ضجة فارغة
توجد في صقلية بلدة تُسمى ميسينة، شهدَت زوبعة عجيبة في فنجان منذ مئات السنين.
لقد بدأ الأمر بشروق الشمس. حقَّق دون بيدرو، أمير أراجون، في إسبانيا، انتصارًا تامًّا على خصومه لدرجة أن الأرض التي جاءوا منها قد نُسيت. شعر دون بيدرو بسعادة شديدة وبرغبة في الحصول على بعض المرح بعد متاعب الحرب، فذهب للحصول على إجازة في ميسينة، وتبعه أخوه غير الشقيق دون جون واثنان من اللوردات الإيطاليين الشباب، وهما بينيديك وكلاوديو.
كان بينيديك شابًّا ثرثارًا ومرحًا، وقد قرر أن يعيش حياته دون زواج. أما كلاوديو، على الجانب الآخر، ما إن وطئت قدماه أرض ميسينة، حتى وقع في غرام هيرو، ابنة ليوناتو، حاكم ميسينة.
في أحد أيام شهر يولية، كان عطَّار يُدعى بوراتشيو يحرق لافاندر جافًّا في غرفة عفنة الرائحة في منزل ليوناتو، عندما تنامى إلى مسامعه صوت محادَثة عبر النافذة المفتوحة.
قال كلاوديو: «أعطني رأيك الصريح في هيرو»، وعندئذ، عدل بوراتشيو وضعه كي يسترق السمع على نحو مريح.
رد بينيديك: «إنها أقصر قامة وأكثر سمرة؛ مما يستحق مديحًا، ولو لم تكن كما هي، لكانت غير مليحة.»
قال كلاوديو: «إنها في عيني أجمل النساء.»
رد عليه باحتداد: «لكني لا أرى شيئًا من هذا القبيل، وأنا لا أزال قديرًا على النظر بغير منظار. انظر إلى ابنة عمها، السيدة بياتريس؛ إنها لتفوقها كثيرًا في الجمال، كما يفوق أول مايو آخر ديسمبر، لولا سرعة الغضب التي تتملَّكها.»
كانت بياتريس ابنة أخي ليوناتو. وكانت تجد متعتها في قول أشياء ساخرة وقاسية عن بينيديك، الذي كان يدعوها «السيدة العزيزة ازدراء». كانت كثيرًا ما تقول إنها وُلدت تحت نجم راقص، ولم تكن بالتالي تستطيع أن تُصبح كئيبة.
كان كلاوديو وبينيديك لا يزالان يتحدَّثان عندما جاء دون بيدرو وقال بنبرة مازحة: «حسنًا، أيها النبيلان، ما الأمر؟»
رد بينيديك: «أرجو من سماحتك أن تُعفيني من الكلام.»
قال دون بيدرو، على نحو مُتوافق مع مزاحه: «إنني ألزمك به بحق ما لي عليك من ولاء.»
قال بينيديك معتذرًا لكلاوديو: «إنَّ في وسعي أن أصمت صمت الأبكم، إلا أنه يناشدني القول بحق الولاء.» ثم قال لدون بيدرو: «كلاوديو يحب هيرو القصيرة، ابنة ليوناتو.»
سُرَّ دون بيدرو بذلك؛ إذ كان معجبًا بهيرو ويحب بشدة كلاوديو. وعندما غادر بينيديك، قال دون بيدرو لكلاوديو: «احرص على حب هيرو وامضِ فيه، وسأساعدك للفوز بها. الليلة سيقيم أبوها حفلًا تنكريًّا وسأدَّعي لهيرو أنني كلاوديو وأكشف لها كم يحبها كلاوديو، وإذا أعجبها كلامي، فسأذهب إلى أبيها، وأطلب موافقته على زواجكما.»
يفضل معظم الرجال أن يتودَّدوا بأنفسهم للنساء اللاتي يرغبون في الزواج منهن، لكن إذا وقع المرء في غرام الابنة الوحيدة لأحد الحكام، فإنه سيكون محظوظًا إذا كان بإمكانه الوثوق في أحد الأمراء وجعله يقوم بهذا من أجله.
إذن، كان كلاوديو محظوظًا، لكنه كان في الوقت نفسه تعيس الحظ، لأنه كان لديه خصم يتظاهر أمامه بأنه صديق. هذا الخصم هو دون جون، الأخ غير الشقيق لدون بيدرو، الذي كان يغار من كلاوديو لأن دون بيدرو كان يفضله عليه.
كان دون جون هو من أسر له بوراتشيو بتفاصيل المحادثة المثيرة التي استرق السمع إليها.
قال دون جون عندما انتهى بوراتشيو من كلامه: «سأحصل على بعض المرح في ذلك الحفل.»
في ليلة الحفل، تنكر دون بيدرو وتظاهر بأنه كلاوديو وطلب من هيرو أن تذهب معه للتمشية.
مشَيا معًا، وذهب دون جون إلى كلاوديو وقال: «ألست السنيور بينيديك؟»
كذب كلاوديو قائلًا: «أنا هو.»
قال دون جون: «أناشدك إذن أن تستغل تأثيرك على أخي وتُثنيه عن حبه لهيرو؛ فهي لا تساويه مولدًا.»
سأله كلاوديو: «من أين عرفت أنه يحبها؟»
كان الرد: «لقد سمعته يقسم إنه يحبها.» وقاطع بوراتشيو الحديث ليقول: «وأنا كذلك.»
ثم تُرك كلاوديو بمفرده، وقد ظن أن أميره قد خانه. فقال متمتمًا لنفسه: «وداعًا، يا هيرو. لقد كنت أحمق أن وثقت في وسيط بيني وبينك.»
في تلك الأثناء، كان بينيديك (الذي كان متنكِّرًا) وبياتريس يتبادلان الآراء على نحو حاد.
سألته: «ألم يُثر بينيديك يومًا في نفسك الضحك؟»
رد عليها متسائلًا: «من يكون بينيديك؟»
ردت بياتريس: «إنه بهلول الأمير»، وتكلمت معه بنبرة حادة جدًّا لدرجة أنه قال فيما بعد: «لن أتزوجها ولو ملكت جنات عدن.»
لكن المتحدِّث الرئيسي في الحفلة لم يكن بياتريس ولا بينيديك، بل كان دون بيدرو الذي نفَّذ خطتَه بدقة، وأعاد الحيوية إلى وجه كلاوديو مرة ثانية في طرفة عين، عندما ظهر أمامه بصُحبة ليوناتو وهيرو، وقال: «كلاوديو، متى تَنتوي الذهاب إلى الكنيسة؟»
كانت إجابته الفورية: «غدًا. إن الزمن سيَمشي ببطء على عكاز كالرجل العَجوز حتى يستكمل حبُّنا مراسمه.»
قال ليوناتو: «أعطها أسبوعًا، يا ولدي العزيز»، وحينها قفز قلب كلاوديو من الفرحة.
قال دون بيدرو الودود: «والآن، يجب أن نجد زوجة للسنيور بينيديك. إنها لمهمَّة شديدة الصعوبة.»
قال ليوناتو: «أنا معك ولو كلَّفني ذلك السهر عشر ليالٍ.»
ثم تكلمت هيرو وقالت: «سأبذل كل ما في وسعي، يا مولاي، لإيجاد زوج صالح لبياتريس.»
وهكذا في ضحكٍ بهيج انتهت الحفلة لكن كلاوديو لم يتعلم الدرس على الإطلاق.
واسى بوراتشيو دون جون بأن عرض عليه خطة كان واثقًا من أنه من خلالها سيقنع كلاوديو ودون بيدرو بأن هيرو فتاة متقلبة المشاعر، تستطيع الوصول إلى هدفها بأي طريقة. وافق دون جون على خطته التي كان دافعها الكراهية.
وضع دون بيدرو، على الجانب الآخر، خطة ذكية كان دافعها الحب. قال لليوناتو: «إذا تظاهرنا، بينما تكون بياتريس قريبة بالقدر الكافي بحيث تسترق السمع لما نقول، بأن بينيديك يحبُّها بشدة، فستُشفق عليه وترى خصاله الرائعة وتحبه. وبينما يظن بينيديك أننا لا نَعرف أنه يستمع إلينا، إذا قلنا كيف أنه من المحزن أن تقع بياتريس الجميلة في غرام شخص ساخر لا قلب له مثل بينيديك، فإنه بالتأكيد سيركع أمامها طالبًا الزواج منها في غضون أسبوع أو أقل.»
وهكذا، في أحد الأيام، بينما كان بينيديك يقرأ في خميلة، جلس كلاوديو خارجها مع ليوناتو وقال: «ابنتك أخبرتني بشيء عن خطاب كتبته بياتريس.»
قال ليوناتو متعجبًا: «خطاب! إنها تنهض عشرين مرة في الليل وتكتب ما لا يعلمه سوى الرب وحده. لكن هيرو ذات مرة اختلسَت النظر، ورأت الكلمات «بينيديك وبياتريس» على الورقة، ثم مزقت بياتريس الورقة إربًا.»
قال كلاوديو: «قالت لي هيرو إنها صاحت: «أوه، يا بينيديك العزيز!»»
تأثر بينيديك بشدة بتلك القصة غير المحتملة، والتي صدقها لأنه كان شديد الحمق، وقال لنفسه: «إنها جميلة وصالحة. لا ينبغي لي أن أبدو مُتكبِّرًا. إنني أشعر بأني أحبها. الناس بالطبع سيَسخرون من هذا؛ لكن سهامهم الورقية لن تُؤذيني.»
في هذه اللحظة، جاءت بياتريس إلى الخميلة، وقالت: «أوفِدت على كرهٍ منِّي لأدعوك إلى العشاء.»
قال بينيديك: «أشكركِ أيتها الحسناء بياتريس.»
ردت، وقد أرادت أن تبدو باردة: «لم أتكبد في سبب شكرك لي تعبًا، أكثر من تكبُّدك أنت في شكري.»
لكن كلامها لم يبدُ نوعًا من البرود بالنسبة إليه، بل سرَّه. وقد كان المعنى الذي استخلصه من كلامها الوقح أنها كانت سعيدة للمجيء إليه.
أما هيرو، التي أخذت على عاتقها مهمة تليين قلب بياتريس تجاه بينيديك، فلم تجد أي صعوبة في إيجاد مناسبة لذلك. لقد قالت ببساطة لوصيفتها مارجريت ذات يوم: «أسرعي إلى الردهة واهمسي إلى بياتريس بأنني أنا وأورسولا نتحدث عنها في الحديقة.»
بعد أن قالت هذا بدت كأنها متأكدة أن بياتريس ستسترق السمع إلى ما يُراد أن يصل إلى مسامعها، كما لو كأنها ضربت موعدًا مع ابنة عمها.
في الحديقة، كانت هناك خميلة تحجب عنها الشمس أعواد زهر العسل، ودخلتها بياتريس بعد بضع دقائق من ذهاب مارجريت لأداء عملها.
سألت أورسولا، التي كانت إحدى صديقات هيرو: «ولكن أواثقة أنتِ أن بينيديك يحب بياتريس من كل قلبه؟»
ردت هيرو: «هكذا يقول الأمير وخطيبي، ولقد ناشداني أن أكاشفها به، ولكني قلت لهما: «لا! انصحا بينيديك بأن يغالب حبه».»
«ولماذا قلتِ ذلك؟»
«لأن بياتريس مزهوة بنفسها على نحو لا يُطاق. إن الترفُّع والسخرية يتلألآن في عينَيها. وهي مُفرطة في أَثَرتها لدرجة أنها لا يُمكن أن تحب. وأنا لا أحب أن أراها وهي تعبث بحب بينيديك المسكين. فأنا أفضل أن يحترق بينيديك كالنار المغطاة على أن يحدث له هذا.»
قالت أورسولا: «أنا أختلف معكِ. فما أحسبها متجرِّدة من صحة الحكم والتقدير إلى الحد الذي لا ترى معه مزايا بينيديك.» قالت هيرو: «إنه الرجل الأوحد في إيطاليا، إذا استثنَينا كلاوديو.»
ثم تركت المتحدِّثتان الحديقة، وخرجت بياتريس من الخميلة وقالت لنفسِها: «يا بينيديك العزيز المسكين، كن مُخلِصًا لي، وسيروِّض حبك قلبي النافر.»
نعود الآن إلى الخطة التي كان دافعها الكراهية.
في الليلة السابقة على اليوم المحدَّد لزفاف كلاوديو، دخل دون جون غرفة كان يتحدَّث فيها دون بيدرو وكلاوديو وسأل الأخير إن كان ينتوي أن يتزوَّج في اليوم التالي.
قال دون بيدرو: «أنت تعرف أنه سيفعل.»
قال دون جون: «قد يُغيِّر رأيه إن رأى ما سأريه إياه إن تبعني.»
تبعاه إلى الحديقة، ورأوا سيدة تَنحني من نافذة هيرو وقد أخذت تتحدَّث بحب إلى بوراتشيو.
ظن كلاوديو أن السيدة هي هيرو وقال: «سأَكشِف عن عارها غدًا!» ظن دون بيدرو أيضًا أنها هيرو، لكنَّها لم تكن هيرو، وإنما كانت مارجريت.
ضحك دون جون ضحكة خافتة عندما غادر كلاوديو ودون بيدرو الحديقة، وأعطى بوراتشيو كيسًا به ألف عملة ذهبية.
جعل المال بوراتشيو يشعر بنشوة شديدة، وبينما كان يسير في الشارع مع صديقه كونريد، تباهى بثروتِه وبمَن أعطاها له، وأخبره بما فعل.
سمع أحد الحراس ما قالاه، واعتقد أن رجلًا دُفع له ألف عملة ذهبية للقيام بمؤامرة شريرة يستحق أن يُقبَض عليه؛ لذا ألقى القبض على بوراتشيو وكونريد، واللذَين قضَيا بقية الليلة في السجن.
قبل ظهر اليوم التالي، كان نصف النبلاء في ميسينة في الكنيسة. كانت هيرو تعرف أن هذا هو يوم زفافها، ولذلك كانت تَرتدي ثوب زفافها، دون أن يعكر صفو وجهها الجميل شيء ولا تشوب عينيها الصادقتين واللامعتين شائبة.
كان رجل الدين الذي سيقوم بتزويج كلاوديو وهيرو هو القس فرانسيس.
قال موجهًا حديثه إلى كلاوديو: «هل جئت هنا أيها اللورد لتتزوَّج هذه السيدة؟» رد كلاوديو منكرًا: «كلا!»
ظن ليوناتو أن رفضه كان بسبب خطأ في التركيب اللغوي. فقال: «كان يجب أن تقول أيها القس: هل جئتَ هنا لتقترن بهذه السيدة؟»
تحول القس فرانسيس إلى هيرو وقال: «هل جئتِ هنا أيتها السيدة لتقترني بهذا الكونت؟» ردت هيرو: «نعم.»
قال القس: «إذا كان أحدكما يعرف عائقًا خفيًّا يحول دون قرانكما، فإني أُناشدُه أن يُفضي به.»
سأل كلاوديو: «هل تعرفين شيئًا كهذا يا هيرو؟» قالت: «كلا.»
قال القس: «وهل تعرف أنت يا كونت؟» قال ليوناتو: «أجترئ فأرد عنه نافيًا.»
تعجب كلاوديو بمرارة قائلًا: «كم من امرئ يجترئ على أن يفعل!» وأضاف: «يا أبي، هل أنت واهبي ابنتك؟» رد ليوناتو: «كما وهبنيها الله بمشيئتِه ورضاه.»
سأل كلاوديو: «وماذا تطلب مني مقابل هذه الهبة النفيسة؟» قال دون بيدرو: «لا شيء إلا أن تردَّها إليه.»
قال كلاوديو: «أيها الأمير العزيز، إنك تعرفني. يا ليوناتو، خذها.»
تبعت تلك الكلمات القاسية كلمات أخرى أطلقها كلاوديو ودون بيدرو ودون جون.
بدا وكأن القدسية قد ذهبت عن الكنيسة. دافعت هيرو عن نفسها قدر ما تَستطيع، ثم سقطت مغشيًّا عليها. غادر كل ظالِميها الكنيسة، فيما عدا أباها، الذي انخدع بالاتهامات الموجهة إليها، وصاح قائلًا: «ألا بعدًا لها! دعوا الموت يأخذها!»
لكن القس فرانسيس رأى أن هيرو غير مذنبة بنظرته الثاقبة التي تنفذ إلى داخل الروح. وقال: «إنها بريئة. هناك ألف علامة تُخبرني بهذا.»
استعادت هيرو الوعي بفضل نظرته الطيبة. لم يكن أبوها، الذي كان مُضطربًا وغاضبًا، يعرف ماذا يفعل، وقال القس: «لقد انصرف الأمراء وهم يحسبون ابنتك قد أصبحت من الهالِكين. دعنا نتظاهر بأنها قد ماتت حتى تَظهر الحقيقة، وتتحوَّل الوشاية إلى ندم.»
قال بينيديك: «لنأخذ بنصيحة الأب.» ثم أُخذت هيرو إلى مُعتزل، وبقيت بياتريس وبينيديك بمفردهما في الكنيسة.
علم بينيديك أنها كانت تَنتحِب بمرارة ولوقت طويل. فقال: «أعتقد يقينًا أن ابنة عمك الحسناء مظلومة.» وكانت بياتريس لا تزال تَنتحِب.
سألها بينيديك بلطف: «لست أحب في هذا العالم شيئًا قدر حبي لك، أليس هذا غريبًا؟»
ردت بياتريس: «لقد كان في مقدوري أن أقول إنني لا أحب شيئًا قدر حبي لك، لكني لم أقل ذلك. إنني في أسفٍ على ابنة عمي.»
قال بينيديك: «مريني أفعل شيئًا من أجلها.» ردَّت: «اقتل كلاوديو.»
قال بينيديك: «ها! هذا مُحال، ولو أُعطيت العالم كله.» قالت بياتريس: «إنك برفض طلبي تقتلني. وداعًا!»
صاح بينيديك: «هذا يكفي بالنسبة إليَّ! وإني لمبارزه.»
في أثناء تلك الأحداث، كان بوراتشيو وكونريد في السجن. وهناك جرى التحقيق معهما من قبل شرطي يُدعى دوجبيري.
قدم الحارس إفادته والتي كان مفادها أن بوراتشيو قال إنه حصل على ألف عملة ذهبية للتآمر ضد هيرو.
لم يكن ليوناتو موجودًا في هذا التحقيق، لكنه أصبح الآن مقتنعًا بشدة ببراءة هيرو. لعب دور الأب المكلوم ببراعة شديدة، وعندما زاره دون بيدرو وكلاوديو على نحو ودي، قال للنبيل الإيطالي: «إنك ظلمت ابنتي بشدة، وأنا أدعوك للمبارزة.»
قال كلاوديو: «ما كان لي أن أبارز شيخًا كبيرًا.»
رد ليوناتو متهكمًا: «لكنَّك تستطيع أن تقتل فتاة.» فاحمر وجه كلاوديو.
إن الكلمات العنيفة تأتي ردًّا على كلمات عنيفة، وكان دون بيدرو وكلاوديو يشعران بأنهما تعرَّضا لهجوم شديد عندما ترك ليوناتو الغرفة ودخل بينيديك.
قال كلاوديو: «لقد كدت أفقد أنفي في مجالدة مع الشيخ الكبير.»
قال بينيديك بحدة: «أنت وغد! بارزني متى شئت وكيفما شئت، وإلا أعلنت جبنك.»
اندهش كلاوديو لكنه قال: «سأُلاقيك ولن يقول أحد إنني لست بارعًا في قطع رأس عِجل.»
ابتسم بينيديك، وحيث إنَّ الأمير دون بيدرو كان عليه في ذلك الوقت أن يستقبل بعض المسئولين، فقد جلس على كرسي الحكم وأخذ يُهيئ نفسه ليقيم العدل.
سرعان ما انفتح الباب ليدلف منه دوجبيري وسجينَيه.
قال دون بيدرو: «ما الذي ارتكبه هذان الرجلان؟»
ظن بوراتشيو أن الفرصة مواتية ليقول الحقيقة كاملةً. قص ما حدث مُلقيًا باللوم بالكامل على دون جون، الذي اختفى. قال: «مع موت السيدة هيرو، لست أبغي غير جزاء القاتل لي عقابًا.»
سمع كلاوديو وقد تملَّكه الشعور بالأسى والندم الشديد.
وعندما دخل ليوناتو مرة أخرى، قال له: «هذا العبد أثبت براءة ابنتِك. فلتختر بنفسك وسيلة ثأرك مني.»
قال دون بيدرو بتواضُع: «ليوناتو، إني مُتقَبِّل أي عقاب قد تفرضه.»
قال ليوناتو: «حسنًا، أناشدكما أن تعلنا على الملأ براءة ابنتي وأن تكرماها بأن تغنيا على قبرها مرثية. أما بالنسبة إليك يا كلاوديو، فإن لأخي ابنة تكاد تكون صورة أخرى لهيرو. تزوَّجْها، وكذلك تشفي غليلي.»
قال كلاوديو: «أيها السيد الكريم، إني لمتقبل ما عرضت.» ثم ذهب كلاوديو إلى غرفته وألَّف أغنية حزينة. وعندما ذهب إلى الكنيسة مع دون بيدرو وأتباعه، غناها أمام مقبرة آل ليوناتو. وعندما انتهى، قال: «والآن، طابت ليلتكِ، يا هيرو، وإني لمعاهدك أن أقف كل عام وقفتي هذه بقبرك.»
بعد ذلك، استعدَّ بوقار، كما يليق برجل نبيل كان قلبه ملكًا لهيرو، للزواج من فتاة لم يكن يحبها. طُلب منه أن يقابلها في منزل ليوناتو، وأوفى بوعده وذهب إلى هناك.
أُدخل إلى غرفة حيث دخل بعده أنطونيو (أخو ليوناتو) والعديد من السيدات المتنكِّرات. وكان القس فرانسيس وليوناتو وبينيديك موجودين كذلك.
قدَّم أنطونيو واحدة من السيدات لكلاوديو.
قال الرجل الشاب: «حسنًا، دعيني أرى وجهكِ.»
قال ليوناتو: «أقسم أولًا إنك ستتزوجها.»
قال كلاوديو للسيدة: «هاتِ يدكِ. وأمام هذا القس الموقَّر، أقسم إنني سأتزوجك إن رضيتِ بي زوجًا.»
قالت السيدة، وهي تخلع عنها قناعها: «يوم كنت بين الأحياء، كنت زوجتك.»
قال كلاوديو متعجبًا: «هيرو أخرى!»
قال ليوناتو موضحًا: «لم تَمُت هيرو إلا حين كانت الفِرية حية.»
وهكذا، كان القس على وشك تزويج الزوجين اللذين أُعيد لمُّ شملهما، عندما قاطعه بينيديك قائلًا: «مهلًا أيها القس، أي من هؤلاء النسوة بياتريس؟»
في تلك اللحظة، نزعت بياتريس القناع عن وجهها، وقال بينيديك: «ألا تُحبِّينني؟»
كان الرد: «إلى حد ما. ألست تُحبُّني؟»
رد بينيديك: «إلى حدٍّ ما.»
عقبت بياتريس قائلةً: «لقد قيل لي إنك تكاد من حبي تفارق الحياة.»
قال بينيديك: «لقد قيل لي الشيء نفسه عنكِ.»
قال كلاوديو: «ها هي ورقة خطَّتها يمينُك تدل على حبك لها.» ثم أخرج ورقة مكتوب بها أغنية مُتكلَّفة كتبها بينيديك إلى حبيبته.
قالت هيرو: «وها هو ذا كتاب آخر سرقته من جيب بياتريس تصف فيه حبها لبينيديك.»
قال بينيديك: «يا للمعجزة! إن يدينا تشهدان على قلبينا! اقبلي، فإني متزوجكِ، يا بياتريس.»
ردت: «إني ما رضيت بك زوجًا إلا لأنقذ حياتك.»
قبَّلها بينيديك من فمها، وزوَّجهما القس بعد أن زوَّج كلاوديو وهيرو.
سأل دون بيدرو: «ما شعورك يا بينيديك وقد أصبحتَ زوجًا؟»
رد بينيديك: «سعيد جدًّا بحيث لا شيء يُمكن أن يجعلني غير ذلك. اسخر مني كما تشاء. وأما أنت يا كلاوديو، فقد كنت مُعتزمًا أن أقتلك، ولكن ما دمت ستُصبح لي نسيبًا، فعش سالمًا وكن بابنة العم مغرمًا.»
قال كلاوديو: «إن هراوتي متيَّمة بك، يا بينيديك»، لكن قال بينيديك: «حسبك. حسبك. دعْنا نرقص.»
رقصوا بالفعل. ولم تَستطع حتى أنباء القبض على دون جون أن توقف الأقدام التي تكاد تطير من الفرحة للعاشِقين السعداء؛ إذ إن الانتقام ليس من شيم الكرام إذا كان ضد رجل شرِّير لم يستطع أن يوقع الأذى بأحد.