الكلام على تكيو
هي عاصمة تلك البلاد، ويبلغ عدد سكانها ١٨٠٠٠٠٠، وهي بلدة قديمة البناء. والتاريخ المعروف لليابان هو من نحو سنة ٥ بعد الميلاد، التي كان فيها ميكادو، وكان بالجهات اليابانية القبلية، وكانوا يحترمونه كثيرًا؛ لأنهم كانوا يزعمون أنه ابن الإله، وأول ديانتهم كانت هي الديانة البوذية، أخذوها من بلاد كوريا، وفي سنة ١٨٥ بعد الميلاد كان لهم وقائع ومشاكل مع ولايات أمريكا المتحدة، وقد أرسلت لهم أمريكا أسطولًا فضربهم، ومن هذا الوقت كان ذلك درسًا لهم علمهم أنه لا بد لهم من التقدم والاستعداد فأخذوا يستعدون. وقد أعطاهم الميكادو من ذلك الوقت دستورًا شبيهًا بالدستور الألماني، فأخذوا في التقدم شيئًا فشيئًا حتى وصلوا إلى درجة عالية، وصاروا يضارعون الدول العظيمة في التقدم والحضارة. وهذا التقدم الفجائي ظهرت نتائجه لأوروبا من مدَّة حربهم مع الصين سنة ١٨٩٤ بعد الميلاد؛ ولذلك في سنة ١٨٩٩ لما طلبت اليابان أن تجعل قوانينها نافذة على كل قاطن ببلادها من أي دولة كانت، لم يمكن أوروبا أن تعارضها في ذلك لما رأت من شدة بأسها وقوتها. والدول التي لها سفارات في توكيو هي إنجلترا، والممالك المتحدة الأمريكية، وفرانسا، وألمانيا، ولهولاندا، والدانماركا، والنرويج قنصلاتو واحد، وبلاد الروسيا والصين كذلك.
ومصلحة البوستة والتلغراف موضوعان في عمارة كبيرة.
وبهذه العاصمة أربعة بساتين كبيرة تسمى: شيياكو وكوينو وأساكوسة وهبانه، ومتحف للجيش ومتحف للتجارة ومتاحف كثيرة غير هذه تابعة لبعض العظماء والأغنياء من الأهالي، وبها مكتبة ملوكية عمومية، وبها أيضًا عدة كنائس إنجليزية وأمريكانية وكاثوليكية، وكل هذه الكنائس في أحياء الإفرنج قريبة من السفارات. وأغلب تجارتهم في صنعة النحاس، وصياغة الفضة، والأشغال الحريرية ونسجها وخياطتها بأشكال لطيفة، وسن الفيل، ومراوح الورق، والحرير، والرسم بالألوان المختلفة، والأشكال الغريبة، والصور العجيبة، إلى غير ذلك من الصنائع التي لا تحصى ولا تعد.
وبعد الظهر عند رجوعنا إلى الفندق وجدنا كثيرًا من الناس في انتظار، فسألنا عن سبب ذلك الانتظار، فأخبرنا أن هذا اليوم هو يوم عيد ميلاد الملكة التي صار لها من السنين ٥٩ سنة، وأنها خارجة إلى بستان للتنزه، ولأجل المرور على هؤلاء المنتظرين، فانتظرنا عشرين دقيقة حتى خرجت، ورأينا موكبها، وأول هذا الموكب أنه قد جاء أحد فرسان البوليس، ولما نظره الناس علموا بقدوم الملكة، فكل من كان راكبًا على عربة أو فرس أو غير ذلك حتى ولو كان جالسًا على كرسي نزل ووقف على رجليه؛ إكرامًا للملكة، ثم جاء خادم متزيٍّ بالزي الإفرنجي راكبًا على حصان وخلفه أربعة عساكر خيالة بمزاريق، وبوسطهم ضابط معه الراية الملوكية، ثم جاءت عربة الملكة وهي جالسة فيها وأمامها سيدة من النساء بالزي الإفرنجي، وخلفها ستة رجال على أرجلهم، وبعد عربتها جاءت عربة أخرى بها ثلاث سيدات من أتباعها، وبعد ذلك جاءت عربة أخرى بها حكمدار البوليس. وكانت الملكة عند مرورها تحيي الجموع بالإشارة الرأسية، وكلهم ينحنون لها ويحيونها بهيئة الركوع، وكان هذا الاحتفال على أحسن ما يكون من البهجة والكمال.
ومساحة هذه البلدة من الشمال إلى الجنوب ٨ كيلو متر، وعرضها ٦ ونصف كيلو، ومساحتها التربيعية حينئذٍ تكون ٢٨ ميلًا مربعًا، وكانت تسمى في الأزمان القديمة: (ييدو)، وكانت عبارة عن ثلاث أو أربع قرى صغيرة متصل بعضها ببعض، وفي سنة ١٥٩٠ جاء الشجون توكو جاوا وبنى قلعة كبيرة بها ووضع العساكر فيها. وفي سنة ١٨٦٨ قد منعت سلطة الشجونات، وجاء الميكادو إلى هذه العاصمة وسماها توكيو، وهي مقسمة إلى خمسة عشر قسمًا، وبها نهر عظيم يسمى: (سوميدة)، وعليه خمسة كَبارٍ من حديد، وهذا النهر أعظم مُساعد على نموِّ التجارة وتسهيل طرقها.
وسراي الملك كانت تسمى: (إيدوجو)، وطولها أربعة أميال. وفي سنة ١٨٧٣ قد انهدمت ثم أعيد بناؤها ثانيًا في سنة ١٨٨٩، والدخول فيها ممنوع، وحولها من الخارج عدة محالٍّ من المباني العظيمة تابعة للحكومة، فمنها محل للمحاكم، ومحل لمجلس النواب، ومحل للنظارات، ومحل للمطبعة الأميرية، وغير ذلك.
وفي اليوم التالي وددت أن أزور البساتين المشهورة عندهم، التي ذاع صيتها وامتازت عن سائر بساتين الجهات الأخرى، ومررت على جملة خانات ودكاكين فيها بعض أشياء تجارية.
ومعاملة الترجمان هناك فكرتني بما يحصل من التراجمة هنا، بل وفي سائر العواصم من الدخول مع التاجر إذا أراد السائح أن يشتري شيئًا، أو التدليس وعدم الإرشاد إلى الحقيقة للوصول إلى مقاصدهم السافلة، إلى غير ذلك مما هو معلوم من دناءتهم وسوء سيرهم.