الترجمة ومستويات اللغة
لم تكن اللغة العربية لغةً موحَّدةً على مدى تاريخها الطويل، وأنا لا أعني بذلك اختلاف اللهجات العربية، ولكنني أقصد أن الانفصال بين لغة «الأدب الرسمي» ولغة الحياة اليومية كان قائمًا بدرجات متفاوتة، منذ أقدمِ العصور، وليست اللغة العربية فريدةً في هذا، ولكننا لا نستطيع أن ندركَ درجاتِ هذا الانفصال وأشكاله؛ لأن همَّ الرواة والمؤرخين كان الحفاظ على الأدب «الرسمي» واللغة الرسمية وحدَها دون المستوى الآخر.
فالشعر الذي حفظه لنا الرواة ومن بعدِه النثرُ الفنِّيُ المسجل في الكتب كانا يمثلان التيار الرئيسي الذي تصبُّ فيه تقاليدُ الأمة العربية وأعرافُها، وهي لا تقتصر على التقاليد اللُّغوية والأدبية، بل تتخطاها إلى التقاليد الاجتماعية والإنسانية العامة، وكانت جميعًا ترصدُ أبعادَ الشخصية العربية وتحافظ عليها، فكان التعليمُ الرسمي يبدأ بتعلُّم اللغة، وكانت مباحثُ اللغة والأدب المختلفةُ تمثِّلُ الفروع الأساسية للعلم الذي يتلقاه المتأدِّبُ في صباه، وهكذا كان همُّ المجتمع بصفةٍ عامَّةٍ هو الحفاظ على هذا التراث وصيانته من «كلام العامة» خصوصًا بعد التوسع الكبير — جغرافيًّا وحضاريًّا — في القرون الأولى للهجرة، والتفكُّكِ الكبير أيضًا فيما يسمى بعصر الانحطاط.
ولهذا فنحن دائمًا ما نَجِدُ في الكتب التي جمع فيها أصحابها تراث السلف إشاراتٍ إلى من قال كلامًا «أصاب» فيه، أو «أخطأ» أو إلى عجمةِ هذا الشاعر أو ذاك، وأحيانًا تفلتُ من أيدي الرواة عباراتٌ، بل فِقراتٌ كاملةٌ على ألسنة من يرْوُون عنهم، يختلف فيها مستوى العربية اختلافًا بيِّنًا عن مستوى الشعر المسجَّل في الكتب، بل عن مستوى النثر الذي يستخدمه الراوي نفسه، ولا داعيَ للإفاضة في هذا، فقد أثبته دارسو الأدب الشعبي العربي (مثل: حسين نصار، وعبد الحميد يونس، وغيرهما)، فكلُّ ما أريدُ أن أوضِّحَه هو أن التيَّار الرسمي للأدب العربي، واللغة العربية كان يخفي دائمًا تيَّارًا آخر لا يقلُّ عنه أهمِّيَّة، وهو إذا كان ينفصلُ عنه انفصالًا خارجيًّا — أي إذا كان الرواة والمؤلفون يَفصِلون بين التيارين في كتبهم — فهو يتصل به اتصالًا داخليًّا وثيقًا؛ لأنه «يغذيه» ويبقي على حيويته، وفي ظني أن دراسة تطور اللغة والأدب لن تكون كاملةً، ولن يكون لها المعنى الذي نرجوه إلا إذا ربطنا بين التيَّارين.
وعلى مر القرون تطورت اللغة المستخدمة في الحياة اليومية، وفشى فيها الكثيرُ مما كان أعجميًّا، أو مما جرى على ألسنة الناس من ألفاظٍ وتراكيب ومعانٍ وقيمٍ بلاغيةٍ، وأشكالٍ أسلوبيةٍ، بل وتغيرت بعض الأصوات العربية — كما أثبت ذلك الدكتور رمضان عبد التواب — وأقبل الكثير من الكُتَّاب على استخدام اللغة المتطورة التي اكتسبت بالتدريج احترام النقاد — رغم وجود نفرٍ في كلِّ عصرٍ لا يقبلون إلا القديم، وينفرون من كلِّ جديدٍ — حتى جاء يومٌ ابتعدت فيه اللغة الأدبية القديمة ابتعادًا واضحًا عن أقلام الأدباء، وأصبحت اللغة المتطورة هي المستخدمة في إبداع الأدباء بصفةٍ عامَّةٍ.
والواقع أن لغة العامة؛ أي اللهجة العربية المحلية التي تختلف من بلدٍ إلى بلدٍ، لم تكن يومًا بمعزِلٍ عن هذا التطور، بل إنها كانت دائمًا من العوامل الحاسمة في إحداثه؛ فهي تُستخدمُ في الحديث اليومي، وفي التفكير، وفي الإحساس والتعبير عن المشاعر؛ ولذلك فقد كانت أقربَ إلى الألسنة العربية من «اللغة الرسمية» التي يتعلمها الصِّبيان في المدارس، وكثيرًا ما فَرَضَتْ نفسها على صور هذه اللغة وقوالبها فغيَّرَتْها من وقتٍ إلى وقتٍ، طورًا بالإضافة (بإضافة ألفاظٍ وتراكيبَ جديدةٍ تقتضيها المعاني والمفاهيم الجديدةُ)، وطورًا بالتعديل (الذي كان القدماء يعتبرونه تحريفًا وتشويهًا)، وطورًا بتقديم المقابل الجديد لشكلٍ من أشكال التعبير القديم، أصبحَ مهجورًا لبعد العهد به، ولظهور «سياقاتٍ» حيويَّةٍ (حياتية) جديدةٍ تتطلب العربية العامية، لا العربية القديمة.
وقد كنتُ عرضت مذهبي في ترجمة النصوص الأدبية العالمية في مقدمتي لترجمة مسرحية شيكسبير «تاجر البندقية» قائلًا: إنني لا أعترف بأي حواجزَ تفصلُ بين هذه المستويات فصلًا خارجيًّا؛ فالقارئ العربي ينتقل بينها بصورةٍ طبيعيةٍ وتلقائية، كما قلتُ: إنني أُوجِّه عملي الأدبي إلى القارئ المعاصر الذي درج على دراسة القديم، وهو يتحدث العامية، ويستخدم في حياته اليومية العربية المعاصرة التي تقبلُ شتى ألوان التعبير القديمة، والعامية؛ لأنها تمثل التيار الرئيسي للعربية في عصرنا هذا، ولكنَّ كلَّ نصٍّ أدبيٍّ يأتي معه بصعوبةٍ جديدةٍ، فما هي الصعوبة التي تأتي بها مسرحيةٌ مثل «يوليوس قيصر» وكيف نحاول حلَّها؟
الصعوبة ذات شِقَّين، أما الشق الأول فيتصل بمفهوم لغة الأدب، وأما الثاني فيتعلق بنوعين من الترجمة الأدبية أستطيع من باب التيسير أن أصفهما بفن إيراد المقابل (الذي يصلُ في حالاتٍ مثاليَّةٍ نادرةٍ إلى مستوى المثيل)، وفن إيراد البديل إذا تعذر المقابل، ويكفي أن أقول فيما يتعلق بالشق الأول: إن القول بأن للأدب لغةً تختلفُ عن لغة «العلم» مثلًا، أو لغة الفلسفة قولٌ مضلِّلٌ، وينبغي ألا نقبله دون إدراكٍ للتعميم الشديد الذي يشوبه؛ إذ ما المقصود بلُغةِ الأدب؟
المقصود هو اللغة المستخدمة في الأدب، لا اللغة التي هي بطبيعتها أدب! وقد نشأ هذا الخلطُ بكلِّ أسفٍ في فترةٍ من فترات التحوُّلِ اللُّغوي، كانت اللغة العربية تخطو فيه بحذرٍ من المستويات «القديمة» (والتي اتخذت صورًا بلاغيَّةً شكليَّةً محضةً) إلى المستويات «الحديثة» إذ استطاع عددٌ من الكُتَّاب أن يبتدعوا أشكالًا لغويَّةً جديدةً قادرةً على نقلِ التُّراث الفكري الحديث إلى العربية، وكان معظمُ هؤلاء الكُتَّاب رُوَّادًا في العلوم الإنسانية، وإن كان بينهم عددٌ غير قليلٍ من العلماء، فمن أجادَ منهم اللغة العربية، وصقلَ أسلوبَه فنفَى عنه العُجمةَ والركاكة عُدَّ من الأدباء، كأنما انحصرَ الأدب في الكتابة بأسلوبٍ منمَّقٍ، بل إن أحد أساتذة العلوم، وهو المرحوم الدكتور أحمد زكي؛ كان يوصَف بأنه أديبٌ؛ لأنه يكتبُ لغةً عربيةً ناصعةً، ويستخدم أسلوبًا رشيقًا أصبح عَلمًا عليه (يفصلُ فيه بين الصفة والموصوف، ويكثر من الابتداء بالنكرة، ويحافظ على التماثل في بناء العبارات المتتالية، وما إلى ذلك) وأذكر أن أحدَ الكُتبِ المدرسية كان يقول للطلبة: إن ثمة شيئًا اسمه الأسلوب «العلمي الأدبي» وما المقصودُ إلا عرضُ المادة العلمية بلغةٍ سليمةٍ، وأسلوبٍ فصيحٍ.
(١) هل للأدب لغةٌ خاصَّةٌ؟
أليس للأدب إذن لغةٌ تميِّزُه عن لغة العلم؟ أفلا يستطيع الإنسان عندما يفتح كتابًا أن يستدل من لغته على طبيعته؛ أي أن يحدِسَ دونَ تمحيصٍ إن كان علميًّا أو أدبيًّا؟
والإجابة عن هذا السؤال في صورتيه تتوقف على تعريفنا للأدب، فإذا قال قائلٌ: إن الأدب مادَّةٌ مكتوبةٌ تتناول حياةَ الإنسان — أفكاره ومشاعره، ونشاطه، ومجتمعه، وما إلى ذلك — فربما ردَّ عليه مَن يقول: إن العلومَ الإنسانية أيضًا تتناول حياةَ الإنسان، وتشملُ هذه الجوانبَ، فإذا قيل: إن الهدف هو الذي يفرِّق بين الكتابة الأدبية، والكتابة العلمية؛ أي إن الكتابة الأدبية تستهدف إثارة المشاعر والخيال، وتنبيه الوعي لدى القارئ، فربما كان الردُّ هو أن كتابة التاريخ مثلًا، أو الكتابة الفلسفية، يمكن أن تحقِّقَ هذا الهدف، وإن لم تَرمِ إليه!
فإذا قيل: إن للأدب صورًا معروفةً من العبثِ إنكارُها، مثلَ: القصيدة، والقصة، والمسرحية، وكلٌّ منها يتميَّز بخصائص شكليَّةٍ تهدينا إلى طبيعتها الأدبية، كان الرد: إن هذه الأشكال قد تخلو من جوهر الأدب، كما حدده النقاد على مر الزمن، فقد تكون القصيدة نظمًا فارغًا، أو نظمًا علميًّا (كألفية ابن مالك)، وقد تكون القصة روايةً تاريخيَّةً تَسردُ الوقائع الجافَّة، وقد تكون المسرحية حواريَّةً باردةً، أو فلسفيَّةً لا تُخرِجُ كوامن الشخوص ولا انفعالاتها!
فإذا قيلَ: إن أساس التفرقة في الواقع هو أن الأدب يتناول «الخيال» أي إن «وقائعه» لم «تقع» وأن شخوصه وأحداثه «مبتكرةٌ» وغيرُ «حقيقيَّةٍ» كان الردُّ: إن سردَ الوقائع الخيالية قد يَقصُرُ عن بلوغ مرتبة الأدب، وبأن رصدَ الواقع وتسجيله قد يبلغُ هذه المرتبة، بل وقد يفوقُ الخيال في إحداث تأثيره!
فإذا قيل أخيرًا: إن المسألة تتوقف في النهاية على «الطريقة» التي يُروى بها هذا أو ذاك، وعلى الأسلوبِ الذي يتخذه الكاتب، كان الردُّ: إن الطريقة وحدها لا تكفي، وفن الصنعة «أداةٌ» يستخدمها الفنان لنقل «رؤيةٍ» أو «تجربةٍ» ولا مكان للأداة دون الرؤية، ولا للرؤية دون الأداة!
كيف نعرِّفُ الأدب إذن؟ وهل يتضمن تعريفنا له تعريفًا للغة التي تستخدَمُ في كتابته؟ لا شك أن معظمَ الملامحِ التي يُشيرُ إليها من يتصدَّى لتعريف الأدب يمكنُ رصدُها فيما اتُّفِقَ على أنه أدبٌ، ولكن تعريفنا للأدب يتغير على مرِّ العصور، وإن كان ثمة ثوابت في هذا التعريف إلى جانب المتغيِّرَات، فهل اللغة من الثوابت أم من المتغيِّرَات؟
إن النظرة الحديثة تؤكد أن استخدام اللغة في الأدب يختلف عن استخدامها في العلم مثلًا، أو في الحياة اليومية، رغم أن المادة اللغوية نفسها لا تتغير؛ ولذلك وجدنا أن المعايير التي تقاسُ بها الأنماطُ اللغويةُّ المستخدمة في الأدب تتفاوت بتفاوت العصور، وتفاوت الأنواع الأدبية، مثلما تتغير اللغة بصفةٍ عامةٍ من عصرٍ إلى عصرٍ، ومثلما يتغير مفهومنا للأدب من عصرٍ إلى عصرٍ، فما كان نقاد الماضي يعتبرونه أدبًا في عصور الانحطاط (من نهاية العصر العباسي الثاني حتى فجر النهضة الحديثة)، لم يعُد له شأن كبيرٌ بيننا، وإن كنا نجِدُ في بعضه ما يتَّفِقُ وتعريفنا للأدب! وكثيرٌ مما أهمله التاريخ الأدبي يعود «اكتشافه» اليوم وإقراره بيننا، فكلُّ عملٍ أدبي، يضيف إلى جسد الأدب العالمي ما يجعلنا نُغيِّر من مفهومنا للأدب، فنعيد تقويمنا للأدب القديم نفسه على ضوء هذا المفهوم!
تنوُّع أشكال الأدب في العصر الحديث إذن، وتغيُّر تعريف الأدب تبعًا لذلك، هو السبب في تغيُّر مفهومنا للغة التي يُكتبُ بها الأدب، أو ما كنا نسميه «لغة الأدب» ومعنى هذا بإيجازٍ؛ أن اللغة المستخدمة في الأدب لا تختلف عن لغةِ الحياة، وإن كانت بعضُ الأنواع الأدبية تتطلبُ مستوياتٍ خاصَّةً من اللغة، خصوصًا ذلك النوع الأدبي الذي اتفقنا على تسميته بالشعر، ففي هذا النوع بالتحديد، أو في أنواعٍ خاصَّةٍ من هذا النوع بتحديدٍ أدقَّ، تختلف الأبنية اللغوية لفظًا وتركيبًا ودلالةً عن لُغَةِ الحياة العادية، ليس فقط بسبب «النظم» (فالشعر كما أفهمه يُكتبُ نظمًا)، وليس فقط بسبب القافية (فكثيرٌ من ألوان الشعر مقفَّاة)، ولكن بسبب «الضغط» أو التكثيف الذي تتميز به لُغةُ ذلك الفن الأدبي الخاص.
فإذا تركنا الشعر الغنائي بمشاكله الكثيرة المتداخلة، وتأملنا اللغة التي يُكتبُ بها النثرُ الأدبي بمستوياتها المتعددة لأدركنا الصعوبة التي يواجهها مترجِمُ العملِ الأدبي الحديث إلى العربية؛ إذ إنه يواجه أحيانًا نصوصًا تتضمن مستوياتٍ لغويةً لا يمكن أن يتقبلها القارئ الذي اعتاد اللغة الجزلةَ التي اتَّسم بها تراثُ العربية الكلاسيكي، والتي يُعترف بها وحدها أدبًا! وهو — ثانيًا — يواجه نصوصًا تتحدث فيها الشخصيات «لغاتٍ» مختلفةً؛ إذ كثيرًا ما ترى لغة المؤلف وقد ابتعدت كلَّ البعد عن المستويات اللغوية التي تستخدمها الشخصيات التي ابتدعها، سواء كان ذلك في المسرح أو في الرواية والقصة القصيرة، بل إن النقاد يعيبون على المؤلف توحيدَ اللغة التي يستخدمها هو، ومن يتحدث على ألسنتهم أو من وجهة نظرهم في تلك الفنون الأدبية، بل إن هذا العيبَ يصبحُ نقصًا بالغًا في المسرح، حيث يتوقع الجمهور أن تختلف اللغة التي يستخدمها المثقفون عن لُغةِ رجلِ الشارع مثلًا، فلا يُعقلُ في إطار المذاهب الفنية الحديثة أن يتحدث نجَّارٌ أو حدَّادٌ مثلًا — مهما يبْلُغ امتيازُه الشخصي، ومهما تبلُغ فطنته — نفسَ اللغة التي يتحدَّثُها قاضٍ أو طبيبٌ أو مهندسٌ، ولا أقول الأستاذ المتخصص في علمٍ من العلوم.
وهذا هو مربط الفرس كما يقولون! فمعنى تعدُّدِ مستويات اللغة (أو حتى اختلافها النوعي) هو اختلاف «أنواعِ» البلاغة التي نصادفها في كلِّ مستوًى، فليس من المنطقي أن نتوقع نفس الصيغ «البلاغية» من فم الإسكافيِّ والصحفي، أو من فم ربَّةِ المنزل وأستاذ الجامعة، وكذلك فنحنُ لا نتوقَّع نفس المنهج «البلاغي» في حوارِ سائق التاكسي مع راكبٍ ريفيٍّ، وفي حوارِ مديرِ المصلحة مع موظَّفٍ لديه!
إن لدينا الآن تراثًا حافلًا بالعامية المصرية في المسرح، يتضمن ضروبًا منوَّعةً من بلاغة الحديث الحيِّ التي تنبعُ من السياق، ومن تَقابُل بواطن الشخصيات واصطدامها وتصارعها بعضها مع البعض، وقد تبلغ كلمةٌ واحدةٌ يقولها زائر القاهرة الريفي لسائق التاكسي درجةً من البلاغة لا مثيل لها في تراث العربية القديم، وقد نجد في حوار ربة المنزل مع بائع الخضر من البلاغة ما تقصرُ عنه الفصحى، وما لا يُترجم إلى الفصحى إلا بشقِّ النفس، وقد فَعل ذلك المازني في العديد من كتبه.
ولا أريد أن أسهب وأطيل؛ فالأنواع الأدبية الجديدة تتحدث عن نفسها، وتصوير الكاتب حوارًا بين نفرٍ من العامة، أو تسجيله الدقيق لما يدورُ داخل نفوس الشخصيات، قد يبلغُ درجاتٍ عُليا من البلاغة يندرُ أن نجدها في شعر الأقدمين، وأما افتراض شوقي ضيف أن العربية المصرية (العامية) هي فصحى محرَّفةٌ، نستطيع عن طريق إصلاحها أن نحوِّلَها إلى فصحى، فلا يقبلُه علماء اللغة المحدَثون (انظر شوقي ضيف: «تحريفات العامية للفصحى في القواعد والبِنْيات والحروف والحركات» القاهرة، دار المعارف، ١٩٩٤م).
لقد اختلف معنى البلاغة في عصرنا عمَّا كان عليه في العصور الخوالي، وليس من المعقول أن نقتصر في تحليلاتنا البلاغية على ما أورده النقاد العربُ الذين كانوا يستمدون أفكارهم ممن سبقهم، ويبنون أحكامهم على شعر الماضي، (أو على شعر زمانهم، كما فعل الثعالبي في يتيمة الدهر)، بعد أن اضطرتنا الأنواع الأدبية الجديدة إلى تعديل معاييرنا البلاغية.
(٢) الفصحى والعامية
ولكن ما هي حدود استخدام الفصحى والعربية المصرية في الترجمة؟ بل ما هي حدود العامية التي يمكن استخدامها، وما حدود مستوياتها؟
هذه أسئلةٌ لا يمكن أن توفَّى حقَّها — بطبيعة الحال — في هذا السياق إلا فيما يتعلق بترجمة النصوص المسرحية الحية، فأما حرية المترجم في إيجاد المقابِل أو المعادِل؛ فهي محدودةٌ كما ذكرنا بمفهومه الخاص للنص (في ضوء الشروح والتفاسير التي يقدمها أئمة النقاد بطبيعة الحال)، ولكنَّ فكرةَ المقابَلةِ أو المعادَلةِ تتطلبُ بعض الإيضاح؛ فالمترجِم هنا يقدم نصًّا أدبيًّا حيًّا، وأدب المسرح أو الدراما أكثرُ ألوان الأدب نبضًا بالحياة؛ لأنه ربما قُدِّمَ على المسرح، بل إنه ينبغي أن يُقدَّم على المسرح، فيشهده الجمهور المعاصر، ويفهمه، ويستجيب له.
وهنا نجد أن مترجِم المسرح لا يحاول فحسب تقديم المعنى (حسب تفسيره الخاص ومفهومه — طبعًا — على نحو ما شرحنا في الفصل الأول)، ولكنه يحاول أيضًا أن يُلبس ذلك المعنى ثوبًا عصريًّا؛ أي أن ينشِئ من الألفاظ قناة تواصل تنفذُ إلى قلب الجمهور وعقله، وهذا لا يتأتى إلا باستخدام اللغة التي يستخدمها الجمهور في واقع الحياة، إن لم يكن في الحديث اليومي، ففي الكتابة والقراءة، لغة الفكر والإحساس.
ولكن هذه القاعدة تصطدم بصعوبةٍ خاصَّةٍ في العربية كما ذكرنا، بسبب الازدواج اللُّغوي الذي يكاد يجعلُ من الفصحى القديمة لغةً غريبةً، ندرسها في المدارس، ونجهدُ في دراستها، وربما استطعنا إجادتها إجادتنا اللغات الأجنبية (كما يقول أستاذنا الدكتور شكري عياد)، وربما لم نستطع، وأما اللغة المعاصرة فهي لغةٌ حيَّةٌ متطورةٌ، تقبلُ الكثير من الألفاظ والتراكيب العامية، بل وتغذي اللغة العامية بمفهوماتها العلمية والفكرية المستقاة من علوم العصر، وكثيرًا ما تحاكي اللغة العامية في إيقاعاتها ونبراتها.
وينبغي ألا نغفل هنا عن حقيقةٍ بالغة الأهمية، وهي اشتراك العامية والفصحى المعاصرة في الإيقاع والنبرة والكثير من التراكيب والألفاظ، بل إننا ننقل إلى الفصحى المعاصرة من العامية (أو نترجم إليها) كثيرًا من لغةِ الحديث، بحيث تكتسب في صورتها الفصحى المعنى العامي، فعندما يطرقُ البابَ طارقٌ مثلًا، وتقول له: «تفضَّل!» لا تتصور أنك تستخدم كلمةً من الفصحى رغم فصاحتها، ولكنك في الحقيقة تقول له: «اتفضَّل!» أي «ادخل!» فالتفضُّل في معناه القديم هو ادعاء الفضلِ على الآخرين: مَا هَذَا إلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُم يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُم أو إعطاء الشخص فضلًا، وعادةً ما يكون في صورة مالٍ (زِدْ هَشَّ بَشَّ تَفَضَّلِ ادْنُ سُرَّ صِلِ — كما يقول المتنبي) أو ارتداء الفِضال وهو لباس المنزل، ذلك أن الأفكار الشائعة في لغتنا العامية لم تكن شائعةً عند العرب من أجدادنا، وهي أفكارٌ بسيطةٌ (أي غير معقَّدةٍ)، ونَبَعت من طبيعة الحياة العصريَّةِ نفسِها.
ولا أظنني بحاجةٍ إلى الدخول في تفاصيلَ ليس هذا مجالُها، مثل التوليد (انظر كتاب الدكتور حلمي خليل عن المُولَّدِ في العربية الحدَيثَةِ)، أو تأثير اللغات الأجنبية في العامية المصريَّةِ مثلًا، فكلُّ ما أريدُ أن أقوله هو أن الكاتب الذي يكتب حوارًا بالفصحى اليوم في مسرحيَّةٍ يؤلِّفها، كثيرًا ما يجدُ أنه يترجم عن العامية.
وعادةً ما يلجأ المخرج المسرحي إلى العامية؛ لإيضاح نبرةِ الأداء للممثل الذي يتحدث الفصحى القديمة، فهذه ليست لغةَ حوارٍ حيَّةً، ولا حياة لها دون الإحالة إلى لغةِ الحياة الواقعية أي العربية الحديثة، وإلا خلقنا ما يسمى بالتغريب؛ أي إيهام المتفرج أنه يشهدُ أناسًا لا يتكلمون لغته، ولا يعيشون عصره، ويكفي للتدليل على ذلك مقارنةُ مسرحيات محمود تيمور المكتوبة في صورتين، إحداهما فصحى، والأخرى عامية، أو إلى استخدام نجيب محفوظ للحوار في رواياته؛ إذ يحوِّلُ العبارات العامية إلى فصحى، ويتوقع من القارئ أن يحيلها في خياله إلى عاميةٍ، أو استخدام جمال الغيطاني لعباراتٍ عامِّيَّةٍ مكتوبةٍ بالفصحى، ودونَ أن أقدِّمَ قائمةً فالقائمة طويلةٌ، أذكر في الغيطاني تعبير «ممكن خمسة؟» «وقائع حارة الزعفراني» الذي أحار المترجم الأمريكي «بيتر أودانيل» لأنه لم يدرك أنه عامِّيٌّ، وأنه يعني «هل أستطيع التحدث معك خمس دقائق؟»
وبصفةٍ عامَّةٍ نستطيع تحديد منهجين للإحالة إلى العامية، الأول منهجُ اللغة الوسطى؛ أي اللغة التي تخضع للنحو العربي، ولكنها تكاد تكون عامِّيَّةً (لفظًا وتركيبًا) والثاني هو الفصحى التي تعتبر ترجمةً لحوارٍ ما بالعامية، ولا بأس من إيراد نماذج لإيضاح هذه الفكرة، انظر معي إلى هذا الحوار (وقد حذفت الشخصيات حتى لا يَستدل القارئ عليه):
لو أننا أحللنا هنا كلمة «لما» بمعناها العامي محلَّ «عندما» وكلمةَ «إمتى» محلَّ «متى» وحذفنا كلمةَ «ذلك» الأخيرة، ونطقنا سَيِّدِي بمقابلها العامي؛ أي «سِيدِي» وكذلك سَيِّدَتي «سِتِّي» وقس على ذلك الجُنَيْنَة (الجُنِينَة أو الجِنِينَة) ويرطبُ؛ لخرج إلينا نصٌّ لا شك في محاكاته للعامية المصرية الصادقة، فعلامات الإعراب هي وحدها التي تحدد مستوى اللغة في هذه الحالة، وهو تحديدٌ شكليٌّ وحسب؛ لأن صُلب الأفكار والتراكيب نفسها مستمدةٌ من اللغة الحية التي يتكلمها الناس.
وأما المنهج الثاني؛ فهو الأسلوب «الفصيح» الذي يعتمدُ على إلمام القارئ والمشاهد بما يقابله من أفكارٍ وأساليب بالعامية؛ أي بنظائره الدارجة. وهو الأسلوب المستخدم هذه الأيام في ترجمة المسرحيات العالمية، بل إنه قد شاعَ إلى درجةٍ كبيرةٍ وَهبَتْه استقلالًا خاصًّا، بحيثُ اجتذب من يحاكونه من كُتَّاب المسرح بالفصحى، وبحيث أصبحت له تقاليده الراسخة، ولم يعُد ثمَّ مجالٌ للتشكيك في وجوده باعتباره ممثِّلًا للغةٍ حواريَّةٍ حيَّةٍ، وأقربُ مثالٍ عليه هو ما قرأته في مسرحيةٍ من نوع الكوميديا أو الملهاة، يصرُّ صاحبها على استخدام الفصحى هربًا من تهمة انحطاط الأسلوب، بل وهربًا من الظن بأنه ابتعد عن أدب المسرح الرفيع لو كان استخدم العامية، وقد حذفت أيضًا أسماء الشخصيات:
والواضح هنا أن الكاتب يحيلنا إلى موقفٍ من مواقف حياتنا اليومية، لا يمكن تصوره إلا في منزلٍ معاصرٍ، ولا علاقة له بالحياة التي بادَتْ في عصورنا الخوالي؛ ولهذا فهو يستند — كما قلتُ — إلى معرفةِ القارئ بأمثال هذا الموقف، والحوار المقابل بالعامية في هذه الحالة هو:
فإذا تساءلنا عن أي نصوصٍ تصلح لها اللغة المعاصرة، كان علينا أوَّلًا أن نسأل عن حدود تلكَ اللغة المعاصرة، هل هي حقًّا لغةٌ واحدةٌ لها عدة مستوياتٍ — كما يذهب معظم الدارسين — أم أنها لغةُ الإعلام والكتابة وحسب؟
وإذا كانت لها مستويات فما حدودها؟ هل هي مستويات لفظية أم تراكيبية أو دلالية؟ أم تراها هذه المستويات جميعًا؟ فلنعد إذن إلى العبارات الحوارية التي أوردتها في الصفحة السابقة؛ لنرى كيف تشتبك هذه المستويات وتتعقد: إن كلمة «جيبي» بالمعنى الحديث مولَّدةٌ، وكانت تعني فتحة الثوب في الماضي، وتعبير «أين في الداخل؟» تعبيرٌ مستحدَثٌ، وقد يجده أهل اللغة ركيكًا، أما «في غرفة الطعام» فالمستحدَث هنا هو الدلالة؛ لأن غرفة الطعام من ابتكار العصر الحديث، وكذلك «غرفة النوم» و«طقم الصيني» أما تعبير «هل يكون في …» فهو تعبيرٌ جديدٌ أتت به اللغة العامية، والفصيح يفضِّلُ «أتُراني أضعه في …» أو «وهل تتصوَّر أن أضعه في …» وما إلى هذا بسبيلٍ، وكذلك استخدام الضمير «نحن» في الإشارة إلى المتحدث.
وهذا المستوى من مستويات اللغة المعاصرة يتضَّمن المنهجين السابقين في الإحالة إلى العامية، وقد نسميه مستوى لغةِ الحديث اليومي، أو نتفق مع توفيق الحكيم في تسميته باللغة الثالثة، أو اللغة الوسطى، ولكنَّ لُغةَ الحديث لها مستوياتٌ أخرى غير مستوى الحديث اليومي؛ فالذي يرسلُ رسالةً إلى صديقه يتَّخِذ نبراتِ الحديث العادي (أي إنه يخاطبه دون تكلف)، لكنه قد يستخدم أسلوبًا رفيعًا، أو مستوى آخر من هذه اللغة نفسها يتسم بنبرات الفصحى العريقة، ويحفل بالأفكار المعقدة التي لا يمكن أن تنقلها إلا الفصحى، وقس على ذلك من يكتبُ كتابًا يوجه فيه الخطاب إلى القارئ بأسلوبٍ حميمٍ، ومن يخطاب جمهورًا من المتعلمين الذين أتقنوا اللغة العربية في مرحلةٍ ما من مراحل دراستهم، وهلمَّ جرًّا.
إننا نفتقر إلى الدراسة العلمية الجادة التي تُفصِّلُ لنا القول في مستويات لغتنا العربية المعاصرة، وتفسر لنا سرَّ الألفة التي نحس بها في كتابة كاتبين، الأول يقترب من العامية كل الاقتراب مثل يوسف إدريس، والثاني يبتعد عنها كلَّ البعد مثل طه حسين.
أما في المسرح؛ فالأمر واضحٌ؛ إذ نحن نحاول قدر الطاقة التقريب بين لغتنا القديمة، وهذه اللغة المعاصرة، وذلك باصطناع مستوًى معيَّنٍ تلتقي في اللغتان، بحيث يكون الأسلوب حيًّا نابضًا؛ لاتصاله بلغة حديثنا وإحساسنا (وهي العامية)، ولغة تفكيرنا وكتابتنا (وهي الفصحى المعاصرة)، وبحيث ينهلُ من مناهل العربية الجزلة، وهي مناهلُ زاخرةٌ فياضةٌ، وهي بحر في أحشائه الدُّر كامن، وأنا أَقبلُ وصفَ حافظ إبراهيم إياه بالدُّرِّ؛ لأنه قادرٌ على نقل الأفكار والصور التي تعجز عنها العامية، بل وتعجز أحيانًا عنها لغات أخرى كثيرةٌ من لغات الأرض، وهذا المستوى الذي أتحدث عنه هو المستوى الذي نستخدمه عادةً في الترجمة؛ أي إننا نستخدم في الترجمة اللغة التي نستخدمها اليوم في الكتابة والقراءة، وهي اللغة التي أشاعها التعليم العام أوَّلًا، ثم ثبَّتتها وطوَّرتها أجهزة الإعلام، والتي أسميتها اللغة المعاصرة.
(٣) أساليب النثر
وقبل أن نناقش القضايا المرتبطة بمشكلات أساليب النثر، يجمُلُ بنا أن نضربَ نماذج لمزجِ العربية الفصحى بالعامية (العربية المصرية) وما لا بد للمترجم من مراعاته عند ولوج هذا الطريق الوعرِ؛ فالمسرح يَفترضُ كما قلنا نبراتِ العامية ولو كان ذلك فقط بسبب كونها اللغة الحية التي نحيلُ إليها الفصحى عند الترجمة، ولكنَّ الأمرَ يختلف في ترجمة الرواية، خصوصًا عندما يكون المترجِم غير واعٍ بتحول الكاتب الأجنبي من مستوًى فصيحٍ إلى مستوًى دارجٍ؛ ولذلك فسوف أقتصر في الأمثلة على نماذج عربيةٍ لا شك في اتسامها بهذه السمة، ولنبدأ بفقرةٍ قصيرةٍ من رواية «الحداد» للكاتب يوسف القعيد:
هل كنت تحبُّ يا أبي؟ أنت رجلٌ صارمٌ تضحكُ قليلًا بصفةٍ نادرة الحدوث إذا كنت بين الناس، في المنزل لم تَكُن تضحك إلا معي، حتى حامدٌ أخي الأكبر، لم تبتسم في وجهه! فيم العجبُ، خلف هذه الملامح الجامدة، وهذا الصدر القوي، قلبٌ ينبض، في كل الصدور قلوبٌ، قد يكون ما تنبض به حبًّا أو كراهيةً، ولكنها قلوبٌ على أيةِ حالٍ، باقي الحكاية معروف! البنت ما كانِتش من بلدنا، عايز أتجوزها يابا، قال: لأ. كانت هيه الكلمة، ما قدرتش أرد عليه، تاني يوم ما لقيتش عيشة ولا حد من أهلها، ما ذنبهم هم؟ قال في مرارةٍ: وما ذنبي أنا؟ واغتيال الأمنيات الصغيرة، ووأْد أحلامنا البكر يفقِدُ الحياة معناها، فما قيمة كلِّ شيءٍ؟!
هذا المونولوج الداخلي استدعته عبارةٌ قالها الرجل هي «وأنا صُغيَّر حبيت واحدة اسمها عيشة» أي إن العبارة العامية، والتي نفترض أنها حديثٌ مباشرٌ، هي التي ولَّدت هذا الحديث المنفردَ على المستوى النفسي داخل ذهن المتحدث، فلنتأمل إذن تركيب هذا المونولوج: إنه يبدأ بترجمة الفكرة التي لا بُدَّ أنها راودت الفتاة «عيشة» بالعامية إلى الفصحى، وهي فكرةٌ تستمرُّ نحو ستَّةِ أسطرٍ، ولأنها تتضمن أفكارًا مجرَّدةً قد تستعصي على التعبير بالعامية المصرية، فقد فضَّل الكاتبُ ترجمتها إلى الفصحى، ثم بدأت العامية على شكلِ عباراتٍ حواريَّةٍ مباشرةٍ، قد يكون المتحدث قد سمعها، ثم عادت الفصحى التي تنهل من مناهل التراث العربي القديم، وتقترب في صياغتها من النثر الشعري الرفيع، كيف نترجمها إذن؟
وسوف يلاحظ القارئ بوضوح تغيير النبرة والملامح الأسلوبية هنا، وبعض التحويرات الكفيلةِ بنقلِ التحوُّل من الفصحى إلى العامية، ثم إلى الفصحى، ولكنَّ بعض العبارات لا يمكنُ نقلُها بدلالاتها الثقافية، مثل «كانت هيه الكلمة» فالترجمة الإنجليزية تنقل المعنى فحسب؛ أي إننا نترجمها إلى الفصحى بدلًا من نقلها بالعامية! أما عن اللجوء إلى التفسير في ترجمةِ باقي العبارات العامية؛ فهو ضررٌ وضرورةٌ، فعبارةٌ مثل «ذنبهم إيه» يمكن تفسيرها بأكثر من طريقة:
-
(a)
What was their offence? (literal)
-
(b)
What did they do wrong?
-
(c)
What did they do [to deserve that fate]?
-
(d)
What did they do to him?
وقد اخترت التفسير الأخير لاتفاقه مع سياق القصة، ومعنى ذلك أن مشكلةَ التفسير تظلُّ قائمةً، مهما يَكُن من براعة المترجم، بسبب احتمالات فَهْم السياق بطرقٍ مختلفةٍ، ويصدقُ ذلك حتى على أبسط العبارات العامية «ما لقيتش عيشة ولا حد من أهلها» وقد يكون معناها واحدًا من عدَّةِ معانٍ، مثلًا:
-
(a)
I could find neither Aisha nor any member of her family. (literal)
-
(b)
Neither Aisha nor any member of her family could be found anywhere.
-
(c)
Aisha and her family had gone away.
-
(d)
Aisha and her family had gone.
وربما يفيدنا في إدراك ذلك مقارنةُ هذا الأسلوب الحديث بأسلوبٍ قديمٍ بعض الشيء، هو أسلوب كاتبٍ فذٍّ هو جمال الدين أبو المحاسن (ابن تغري بردي الأتابكي):
وفي هذه الأيام، ادعى رجلٌ النبوة، وأن معجزته أن ينكِحَ امرأةً فتلد من وقتها ولدًا ذكرًا يخبرُ بصحة نبوَّته، فقال بعض من حضر: إنك لبئس النبيُّ! فقال: لكونكم بئس الأمة. فضحك الناس من قوله. فحُبِسَ وكُشِفَ عن أمره، فوجدوا له نحو اثني عشر يومًا من حين خرج من عند المجانين.
وليأذن لي القارئ أوَّلًا أن أشير إلى الإيجاز الشديد الذي تتميز به الجملةُ الثانية، ثم ازدحام المعاني في هذه القصة الموجزة، بحيث يحارُ المترجمُ في اختيار أفضلِ منهجٍ لمحاكاةِ ذلك الأسلوب! ولنبدأ إذن «بالمعنى» الظاهر أوَّلًا قبل النظر في البدائل:
الواضح هنا أن الترجمة الثانية حاولت إدراج بعض المعاني غير المصرح بها في القصة الموجزة، إلى جانب استعمال حِيَل الصياغة الإنجليزية التي تبتعد بالأسلوب عن الأصل الموجز، وهذا في الواقع هو ما يفعله معظم مترجمي الأدب المنثور، فترجمة الأسلوب بمعنى الاحتفاظ بالخصائص الفنية للغة الأصلية ما زال من القضايا الخلافية.
ولنضرب لذلك مثلًا من ترجمة فقرةٍ من رواية «وقائع حارة الزعفراني» لجمال الغيطاني:
الساعة الثامنة مساء اليوم، الأربعاء، ساعةٌ حاسمةٌ بالنسبة لعاطف الأعزب، الموظف بالهيئة العامة لزراعة الخضراوات، خريج الحقوق، الجامعي الوحيد بالزعفراني، الساكن بمفرده في شقة؛ ثلاث حجرات وصالة بالطابق الثالث، منزل رقم ٦، أو كما يعرفه الأهالي بيت أم محمد، مع أنها ليست مالكته، نُسِبَ إليها؛ لأنها أقدم ساكنةٍ، ولجلوسها الدائم أمام بابه ترى الضوء، تشمُّ الهواءَ، أحيانًا تتبادل الحديث مع النساء، أما صاحبةُ المنزل فهي أم كوثر الإسكندرانية المقيمة بحارة بير جوان، لا تجيء إلا مرةً واحدةً في الخامس من كلِّ شهرٍ لتحصيل الإيجار.
وهذه الترجمة المنشورة لبيتر أودانيل، في سلسلة الأدب العربي المعاصر:
ولنلاحظْ أن الغيطاني لا يستخدم في الفقرة كلِّها إلا عددًا محدودًا من الأفعال التي تُعرَف بأنها غيرُ حركيَّةٍ، باستثناء فعلٍ أو فعلين، وأن الصيغة السائدة هنا هي صيغة اسم الفاعل (حاسمة، الساكن، مالكته، ساكنة، صاحبة، المقيمة) وترتبط بها صيغُ الصِّفَات، سواءٌ كانت على وزن فعيلٍ، أو مصادر من قبيلِ النسبة (الأعزب، خريج، الجامعي، الوحيد، أقدم، جلوس، الدائم، واحدة) وثلاثة ألفاظٍ عدديةٍ هي: الثامنة، والثالث، والخامس! فإذا تجاهل ذلك المترجِمُ خَرجَ عن روح الأسلوب، وقد يقول قائلٌ: إن تقطيع العبارات في النص الإنجليزي يختلف عنه في العربية، والرد على هذا ببساطة هو أننا أمام لوحةٍ يرسمها القاصُّ، ويريدُ لها أن تكون ثابتةً، فإذا تحقق ذلك بأسلوبِ اللغة المترْجَم إليها، كان دليلًا على نجاحِ الترجمة.
سوف تُجرى المباراة يوم السبت إذا سمحت أحوالُ الطقس/إذا كانت أحوال الطقس مناسبةً.
سوف نسافر إن شاء الله/بإذن الله إلى الإسكندرية في الأسبوع القادم.
ولمَّا لم تنشأ مسائلُ أخرى (تستدعي مناقشتها)، فقد انتهى الاجتماع في موعده تمامًا في الخامسة مساءً.
فالعلاقة السببية موحًى بها هنا وحسب، فأبو العلاء لا يقول: «لأنني أظن» ولكنه يحذف حرف السبب استنادًا إلى منطق السياق، ومثلها بالإنجليزية:
وقول زهير:
وإذا دخلت في بناء الجملة العربية بالصورة المعهودة، في الإنجليزية عُدَّت عيبًا بسبب إعاقتها لمجرى المعنى، كقول المتنبي:
فإذا انتزعت الجملة الوسطى، قرأت البيت بيُسرٍ: لديهم صفاتٌ تدلُّ على حسبهم الكريم، وهي تفخر بهم؛ بينما هم لا يفخرون بها! وقد أخَّرْتُها في هذا الشرح لبيان ما تقوم به من اعتراض سبيل المعنى اليسير.
وخلاصة القول: إننا لا نحاكي أبنيةً لغويةً بعينها في الترجمة الأدبية، ولكننا نطمح في نقل روح الأسلوب، وقد استدعى هذا الاستطرادَ ضرورةُ بيان الفرق بين مفهوم الأسلوب من الناحية اللغوية الصرفة، ومفهومه من الناحية الأدبية العامة؛ فالأسلوب لا يقتصر على أبنية الجُمَلِ والعبارات، بل هو يتضمن كما قلتُ الأعراف الأدبية السائدة التي تتحكم في الأبنية اللغوية؛ فالمترجِم الذي يواجه نصًّا مسرحيًّا نثريًّا ينتمي إلى تيار الدراما الواقعية، سيحاول نقلَ الحوارِ إلى اللغة الحية، وهذا يسير كما سبقَ أن أوضحنا رغم الصراع بين مصطلح العامية، ومصطلح الفصحى أحيانًا، والذي يترجم مسرحيةً شعريَّةً تفصِلُنا عنها مدَّةٌ زمنيَّةٌ طويلةٌ، لا بد أن يحدد أولًا ما إذا كان سوف يحافظ على هذا البعد الزمني أو سيلغيه، فإذا قرر الاحتفاظ به لم يكن هناك بدٌّ من اختيار الفصحى المنظومة التي تهيِّئ للقارئ ذلك البُعدَ، وإذا كان سوف يلغيه، فربما هبط بمستوى الفصحى قليلًا، أو تخلى عن النظم تمامًا، وهو في كل حالةٍ يتبعُ ما يقضي به مفهومه للنص أوَّلًا؛ أي إن الأحكام النقدية هنا تسبقُ عملية الترجمة.
ومن يترجم النثر يواجه صعوباتٍ مماثلةً؛ فهو يحكم أوَّلًا على العمل حكمًا نقديًّا عامًّا يجعله يقرر من البداية لون الأسلوب أو الروح الأسلوبية التي سينتقيها، وقد يواجه المترجم عملًا يتضمن النظم والنثر على نحو ما نرى في شكسبير، وقد يتعجل فيتصور أن النظم يماثل الفصحى، والنثر يوازي العامية، ولكنه إذا أنعم النظر في الأجزاء المكتوبة بالنثر لوجدها لا تقلُّ في مستواها اللغوي من حيث روحِ الأسلوب عن النظم، بل إن بعض الناشرين كان يختلط عليهم الأمر أحيانًا، فيطبعون النظم نثرًا، مثلما فعل ناشر طبعة الكوارتو «قَطْع الرُّبع» من «روميو وجولييت» (١٥٩٩)، إذ أوردَ حديث مركوشيو الطويل عن «الملكة ماب» على أنه نثرٌ (انظر الصورة الفوتوغرافية للصفحة المذكورة في ترجمتي للنص المنشورة عام ١٩٩٣م)، وسوف يجد القارئ كلامًا عن النجوم وتأثيرها في الإنسان، مرَّة بالنظم في «يوليوس قيصر» ومرة بالنثر في «الملك لير» وقد وجدتُ أن ثلث المسرحية الأخيرة مكتوب بالنثر، ورصدت مواقع النثر فوجدته يكثرُ في أماكن المقابلة بين الحبكة الرئيسية، والحبكة الثانوية؛ فالمشهد الثاني من الفصل الأول يبدأ نظمًا حتى البيت ٣٠، وهو بداية قيام إدموند بخداع أبيه جلوستر، وخداع أخيه إدجار، ثم يختتم بتسعة أبيات يواجه فيها إدموند الجمهور وحده مثلما واجهه في البداية! وحوار كِنْتْ مع أوزوالد في المشهد الثاني من الفصل الثاني مكتوب نثرًا، ثم يتحول إلى النظم عند دخول كورنوول، بل بعد دخوله بعدة دقائق، ثم يستمر فيها الحوار نثرًا، وبعد أن يعترض كورنوول على ما يدعيه كِنْتْ (في رأيه) من الصراحة يُفاجِئُه كِنْتْ بأبيات متقعرة تحاكي المديح الزائف المعتاد في البلاط، ثم يعود إلى النثر، وهذه هي الفقرة:
والواضح أن التحول إلى النثر لم يهبط بمستوى اللغة، ولكنه أقرب إلى البسط المنطقي، وللدقة في الصياغة، وأحيانًا ما يتسم النثر في هذه المسرحية بالتأمل الفلسفي الذي لا يقلُّ عمقًا عمَّا يحفلُ به النظم، ومن العبث إذن أن نقول: إنه قريبٌ من لغةِ العامة (أو اللغة العامية)، فهذا الملك لير يقول في فقرةٍ شهيرةٍ:
وإدجار في نفس المشهد يبدأ حديثه نثرًا، ثم يتحول إلى النظم مردِّدًا مقطوعاتٍ مستقاةً من الأغاني الشعبية، ونجدُ مشاهدَ كاملةً مكتوبةً بالنثر، كالمشهد الخامس من الفصل الثالث، ويذهب بعض النقاد إلى أن القصد من التحول إلى النثر هو إبطاء الإيقاع، تأكيدًا لجانب التآمر أو الشر، ولكنهم يختلفون حول ضرورة النثر؛ فالنظم يستخدمُ أيضًا في مشاهد التآمر، وكثيرًا ما نشهد التحول من هذا إلى ذاك، في نفس المشهد، ودون تغيرٍ في الإيقاع، ويقول ويلسون نايت: إن ذلك مما يزيد من عمق الكوميديا «الجروتيسك» أي كوميديا البشاعة والقبح والتوحش، ولكن إينيد ولسفورد تقول: إن التلوين في الإيقاع يؤكد تفاوت صورِ الحقيقة؛ فالمهرج يتحدث نظمًا (بالأغاني والأناشيد)، ونثرًا في حواره مع الملك، كي يؤكد ضرورةَ الأسئلة التي تطرحها المسرحية دون إجابات!
أهم ما نلاحظه هنا هو زمن الأفعال، وهو الماضي أولًا، ثم الماضي التام، وتتراوح أزمنة الفقرة بين هذين الزمنين، وتنقسم «المعلومات» فيها بين ما فعله الوالدان من أجل ابنهما، ونمط حياته في الشهور الستة الأولى من الإقامة في رانغون، عاصمة بورما (وقد تغير اسم بورما الآن، فأصبح ميانمار)، ويتسم الأسلوب بالاتِّزان في البداية، ثم الصعود إلى ذروته عند وصف حياته مع «الخلان» وهذه هي الترجمة المقترحة:
لم يكن قد بلغ العشرين من عمره عندما أتى إلى بورما، وكان أبواه من أسرة كريمة، وكانا يحبانه حبًّا جمًّا، واستطاعَا أن يجدَا له عملًا في مصنعٍ لقطع الأخشاب، بعد جهد جهيد، وبعد أن دفَعَا مبلغًا من المال يفوق طاقتهما، ولم يكن جزاؤهما فيما بعد إلا عدم تلقي ردود على خطاباتهما إلا كل عدة شهور، وهي ردود تنضح بالإهمال، وبأن خطها لا يكاد يُقرأ، وكان في الشهور الستة الأولى يقيم في رانغون ليتعلم أساليب العمل في المكتب الذي كان يمثل جزءًا من عمله، وكان يسكنُ آنذاك في شقة للعُزَّاب، مع أربعة شبان كرَّسوا كلَّ طاقاتهم للفساد والانحلال، وما كان أشدَّه من انحلال! كانوا يجرعون الويسكي الذي كانوا يكرهون أن يشربوه على انفراد، ويقفون حول البيانو وهو يغنون بأصواتٍ صارخةٍ أغنياتٍ قذرةً وبلهاء إلى درجة الجنون، ويغدقون مئات الروبيات على مومساتٍ يهودياتٍ شمطاوات، وجوههن كوجوه التماسيح، كانت الحياة معهم بمثابة فترة من فترات تكوينه أيضًا.
وهذه هي الفقرة الثانية، من نفس الرواية، بل ومن الصفحة التالية:
وباستثناء الجملتين الأوليين تُعتبر الفقرة وصفًا «لا زمنيًّا» لبورما، رغم استعمال الكاتب للزمن الماضي، لسببٍ واضحٍ هو رواية هذا الوصف من وجهة نظر الشخصية، والمترجم هنا ليس مضطرًّا إلى الالتزام بالزمن الماضي؛ لأنه لا يتناول حدثًا وقع وانتهى، بل «منظرًا» يصوِّرُه الكاتب، ويحاول بَعْثه أمام أعيننا، والظاهرة المميزة للفقرة هي كثرةُ الصِّفات والأسماء اللازمة للوصف؛ فهي بمثابة الألوان للوحة، بل إن الأفعال نفسها تنهضُ بنفس المهمة، وها هي ذي الترجمة المقترَحة:
تأقلمَ على الحياة في بورما، واعتاد جسده إيقاع الفصول الاستوائية، وهي إيقاع غريب تمكن من التوافق معه؛ ففي كل عام، ما بين فبراير ومايو، تتوهج الشمس في كبد السماء، مثل إلهٍ وثَنيٍّ غاضب، ثم تهبُّ الرياح الموسمية فجأةً في اتجاه الغرب، فتهطل الأمطار أولًا في شآبيب غامرة، ثم تنهمر انهمارًا دائبًا لا ينقطع، فتُبَلِّلُ كلَّ شيءٍ، حتى يُخيَّل للمرء أن ملابسه وسريره، بل وطعامه، في حالة بلل دائم، كما ترتفع حرارة الجو ارتفاعًا خانقًا، وهي حرارة تشيع فيها أبخرة الماء، على حين تتحول الطرقات في الأجزاء المنخفضة من الغابة إلى مستنقعاتٍ وأوحالٍ، وتتحول حقول الأرز إلى مساحات شاسعةٍ من المياه الآسنة العَطِنة التي تذكرك برائحة الفئران، وتكتسي الكتب والأحذية الطويلة بالفطريات، ويقوم أبناء بورما، وقد خلعوا ملابسهم، وارتدوا قبعاتٍ من الخوص، عرض الواحدة نحو مترٍ، بحرثِ حقول الأرز، وهم يسوقون أمامهم الجاموس في المياه، التي يصل ارتفاعها إلى الرُّكبة.
والخلاصة هي أننا ينبغي أن ننفي عن أذهاننا وجود لُغةٍ مستقلَّةٍ للأدب؛ أي لغةٍ موحدةٍ يستطيع المترجِم أن ينقلَ إليها شتى الأعمال الأدبية العالمية، بل أن نؤكد ضرورة هضْم المترجِم للنص الأدبي أوَّلًا؛ للتحقق من نوع اللغة المستخدمة فيه، ونوع البلاغة التي يستخدمها الكاتب قبل الشروع في الترجمة، وهذا يؤدي بنا إلى السؤال الثاني، وهو الهدف من الترجمة، ووسيلة تحقيقه؛ أي منهج الترجمة الذي يصل بالمترجم إلى غايته.
سبق لي أن ذكرتُ أن النصَّ الأدبي المترجَمَ يعتبرُ عملًا أدبيًّا جديدًا، وما أجدرنا أن ننقل إلى مكتبتنا العربية عيون الأدب العالمي، بحيث يمكن الرجوع إليها، والاعتماد عليها، مثلما يرجع الإنجليز مثلًا إلى ترجمات تشيخوف الإنجليزية عن الروسية، التي أبدعتها كونستانس جارنيت، وترجمات إبسن الإنجليزية عن النرويجية مثلًا (التي أخرجها وليم آرتشر)، فهذه الترجمات قد أصبحت جزءًا لا يتجزَّأ من تراث الإنجليزية.
وأذكر أن رواية «ذئب الأحراش» للكاتب الألماني «هيرمان هسه» لم يُكتَب لها النجاح إلا عندما تُرجِمَت إلى الإنجليزية، وانتشرت في أرجاء العالم المتحدِّث بالإنجليزية، حتى لقد بِيعَ منها في الستينيات خمسة ملايين نسخة، وأثَّرت على جيلٍ كاملٍ من الشباب الذي كان لا يزالُ يعاني آثار ما بعد الحرب، ويناقِشُ القضايا الاجتماعية الساخنة التي برزت إلى السطح في تلك الآونة، وأذكر أنني كنت أقرؤها جنبًا إلى جنبٍ مع روايات جوروج أورويل المشار إليه (مؤلف رواية «مزرعة الحيوانات»، ورواية «١٩٨٤»، و«لتحيا زهرة الصبار» وغيرها) دون أن أشعر أن «هسه» ألماني، و«أورويل» إنجليزي (واسمه الحقيقي إريك بلير، ولغته الأولى الإنجليزية)، كما كنت أقرأ مسرحيات الكاتبة الفرنسية «مارجريت دورا» المترجمة إلى الإنجليزية بعد أن احتلت مكانًا راسخًا بين المؤلفين المسرحيين الإنجليز، دون أن أشعرَ بأن أصلها فرنسي.
وإذا كان الهدف هو إخراج عملٍ أدبيٍّ جديدٍ، فلا بدَّ أن يقرِّرَ المترجِمُ (وهو في أحسن حالاته أديبٌ مبدعٌ) ما إذا كان سيرمي إلى إخراج المقابل — الذي قد يرقى إلى مستوى المثيل — أم إلى إخراج البديل؟ فما هو المقابل وما هو البديل؟
- A: Where is that thing you bought?
- B: In there!
- A: In where?
- B: In there I say.
- A: In the dining room?
- B: Can’t be in the bedroom, can it? A new china set! Where else could it be?! In my pocket?
- A: Here we go again! Insolence and obscenity!