الجسد والصورة والمقدس في الإسلام
«ظلَّ الجسد الإسلامي يعيش حالة تغييبٍ مُتعدِّد من مجال الدراسات التي تطرَّقَت للتاريخ الإسلامي نصًّا ومجتمعًا، سواءٌ من منظور أنثربولوجي أو تاريخي أو أدبي. من ثَمة ساد تمثُّل الجسد تارةً في علاقته بالسلوك الإيماني للمسلم في بُعده الديني واليومي، وأخرى في بُعده الآدابي (علمًا أن الأدب في مفهومه الأصلي كان يعني كل مُقوِّمات السلوك والتفكير الأمثلَين). كما تمَّ البحثُ فيه تارةً أخرى ضمن التراتُبية الثنائية العتيقة للروح والبدن.»
ظل مفهومُ الجسد في ثقافتنا العربية الحديثة حبيسَ النص الفقهي، ولم يجد مرتعًا لبعضٍ من حرية التفكير والتصوُّر إلا في النص التخييلي، سواءٌ في الشِّعر أو الحَكْي أو المسرح. كما أن أي تعامُل تحليلي مع الجسد في الإسلام يُواجِه صعوباتٍ منهجية ومعرفية ترجع إلى صعوبة تجرُّده من سياقه الشرعي، وانحصاره في قضية الجنس؛ ولذا فإن دراسة الجسد في الإسلام تتَّسم بالمغامرة في مضمارٍ بِكر. ومن هنا تأتي أهمية الكتاب الذي بين أيدينا، والذي عمَد فيه «فريد الزاهي» إلى التحليل وتحويل الخطاب الثقافي من البحث عن حقيقة الجسد إلى البحث عن نوعيات صياغته الثقافية التي يتداخل فيها بقدرٍ كبيرٍ الخطابُ التخييلي ببلاغته وأسلوبيته، مُؤكِّدًا لنا من خلال تتبُّعه للآيات القرآنية والأحاديث النبوية المخصَّصة للجسد والمرأة والنكاح، وكذلك كُتب اللغة والآداب المخصَّصة، والفروق بين أسماء الجسد، وما تداوَلَه العرب من أخبار النساء، أن الجسدَ بوصفه موضوعًا لغويًّا وشرعيًّا وأدبيًّا قد تمتَّع بحَظوة خطابية.