الفصل السادس
حين تلقفه الشارع البارد، ظل يغمغم لنفسه بصوت شبه مسموع: المعضوض يعض.
تذكَّر خرافة معاصرة عن الدراكولا، ربط بينها وبين العدوان المتربص يدق الأبواب الصهيونية دون أن يعرف لهذا سببًا.
ظل يتقدم في اتجاه البناية حيث الفتاتين وكتبه، حاجياته، مرددًا ميلوديته الكئيبة هذه، عن جدلية المهان المضطهد.
واجه إطلال التمثال المرمري المتقوس إلى أن وجد نفسه داخل مجاله، كتله المتناثرة، أقدام حصان، أعالي كتف، كفة يده، منشة، مشعل روماني الطراز والزوايا، عين.
قاوم نوبة نحيبه الليلي، رغم شاعرية المكان الذي كان يهدر في وضح النهار بالناس والميليشيات، في أعقاب المرأة المحرضة على سد المنافذ.
كان ملتقى الشوارع ومداخلها يشيع فيها الصمت المتوجس، برغم الهدنة الملفقة للمتناحرين، وضوء القمر المكتمل بإشعاعه الرمادي الفضي المتمدد على البنايات المحيطة في استرخاء.
ربط بين المكان وبين معمارية وميتافيزقية دي شيركو، معابد ومصحات وقصور ومحاكم وأبنية أريكايك، تحوي تماثيل هلينية وأيونية وأثروسكية معظمها أقرب إلى التهاوي … التحلل.
وعادة ما يتسلط جاثمًا على هذا العالم الحلمي الكابوسي خراج جلدي دامي الاحمرار، يتمدد قانيًا من إحدى زوايا مقدمة اللوحة كحبل مشنوق.
قضم ساندوتش السجق مستعينًا على دهونه بجريدة النهار المنصرم.
استعاد نفسه … مظهره، حين كان يركض غير فزع على رأس ركب وفي مؤخرته، منفلتًا في حنكته من تلك القبضة — القفازية — التي لامست كتفه الأيسر، إلا أنه انفلت مطلقًا ساقيه للريح بشكل أدهش الجميع، خاصة حين تحول ركضه إلى نوع من التزلق الدافع إلى المقدمة، دون أخطاء كثيرة مفضية إلى الاصطدامات والإيقاع بالآخرين، يده على شنبر منظاره، والأخرى قابضة على الجريدة التي بداخلها سندوتش السجق الزيتي، لا تلين.
قام من فوره ملقيًا ببقايا أكله، منحدرًا نازلًا عن الأحجار، مجهدًا ومجاهدًا في تذكر أقرب الطرق إلى حيث مسكن الفتاتين، متحسسًا في لهفة من تذكر شيئًا يهمه، إن لم يكن اليوم فغدًا، تحسس عنوان فتاة الجنوب القصيرة المهجرة التي التقى بها في الملهى القبرصي.