من النظرية إلى التطبيق العملي
(١) نظم مختلفة ووجهات نظر مختلفة
حتى مع وجود قيادة سياسية قوية ومعلومات جديدة حول وتيرة التغير المناخي وعمقه، من المتوقع أن نشهد توترًا متواصلًا بين التوافقات المحلية غير المستقرة، والتفسيرات المتباينة للمصالح الوطنية ونشهد كذلك الحاجة المتزايدة لتحقيق درجات كبيرة من التعاون الدولي. والحكومات الديمقراطية — مهما كانت فضائلها الوفيرة — تضيف حتمًا درجة كبيرة من عدم القدرة على التنبؤ إلى عملية التفاوض؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يتيقَّنَ مما سوف تكون الحكومة القادمة قادرةً أو غير قادرة على فعله، أو راغبة أو غير راغبة في فعله. على أيِّ حال، إذا استمر الاحترار العالمي، فلن يكون نوع النظام السياسي متغيرًا ذا أهمية كبيرة؛ فربما يجبر تدهور الأوضاع «جميع» الدول على اتخاذ إجراءات متماثلة للغاية — وكثير منها سيكون إلزاميًّا — للتكيُّف مع التهديدات الأكثر حدةً أو للتخفيف منها.
(٢) تحسين التوقعات
من المتوقع أن تختلف آثار الاحترار العالمي — سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية — في الشدة وكذلك الموقع الجغرافي. علاوة على ذلك، لأن القدرات على التعامل إما مع مصادر المشكلة أو مع عواقب تغير المناخ؛ تختلف أيضًا اختلافًا كبيرًا، فإن الرغبة أو القدرة على دفع تكاليف تخفيف الآثار والتكيُّف معها نادرًا ما تكون متناظرة. ومن ثَم، فإن الهدف العسير المتمثل في وضع إطار سياساتي عالمي مستقر، وإنشاء مؤسسات دولية فاعلة، والتوصل لسعر عادل بمرونة ومتفق عليه بالتبادل لانبعاثات الكربون؛ هدف من الصعب جوهريًّا تحقيقه. توجد أسئلة متعددة تحتاج إجابات عليها؛ منها: على أيِّ مستوًى ينبغي أن تبدأ المفاوضات؟ مَن سيحصل على مقعد حول طاولة المفاوضات؟ هل سيُحدِث شكلُ الاتفاقية أيَّ فارق؟ ما نهجُ عملية صنع السياسات ذو الاحتمالات الأوفر للوصول إلى اتفاقيات واقعية؟ ما المبادئ التي ينبغي أن نستعين بها في الإجابة على هذه الأسئلة؟ نبدأ بتلخيص بعض الشروط العملية التي عادةً ما تصاحب المفاوضات الناجحة. صحيح أنها كثيرًا ما يتم تجاهلها، ولكن لماذا ينبغي أن يشغلنا ذلك؟
في المقام الأول، يجب أن تقتنع الحكومات أن لديها مصلحة قوية في التفاوض وفي دفع تكاليف بلوغ اتفاق دولي، وبطبيعة الحال، يجب أن يكون لديها تحالف محلي قوي على استعداد لدعم الاتفاق الذي تتوصل إليه أيًّا كان. ومما يتضمنه ذلك بوضوح أنه يجب أن تُجرَى مفاوضات على ثلاثة مستويات على الأقل؛ أحيانًا في الوقت نفسه، وأحيانًا على التوالي: على الصعيد الداخلي، وعلى مستوى المجموعة الأكبر داخل منظومة التفاوض الدولي، وعلى مستوى ما بين المجموعات للتوصل إلى اتفاق نهائي. لكلِّ مستوًى مشاكله الخاصة، التي تُفاقِم الصعوبات على المستوى النهائي ما بين المجموعات. والعملية التفاوضية المعقدة تلك، وخاصة داخل منظومة الأمم المتحدة، أصبحت مختلَّة على نحو متزايد؛ فدائمًا ما يكون التوافق داخل المجموعة هشًّا، وكثيرًا لا ينتج عن المفاوضات اللاحقة التي على مستوى ما بين المجموعات سوى نتائج مبهمة غير واضحة بالمرة. واستمرت هذه العملية لا لسبب إلا غياب وجود بديل فاعل للمفاوضات بين أكثر من ١٥٠ دولة.
وتشمل العقبات التي تعترض سبيل التقدم على الصعيد الوطني الجداولَ الزمنية السياسية المتباينة؛ ربما بسبب الانتخابات المقبلة أو تغيير القيادة. ويمكن أن تطول العملية الدولية على نحو مفرط بسبب الانقسامات الداخلية داخل كل مجموعة (لا سيما بلدان العالم الثالث العديدة والمتنوعة للغاية)، وبسبب أنه قد لا يوجد الكثير من التوافق بين حزم المطالب التي تقدِّمها كل مجموعة، وربما تؤخِّر الخلافاتُ حول الإنصاف أيضًا الوصولَ لاتفاق، وكذلك الشكوك بشأن توزيع الأرباح والخسائر. بالطبع، تسعى الدول للوصول إلى اتفاقات تقدِّم منافع متبادلة (أو تعويضًا للخاسرين إذا لزم الأمر)، ولكن الاختلافات في القوة والمصالح المدركة يمكن أن تؤثِّر على حسابات الشروط المقبولة والتخصيص السليم للتكاليف. يمكن التغلب على العقبات بسهولة أكبر إذا كانت دولةٌ غنية وقوية على استعداد لدفع أكثر من حصتها النسبية من التكاليف الأولية للاتفاقية لضمان التوصل إلى نتائج مستقبلية أكثر فائدة، ولكن هذه التضحيات صعبة في ظل البيئة السياسية والاقتصادية الراهنة. توجد هذه العقبات في جميع مجالات التفاوض، لكنها تكون أكثر حدةً على مستوى المؤتمرات العالمية.
توجد مشكلة أخرى مع هذا الشرط هي أن قياس النجاح ليس واضحًا تمامًا، فالنجاح (أو الفشل) يعكس الأحكام الموضوعية والشخصية؛ ومن ثَم التحرك نحو تحقيق بعض الأهداف — مثلًا، تحقيق أهداف خفض الانبعاثات — التي يمكن قياسها بموضوعية، ولكن الأحكام الشخصية تتدخل أيضًا؛ إذ إنه يجب أن يشعر مختلف أطراف الاتفاق أن الاتفاق ناجح وفقًا لمعاييرهم الخاصة. وحتى لو بَدَا أن بعض الأهداف تحقَّقت على نحو موضوعي، فإن مسألة إن كانت كافية (على الأقل من حيث المعرفة الراهنة) تكون أو يمكن أن يكون الحكم عليها شخصيًّا إلى حدٍّ كبير. كما يوجد أيضًا التعقيد الإضافي الذي يتمثل في أن النجاح أو الفشل القصير المدى يمكن أن يتحول إلى فشل أو نجاح طويل المدى. باختصار، يمكن أن تكون الأحكام المبكرة بالنجاح أو الفشل مضللةً أو مدمرةً.
من المتوقع أن يكون العامل الثاني في تسهيل التفاوض بشأن الاتفاقيات الدولية هو وجود شعور واسع الانتشار — لا سيما بين المشاركين الرئيسيين — بأن أطراف الاتفاقية سوف يمتثلون لها، وأن لديهم القدرة على القيام بذلك مع وجود عقوبات ذات مصداقية وجدِّية لعدم الامتثال أو من دون وجودها، وأنهم لم يوقِّعوا الاتفاقيةَ بنِيَّة الخداع. ويدور جدل حادٌّ بين المتخصصين حول مسألة إن كان عدم الامتثال ينبغي أن يُعامَل على أنه انتهاك للاتفاقية يجب المعاقبة عليه، أو على أنه مشكلة يجب التغلب عليها عن طريق الإقناع ومحاولة تعزيز القدرة على الامتثال. مع ذلك، الإجاباتُ المجردة على هذا السؤال ليست مفيدة كثيرًا. يعتمد الكثير في هذا الأمر على خطورة المخالفة (على سبيل المثال، المخالفة خطيرة في حالة إيران ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية)، وعلى أهمية الدولة المخالفة في سياق المشكلة الحالية، والقدرات الإدارية والفنية لطرف الاتفاقية الذي لم يمتثل. إن أوجُه الإبهام واضحة؛ فعدم امتثال الصين لاتفاقيةٍ للحد من انبعاثات الكربون يشكِّل انتهاكًا خطيرًا جدًّا، لكن ربما يتم تجاهُل محاولة فرض عقوبات صارمة، وإلا فستؤدي إلى جعل الصين تبتعد عن أيِّ التزام آخر للحد من الانبعاثات. لكن إذا لم تُطبَّق العقوبات، أو على الأقل إذا لم تمثِّل تهديدًا ذا مصداقية، فماذا سيكون الحافز للامتثال بالنسبة للصين في المقام الأول، بصرف النظر عن الإدراك المتزايد بأن الاحترار العالمي سيكون كارثيًّا بالنسبة للصين مثل جميع الدول الأخرى؟ وعلى النقيض، الدولة الأفريقية التي لا تمتثل لأنها تفتقر إلى القدرة على القيام بذلك لا ينبغي أن تكون مرشحًا لفرض عقوبات عليها: ربما لا يؤدي عدم امتثالها إلى أيِّ عواقب سوى العواقب المحلية (التي قد تكون شديدة)، وهي بحاجة إلى المساعدة الفنية والمالية لتصبح قادرة على الامتثال. وفي كلتا الحالتين، باستثناء وجود حالة طوارئ ناجمة عن معلومات جديدة حول الاحترار العالمي، فإن الإقناع والمساعدة يبدوان نموذجًا أكثر عقلانية للجهود الرامية إلى التعامل مع عدم الامتثال، أو ربما ينبغي للمرء أن ينتهي إلى الرد الاقتصادي الشهير على جميع الأسئلة؛ كل هذا يعتمد على الموقف. وما يعتمد الأمر عليه هنا هو الأحكام حول خطورة المخالفة المذكورة؛ على سبيل المثال، إذا استمر الاحترار العالمي في التصاعد، فإن عدم امتثال بلد كبير أو حتى العديد من البلدان الصغيرة يمكن أن يشكِّل تهديدًا قاتلًا يبرِّر فرض عقوبات شديدة. الحكم السياقي من النوع نفسه ضروري فيما يتعلق بالانتفاع بالمجان؛ يتوقف الأمر كله على مَن يفعل ذلك ومدى خطورة المشكلة في الوقت الراهن. علاوة على ذلك، يمكن السيطرة على الانتفاع بالمجان عن طريق أن يكون من المعلوم أن عدم الامتثال سوف يؤثر على العلاقات التي ستستمر في المستقبل، وستزيد احتمالات الامتثال أيضًا إذا كانت عقوبات عدم الامتثال شفافة ومتسقة، وإذا كانت توجد آلية لتسوية النزاعات.
من المتوقع أن يتأثر الامتثال والتنفيذ بشدة بنطاق السياسة الداخلية أيضًا؛ فإحدى المشكلات هي أن الأفراد الذين يتفاوضون على الاتفاقية الدولية من غير المحتمل أن يكونوا هم الأفراد المسئولين عن تنفيذها، فربما يتبدد الإحساس «بملكية» الاتفاقية، وربما تؤثر مجموعة مختلفة من المصالح ووجهات النظر في الأمر. إضافة إلى ذلك، تتغير في كثير من الأحيان الظروفُ التي كانت سائدة عندما تم التوصل إلى اتفاق، وفي بعض الأحيان يكون هذا التغير جذريًّا، كما تتغير الحكومات بوتيرة منتظمة إلى حدٍّ ما. ومن ثَم فإن الشكوك بشأن استعداد أو قدرة أطراف الاتفاقية الآخرين على تنفيذها بأمانة هي شكوك مزمنة، وربما تؤدي في الواقع إلى حلقة مفرغة؛ عمليات انسحاب استباقية من الاتفاقية توقعًا للانسحاب الاستباقي للأطراف الأخرى. وربما تكون الاتفاقيات التي لم تنفذ أسوأ من عدم التوصل لاتفاقية على الإطلاق؛ من حيث إنها قد تجعل التفاوض حول الاتفاقيات المقبلة أكثر صعوبةً.
تشير هذه الاعتبارات إلى أن القدرات والمشاركة المحلية يجب أن تكون شاغلًا بالغ الأهمية في عملية التفاوض الدولي. ونادرًا ما تكون كذلك، ويعود السبب في جزء منه إلى أن البيروقراطيات والحكومات الوطنية تهتم للغاية بحماية دائرة نفوذها. وبطبيعة الحال، عادة ما تكون البنية التحتية والخبرات المحلية في البلدان النامية ضئيلة، ومن ثَم يضمن ذلك فشل السياسات ما لم تكن المؤسسات الدولية قادرة على المساعدة بسرعة وفاعلية، ويجدر أيضًا إدراك أنه في حين أن التنفيذ المحلي والإقليمي شاغلٌ بالغ الأهمية، سيكون دائمًا من الصعب دمج هذا الشاغل في سياق المفاوضات الدولية.
تمثِّل هذه التعميمات تحذيرًا يمكن أن يكون مفيدًا حول ما يحتاج المفاوضون وضعه في اعتبارهم؛ وهي لا تضمن النجاح لكنها ربما تيسِّره. ومع ذلك، في سياق الطاقة والبيئة حيث تمتزج السياسة والسلطة، والعلم والتكنولوجيا، وعلم الاقتصاد وعلم البيئة، والمحلي والدولي معًا بطرق معقدة، ربما نحتاج أكثر من ذلك؛ ربما نحتاج اقتراحات محددة وعملية حول كيفية التنقل خلال ساحة المفاوضات الوعرة التي تتطور باستمرار.
(٣) الجدل حول أماكن المفاوضات
ما هو أفضل محفل للتفاوض على اتفاقيات دولية تعاونية؟ سوف تؤثِّر إجابتنا على نوع الاتفاقية الدولية التي يجري التوصُّل إليها واحتمالية تنفيذها. هل هي على المستوى العالمي، تجمع دول العالم جميعها تقريبًا، والمنظمات الدولية ذات الصلة، فضلًا عن مجموعة كبيرة متنوعة من المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والعلماء والناشطين، في مكان واحد لفترة معقولة من الوقت للوصول إلى معاهدة تَعِد بحلٍّ أو بتقليل المشاكل التي تظهر في أحد نطاقات الاهتمام؟ أم ينبغي على المرء السعي إلى الوصول لاتفاق في أماكن أصغر، مثلًا بين أولئك الذين لهم تأثير قوي ومباشر فحسب على المشكلة (على سبيل المثال، المنتجون الرئيسيون لانبعاثات الكربون)، أو في مجموعات أصغر مُشَكَّلة بالفعل مثل مجموعة العشرين أو مجموعة الدول الثماني أو مجموعة الثماني زائدًا عليها خمس (الصين والهند والبرازيل والمكسيك وجنوب أفريقيا)، أو في «ائتلافات القوى الراغبة» المُنشأة خصوصًا لذلك؟
سنناقش ما حدث في كوبنهاجن في بداية الفصل الختامي، ويكفي هنا أن نشير إلى أنه على الرغم من سلسلة الاجتماعات التحضيرية الأكبر في تاريخ دبلوماسية المؤتمرات، فقد فشل مؤتمر كوبنهاجن في تلبية الآمال أو التوقعات. إن البحث عن بدائل مطروحٌ بالفعل، ولكنه غير مثمر حتى الآن بسبب المصالح المتضاربة.
وينبغي أن تكون فوائد أيٍّ من أماكن التفاوض الأصغر واضحة؛ فمن خلال جمع البلدان المتقدمة الكبرى والقوى «الناشئة» الكبرى — الصين والهند والبرازيل بالإضافة إلى بلد أو اثنين آخرين — مع تمثيل محدود للبلدان النامية الأخرى، فإنه ربما يكون من الأسهل التوصل إلى توافق في الآراء بين الأطراف المتماثلة نسبيَّا، وستزيد احتمالات أنه ستكون لديهم القدرة على تنفيذ الاتفاقات. بطبيعة الحال، ربما تجعل الصين والهند والبرازيل الوصولَ إلى توافق في الآراء صعبًا، ولكن يمكن أن يحدث الأمر نفسه مع المحافل الأكبر. وعلاوة على ذلك، بعض البلدان النامية التي اختيرت لتمثيل البلدان النامية ككلٍّ أو لتمثيل منطقة معينة داخل مجموعة السبع والسبعين (مجموعة بلدان العالم الثالث داخل منظومة الأمم المتحدة)، ربما تشعر بضرورة أن تكون أكثر راديكاليةً وتطلبًا مما قد ترغب في أن تكونه بنفسها من أجل تلبية المصالح الواسعة النطاق لبلدان العالم الثالث المتباينة للغاية. ومع ذلك، تظل هذه المحافل أكثر قابليةً نسبيًّا للإدارة من المؤتمرات العالمية، وتجمع فيها الدولَ الفاعلة الأبرز المسئولة عن الغالبية العظمى من انبعاثات الكربون. وعلى نفس المنوال، فإنها تفتقر إلى شرعية المحافل الأكبر، وبعض البلدان المهملة أو التي لا يمثِّلها سوى آخرين ربما تصبح من أكبر «مجرمي انبعاثات الكربون» في السنوات المقبلة، والدول غير الحاضرة قد لا تشعر أن أيَّ اتفاقٍ عادلٌ أو أنه يعكس مصالحها. باختصار، الاتفاقيات الأضيق بين البلدان الغنية والقوية وعدد قليل من البلدان النامية الرئيسية قد تكون فعالة نسبيًّا على المدى القصير، ولكن ستقل فاعليتها على المدى الطويل. ربما ينطبق الأمر نفسه بالنسبة لأصغر المنتديات: المفاوضات الثنائية التي تجرى بين الولايات المتحدة والصين باعتبارهما أكبر دولتين متسببتين في انبعاثات الكربون وأقوى بلدين. إذا ارتفعت حدة التوتر بين الولايات المتحدة والصين، فإن السماح للآخرين بدخول المفاوضات قد يكون مفيدًا، خاصة إذا كانوا ملتزمين بالسعي للوصول إلى اتفاق دولي ذي منفعة متبادلة. وهذا هو «ثاني أفضل» الحلول، ولكنه ربما يكون أفضل خيار متاح إذا لم يكن «أولُ أفضل» حل على المستوى العالمي متوفرًا أو مكلفًا أكثر من اللازم أو مستغرقًا لوقت أطول من اللازم للتفاوض.
لائتلافات القوى الراغبة مزايا أخرى عديدة، بصرف النظر عن تداخل المصالح الواضح، وإن كان حيويًّا، في مسألة معينة. تُذكَر المناقشة الموجزة في الفصل الثاني حول منافع النادي ضمن المفهوم الأوسع للمنافع العامة الدولية. منافع النادي غير تنافسية ولكنها تقبل الاستبعاد — على عكس المنافع العامة التقليدية — فعلى سبيل المثال يتطلب دخول حديقة وطنية أو استخدام الطريق السريع رسومًا. في هذا السياق، فإن ميزة ائتلاف القوى الراغبة هي أن الأعضاء يشتركون في مصلحة ويوافقون على قواعد النادي، ولكن يمكن لغير الأعضاء الانضمام متى يكونون على استعداد لقبول اتفاقياتها والالتزام بقواعدها. لا توجد استثناءات اعتباطية من خلال الموقع الجغرافي أو الانتماء الأيديولوجي أو حتى الثروة. وفوق كل شيء، هذه المجموعات الصغيرة لكن غير الحصرية تزيد احتمالات أن تكون قادرة على التوصل لمواقف مشتركة وتنفيذها بسرعة، وعلى التكيف سريعًا مع التغيرات في المعلومات أو الظروف الخارجية. ربما لا تزال المساعدات الخارجية والمساعدات الفنية ضرورية لبعض الأعضاء الأفقر والأضعف في الائتلاف، لكن تقل احتمالات حدوث ابتزاز على مستوًى كبير كثيرًا ما يحدث في الساحات العالمية؛ حيث يمتنع بعض المشاركين عن الموافقة ما لم يتم شراء موافقتهم. على أيِّ حال، في حين أن هذه الائتلافات ربما تكون من الناحية النظرية ثاني أفضل حل، فإنها ربما تكون أيضًا أفضل الوسائل المتاحة للوصول لتوافق واقعي في الآراء بين عدد معقول من الدول، ولفعل ذلك بسرعة، ولتوفير القدرة على التنفيذ الفاعل، وللسماح بانضمام أعضاء جدد بسهولة نسبية. وهذا الانفتاح أمام الأعضاء الجدد الذين يقبلون قواعد النادي هو الفارق المهم عن الأندية الحصرية مثل مجموعة الدول الثماني أو مجموعة العشرين.
ظهرت فكرة «رفع التصنيف» في المفاوضات التجارية الدولية للإشارة إلى أنه عندما مُنِحت بعض البلدان النامية وصولًا تفضيليًّا إلى أسواق البلدان المتقدمة، فإنها سترتفع تصنيفيًّا؛ بمعني فقدان وضعها التفضيلي عندما تصل إلى مستوًى معين من النمو. كان يوجد جدل حتمي حول معايير رفع التصنيف ومَن ينبغي أن يتخذ القرار. وفي السياق الحالي، تنطوي الفكرة على وجود معايير مغايرة وإن كانت متقدمة تدريجيًّا من أجل قياس التقدم المُحرَز وزيادة المتطلبات مع تحسن الأداء، وكذلك سيكون من المفترض أيضًا أنه سيكون من الأسهل توفيق السياسات المحلية (إذا كان ذلك على نحو مغاير) في ائتلاف القوى الراغبة، وتنسيق السياسات الوطنية لتجنُّب الإجراءات الأحادية الجانب. باختصار، يسعى المرء هنا إلى التوصل لإطارٍ تفاوضي يتمتع بأفضل فرصة في إيجاد الْتِزامات قوية بسرعة، ومن المتوقع أن يكون أكثر مرونةً، ولكن أيضًا أقل غموضًا من الالتزامات الرخوة في الساحات السياسية العالمية، وأن يفرق بين الالتزامات والمسئوليات للدول ذوات القدرات المختلفة، ولكن ليس إلى درجة التهرب.
(٤) التفاوض حول الاستراتيجيات المحلية والدولية
ولكن ما هي استراتيجية التفاوض الدولية المناسبة للدول؟ يوجد بالطبع الكثير من نماذج التفاوض، والكثير من مختلف مناهج تسوية النزاعات. ومع ذلك، تميل المناهج الأبرز في المفاوضات إلى التفريق بين المفاوضات التوزيعية والمفاوضات التكاملية. النهج الأول أكثر إثارةً للخلاف لأنه يركِّز على مَن يحصل على أيِّ حصة من كعكة ثابتة الحجم، والنهج الثاني أكثر تعاونًا نسبيًّا لأنه يركِّز على زيادة حجم الكعكة بحيث يستطيع كلا الطرفين الحصول على مكاسب أكبر، مع أنه يمكن أن يوجد صراع حول مَن يحصل على الحصة الأكبر من الكعكة الأكبر. على الرغم من فائدة هذين النموذجين في وصف وتحليل بعض القضايا التقليدية في العلاقات الدولية، فإنهما لا يبدوان مفيدين في السياق الحالي؛ فيوجد تركيز ضمني في المناهج التقليدية على السلطة، وعلى مَن لديه القدرة لكسب حصة أكبر من الكعكة، وعلى ما يمكن للأضعفِ القيامُ به لتحسين احتمالات ما يحصل عليه، وعلى وقت أو أسباب اختيار الأقوى عدمَ ممارسة سلطته؛ فالمنافسة — وليس التعاون — هي بؤرة التركيز الرئيسية. وينبغي للمرء أن يلاحظ أيضًا في هذا الصدد أن بعض نماذج المفاوضات الأكثر أناقةً التي يفضِّلها خبراءُ الاقتصاد لا تؤتي ثمارها في السياق الحالي؛ لأنها تميل إلى التركيز على لقاء واحد، وليس على استمرارية العلاقة، ولأنه من الصعب تعيين قِيَم كمية لمجموعة من النتائج المختلفة.
لا تزال الاستراتيجيات التقليدية مواتية، إذا ركزنا — مثلًا — تحديدًا على السياسة الجغرافية للطاقة والصراع بين منتِجِي ومستهلكي النفط، لكنها أقل أهميةً، وربما تأتي بنتائج عكسية إذا ركَّزنا على المسائل الأوسع نطاقًا بشأن الجهود التعاونية لخلق اقتصاد طاقة جديد ولتقليل مخاطر الاحترار العالمي. فعلى نحو ضمني، ما يبدو أن الدول تتفاوض حوله في هذه الظروف ليس مجرد معرفة مَن يحصل على ماذا، ولكن أيضًا إرساء قواعد للسلوك في ساحة تعايُش تنافسي لكنه سلمي. والهدف هنا هو متابعة وحماية المصالح الوطنية، ولكن ليس لدرجة أن يوجد تهديد للنظام الدولي نفسه أو للمعاملة العادلة لجميع أعضاء المجموعة أو النادي. وفي هذا السياق يسعى المرء — ببطء لكن على نحو ثابت — لترسيخ فكرة أنه لا ينبغي السعي وراء المصالح الوطنية القصيرة المدى إلى الحد الذي يهدِّد استقرارَ النظام الدولي ذاته. وتجدر الإشارة إلى أن سياسات الصين في كوبنهاجن وسعيها للحصول على مزايا تنافسية في التجارة الدولية تبدو على خلافٍ مع ذلك المنظور الجديد للمفاوضات؛ إذ ركَّزَتْ سياساتها بقوة شديدة على تحقيق مصالحها الوطنية.
بدأت بالكاد هذه الحركة نحو منهج بديل للتفاوض. وثمة صلة ممكنة مع بعض الكتابات السابقة الأكثر رصانة ومعيارية حول البيئة، والتي تركز على مسئوليتنا المشتركة نحو الأجيال المقبلة بتسليم الكوكب غير مدمَّر، ولكن لم تترسخ هذه الصلة حتى الآن على نحو واضح. ومن ثَم فإن المنهج الجديد مثالي؛ إذ إنه بمرور الوقت ربما يبدأ في تغيير المفاهيم والسلوك. ربما كان أقصى ما يمكن أن يقال في هذه اللحظة هو أن الجهود المبدئية ربما ينبغي أن تركز على أنماط التفاوض التكاملية: زيادة حجم الكعكة، والتركيز على حل المشكلة وعلى إقناع البلدان الغنية أن الالتزام الواضح بالإنصاف والتنمية ربما يولِّد استجابات تعاونية تبدأ التحركَ نحو التزامات عملية مشتركة لإرساء قواعد جديدة للتعامل مع الطاقة والبيئة.
(٥) منهج خاطف أم منهج متدرج متزايد السرعة؟
هل ينبغي أن نحاول التوصل إلى اتفاقية من خلال منهج «خاطف»، مثل مؤتمر كوبنهاجن؟ أم هل من الممكن تحقيق نتائج أكبر من خلال تدابير أصغر، وإنقاذ المنهج المتدرج ممَّن ينتقصون من فاعليته؟ سبق وأكَّدنا على شكوكنا حول صحة الاعتماد على المؤتمرات العالمية الكبيرة في اتخاذ قرارات واقعية، لكننا لم نوضِّح السبب وراء شعورنا بأن الأسلوب الأكثر تواضعًا في صنع السياسات في منتدًى أصغر قد يؤدي إلى نتائج أفضل. فالتدرج — الذي يَفترض أن أفضل دليل لسياسة الغد هو سياسة الأمس، وأن التغيير «تدريجي» — واجَهَ انتقادات شديدة في السنوات الأخيرة، لا سيما فيما يتعلق بعمليات السلام الفاشلة في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى. ويبدو كثير من الانتقادات مبرَّرًا عندما تفشل الخطوات الصغيرة في الاحتشاد لتحقيق تقدُّم مطرد نحو الهدف، فيمكن للصدمات والمفاجآت أن تُخرِج بسهولة أيَّ عملية عن مسارها قبل تحقيق تقدُّم كبير، وربما يُعتقَد أن الخطوات الثورية الحقيقية قد تتطلب مؤتمرًا كبيرًا (مثل اتفاقية كامب ديفيد في عام ١٩٧٨، أو اتفاقية دايتون في عام ١٩٩٥) يجمع كل الزعماء الكبار معًا من أجل التغلب على الجمود والركود، ولكن الظروف التي سهلت النجاح في تلك الحالات لا تتكرر بسهولة، خاصة مع وجود أكثر من ١٩٠ بلدًا يريد حماية مصالحه.
نعتقد أن هذا التركيز سيقلِّل من معظم أوجُه القصور التي تُعزى عادةً إلى التدرُّج. ربما يجد هذا المنهج مقاومة ناشئة ليس فقط من تاريخ الإخفاقات السابقة للسياسات التدريجية، ولكن أيضًا لأن الاستراتيجية التدريجية قد تبدو كبيرة (أو متكلفة؟) على نحو غير كافٍ بالنسبة لحجم المشاكل في مجالَي الطاقة والبيئة. وقد اقترح البعض المراهنة «بكل شيء» على تكنولوجيا ثورية واحدة محتملة، ولكن المبادرات الكبيرة قد تؤدي إلى احتفالات كبيرة في حديقة البيت الأبيض بدلًا من النتائج العملية عندما يحين وقت التنفيذ. أما المنهج المقابل لمنهج المقامرة الكبيرة فهو التركيز على مجموعة شاملة من التدابير السياساتية، والتي يُموَّل كل منها على نحو كافٍ، ويمكن أن يكون هذا مكلفًا للغاية ما لم تحدد أولويات واضحة. والتفضيل المقدم هنا هو التدرج المتسارع خطوة فخطوة، وسوف نحدد في الفصول الثلاثة المقبلة وجهة نظرنا بشأن الخيارات والقرارات التي يجب اتخاذها على كل فترة زمنية.
من المهم ألَّا يساء الفهم هنا؛ فنحن لا نؤيد الاستراتيجية التدريجية بوصفها حلًّا سحريًّا أو باعتبارها الاستراتيجية السياساتية الوحيدة التي يجب اتباعها. إذا كانت المشاكل التي نناقشها تسبب تدهورًا بيئيًّا حادًّا، وإذا أصبحت خياراتنا صارمة وخطيرة على نحو متزايد؛ فربما يصبح من الحتمي القيام بمحاولة أخرى للتوصل إلى اتفاق عالمي يسعى لتحقيق نتائج معتبرة بسرعة. وحتى ذلك الوقت، ليس الفشل محتمًا، وربما يكون تبنِّي استراتيجية تدريجية مستدامة أفضلَ أملٍ لتفادي نتيجة محزنة.
(٦) خيارات في سياق المخاطر
إن حجم المشاكل التي تواجهنا ضخم، فهي تؤثر علينا جميعًا وربما تفعل ذلك لمدة قرن أو أكثر، وتثير قضايا أخلاقية وعملية شديدة، ويجب أن تخضع للتفاوض محليًّا ودوليًّا مع معرفةٍ تتطور باستمرار وغير مقنعة للبعض. والمشكلة الرئيسية في مثل هذه الظروف هي المخاطر؛ المخاطر الموجودة في المشكلات نفسها، والمخاطر الكامنة في السياسات المختارة للتعامل مع المشكلات، والمخاطر المحتملة بالنسبة لصانعي السياسات في حال فشل هذه السياسات.
يشعر مختلف الأفراد بالمخاطر بشكل مختلف في السياقات المختلفة. وعلى هذا النحو، تتأثر تفسيرات المخاطر على نحو كبير بعوامل مثل درجة تعقيد المشكلة، ودرجة عدم اليقين، والمدى الزمني، والسمات الشخصية. ومن المحتمل أن يبدو مستوى المخاطر أعلى بكثير إذا كانت الأحداث غير المتوقَّعة تبدو أنها متوقَّعة الحدوث؛ وهو ما يعني أيضًا أن تكاليف الفشل يمكن أن تتصاعد. وبيت القصيد هنا فيما يتعلق بالطاقة والبيئة هو أنه يبدو أننا نواجه «مجموعة عصيبة» من المخاطر؛ منها: فشل محتمل للسياسات مع عواقب وخيمة على كلٍّ من المجتمع وصانعي السياسات، وأخطار ناجمة عن تغير المناخ ستصبح واضحة على نحو متزايد وقريبة زمنيًّا على نحو متزايد، وتطورات ربما يصبح علاجها متعذرًا، وصناع قرار لن يتمكنوا من الفرار من مسئولية عدم التصرف في الوقت المناسب. فالتخطيطات القياسية للقادة العازفين عن خوض المخاطر — اتخاذ قرار من خلال عدم اتخاذ قرار وتأجيل القرارات الصعبة للمستقبل — لا ينبغي أن تكون كافية هنا، ولكن كما تشهد عقود من حديث الكثير من علماء البيئة بلا طائل، فإن الفجوة بين ما يجب على النظام السياسي أن يفعل وما سيفعل لا تزال كبيرة.
سعى هذا الفصل لتوضيح بعض العقبات السياسية التي أحبطت نجاح المفاوضات الدولية في الماضي، ولتقديم اقتراحات حول ما يمكن القيام به لتحسين احتمالات النجاح في المستقبل. يجب أن يكون الاختبار النهائي لجهودنا عمليًّا ومنسجمًا مع القيود الفنية والسياسية القائمة: ما هي القرارات التي يجب اتخاذها؟ ومتى يجب أن نتخذها في ضوء الكثير من العقبات التي ناقشناها؟ تعرض الفصول الثلاثة المقبلة خياراتنا المطروحة وتناقشها.