الكلام على يوكوهاما
وبعد الظهر قد توجهت إلى يوكوهاما لأجل مقابلة مندوب شركة كوك، وهي على بعد نصف ساعة من توكيو بسير وابور البر، وكانت في قديم الزمان بلدة صغيرة ليس بها إلا أناس من صيادي السمك، وفتحت أبوابها للتجارة سنة ١٨٥٨، والآن صارت تعد من أكبر موانئ اليابان، ويبلغ عدد سكانها الآن ٣٢٠٠٠، وتجارتها تشتغل الآن في ٣٥٠ مليون (ين)، وهو يساوي ١٥ قرشًا.
ويوجد بهذه البلدة قناصل لجميع الدول، وجميع الشركات لهم وكلاء فيها، وهي بلدة جميلة تشبه عواصم أوروبا لكثرة وجود الفرنجة فيها حتى يخيل للنازل بها أنه بأشهر عواصم أوروبا، وبها دكاكين وخانات كثيرة مشتملة على كثير من الصنائع اليابانية، وأغلب الخياطين الموجودين بها من الصين، وفي ضواحيها حمامات بحرية ومنتزهات كثيرة وملعب للخيل، وفي بعض جهاتها أراضٍ غير مستوية، وفيها سكك منحدرة. وبعد ذلك عدنا إلى توكيو الغربية، وبها عمارتان عظيمتان على الطراز الأوروبي، وفي إحداهما المحكمة، وفي الثانية نظارة البحرية، وهما بداخل بستان عظيم، ومساحتها ٨٨ فدانًا، وبها طرق طول امتدادها أربعة أميال، وبها ما يسمى: (بصونة) تربية الأشجار والزهور الغريبة التي ليست من نباتات البلد، بل هي مجلوبة من عواصم كبيرة، والقصد منها التمرين على معرفة خواص النباتات، وهذا البستان يسمى: (هبيا)، ويوجد بقربه معبد مشهور يسمى: (ياسوكوني جنشا)، وهذا المعبد المفتخر الباهر عمل تذكارًا للشهداء من العساكر الذين حاربوا في تعديل الحكومة القديمة، وأمامه هيكل كبير يمثل القائد (أموره)، وهذا الهيكل مصنوع من النحاس الأحمر، وبها دار أسلحة فيها كثير من الأسلحة القديمة اليابانية، والأسلحة التي اغتنموها في حروب الصين ومنشوريا.
والقسم الجنوبي الشرقي منها يوجد به روضة غناء تسمى: (شبيه)، وهي أكبر روضة فيها، وبها معابد كثيرة يسر بها الناظر، ويقر الخاطر، وبها نقوش من الذهب والفضة بالنقش المتقن الجميل، وبقربها نادٍ يسمى: (كوكوكان)، وهو مطعم يقدم فيه المأكولات اليابانية للأجانب، وفي وقت الأكل ترقص بنات من اليابانيات. وبقرب هذا النادي دار آثار خصوصية للمسيو أكورة، وبها روضة ملوكية تسمى: (هماركو)، وهي روضة تذهب إليها العائلة الملوكية في موسم مبدأ ظهور الزهور خصوصًا شجر الكريز، وبقربها مدرسة الزراعة والتجارة. وفي القسم الشمالي الشرقي منها الروضة المسماة (رينو)، وبها طريق على بستان أشجار كثيرة من شجر الكريز، وعند ظهور زهر هذه الأشجار تكتسب الطريق حسنًا ورونقًا. وفي هذه الروضة يوجد المتحف الملوكي، وجُنَيْنَة الحيوانات، ومدرسة للصنائع الجميلة البديعة الإتقان، وبها مدرسة للموسيقى وجملة معابد فاخرة، وبها مدرسة تخرج معلمين مثل مدرسة دار العلوم الخديوية، وهي مبنية على الطراز الأوروبي بناءً فاخرًا، وحولها جملة مدارس تابعة لها، وتوجد قريبًا من هذه الجهة روضة تسمى: (أساكوسه)؛ تسمية لها باسم المعبد الكبير الموجود بها، وهذا المعبد مشهور بهيكل صغير من ذهب يمثلون به إله العفو والمغفرة، وبهذه الروضة أيضًا مدرسة الهندسة العالية، وبالقرب من هذه الروضة على شاطئ نهر (سوميده) طريق مشهور يسمى: الكريز؛ لكونه يوجد على جوانبه نحو ٤٠٠٠ شجرة من شجر الكريز، وفي شهر أبريل تكون كلها مزدانة بالزهور الجميلة، وآخر هذا الطريق يوصل إلى معبد يسمى: (إيكوئني) تذهب إليه الناس لأجل التفرج على المصارعة هناك.
وفي الجهة الغربية والشمال الغربي توجد روضة مشهورة تسمى: روضة الترسخانة؛ تسميةً لها بالترسخانة الأميرية الموجودة بها، وهذه الروضة أشهر جميع الرياض الموجودة ببلاد اليابان، وبالقرب منها جنينة الأزهار ومدرسة (الجوجوتسو)، وهو المشهور بعلم الجوجوتسو، وهو علم يمكن الضعيف إذا تعلمه أن يغلب القوي، وبقرب هذه المدرسة سراي ولي العهد، التي هم مشتغلون ببنائها من الأحجار الجسيمة، ولم ينته بناؤها إلى الآن، وخلف هذه السراي محل متسع الأرجاء معدٌّ لاستعراض الجيش فيه.