الفصل العشرون
قال محدثي: وبعد أن مسح مختار يديه من بيع أخته وأخذ المائة وخمسين جنيهًا، وباع الدار بمثلها، صار له ثلاثمائة جنيه، فاستأجر غرفة في فندق في الأزبكية، واشترى ملابس جديدة، ووضع النقود في أحد المصارف ليأخذ منها ما يريد وقتما يريد.
غني جاهل أحمق معه ذهب، فاضحكوا عليه وخذوا ماله قبل أن يأخذه غيركم …
ولما جلس مختار التفَّ حوله الخدم يحيونه ويسألونه عن سبب هجر منيرة، وهي تسأل عنه كل ليلة، وتأبى الجلوس مع أحد من الرجال الذين يطلبونها؛ لأنها تخاف أن يأتي مختار بك ويجدها مع غيره فيغضب عليها.
ومن الغريب أن كل تلك الترهات الفارغة، وتلك الأكاذيب الباردة كانت تدخل على أفكار هؤلاء الناس أمثال مختار، ويعتقدونها، ويظنونها حقائق ثابتة!
ثم لم يلبث مختار طويلًا حتى أتت منيرة وجلست بجانبه وحيته، وضحكت له، وبقيت تداعبه، ثم طلبت قنينات الخمر «دستة» بعد «دستة»، وما زالت تطلب ولا تشرب ومختار يدفع ولا يرجع عن غيه حتى نصف الليل، فقامت منيرة مع مختار إلى دارها …
•••
واستمر مختار مع محبوبته على ذلك أكثر من ثلاثة شهور، وصرف أكثر من مائتين من الجنيهات، ولم يبق معه أكثر من عشرين جنيهًا، وعند ذلك ذهبت سكرة المال، وجاءت فكرة الفقر، وتصور مختار كل الأهوال التي هو قادم عليها من جوع وعري ومرض، فندم ندمًا شديدًا على بيع داره وزواج أخته التي سبب موتها، وكان المسكين يقوم من دار منيرة إلى الديوان، ولكنه في تلك الأيام الأخيرة التي قل فيها المال عاد إلى الفندق، وكان يزور منيرة في كل أسبوع مرة …