخرى تنشأ عن تبني الاعتماد المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة. أولًا: تُطلب الطاقة القابلة للاستخدام في أوقات محددة، ولكن ليس دائمًا عندما تكون متوفرة، ويجب إمداد هذا الاستخدام في ذروته من مصادر تكميلية يمكن الاستفادة منها في وقت قصير. ثانيًا: تجدر الإشارة إلى أن كثيرًا من استخدام الطاقة لدينا يكون للسيارات والقطارات والطائرات والسفن، وفي المستقبل المنظور ستتطلب هذه الأسواق وقودًا متنقلًا، عادة في شكل سائل وليس توفيره مباشرة من مصادر الطاقة المتجددة. وتشير كل هذه الاعتبارات إلى اتجاه واحد: توجد حاجة ملحة للاحتفاظ بالطاقة مخزَّنةً، لإبقائها في محبس مؤقت من شأنه أن يتغلب على قيود تقطُّع المصدر وتلبية ذروة الطلب ومتطلبات النقل. وعلاوة على ذلك، إذا كانت الطاقة المحولة إلى مخزون يمكن نقلها مثل الطاقة الكهربائية خلال أوقات غير الذروة، فإن الحمل المخفَّض على خطوط الكهرباء خلال أوقات الذروة سيسمح بقدرة نقل أقل وتحقيق توفير مُصاحب لذلك في تكاليف الاستثمار.
سوف نتناول في هذا الفصل مجموعة متنوعة من خزانات الطاقة. إن العديد من بدائل التخزين تأتي في أشكال كيميائية؛ أيْ إنه مهما كانت الطاقة التي نرغب في تخزينها، فإنها سوف تستخدم لتكوين مواد كيميائية يمكن استخراج الطاقة منها في وقت لاحق. وربما تظهر الطاقة المستعادة في شكل كهرباء من بطارية أو خلية وقود، أو يمكن الحصول عليها في شكل حرارة من احتراق وقود سائل أو غازي. ومن أجل بعض الأغراض، من المفيد تخزين الطاقة في شكل طاقة كامنة، إما عن طريق إنشاء خزان مياه كبير في مكان مرتفع، أو عن طريق تخزين الطاقة في شكل هواء مضغوط، وفي كلتا الحالتين ستستخرج الطاقة المخزنة من خلال تشغيل توربينات أو آلات أخرى ذات فائدة مباشرة. ولاحقًا في هذا الفصل، سوف نتناول التخزين في شكل طاقة حرارية في سائل ساخن. يمكن أن يكون السائل عبارة عن أيِّ ناقل للحرارة، ولكن الاقتراحات المطروحة عادة هي تسخين الماء أو الملح المنصهر. وأخيرًا، فإننا سوف نستكمل الدراسة في هذا الفصل بإضافة إشارة إلى جهاز بديل آخَر، وهو الحدافة (أو دولاب الموازنة) التي يمكن استخدامها لتخزين الطاقة في شكل طاقة حركية.
(١) البطاريات وخلايا الوقود
البطاريات مألوفة في الاستخدام اليومي؛ إذ تُستخدَم لتشغيل السيارات وتوفير الطاقة للمصابيح اليدوية والألعاب وساعات اليد وأجهزة الكمبيوتر والهواتف، وتُستخدَم في عدد لا يحصى من التطبيقات المنزلية والنقل. والبطاريات عبارة عن أجهزة كيميائية تخزن الطاقة الكهربائية، ولكننا عادة لا نفكر في حدود التخزين فيها إلا عندما تنفد طاقتها. فعلى النطاق الصغير، في الساعات والمصابيح اليدوية، من الشائع التخلص من البطارية واستبدالها عندما تفقد شحنتها، وهذا ينجح لأننا نستفيد أحيانًا من هذه البطاريات الصغيرة لسنوات، وهي الفترة التي يكون فيها معدل سحب الطاقة صغيرًا مقارَنةً بقدرتها المشحونة بالكامل. من ناحية أخرى، يوجد الكثير من البطاريات التي يجب إعادة شحنها بصورة دورية من أجل تقديم الخدمة العملية، كما هي الحال — على سبيل المثال — مع الهواتف المحمولة وأجهزة الراديو المحمولة والحواسيب المحمولة، وكذلك مع بطاريات الرصاص الحمضية المعروفة في السيارات والتي يعاد شحنها تلقائيًّا عندما يقود السائق السيارة.
تشترك جميع البطاريات في وجود قطبين؛ أنود (القطب الموجب) وكاثود (القطب السالب)، ولكنها تختلف في استخدام مواد كيميائية مختلفة للأنود والكاثود، وكذلك للموصل الذي يعمل على نقل الشحنات بين القطبين. وكل مجموعة لها خصائصها، وهي قادرة على توفير مزايا محددة في تطبيقات معينة، ولتوضيح هذه النقطة فإنه من المفيد إلقاء نظرة على مجموعة من المواد التي دُرست باعتبارها مرشحة كبطاريات للسيارات الكهربائية والسيارات الهجينة. وإضافة إلى تكاليف المواد والتصنيع اللازمة لوزن وحجم معينين من البطاريات التي يمكن حملها، توجد ثلاثة متطلبات أساسية أخرى: نطاق مقبول من مسافات التنقل بين مرات إعادة شحن البطارية، والقدرة على تسريع كافٍ للسيارة عند الحاجة لذلك، وعدد مقبول من دورات الشحن والتفريغ وإعادة الشحن قبل أن تصبح البطارية عديمة الفائدة. وترجمة هذه التوقعات إلى مواصفات تصميمية سوف يتطلب: (١) أن تكون المسافة المقطوعة بين كل عمليتَي شحن حوالي ٣٠٠ ميل (٤٨٠كم) على الأقل، و(٢) أن تكون البطارية المثبتة قادرة على توليد حوالي ١٥٠ واط لكلِّ كيلوجرام من الوزن، و(٣) أن يكون عدد دورات الشحن أكبر من ألف مرة مما يمكن أن يجعل عمر البطارية ٥ سنوات على الأقل.
نوع البطارية | المسافة المقدرة بالأميال في الشَّحنة الواحدة | التسارع النسبي (واط/كجم) | عدد دورات إعادة الشحن |
---|---|---|---|
بطارية الرصاص الحمضية | ١٣٠ | ١٦٥ | ٦٥٠ |
بطارية النيكل والكادميوم | ١٨٥ | ١٥٠ | ١٥٠٠ |
بطارية الصوديوم والكبريت | ٥٠٠ | ٢٠٠ | ٦٠٠ |
بطارية هيدريد النيكل المعدني (للسيارة بريوس قبل ٢٠٠٩) | ٣٠٠ | ٦٠٠ | ١٠٠٠ |
بطارية ليثيوم أيون (للسيارة بريوس بعد ٢٠١٠) | ٥٠٠ | ٦٠٠ | ١٢٠٠ |
متطلبات الوزن والحجم لها الأهمية نفسها في اختيار البطارية؛ فبطارية مزيج هيدريد النيكل المعدني أصغر بكثير في الحجم من بطارية الرصاص الحمضية أو بطارية النيكل والكادميوم، وبطارية الليثيوم أيون أصغر حجمًا وأخف وزنًا من منافسيها. في الواقع، كانت بطارية هيدريد النيكل المعدني الخيارَ التجاري في سيارة تويوتا بريوس حتى نماذج ٢٠٠٩ على الأقل، وأعلنت جنرال موتورز وتويوتا خططًا لإنتاج عدد صغير من المَرْكبات التجارية بعد عام ٢٠١٠ ستعتمد على بطارية ليثيوم أيون.
في استعراض ما يرتبط بهذا الجهد من آمال وشكوك، من المفيد أن نتذكر الثمرات التي يمكن توقُّع جَنْيِها من التحول نحو اعتماد أكبر على البطارية وأقل على محرك البنزين. أولًا، بما أن توليد الكهرباء يحدث في محطات كبيرة لتوليد الطاقة، فإنه تتوفر ميزة العدد الأقل من أماكن العمل في مقابل ملايين المنابع للسيارات. هذه المركزية تسمح باستخدام الوقود الحفري الأقل إنتاجية نسبيًّا لغازات الدفيئة، وستوفر أماكن يمكن فيها إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغازات السائلة من أجل عزله، إذا أثبتت هذه التقنية جدواها، وسوف يتناسب ذلك جيدًا مع أيِّ خطط توسُّع للطاقة النووية. وعلاوة على ذلك، أيُّ كهرباء تولدها تقنيات الطاقة المتجددة يمكن أن تلبِّي احتياجات النقل لدينا من خلال إدخالها مباشرة في الشبكة الكهربائية؛ وعلى القدر نفسه من الأهمية، فإن المنافع السياسية والاقتصادية لتقليل الاعتماد على النفط المستورد ستكون عظيمة.
(٢) الغاز التركيبي والوقود السائل
لا نحتاج — بالنسبة لبعض التطبيقات — لتحويل أشكال الطاقة الأخرى إلى وقود فحسب، ولكن نحتاج أيضًا لتحويلها إلى وقود سائل؛ وذلك من أجل وسائل النقل على نحو أكثر تحديدًا. نحتاج إلى هذا الوقود للسيارات والطائرات في الوقت الراهن، وسوف نظل بحاجة إليه في المستقبل المنظور على الأقل. ذكرنا بالفعل إنتاج الكحول عن طريق تخمير السكر أو الذرة أو غيرها من المحاصيل غير الغذائية، وكذلك ذكرنا مزاياه وعيوبه، وسننتقل الآن إلى نهج بديل يقوم على خليط وسيط من الغازات يُسمَّى «الغاز التركيبي».
ويمكن أن يوفر حرق بعض مصادر المواد الهيدروكربونية الطاقةَ اللازمة لهذا التفاعل، ولكن التكلفة ستكون زيادة ثاني أكسيد الكربون المنبعث.
في تفاعل كيميائي لاحق يمكن تحويل الغاز التركيبي إلى أيِّ وقود سائل من مجموعة متنوعة من الوقود السائل، وهذا يتوقف على المادة المحفزة ودرجة الحرارة وظروف الضغط المختارة لحوض المفاعل. أفضل العمليات المطبقة لذلك الأمر هي عملية فيشر-تروبش، التي سُمِّيت باسم مخترعَيْها، اللذين اخترعاها في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين. وبسبب تكاليف الإنتاج، فإن طريقة فيشر-تروبش غير عملية حتى الآن إلا في ظروف خاصة؛ فخلال الحرب العالمية الثانية استخدمت ألمانيا الفحم لتغذية عملية فيشر-تروبش عندما قُطعت المصادر النفطية الأخرى. وفي جنوب أفريقيا خلال فترة التمييز العنصري، كانت عملية فيشر-تروبش المعتمدة على الفحم والغاز الطبيعي أساس إنتاجهم التجاري لوقود الديزل. من ناحية أخرى، لم تكن هذه العملية حتى الآن تنافسية مع التصنيع المعتمد على النفط، ويمكن أن تصبح جذابة مرة أخرى إذا أصبحت المحاصيل غير الغذائية مصادر طاقة مهمة و/أو أُنتج الهيدروجين باستخدام الطاقة المتجددة على نحو لا يؤدي إلى زيادة عبء ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.
(٣) غاز الهيدروجين
ميثان + ماء هيدروجين + أول أكسيد الكربون |
أول أكسيد الكربون + ماء هيدروجين + ثاني أكسيد الكربون |
في ضوء هذا الإنتاج لثاني أكسيد الكربون، من الواضح أنه ما دام الهيدروجين يُصنع من المواد الخام الهيدروكربونية، فإن استخدامه ليس علاجًا للاحترار العالمي. وعلاوة على ذلك، بما أننا لدينا بالفعل نظام ممتاز لنقل الغاز الطبيعي، فلا توجد فائدة متوقعة من اقتصاد يعتمد على الهيدروجين ما لم تُكتشف وسيلة كفءٌ لصنع غاز الهيدروجين لا تعتمد على المواد الهيدروكربونية.
يمكن إنتاج الكهرباء اللازمة من محطة للطاقة النووية أو من أيِّ مصدر متجدد، سواء كان من طاقة المد، أو أشعة الشمس المباشرة، أو مشتقاتها في الرياح أو الأمواج أو المحاصيل غير الغذائية. هذا السيناريو يثير سؤالين؛ أولًا: ما مدى كفاءة عملية التحليل الكهربي؛ أيْ ما مقدار الطاقة الكهربائية المتاحة الذي يُخزن فعليًّا في الهيدروجين الناتج؟ وثانيًا: هل توجد وسيلة أفضل لتخزين الطاقة الكهربائية من تخزينها في غاز الهيدروجين؟
(٤) ضخ المياه أم ضغط الهواء
طالما كانت الطاقة الكهرومائية المثال الأكثر نجاحًا للطاقة المتجددة، ويمكن أيضًا للطاقة الكامنة المرتبطة بمصدر مياه على مستوًى مرتفع أن تُستخدَم لتخزين الطاقة التي تأتي من مصادر أخرى، وذلك ببساطة من خلال إنشاء بحيرة تخزين عن طريق الضخ من مستوًى منخفض إلى مستوًى أعلى. إن تكنولوجيا الضخ متقدمة للغاية، ويمكنها نظريًّا استخدام طاقة من أيِّ مصدر متجدد أو غير متجدد، ولكنها أكثر جاذبيةً لقدرتها على استخدام الطاقة المتجددة التي لا تعتمد على المصادر التقليدية المنتجة لثاني أكسيد الكربون.
ويمكن أيضًا تطبيق الفكرة ذاتها عن تخزين الطاقة في شكل طاقة كامنة في صورة تخزين الغاز المضغوط. فيمكن استخدام الطاقة المتاحة في أيِّ وقت من الأوقات، ومهما كان مصدرها لضغط الهواء. فعندما يُطلق الهواء المضغوط من خلال توربين أو آلة أخرى، فإن تدفق الهواء يحول الطاقة الكامنة إلى طاقة حركية، ثم إلى الطاقة الكهربائية أو الحركة الميكانيكية المطلوبة. ومن أجل تخزين كبير للطاقة يجب أن تكون غرفة الضغط هيكلًا جيولوجيًّا تحت الأرض مثل منجم ملح مستنفد أو حقل غاز طبيعي مستنفد، والتي تتنافس على المساحة مع العزل المقترح لثاني أكسيد الكربون. ومع ذلك، على الجانب الإيجابي، يتفوق الهواء المضغوط تحت الأرض على مستودعات المياه بميزة أنه لا يؤثر على السكان المحليين أو النظام البيئي فوق سطح الأرض، وثمة ميزة أخرى هي الحد من استخدام الوقود الحفري، وذلك على النحو التالي: عندما يتحرر الهواء المضغوط يبرد بينما يتمدد، فيجب رفع درجة حرارته قبل أن يدخل التوربينات. ويتحقق هذا بسهولة عن طريق خلط الهواء بالغاز الطبيعي وإشعال الخليط، ثم تستخدم نواتج الاحتراق الساخنة لتشغيل التوربينات بطريقة تقليدية، ولكنها توفر حوالي ثلثي الوقود الحفري الذي كان سيستخدم لتوليد كمية الكهرباء نفسها.
عند تناول التجهيزات الجديدة من المفيد إجراء مقارنات مع الخيارات المألوفة الموجودة. أحواض الضغط عمومًا تعيش لفترة مفيدة أطول من البطاريات، وتُصنع من مواد غير سامة، ومع ذلك، فصنْعها أكثر تكلفة لكلِّ وحدة لتخزين الطاقة. وللاستخدام عندما تتوفر كثافة ثابتة من الإمدادات، تفضل البطاريات على الهواء المضغوط؛ وذلك لأن البطارية تعمل بتيار ذي جهد ثابت، في حين أن خزان الهواء المضغوط يفقد الضغط عندما يتحرَّر الهواء. من ناحية أخرى، يمكن تقديم الطاقة من الهواء المضغوط بسرعة أكبر، وهي ميزة حيوية عندما تكون السرعة مفضلة.
حتى الآن لا يوجد إلا نظام كبير واحد لتخزين الطاقة في الهواء المضغوط، موجود منذ عام ١٩٩١ في مكينتوش بألاباما بقدرة ١١٠ ميجاواط. ومن المتوقع وصول دعم من وزارة الطاقة في أواخر عام ٢٠٠٩ لوحدات تخزين هواء مضغوط مقترحة، من شأنها أن تضاعف القدرة الحالية بأكثر من ثلاثة أمثال.
(٥) المياه الساخنة أو الملح المنصهر
(٦) الحدافة
وبالمقارنة مع غيرها من أجهزة تخزين الطاقة، فإن مزايا الحدافات الأساسية تتمثل في الاستجابة السريعة (في دقائق)، والعمر الطويل (لمدة عقود) مع دورات متعددة لدخول الطاقة وخروجها، وقلة الحاجة للصيانة. وبالمقارنة مع البطاريات — على وجه الخصوص — يمكن لتكنولوجيا الحدافة التغلُّب على أوجُه قصور البطاريات المتمثلة في القدرات المنخفضة وأوقات الشحن الطويلة.