الفصل الحادي عشر
قال محدثي: وقد راقت زبيدة — أخت عزيزة الصغرى — في عين إبراهيم من كثرة تردده على الدار.
وكانت زبيدة أصغر من عزيزة وأجمل، وكانت في ذلك العهد لا تزيد عن سبعة عشر عامًا، وهي مملوءة شبابًا وصحة، نادية الخدِّ، معتدلة القد، رخيمة الصوت، بارزة النهد، ولما قابلت عين إبراهيم عينها، احمرَّ وجهها، وأغضت بنظرها إلى الأرض، فداعبها وتودد إليها، والتقيا يومًا على انفراد، وقال لها: «قُبلة.» وما زال يسأل وتمنع حتى أبرز لها قطعة من الذهب، وأين لزبيدة مثل هذه القطعة، وهي فتاة لم تتزوج ولا تحتاج إلى المال، فلما رأت الدينار رأت فيه حذاءً جديدًا ومنديلًا جديدًا وعطرًا، ورأت كل ما يُشترى بالدينار، فقالت له: ما أكرمك لو أعطيتنيه! فقال: ما أحلمك لو صبرت حتى أقطف وردة من بستان جمالك، وأطفئ نار قلبي بقبلة من خدك! فقالت له: يا للعار! أنا بكر، فقال لها: يا للأسف! وأنا عاشق، قالت: قف متأدبًا وضع يديك على صدرك، ولا تفاجئني حتى أقرب إليك خدي.
ودنت منه، فخفق قلبه، ورأى الاصفرار يعلو خدها النادي، وكأن حرج الموقف كاد يخرج قلبها من صدرها، فأدنت خدها من فمه فلمسه بشفتيه ولم يقبله، فأجفلت وقالت: هات فقد أعطيتك، قال: لا، إني لم أقبلك، وقلبك أعدل الشاهدين، فقالت: يا ربي، يا لله! ما أبخلك! فقال: يا قلبي، يا فؤادي، يا لله! ما أجملك! فضحكت زبيدة، وأدنت خدها ثانية؛ فوضع عليه نار شفتيه، وقد لذَّ ذلك للفتاة، وتحركت في نفسها الطبيعة الكامنة في النساء، فدنت منه كثيرًا ودنا منها أكثر، وأطلق يديه، وقبض على رأسها، ووضع على شفتيها القبلة الأولى …
ولقد جرَّت تلك القبلة هموم تلك العائلة وهموم غيرها من العائلات، هذه القبلة خلقت عواطف حب جديدة بين الشاب والفتاة البكر، ومن ذلك اليوم أصبحت زبيدة ملكًا لإبراهيم.
وكانت أم زبيدة تحبها أكثر من عزيزة؛ لأن زبيدة صغرى الاثنتين، وتظن تلك الأم الشريرة أن من الحب ستر العيوب، فأسرَّت زبيدة أمرها لأمها، وشكت لها حبها لإبراهيم، وخوفها من الفضيحة، فهدأت أمها خاطرها بطيب الكلام، وكانت بعد ذلك تنتهز فرصة غياب عزيزة عن الدار، وتبعث إلى إبراهيم، فيأتي ويجلس مع زبيدة ويحادثها ويداعبها ويقبِّلها ويضمها …