مجلدات الأفكار

مقدمة

مجلدات الأفكار عبارة عن مناقشات موجزة لموضوعات شيقة تتعلق بالأفكار الخمس المهمة كما تعتبر مقدمات لأفكار علمية أخرى. ونعرضها مرتَّبة بنفس ترتيبها في فصول هذا الكتاب، كما تجد أن كلًّا مجلد منها ورد في فصل واحد على الأقل.

نأمل أن تُشْبع تلك المجلدات فضولك أو تثيره. ويمكنك أن تفتح أي مجلد أو تعرف المزيد عن الموضوع الذي يناقشه باللجوء إلى قائمة القراءات الإضافية أو الكتب العلمية الأخرى.

(١) الافتراضات الفلسفية المسبقة للعلم

قبل أن يمضي التفكير العلمي قدمًا، يجب أولًا وضع بعض الافتراضات الفلسفية المسبقة فيما يتعلق بطبيعة الكون كما يلي:
  • يوجد واقع موضوعي؛ أي إن ثمة أشياء لها وجود مادي، إذ ليس كل شيء حولنا من وحي الخيال.

  • الكون قابل للإدراك والفهم؛ أي لا يوجد جانب من جوانب هذا الكون يستعصي على الفهم البشري.

  • العمليات التي تقع في الكون منتظمة ويمكن التنبؤ بها؛ إذ لو كانت الأحداث تقع بطريقة عشوائية ودون أي سابق إنذار أو نمط فلن يمكِّننا أي قدر من التحليلات من اكتشاف أنساق تلك الأحداث.

وبالرغم من أن صحة هذه الافتراضات لم ترسَخ رسوخًا كاملًا فإن الموقف الرسمي الذي ينتهجه العلم هو تعليق إصدار الحكم على مثل هذه الأمور والمضي في تكوين الأفكار العلمية. وهذا الإجراء الذي يعرف باسم «العملياتية» — أي تحديد المفاهيم الغامضة لإمكان قياسها في شكل متغيرات تتكون من عدد من الملاحظات المحددة — يسمح بتقدم العلم بالرغم من أن المسائل المتعلقة بالأسس المنطقية له لم تحسم بعد.

(٢) الاكتشاف بطريق الصدفة وتطور العلم

لا يعثر العلماء على الدوام على ما يتوقعون أن يكتشفوه عند استخدامهم المنهج العلمي؛ أي إن تنبؤاتهم ليست صحيحة على الدوام. ويكون مردود هذا الموقف عليهم هو اكتشاف أن الفرضية التي يقوم عليها التنبؤ تحتاج إلى تعديل.

وفي بعض الأحيان تؤدي الاكتشافات العرضية لأمور لم تكن محل البحث والقصد إلى نتائج أكثر روعة؛ إذ إن تلك الاكتشافات في حد ذاتها تكون ذات قيمة. وتُعرف هذه الظاهرة باسم الاكتشاف بطريق الصدفة.

ولا تعد مثل هذه الاكتشافات مصادفات بحتة؛ حيث إن المرء يحتاج إلى الخلفية المناسبة لكي يدرك أن الاكتشاف الذي توصل إليه هو اكتشاف ذو قيمة. يقر بذلك العالم الفرنسي لويس باستور الذي قدم العديد من الإنجازات العلمية الهامة، إذ يقول: «في مجال الملاحظة، لا تمنُّ الصدفة إلا على العقل المؤهَّل.»

أحد الأمثلة الكلاسيكية على الاكتشاف عن طريق الصدفة هو اكتشاف عملية تصلب المطاط بالكبريت (فلكنة المطاط). ففي عام ١٨٣٩، أسقط تشارلز جوديير دون قصد قطعة من المطاط المختلطة بالكبريت على موقد حار، واكتشف أن المطاط قد اكتسب بعض خصائص الجلد التي تحظى بطلب كبير من المشترين مثل القوة والمرونة ومقاومة المذيبات. كما جعلت عملية الفلكنة المطاط لا يتأثر للحرارة والبرودة المتوسطة. وقد أتاح اكتشاف فلكنة المطاط استخدامه على نطاق واسع، كما ساعد على تطور بعض الصناعات مثل صناعة السيارات.

(٣) تفعيل نظرية شفرة أوكام: المسافرون عبر الزمن

قادت الأنباء التي نُشرت عن الأحداث التي افتُرض وقوعُها في الماضي السحيق إلى دفع البعض إلى طرح فرضيات تتعلق بزيارات لكوكب الأرض حدثت منذ زمن بعيد قام بها رحالة من الفضاء قادمين من كواكب أخرى. ولا يستطيع العلم تقييم مثل هذه النظريات تقييمًا ملائمًا إلى أن تتهيأ الظروف لتطبيق المنهج العلمي؛ أي لا بد من توافر إمكانية الإخضاع للتجربة التي من شأنها تأييد هذه الأفكار أو دحضها.

ولكن في غياب مثل هذه الأدلة التي نحصل عليها بواسطة التجربة، تُقبَل أبسط فرضية — وهي التي تفسر الأحداث التي وقعت في الماضي دون الإشارة إلى أفعال المسافرين عبر الفضاء — قبولًا مؤقتًا، باعتبارها أفضل النظريات وأرجحها. وبغض النظر عن الإنجازات السابقة لمقترِح الفرضية غير القابلة للاختبار أو عدد الأفراد المتفقين مع هذه الفرضية أو شعبية الكتب المؤيدة لها؛ فإن العلم لن يمنح تلك الفرضية بصفة رسمية شرف اعتبارها نظرية علمية.

(٤) الأشياء الكبيرة والصغيرة

يلاحظ أن نطاق أحجام الأجسام والكتل والزمن في الكون هو من الاتساع إلى الحد الذي يدفع إلى استخدام وسائل خاصة للتعبير عنها لتفادي الخلط بينها ولتيسير إجراء المناقشات. تستخدم البوادئ في النظام المتري لكي ترمز إلى مضاعفات أو نسب من الوحدات الأساسية وجميعها مرفوعة إلى أُس (مضاعفات) العدد ١٠. وإليك قائمة ببعض منها مع بيان بأمثلة توضح كيفية استخدامها:
  • النانو = واحد على مليار = ١٠ (يقدر الزمن الذي يستغرقه الحاسوب الآلي في معالجاته للبيانات بالنانو ثانية.)
  • الميكرو = واحد على مليون = ١٠ (تقاس أصغر الأحجام التي ترى بالميكروسكوب بالميكرومتر.)
  • الميلِّي = واحد على ألف = ١٠ (تقاس الدهون الموجودة في الطعام بالميلِّي جرام.)
  • السنتي = واحد على مئة = ١٠ (تقاس درجات الحرارة بمقياس درجات الحرارة المئوية.)
  • الكيلو = ألف = ١٠ (الوحدة القياسية للكتلة هي الكيلوجرام).
  • الميجا = مليون = ١٠ (تقاس ذاكرة الحاسوب بالميجا بايت).
  • الجيجا = مليار = ١٠ (تقاس سعة القرص الصلب في الحاسوب بالجيجا بايت).

(٥) الإشعاع الكهرومغناطيسي وتفاعله مع المادة

عندما تزداد سرعة الشحنات الكهربائية تُحْدِث اضطرابًا بالمجال الكهرومغناطيسي، ثم ينتشر هذا الاضطراب في صورة موجات في هذا المجال كالضوء المرئي على سبيل المثال. وتنتقل جميع الموجات الضوئية في الفراغ بسرعة واحدة وهي ٣ × ١٠٨ متر/ثانية ولكنها تختلف بعضها عن بعض من حيث التردد والطول الموجي. ونجد أن موجات الراديو وموجات الميكروويف (موجات كهرومغناطيسية قصيرة) والأشعة تحت الحمراء ترددها أقل من الضوء المرئي بينما الطول الموجي لها أطول. كما تجد أن الأشعة فوق البنفسجية وأشعة إكس وأشعة جاما لها تردد أعلى من الضوء المرئي بينما الطول الموجي لها أقصر.

يعتمد التفاعل بين الضوء والمادة على التناسب بين تردد موجة الضوء والتردد الطبيعي للجزيئات في المادة. إذا وجد اختلاف كبير في التردد بينهما فلا تستجيب الجزيئات في هذه الحالة إلى الضوء؛ فتمتص المادة الضوء أو تبعثه في صورة طاقة حرارية. أما إذا كان تردد الضوء والمادة متقاربين فإن جزيئات المادة تهتز، فتمتص الطاقة الكهرومغناطيسية وتعيد بثها. على سبيل المثال، أي مادة تظهر لنا باللون الأحمر تكون الترددات الطبيعية للجزيئات المكونة لها واقعة في منطقة اللون الأحمر للطيف المرئي. وعندما يسقط الضوء الأبيض (وهو الضوء الذي يحتوي على جميع ترددات الأطوال الموجية المرئية) على هذه المادة، فإن جزيئاتها تمتص موجات اللون الأحمر وتعيد بثها دونًا عن غيرها.

(٦) النموذج الموجي مقابل النموذج الجسيمي للضوء

يُنْظَر إلى الضوء بصورتين مختلفتين جوهريًّا: إما في صورة موجات وإما في صورة جسيمات. في البداية كان النموذج الموجي هو المفضل نظرًا إلى ضرورته في تفسير بعض الظواهر مثل انحراف الضوء (وهو تحرك واجهة موجة ضوئية في خط مستقيم، قبل أن تتحول حركتها إلى حركة دائرية بعد أن تمر من خلال فتحة صغيرة في حاجز) كما يفسر ظاهرة أخرى وهي التداخل (وهو شغل أكثر من موجة ضوئية حيزًا واحدًا في آنٍ واحد).

سمح ظهور نظرية الكم باعتبار الضوء جسيمًا، لأنه يتفاعل مع الإلكترونات على النحو الذي تصفه بدقة نظرية التصادم الجسيمي.

ازداد الأمر تعقيدًا حين اقترح عالم الفيزياء لويس دي بروي أن الأشياء التي عادة ما تعتبر جسيمات يمكن أن تسلك سلوك الموجات في ظروف معينة. ما لبثت التجربة أو أكدت ذلك الاقتراح؛ إذ بينت أن الإلكترونات والنيوترونات بل وجميع ذرات الصوديوم عرضة لظاهرتَي الانحراف والتداخل.

وفق المنظور الحديث، لا يمكن وصف الضوء أو المادة باستخدام النموذج الموجي أو الجزيئي البسيط. إنما هما في الحقيقة شيء آخر، شيء أعقد من كلا النموذجين، تعجز عن وصفهما بدقة المفاهيم الحالية.

(٧) الذرة المكبرة: ذباب يحوم حول كرات بلياردو

تُرى كيف ستبدو الذرة لو استطعنا رؤيتها بالفعل؟ لنفرض أننا تمكنا بطريقة ما من تكبير حجم الذرة حتى يصير حجم وكتلة البروتونات الموجودة بالنواة مساويين لحجم وكتلة كرات البلياردو؛ عندئذٍ سيكون حجم وكتلة الإلكترونات مساويًا تقريبًا لحجم وكتلة ذبابة الفاكهة. وإذا وُضعت تلك النواة المكتظة بالبروتونات التي بحجم كرات البلياردو على خط منتصف ملعب حديث لكرة القدم الأمريكية، فسنجد أن الإلكترون الذي بحجم الذبابة سوف يدور على مسافة تساوي الحد الخارجي لساحة انتظار السيارات للملعب.

وفي هذه الذرة ذات الحجم المُكبر، نظرًا إلى أن الإلكترونات لا تستطيع أن تمتص مما يحيط بها سوى كميات محددة من الطاقة، نجد أن الإلكترونات التي بحجم الذباب ستبدأ في الدوران على نحو مفاجئ حول كرات البلياردو في مدارات أوسع. وعندما ينتقل الإلكترون الذبابة ثانيةً إلى مدار أضيق، سيصبح شبيهًا باليراعة — تلك الحشرة الصغيرة التي ينبعث الضوء من بطنها — وذلك لأن الإلكترون سوف تنبعث منه طاقة في صورة ضوء.

(٨) قطة شرودنجر: تجربة ذهنية

أثارت ميكانيكا الكم نوعًا من التساؤلات الفلسفية المثيرة عن الواقع. فطبقًا للتصور النيوتني القديم لم يكن هناك سوى كون واحد فقط، وأن سلوك أي شيء في المستقبل يمكن أن يُتنبأ به على نحو حتمي طالما كانت الظروف في الزمن الماضي والعوامل المؤثرة على الجسم معروفة.

غيرت ميكانيكا الكم الصورة النيتونية تغييرًا جذريًّا. ولمزيد من الإيضاح دعنا نتأمل التجربة الذهنية الآتية المعروفة باسم «قطة شرودنجر». في هذه التجربة توضع قطة في صندوق محكم الغلق به آلية معينة تسمح له بإطلاق غاز سام. يتوقف إطلاق الغاز من عدمه على وقوع أو عدم وقوع حدث عشوائي في العالم الواقعي، مثل التحلل التلقائي لنواة مشعة. تُرى ماذا حدث للقطة عند نهاية التجربة؟

طبقًا للتصور التقليدي النيوتوني هناك احتمالان لا ثالث لهما، هما: إما أن تكون القطة على قيد الحياة وإما أن تكون ميتة؛ في الواقع، معرفة ما إذا كانت القطة حية أو ميتة ليس له أي صلة بالنتيجة. لكن وفقًا ﻟ «تفسير كوبنهاجن لميكانيكا الكم»، فإن القطة في حالة وسط، ذلك لأنها يحتمل أن تكون حية ويحتمل أن تكون ميتة، ولن نعرف إذا كانت حية أو ميتة إلا عند فتح الصندوق واكتشاف حالتها الفعلية. لأن هناك بعض الاحتمالية بأن تكون القطة على قيد الحياة واحتمالية أخرى بأن تكون ميتة. أما في تفسير الأكوان المتعددة فإن الكون — في اللحظة التي يُفتح فيها الصندوق — ينقسم إلى حالتين مختلفتين؛ في إحداهما ستجد مراقب التجربة ومعه القطة حية، بينما في الأخرى تجد مراقب التجربة ومعه القطة ميتة!

(٩) مبدأ عدم اليقين عند هايزنبرج

انبثقت فكرة أخرى من ميكانيكا الكم وهي أن فعل الملاحظة في حد ذاته يغير الظاهرة التي تُلاحظ. على سبيل المثال، تأمل كيف نلاحظ القمر في مداره حول الأرض. ينبعث الضوء من الشمس، فيعكسه القمر. يستقبل الملاحظ هذا الضوء ويتتبع مساره إلى القمر لتحديد موضعه. والطول الموجي لهذا الضوء أقل بكثير من حجم القمر وهو ما يسمح بتحديد موقع القمر بدقة. هذا وليس لمقدار الضغط الطفيف الذي يبذله ضوء الشمس على القمر أي تأثير مادي يذكر على مدار القمر.

وعلى الجانب الآخر، تستلزم محاولة تحديد مدار إلكترون ارتداد إشعاع كهرومغناطيسي طوله الموجي أقل من الضوء المرئي. (لا يمكن استخدام الضوء المرئي؛ لأن طوله الموجي كبير جدًّا بالنسبة إلى حجم الإلكترون، مما يقلل فرصة الحصول على أية معلومات مفيدة حول موقع الإلكترون). نلاحظ أنه كلما كان الطول الموجي أصغر كانت الطاقة الإشعاعية أكبر. وبهذا كلما زادت الدقة المطلوبة في تحديد موقع الإلكترون، زادت الطاقة الإشعاعية المستخدمة في الكشف عنه وتحديد موقعه وازداد اضطراب مدار الإلكترون تبعًا لذلك. ويمكن أن نقول إن تحديد موقع الإلكترون تحديدًا دقيقًا قد حدث في أضيق الحدود ولكن حدثت له اضطرابات كثيرة جدًّا حتى إنه لم يعد في مكانه الذي حُدِّد!

(١٠) المادة والمادة المضادة

يعتقد أن لكل جسيم جسيمًا مضادًّا له نفس كتلة الجزيء الأصلي ولكنه مضاد له في الخصائص الأخرى. في عام ١٩٢٨ افتُرض أن للإلكترون مثل هذا الجسيم المضاد. هذا الجسيم المضاد اكتشف عام ١٩٣٢ وسمي بوزيترون لأنه ذو شحنة موجبة. وسرعان ما اكتُشِفَت جسيمات مضادة أخرى، مما أثار احتمال وجود ذرات مضادة ومواد صلبة مضادة وكواكب مضادة ونجوم مضادة … إلخ. على أن مقدار المادة المضادة الموجودة في الكون ليس واضحًا نظرًا إلى عدم سهولة الكشف عن المادة المضادة الموجودة على مسافة بعيدة.

يكون التفاعل بين المادة المألوفة والمادة المضادة عنيفًا ينتج عنه فناء كل من المادة والمادة المضادة وتحول كتلتيهما إلى طاقة في صورة أشعة جاما. وعندما يرغب رائد فضاء في اتخاذ قرار يتعلق بهبوطه أو عدم هبوطه على كوكب لم يُكْتَشف بعد فإن مسألة تَكَوُّن هذا الكوكب من مادة أم من مادة مضادة ستكون من العوامل الحاسمة المؤثرة على قراره.

(١١) مجهر المسح النفقي: «رؤية» الذرات

أمدتنا الفتوحات العلمية الأخيرة في مجال علم الفحص المجهري بدليل على أن الذرات لها وجود مادي واقعي. في خمسينيات القرن العشرين حصلنا على صور لذرات غازية وهي تصطدم بحاجز مصنوع من الفلوروسنت. وفي عام ١٩٧٦ أمكن رؤية «التحرك الحراري» لذرات اليورانيوم. بعد ذلك في عام ١٩٨١ أمكن إدراك وجود أجسام تتشابه خصائصها مع الذرات وذلك بفضل ظهور عائلة جديدة من المجاهر يطلق عليها اسم مجاهر المسح مثل مجهر المسح النفقي.

تعتمد تقنية مجاهر المسح على ملاحظة أن التيار المار بين مسبار مثل طرف قطعة حادة من معدن التنجستين وبين السطح الذي يتحرك فوقه هو تيار شديد الحساسية للمسافة الواقعة بين الطرف وسطح المعدن. وتبلغ درجة تأثر ذلك التيار إلى الحد الذي يمكن معه تمييز تغيرات في ترتيب الأحجام الذرية. ويتعرض الطرف المعدني للمسح على سطح ما ثم يرفع الطرف لأعلى أو يُخفض لأسفل حسب الحاجة وذلك للحفاظ على ثبات التيار. ويقتضي ثبات التيار بالتبعية ثبات المسافة بين المسبار والسطح ولذا تنتج إزاحات الطرف المعدني صورة طوبوغرافية للسطح.

(١٢) القوى الأربع الكبرى في الطبيعة

يرى علم الفيزياء في وقتنا الحالي أن هناك أربع قوى أساسية في الطبيعة:
  • (أ)
    القوة النووية الشديدة وهي أقوى قوة، ويغطي مجال تأثيرها المسافات القصيرة التي تصل إلى ١٠-١٥ متر أو أقل.
  • (ب)
    القوة النووية الضعيفة وهي تبلغ ١٠ فقط من قوة القوة النووية الشديدة، ويغطي مجال تأثيرها المسافات التي تصل إلى ١٠-١٧ متر أو أقل.
  • (جـ)
    القوة الكهرومغناطيسية وتبلغ ١٠ من قوة القوة النووية الشديدة، ويغطي مجال تأثيرها جميع المسافات.
  • (د)
    قوة الجاذبية وهي أضعف قوة وتبلغ ١٠-٤٥ من قوة القوة النووية الشديدة ويغطي مجال تأثيرها جميع المسافات.

في الواقع، وحد العلماء القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الضعيفة ليصيرا قوة واحدة وهي القوة الكهروضعيفة. كما اقترحت النظرية الموحدة الكبرى توحيد قوتين أخريين هما القوة النووية القوية والقوة الكهروضعيفة، كما تقترح النظرية توحيد تلك القوة مع قوة الجاذبية الأرضية لتصيرا قوة خارقة واحدة.

(١٣) الكهرباء والمغناطيسية: توءمان سياميان

حتى القرن التاسع عشر لم تُرصد سوى روابط قليلة تربط بين الكهرباء والمغناطيسية. أما اليوم فقد أصبح من المعروف أنه يوجد الكثير من أوجه الشبه بينهما. فالشحنة الكهربائية عندما تكون ثابتة يحيط بها مجال كهربائي. أما عندما تتحرك فهي تُحاط أيضًا بمجال مغناطيسي. وعلى نفس المنوال، يُحاط المغناطيس الثابت بمجال مغناطيسي، أما عندما يتغير المجال المغناطيسي فإنه يتسبب في توليد مجال كهربي في ظاهرة تعرف باسم الحث الكهرومغناطيسي.

والمغناطيسية هي إحدى خصائص المادة التي يحددها ترتيب الذرات في جسم صلب معين بالنسبة إلى بعضها البعض، وكيفية اصطفاف المجالات المغناطيسية التي تصنعها الإلكترونات في الذرات المختلفة. والمغناطيس الدائم هو جسم ثبتت ذراته ومجالات إلكتروناته الخاصة على نمط معين. ورغم أن الأرض تسلك سلوك قضيب مغناطيسي بسيط دائم قطبيه هما شمال الأرض وجنوبها، فإن مجالها المغناطيسي على الأرجح هو مجال مغناطيسي كهربي.

(١٤) قوانين نيوتن للحركة والجاذبية

تعد قوانين إسحاق نيوتن للحركة أفكارًا في غاية الأهمية؛ وذلك لأنها تصف كل أشكال الحركة التي تحدث في حياتنا اليومية. وقد استطاع نيوتن باستخدام هذه القوانين أن يصف نوعي الحركة كما صنفها العلماء، وهما: الحركة المنتظمة (غير المتسارعة)، والحركة المتسارعة.

كما توصل نيوتن إلى فكرة «الجذب العام» التي تفيد أن كل الأجسام في الكون تتجاذب، وأن قوة جذب تلك الأجسام لغيرها مرتبطة بكتلتها والمسافة بينها. إن قوة الجاذبية هذه هي التي تبقي الكواكب في مداراتها وتمسك بالمادة الموجودة حول مراكز النجوم، كما يرجع إليها الفضل كذلك في ارتباط النجوم بعضها ببعض في المجرات.

ويُعَدُّ من أحد التطبيقات العصرية لقوانين نيوتن للحركة والجاذبية تصميمُ الأقمار الصناعية المتزامنة مع الأرض، وهي أقمار صناعية تظل ثابتة في نفس موقعها فوق كوكب الأرض. إذا أُطلق القمر الصناعي من الأرض في الاتجاه الصحيح بالدقة والسرعة اللازمين، فستتوافق دورته المدارية مع معدل دوران الأرض. تكون نتيجة ذلك هي ثبات القمر الصناعي عند نقطة محددة فوق الأرض بفعل قوة الجاذبية الأرضية. ويمكن أن تبث الإشارات إلى القمر الصناعي ثم يعاد بث هذه الإشارات على نطاق أوسع وبشكل متواصل.

(١٥) نظريتا النسبية العامة والخاصة لأينشتاين

اعتَبرت نظرية النسبية الخاصة التي وضعها أينشتاين في مطلع القرن العشرين سرعة الضوء ثابت أساسي أهم حتى من المكان والزمان. وقال أينشتاين إنه بصرف النظر عن حركة مصدر الضوء أو حركة الملاحِظ ستكون سرعة الضوء في الفراغ واحدة بالنسبة إلى جميع الملاحظين. وتتفق هذه النظرية مع نتائج تجربة مايكلسون ومورلي عن التي لا يمكن تفسيرها بأية طريقة أخرى.

كانت النظرية ثورية بحق كما أنها بالفعل فكرة مهمة في العلم. ولكن السرعات الهائلة التي تنطوي عليها تطبيقاتها تقع خارج حيز الخبرة البشرية العادية. هذا يجعلها مخالفة للحدس، وقد جعل دارسيها الأوائل يعلقون على صعوبة فهمها. لكن في حقيقة الأمر لا تعد النظرية صعبة الفهم إلى ذلك الحد على المستوى الرياضي.

أطلق على نظرية النسبية الخاصة اسم «خاصة» نظرًا إلى تناولها الحركة المنتظمة (غير المتسارعة) فقط. أما نظرية النسبية العامة فقد سميت «عامة» لأنها تتناول الحركة المتسارعة وغير المتسارعة. وتتضمن نظرية النسبية العامة فكرة مفادها أن الجاذبية تسبب انحناء الفراغ وتجعل الزمان يتباطأ.

(١٦) النظائر المشعة باعتبارها عناصر مقتفية للأثر

يستخدم العلماء النظائر ذات النشاط الإشعاعي أو النظائر المشعة لاقتفاء أثر مسار ذرات عنصر ما خلال عملية فيزيائية أو كيميائية أو بيولوجية. عندما تستخدم النظائر لهذا الغرض فإنها تسمى النظائر «مقتفيات».

من أمثلة استخدام النظائر المشعة باعتبارها مقتفيات في عملية فيزيائية هو تحديد موقع التسرب بأنبوب مدفون تحت سطح أرضية مصنوعة من الأسمنت. فبدلًا من الحفر لمساحات شاسعة من الأرضية لتحديد موضع التسريب، يمكن إضافة النظير المشع للسائل الداخل في الأنبوب ثم يستخدم عداد جيجر — وهو عبارة عن آلة تكشف عن وجود النشاط الإشعاعي وتقيسه — في تحديد المكان الذي يتسرب منه السائل.

(١٧) الكيمياء العضوية مقابل الكيمياء غير العضوية

يوجد في الوقت الحالي ما يقرب من ١١٢ عنصرًا معروفًا. ويبدو الأمر مثيرًا للدهشة أن يكون أحد فروع الكيمياء، وهو الكيمياء العضوية، مقصورًا على دراسة مركبات عنصر واحد فقط وهو الكربون، بينما تتناول الكيمياء غير العضوية دراسة جميع العناصر الأخرى. ويرجع السبب في ذلك إلى أن عنصر الكربون يستطيع أن يُكَوِّن مركبات أكثر من أي عنصر آخر. وينفرد عنصر الكربون بقدرته على تكوين روابط تساهمية (وهي التي يحدث بها مساهمة بأزواج من الإلكترونات) مع ذرات كربون أخرى في صف من المجموعات التي تبدو لانهائية.

والمصطلح «عضوي» هو مصطلح قديم يعود تاريخه إلى ما يقرب من ١٥٠ عامًا حين اعتقد العلماء أن مركبات الكربون التي تلعب دورًا حيويًّا في بقاء الحياة لا تتكون إلا داخل الكائنات الحية، ومن ثم أُطلق على تلك المركبات اسم مركبات عضوية. أما الآن فقد توصل العلماء إلى أنه يمكن تصنيع المركبات العضوية داخل المعمل باستخدام مواد غير عضوية بسيطة، وأصبح يعرف في وقتنا هذا أكثر من ٨ ملايين مركب عضوي طبيعي ومخلَّق.

(١٨) زمن ملاحظة قصير نسبيًّا

يرصد العلماء الكون بالتلسكوبات منذ ما يقرب من ٤٠٠ عام فقط. فكيف لهذه الفترة الضئيلة من عمر الكون أن تعبر بدقة عن عمر الكون بأكمله؟ هذا يشبه إجراء فحص طبي لشخص بالغ في ثلاث أو أربع ثوان، يتمكن من خلاله الطبيب أن يتوصل إلى بيانات مفصلة حول ولادة ذلك البالغ وفترة طفولته المبكرة وسنوات مراهقته، بل ويحدد الوقت الذي سيموت فيه هذا الشخص وسبب الوفاة!

ولنفترض من منظور آخر أن إجمالي عمر الكون كان يومًا واحدًا من أربع وعشرين ساعة. لو أن الكون نشأ في منتصف الليل، فستكون الأرض قد ظهرت في الساعة الرابعة مساء، وتكونت أولى الحفريات الساعة العاشرة مساء، وظهر الإنسان في الساعة الثانية عشرة إلا دقيقة وثانيتين مساء أي دقيقتين قبل منتصف الليل، وسيكون أول رصد تلسكوبي قد وقع قبل منتصف الليل ﺑ ٠٫٠٠٣ ثانية.

(١٩) علم الفلك المرئي مقابل علم الفلك غير المرئي

تعزز التلسكوبات الضوئية قدرة العين المجردة على رؤية الأجرام السماوية. ولكن مع الأسف يعيق الغلاف الجوي ذلك إذ يشتت الضوء القادم من النجوم البعيدة فيحدِث «وميضًا» يشوش الرؤية، بل أنه قد يحجب الرؤية تمامًا وهو ما يحدث عندما تُغَطَّى السماءُ بالسحب.

وللمساعدة في حل المشكلات التي يسببها الغلاف الجوي اختُرِعَت آلات تستكشف المناطق غير المرئية من الطيف. وكانت أولى هذه المناطق التي استكشفت هي منطقة موجات الراديو. وقد أعد كارل جانسكي في الثلاثينيات أجهزة استقبال بهدف إجراء مسح لنطاق التردد الراديوي للسماء. وبالرغم من أن ذلك أسفر عن الحصول على معلومات جديدة فإن الأمواج الطويلة في ذلك النطاق لم تسمح بالحصول على درجة نقاء عالية.

أما الأطوال الموجية الأخرى فلم تخترق الغلاف الجوي، ولهذا أُرْسِلَت مستشعرات ثبتت في المناطيد والصواريخ لتصعد أغلب طبقات الغلاف الجوي كي تجري مسوحات أوضح. لاحقًا استخدِمَت الأقمار الصناعية لإرسال المعدات فوق أغلب طبقات الغلاف الجوي، ورُسِمَت خريطة لمناطق الأشعة فوق البنفسجية وأشعة إكس والأشعة تحت الحمراء في السماء. في وقت قريب، وضع تلسكوب هابل (نسبة إلى الفلكي إدوين هابل) في مدار يستطيع من خلاله استكشاف المناطق المنظورة من الطيف بالإضافة إلى المناطق غير المنظورة منه.

(٢٠) تقدير عمر الكون

كان الهدف الرئيسي لعلم الفلك هو تحديد عمر الكون. وقد اضطر علماء الفلك إلى قبول تقديرات غير دقيقة وذلك بسبب عدم التيقن من البيانات المستخدمة في حساباتهم.

تتطلب إحدى تقنيات الحصول على تقديرات لعمر الكون تسيير عملية تمدد الكون في الاتجاه المعاكس كما لو كان شريط فيلمًا سينمائيًّا. عند ترجيع الشريط، نجد المجرات تتقارب لا تتباعد. في هذا السيناريو، يكون عمر الكون هو الزمن الذي تستغرقه المجرات لكي تتقابل تلقائيًّا وتعيد تكوين الكرة النارية الأولية. وبافتراض أن المعدل الذي يتمدد به الكون حاليًّا ثابت (ومن ثم يكون المعدل في الاتجاه المعاكس ثابتًا أيضًا) فيمكن حساب عمر الكون بمعرفة المسافات التي تفصل بين المجرات في الوقت الحالي والمعدل الذي يتمدد به الكون. وطبقًا للمعطيات السابقة كان عمر الكون يقدر بمليارَي سنة. ولكن هذه القيمة تتعارض مع العمر المقدر للأرض الذي يزيد عن ٤ مليارات سنة! وفق بيانات لاحقة، فإن عمر الكون يقدر بنحو ٢٠ مليار سنة.

أما في الآونة الأخيرة فقد خضعت التقديرات المقبولة سابقًا عن عمر الكون إلى تمحيص دقيق بعد أن جمع تلسكوب هابل بيانات أدق. ونتج عن هذه البيانات تقديرات أقل بكثير لعمر الكون، تتراوح هذه التقديرات من ١٢ إلى ١٥ مليار سنة. وأحدث هذا التقدير لعمر الكون أزمة في علم الفلك حيث تخضع التقديرات السابقة والنظريات المرتبطة بها للدراسة مرة أخرى على ضوء النتائج الجديدة.

(٢١) مشكلة الكتلة المفقودة

تبدو حشود المجرات كأشكال ثابتة على نطاق واسع وبها المجرات الفردية الثابتة في مكانها بفعل الجذب الثقالي. وباستخدام سرعات المجرات تحددت بالطرق التجريبية، يمكن حساب الكتلة اللازمة للحفاظ على استقرار عنقود المجرات الذي يضمها. فإذا حُسِبَت الكتلة اللازمة لاستقرار عنقود مجرات العذراء ثم قورنت الكتلة اللازمة بالكتلة الملاحظة، ينتج أن الكتلة المطلوبة للحفاظ على استقرار العنقود هي خمسون ضعف الكتلة الملاحظة!

ويشار إلى ذلك باسم مشكلة الكتلة المفقودة. ونظرًا إلى أن الكتلة غير مرئية فإنها تسمى المادة المظلمة. وقد وضعت اقتراحات مختلفة للعناصر التي تحمل تلك الكتلة المفقودة ولكن كان من الصعب العثور على هذه العناصر. وتبعًا لآراء بعض الباحثين تشكل المادة المفقودة أكثر من ٩٠٪ من كتلة الكون.

(٢٢) الثقوب السوداء والثقوب البيضاء والثقوب الدودية

جرى التنبؤ بثلاث حالات غير مألوفة للمادة تتوافق مع المادة ذات الكثافة اللانهائية، وهذه الحالات هي: الثقوب السوداء، وهي مادة ذات كثافة لانهائية وتنجذب إليها المواد الأخرى، والثقوب البيضاء وهي مصدر لانهائي تتدفق منه الكتلة باستمرار، والثقوب الدودية وهي عبارة عن مزيج من النوعين السابقين.

ونظرًا إلى شدة كثافة الثقوب السوداء فإن السرعة اللازمة للإفلات من جاذبيتها لا بد أن تكون أكبر مما يُعْرَف بالحد الأقصى للسرعة المعروفة في الكون وهي سرعة الضوء. ولهذا تسمى هذه الثقوب «ثقوبًا سوداء» لأنها لا تسمح بنفاذ الضوء. ولأن استخدام الآلات في استكشاف الأجرام السماوية يكون بغرض إجراء تحليل للإشعاع الكهرومغناطيسي الذي ينبعث من تلك الأجرام، فيبدو من هذا المنطلق أن استكشاف الثقوب السوداء يُعَدُّ أمرًا مستحيلًا.

إلا أن هناك مخرجًا لهذه المشكلة. فإذا كنا نقول بأن الثقوب السوداء تكوِّنها النجوم الضخمة عند انتهاء دورة حياتها (عندما يُحسم الصراع لصالح الجاذبية وتجذب كل شيء للداخل) فإنه يمكن في وجود نظام يدور فيه نجمان أحدهما حول الآخر (نجوم ثنائية) أن يجذب أحد هذين النجمين — والذي تحول إلى ثقب أسود — الغازات من النجم الآخر. تتنبأ هذه النظرية بأن مثل هذه الغازات تصل إلى درجات حرارة عالية جدًّا ثم ينبعث عنها أشعة إكس قبل ابتلاعها بواسطة النجم الآخر. ولذلك فإذا وُجد مصدر ضعيف لأشعة إكس بالقرب من نجم عادي فقد يكون هذا دليلًا على حدوث ظاهرة الثقب الأسود بالقرب من هذا النجم. وقد استطاعت آلات الاستكشاف عام ١٩٧٠ — التي وضعت في الأقمار الصناعية — أن ترصد حدوث مثل هذه الظاهرة.

بينما تحظى الثقوب السوداء ببعض من التأييد عن طريق إجراء الملاحظات إلا أن الثقوب البيضاء والثقوب الدودية ما زالت احتمالات نظرية خالصة.

(٢٣) التنبؤ بوقوع الزلازل

تؤكَّد الفرضية باختبار صحة تنبؤاتها. وللأسف لا يملك علماء الجيولوجيا إلى الآن فهمًا واضحًا وكافيًا لظاهرة الزلازل لكي يتنبئوا بكل ثقة وعلى نحو ثابت أين ومتى ستقع الزلازل.

استخدم الباحثون الصينيون عام ١٩٧٥ الهزات الأرضية المستبقة (موجات متصاعدة الشدة من الزلازل الصغيرة) للتنبؤ على نحو دقيق بوقوع زلزال هايتشينج المدمر الذي وقع في منطقة بشمال شرق الصين. رُصدت كذلك هزات مستبقة قبل وقوع زلزال كاليفورنيا عام ١٩٧٥. ولكن مع الأسف لا يسبق وقوع العديد من الزلازل هزات مستبقة مما يجعل مثل هذا النمط في الكشف عن وقوع الزلازل — في أحسن الأحوال — دليلًا لا يعول عليه.

وقد لوحظ حدوث تغيرات في شكل سطح الأرض قبل لحظات من وقوع زلزال ضخم في كاليفورنيا عام ١٩٦٦ وقبل آخر في اليابان عام ١٩٤٤. إلا أن التغيرات في شكل سطح الأرض لا يمكن الاعتماد عليها لأن سقوط الأمطار والجفاف والانهيارات الطبيعية تغيِّر باستمرار ملامح التضاريس.

والخطة الفعالة فيما يتعلق بمسألة التنبؤ العملي بحدوث الزلازل يجب أن تعتمد على مجموعة من الأدلة بحيث تكون القرارات نهائية بقدر الإمكان قبل إطلاق صفارات الإنذار التي تطالب الجميع بإخلاء المكان.

(٢٤) نظرية الفوضى والتنبؤ بأحوال الطقس وتأثير الفراشة

نظرية الفوضى هي وسيلة لتبين النظام والأنماط في الأشياء التي كانت تعتبر مطلقة العشوائية والفوضوية. تحاول هذه النظرية أن تفسر كيف أن الاختلافات الطفيفة جدًّا في المعطيات يمكن أن تؤدي إلى اختلافات ساحقة في النتائج، وتلك هي الظاهرة التي أطلق عليها اسم «الحساسية للظروف الأولية».

تساعد نظرية الفوضى في تفسير العديد من الظواهر مثل انخفاض معدل النجاح في التنبؤ بأحوال الطقس لأكثر من بضعة أيام قادمة. اعتقد الكثيرون أن التنبؤ بأحوال الطقس سيكون أفضل من أي وقت سبق في ظل ظهور محطات الرصد المنتشرة في جميع الأنحاء والإرسال السريع للبيانات واستخدام الحاسوب في التسجيل والتنبؤ بالأحوال الجوية، ولكن هذا التحسن نحو الأفضل لم يحدث في الواقع.

تتسم المحاكاة الواسعة النطاق التي تتم باستخدام الحاسوب والتي تصنع النماذج المناخية بأنها شديدة الحساسية للتغيرات الطفيفة التي تحدث في الظروف الأولية. يعني هذا نظريًّا أن حدثًا متناهي الصغر وقع في جانب من العالم يمكن أن يكون له تأثير هائل فيم بعد على أنماط الطقس على الجانب الآخر من العالم لمدة أسبوع أو نحو ذلك؛ أي إنه على سبيل المثال لو غيرت فراشة في الصين اتجاه طيرانها فسوف يحدث ذلك تغيرًا طفيفًا في ضغط الهواء هناك، وسيظل ذلك التغير يتضاعف حتى يُحدث تغيرات مناخية هائلة في شرق الولايات المتحدة الأسبوع التالي. ولهذا سمي ذلك «تأثير الفراشة».

(٢٥) التشابهات الجيولوجية بين الأرض والكواكب الأخرى

أمدتنا البعثات التي قامت بها سفن الفضاء إلى الكواكب بسيل من البيانات لكي تساعد في فهم طبيعة تلك الأجرام السماوية. وأظهرت البيانات التي جمعتها المسابير الفضائية أن الطبقات المتحدة المركز تشكل الجزء الأكبر من البنية الداخلية لجميع الكواكب.

والكواكب الداخلية أو الأرضية — وهي عطارد والزهرة والأرض والمريخ — تتكون في الغالب من مواد صخرية تحيط بالمركز المعدني. أما الكواكب الخارجية — وهي المشتري وزحل وأورانوس ونبتون — فليس لها أسطح صلبة إنما تتكون في الغالب من الهيدروجين والهيليوم وجليد الماء والميثان والأمونيا. في حين يتشابه كوكب بلوتو — وهو أبعد الكواكب عن الشمس حتى يومنا هذا — مع الأقمار الجليدية للكواكب الخارجية للمجموعة الشمسية بقدر يفوق تشابهه مع الكواكب الخارجية نفسها. وربما يكون هذا الكوكب مغطى بالنيتروجين والميثان المتجمدين، وربما يحتوي بداخله على صخور وجليد.

تحدث عمليات جيولوجية مماثلة لتلك التي تحدث على كوكب الأرض على الكواكب الأخرى. إذ عُثِرَ في كوكبَي المريخ والزهرة على أدلة على وقوع نشاط بركاني سابق. كما يشير المجال المغناطيسي الموجود على كوكب عطارد إلى أن باطن الكوكب غني بالحديد الذي ربما يكون ما يزال حتى الآن في حالة انصهار. كما يحتمل أن يكون مركز عطارد صلبًا ذا مجال متبقٍّ أو متوارث من زمن سابق كان فيه المركز منصهرًا وتمغنط تلقائيًّا بشكل دائم أثناء انخفاض درجة حرارته.

(٢٦) تكون قمر الأرض: نظرية الارتطام العملاق

طُرح العديد من النظريات المختلفة حول نشأة القمر التابع لكوكب الأرض. على أن العديد من هذه النظريات قد ضُرب بها عرض الحائط بمجرد حصول رواد الفضاء على معلومات مباشرة عند هبوطهم على سطح القمر وأخذ عينات منه وإثبات أن تلك النظريات لا تتسق مع المعلومات الجديدة التي حُصل عليها، وطرحت نظرية جديدة وهي نظرية الارتطام العملاق التي تقول بأنه أثناء تَكَوُّن الأرض ارتطم بها جسمٌ سماوي بحجم كوكب المريخ. ونتيجة لعنف هذا الارتطام، تبخرت كتل كبيرة من كلٍّ من الجسم المرتطم وطبقة الوشاح الأرضي. بعض تلك الكتل المتبخرة هبطت إلى الأرض ثانية، ولكن البعض الآخر كان يمتلك من الطاقة ما يكفي لوضعها في مدار حول الأرض وعندئذٍ مارست الجاذبية تأثيرها على تلك الكتل مما أدى إلى اندماج بعضها مع بعضٍ مكوِّنةً القمر.

تساعد هذه النظرية في تفسير أحد الجوانب التي كانت محيرة من قبل والمتعلقة بالصخور القمرية ولا سيما مسألة افتقار تلك الصخور إلى العناصر الطيارة. ويمكن أن يكون الارتطام الذي نتج عنه طاقة كبيرة قد أدى إلى ارتفاع درجة حرارة هذه الصخور إلى الحد الذي تصل فيه العناصر الطيارة إلى درجة الغليان. أجريت محاكاة لهذا الحدث عن طريق الحاسوب الذي قام بحساب كتلة الجسم المتصادم والمسار المرجح له، وأسفر هذا الحساب عن نتائج تتسق مع تكوين المواد القمرية وأعمارها.

(٢٧) نظرية القفل والمفتاح في الإنزيمات

الإنزيمات هي أجزاء حيوية للخلايا الحية. وتحتوي الخلية العادية على نحو ٣٠٠٠ إنزيم مختلف. وتمارس هذه الإنزيمات في الخلايا دور العوامل المحفزة وهي عبارة عن مواد تعمل على زيادة سرعة التفاعل دون أن تُستهلَك في التفاعل. يستطيع كل إنزيم تحفيز تفاعل معين يتحول جزيء ما من خلاله إلى نواتج مناسبة. يمكن للإنزيمات أيضًا أن تزيد من معدل التفاعلات الكيميائية الحيوية بمعدلات تتراوح من ١٠٦ (١٠٠٠٠٠٠) إلى ١٠١٢ (١٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠٠)!

وتبعًا لنظرية القفل والمفتاح للمحفزات الإنزيمية، نجد أن الجزيء يتواءم مع موضع محدد في الإنزيم الذي يحفزه مثلما يتواءم المفتاح داخل قفل محدد؛ أي إن بنية الجزيء تتواءم مع هذا الموضع.

ومن المتفق عليه بصفة عامة أن هذا التشبيه — الذي اقترحه إميل فيشر عام ١٨٩٤ — هو تبسيط مبالغ فيه؛ إذ يمكن أن تشارك في عملية التحفيز أجزاء أخرى من جزيء الإنزيم غير ذلك الجزء المتطابق.

(٢٨) الترابط البيولوجي الجيولوجي

يتسبب المجال المغناطيسي للأرض في انحراف العديد من الجسيمات المشحونة القادمة من الشمس ومن مصادر أخرى. هذه الجسيمات إذا لم تنحرف عن مسارها، يمكن أن تتسبب في حدوث طفرات في جزيئات الحمض النووي، وهو ما يساهم في خلق التنوع في أشكال الحياة.

ويُلاحظ أنه أثناء انعكاسات المجال المغناطيسي — التي تحدث على فترات غير منتظمة متوسطها ٦٠٠٠٠٠ عام — غاب المجال المغناطيسي لبضعة آلاف من السنين. وتقول إحدى الفرضيات المدهشة إنه خلال هذه الفترة تسبب التدفق الإضافي الكبير للجسيمات المشحونة في ارتفاع هائل في معدلات التطفر. على أنه بمجرد عودة المجال المغناطيسي، وانعكاس القطبين الشمالي والجنوبي، بدأت الجسيمات تنحرف من جديد وعادت معدلات التطفر إلى طبيعتها.

من ثم، فإن هذه الفرضية تقول أن تطور الكائنات الحية حدث على مراحل منفصلة يفصل بينها نحو ٦٠٠٠٠٠ عام. ولكن نظرًا إلى صعوبة الحصول على أدلة مادية دامغة بهذا الشأن، تظل هذه الفرضية غير مؤكدة.

(٢٩) ترتيب تطور الحياة

وُضعت فرضية للترتيب المنطقي الذي تطورت به الحياة ليكون كالآتي:
  • (١)

    خضعت جزيئات بسيطة لتفاعلات كيميائية تلقائية وعشوائية. وبعد نحو نصف مليار عام، ظهرت جزيئات الحمض النووي المعقدة.

  • (٢)

    أحيطت الجزيئات القادرة على التناسخ — وأغلب الظن أنها جزيئات الحمض النووي — والإنزيمات والجزيئات المغذية بأغشية الخلية.

  • (٣)

    تعلمت الخلايا كيف تتكاثر عن طريق نسخ الحمض النووي الذي يحتوي على التعليمات الكاملة لبناء جيل تالٍ من الخلايا. وحدثت الطفرات أثناء عملية التكاثر، ونتج عن الحمض النووي المعدل خلايا تختلف عن الخلايا الأصلية.

  • (٤)

    حاولت الخلايا المتنوعة الناتجة مواصلة الحياة والتكاثر واستحداث جيل جديد من الخلايا المشابهة لها. ومن بين هذه الخلايا الجديدة، تمكنت الخلايا التي تملك قدرة أفضل على البقاء من زيادة نسلها بشكل كبير.

تاريخيًّا، كانت المرحلة الرابعة هي أول مرحلة يتحقق فهمها. ثم جاء فهم المراحل السابقة لاحقًا بعد التوصل إلى فهم أفضل لطبيعة الذرات والجزيئات.

(٣٠) الفيروسات: كائنات حية أم ميتة؟

ثمة جدل يدور الآن بين علماء الأحياء عما إذا كانت الفيروسات كائنات حية أم ميتة. تتشابه أشكال بعض الفيروسات تشابهًا كبيرًا مع البلورات المعدنية الجامدة، بينما يشبه البعض الآخر الكائنات الحية مثل اليوجلينا. ويتشابه الفيروس مع المواد الجامدة في أنه لا يملك أي وسيلة من وسائل الحركة، كما أنه لا يملك أي مصدر للطاقة ولا ينمو. وفي المقابل فإن الفيروسات تحتوي على حمض نووي وحمض نووي ريبوزي كما أنها تستطيع أن تتكاثر شأنها شأن أي كائن حي، ولكنها لا تستطيع التكاثر إلا بعد أن تهاجم خلية وتستولي عليها.

إذا افترضنا أن الفيروس كائن حي، فسيكون أصغر وأبسط عنصر يمكن وصفه بأنه كائن حي. يتصرف الفيروس وكأنه كائن حي عندما يغزو جيش من الفيروسات الخلايا الحية — خلال ساعة واحدة فقط — مخترقًا الجدار الخلوي. يطلق على هذه العملية اسم «المرض» عندما يصيب فيروس خلايا الإنسان أو خلايا النبات أو الحيوان.

هكذا فإن الفيروس على أقل تقدير شيء وسط بين الكائن الحي والجماد، بين المادة الحية وغير الحية. وربما تشبه الفيروسات كذلك بعضًا من الكائنات الحية الأولى.

(٣١) مشروع الجينوم البشري

ترث الكائنات الحية خصائصها عن طريق انتقال وحدات المعلومات المميزة المعروفة باسم «الجينات». ويطلق على المجموعة الكاملة لجينات الكائن الحي اسم «جينوم». يحاول أحد المشروعات الكبرى في علم الأحياء تحديد المواصفات الدقيقة لأماكن وجود الكروموسومات والتكوين الجزيئي لآلاف الجينات التي يحتوي عليها الجينوم البشري.

والجينوم البشري — الذي خُصِّب في بويضة بشرية — يشكل المجموعة الكاملة من التعليمات اللازمة لحدوث للنمو. فيحدد الجينوم توقيت وتفاصيل تَكَوُّن القلب والجهاز العصبي المركزي وجهاز المناعة وأي عضو أو نسيج آخر تتطلبه الحياة. يمكن أن يكون للجينات الموجودة في مواقع معينة تأثير كبير فيما يخص مسألة الاستعداد المسبق للإصابة بأمراض معينة أو الاستعداد المسبق لمقاومة أمراض بعينها. ونظرًا إلى أن أمراضًا مثل التليف الكيسي وداء هنتينجتون تكون مشفرة في الجينوم عن طريق وجود خلل في جين بعينه، فإن رسم خريطة للجينوم البشري يمكن أن يؤدي إلى تطور طرق التشخيص والعلاج المبكر لهذه الأمراض وغيرها من الأمراض الأخرى.

(٣٢) المعرفة ذات الخطورة المحتملة

يعتقد الكثيرون أن بعض الأفكار العلمية يمكن أن تُلحق الضرر بمساعي البشرية جمعاء ولهذا فهم يرون أنها يجب ألا تُبحَث. إذ يخشون وقوع تلك الأفكار في يد شخص مجرد من المبادئ الأخلاقية فيستخدمها لتدمير البشرية.

وهذه الحجة — التي تُساق بعدة صيغ مختلفة — تُستخدم في بعض الأحيان للاستدلال على وجوب عدم الخوض في مساحات معينة من البحث العلمي. وهي حجة وجيهة بصفة عامة؛ إذ إن البشر قطعًا يمتلكون القدرة على التصرف بخلاف المنطق مدمرين كل ما يعترض طريقهم بما في ذلك بعضهم بعضًا. يكمن التحدي في استخدام تلك الحجة في وقف موضوع بحثي معين، إذ إن الاستخدامات المحتملة للأفكار الأساسية في بدايتها لا تكون واضحة.

فكيف لرذرفورد، أو غيره، أن يعلموا أن تطبيق المعرفة المتعلقة بالنواة الذرية سوف يؤدي إلى ظهور القنبلة الذرية؟ وكيف كان له أن يعلم أن التهديد باستخدام مثل هذه الأسلحة سيؤدي إلى مقتل مئات الآلاف من البشر واحتجاز المليارات منهم رهائن؟

(٣٣) الهندسة الوراثية: هل هي صندوق بندورة؟

قبل ظهور البشر، كانت التغيرات التي تطرأ على جزيئات الحمض النووي التي أوجدت تنوعًا في الغلاف الحيوي للأرض عشوائية تمامًا. ونتيجة لهذا حدثت العمليات التطورية ببطء وكانت متوافقة مع البيئة المحيطة. مؤخرًا، ابتكر العلماء وسائل لتقليل عشوائية العمليات التطورية. إذ أتقنوا تقنيات تمكنهم من إجراء تغيرات مقصودة في جزيئات الحمض النووي، كما أصبح اليوم باستطاعتهم أن يشكلوا كائنات حية بالمواصفات التي يريدونها.

إحدى تلك التقنيات هي الهندسة الوراثية، وهي تتضمن نزع أجزاء من مجموعات حمض نووي وإعادة دمجها مع جزيئات أحماض نووية أخرى بهدف الحصول على مجموعة حمض نووي معدلة. يقول أنصار الهندسة الوراثية إن العلماء على وشك معرفة تفاصيل جديدة مذهلة عن كيفية سير الحياة؛ ولهذا فلا بد أن يستمر البحث العلمي في المضي قُدمًا على نحو حر وعلني، وأن تلك الطريقة سيكون لها العديد من المنافع العملية مثل الحصول على نباتات مقاومة للأمراض. وفي المقابل يقول المعارضون للهندسة الوراثية إن العلماء بذلك يفتحون صندوق بندورة — أي يفتحون علينا وابلًا من الويلات والشرور — وذلك بخلق كائنات من المحتمل أن تكون ضارة ونشرها دون قصد منهم، ولن يكون من السهل حينئذٍ وضع هذه الكائنات تحت السيطرة بسبب عدم وجود أعداء طبيعيين لها يمكن أن يقوموا بهذه المهمة.

(٣٤) الاستنساخ: نسخ طبق الأصل

المستنسخ هو نسل مطابق جينيًّا للكائن المستنسخ منه. تُستنسخ الخلايا المفردة عادة في المختبرات عن طريق عزلها في وسط نمو ملائم والسماح لنسلها بتكوين مستعمرات من الخلايا.

كما يمكن خلق المستنسخين عن طريق نزع المحتوى الجيني لخلية مأخوذة من أحد المتبرعين ثم زرع هذه المادة داخل خلية بويضة منزوعة النواة. عندئذٍ ستحتوي البويضة الجديدة على جميع المعلومات الجينية التي أنشأت المتبرع. وفي مطلع ستينيات القرن العشرين جرى استنساخ الضفادع الأفريقية ذات المخالب بهذه الطريقة. كما استُنسخت أيضًا أجنة أرانب. ومؤخرًا، استُنسِخ فأر في أول عملية استنساخ لحيوان ثديي مكتمل النمو.

تُرى هل سيُستنسخ الإنسان يومًا؟ وهل يجب الاستمرار في الأبحاث التي ربما تمكننا من صنع نسخ طبق الأصل من أفراد بشريين؟ تُرى هل ثمة حدود يجب أن نتوقف عندها؟ وإن وُجدت فما هي؟

(٣٥) الحياة خارج كوكب الأرض

يرى علماء الفلك أن تطور المجموعة الشمسية ليس فريدًا بالضرورة. يستتبع وجهة النظر هذه احتمال وجود كواكب أخرى تعيش عليها حضارات عاقلة. ويتطلب تقدير العدد المحتمل للحضارات الإنسانية الأخرى تحديد عدد من العوامل المختلفة التي تسهم في إمكانية وجود تلك الحضارات. تسمى المعادلة المستخدمة في هذا التقدير معادلة دريك.

وإذا طبقنا هذه المعادلة على مجرة درب التبانة فقط، فتكون نقطة البدء هي عدد النجوم التي تتكون سنويًّا. تحتوي مجرة درب التبانة على ٢٠٠ مليار نجم، ويقدَّر عمرها بنحو ١٠ مليارات سنة، من ثم يكون متوسط عدد النجوم التي تتكون كل عام نحو ٢٠. توجد عوامل أخرى في هذه المعادلة تتضمن نسبة النجوم التي توفر ظروفًا مناسبة للحياة على الكواكب، ونسبة أمثال هذه النجوم التي لها كواكب تدور حولها، ونسبة الكواكب التي تنشأ الحياة عليها، ونسبة الحياة العاقلة التي يمكن التواصل معها، وعمر الحضارات التي يمكن التواصل معها.

وبناء على القيم المعطاة من كل تقدير من هذه التقديرات، حُسبت إمكانية وجود عدد من الحضارات يتراوح بين حضارة واحدة إلى عدة مئات من ملايين الحضارات بمجرة درب التبانة، بمتوسط يبلغ نحو مليون حضارة. وأملًا في اكتشاف محاولات تواصل من هذه الحضارات، يُمسح الطيف الكهرومغناطيسي الذي يصل إلى الأرض عند ترددات مختلفة للبحث عن علامات تشير إلى وجود حياة. فلننصت ولنرَ.

(٣٦) الاحتباس الحراري: التوازن الإشعاعي

يستمد سطح الكرة الأرضية الدفء عن طريق الأشعة الواصلة له من الشمس. ويبرد حينما تنبعث منه الأشعة إلى الفضاء. وعندما يتساوى معدل وصول الأشعة إليه ومعدل انبعاثها منه تحدث حالة تعرف بالتوازن الإشعاعي. في هذه الحالة يبقى متوسط درجة الحرارة على سطح الأرض ثابتًا. درجة الحرارة هذه تساعد على استمرار الحياة على سطح الأرض.

ظهرت عوامل جديدة — لا سيما في القرن العشرين — تزيد من كمية الحرارة على سطح الأرض، وهذا من شأنه تغيير التوازن الإشعاعي للأرض: فنجد محطات توليد الكهرباء تتخلص من كميات هائلة من الحرارة المتبقية في البيئة المحيطة بها، أما الاكتظاظ السكاني والتحضر العمراني فيعملان على زيادة النشاط البشري في المدن بقدر هائل بحيث إن درجة الحرارة في هذه المدن تزيد في الغالب بمقدار أربع أو خمس درجات مئوية بالمقارنة بالمناطق المحيطة بها. وفي الغلاف الجوي، يعكس غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق الوقود الحفري الأشعة المنبعثة من الأرض، مثلما يحبس الزجاج الطاقة الحرارية في الصوبة الزجاجية.

ولحسن الحظ، ونظرًا إلى ضخامة كتلة الأرض، تحدث التغيرات المناخية ببطء. ومع ذلك فإنه من الأنفع للحياة على سطح الأرض أن نتوخى الحذر بقدر الإمكان.

(٣٧) الطاقة الحرارية الموجودة في باطن الأرض

تعد حرارة الأرض الداخلية مصدرًا محتملًا هائلًا للطاقة. تُطلق هذه الطاقة الحرارية الموجودة في باطن الأرض على نحو طبيعي في ينابيع المياه الساخنة والبراكين. ومنذ أمد طويل استُخدمت كميات كبيرة من هذه الطاقة الحرارية في كل من إيطاليا ونيوزيلاندا وأيسلندا. توجد في منطقة جيزرز التابعة لمقاطعة سونوما في ولاية كاليفورنيا محطة لتوليد الكهرباء على نطاق تجاري عن طريق الطاقة الحرارية الموجودة في باطن الأرض، وهو الأمر الذي يسهم في زيادة موارد الطاقة في هذه الولاية.

هناك مشروعات أخرى تهدف إلى استخدام الحرارة الداخلية للأرض. أحد هذه المشروعات عبارة عن محطة لتوليد الكهرباء يمر فيها الماء البارد خلال شقٍّ صُنع بحيث يسير بشكل رأسي — صنعه المهندسون باستخدام طريقة التكسير الهيدروليكي — بحيث يصل الماء إلى منطقة تبعد ٥ كيلومترات تحت سطح الأرض. عند هذا العمق، ترفع الصخور الساخنة الجافة درجة حرارة هذه المياه إلى ٣٠٠ درجة مئوية، ثم تعود المياه إلى محطة الطاقة.

يطرح التوسع في استخدام الطاقة الحرارية الموجودة في باطن الأرض العديد من المسائل. إحدى هذه المسائل هي كيفية التخلص من نفايات الماء الناتج، وذلك لأن الماء في طريقه إلى المحطة يلتقط العديد من الأملاح التي تذوب فيه، هذه الأملاح يمكن أن تلوث المياه الجوفية وتسمم الأسماك وغيرها من الأحياء المائية.

(٣٨) التخلص من المنتجات الثانوية غير المرغوب فيها

تعتبر المنتجات الثانوية لعمليات، مثل عملية إنتاج الطاقة الحرارية الموجودة في باطن الأرض، نفايات إذا لم نجد استخدامات مناسبة لها. تتسبب بعض مواد النفايات هذه في مشاكل خطيرة نظرًا إلى أنها تشكل خطرًا على صحة الإنسان أو البيئة عندما تُساء إدارتها.

من الصعب تجنب إنتاج النفايات الخطيرة؛ فهي منتجات ثانوية لتصنيع مواد شائعة الاستخدام مثل الأنسجة والجلد والمعادن والنفط والبنزين. ويمكن أن تتفاعل هذه النفايات تفاعلًا تلقائيًّا فيما بينها، ويمكن أن تتفاعل بقوة مع الماء أو الهواء، كما يمكن أن تنبعث منها مواد سامة أو تحتوي عليها، بالإضافة إلى أنها تتسبب في تآكل المصنوعة منها حاوياتها.

تُعتبر مشكلة التخلص من النفايات المشعة في غاية الصعوبة لأن العديد من نواتج الانشطار النووي هي نظائر مشعة خطيرة تتصف بأنها ذات فترة عمر نصف طويلة؛ وفترة عمر النصف هي الزمن اللازم لكمية المادة لتتحلل إلى نصف قيمتها الأصلية. وهكذا يكون من الواجب عزل مثل هذه النفايات عن البيئة لآلاف السنين. أما عن الاقتراحات المتعلقة بتخزين أو التخلص من هذه النفايات فتشمل دفنها تحت سطح الأرض، أو دفنها في قاع المحيطات أو تخزينها في تكوينات صخرية جيولوجية عميقة.

(٣٩) نشأة طبقة الأوزون: التوازن الكيميائي

بعد تطور البناء الضوئي، تولدت كميات كبيرة من الأكسجين الحر في صورة جزيئات ذرتَي أكسجين ترتبط إحداهما بالأخرى، يرمز لهما بالرمز الكيميائي O2. وصلت هذه الجزيئات إلى الغلاف الجوي العلوي حيث تحللت إلى ذرات أكسجين مفردة يرمز لها بالرمز الكيميائي (O) عن طريق الإشعاع المنبعث من الشمس كما توضح المعادلة الآتية:
أنتج تصادم ذرات الأكسجين O بجزيئات الأكسجين O2 غاز الأوزون (O3) ما توضح المعادلة الآتية:
لا يدوم جزيء الأوزون طويلًا. إذ يمكنه امتصاص الإشعاع المنبعث من الشمس مما يؤدي إلى تحلله إلى O2 وO كما توضح المعادلة الآتية:

وعندما يتساوى معدل تَكَوُّن الأوزون مع معدل تحلله، تتولد حالة من التوازن الكيميائي يكون فيها تركيز الأوزون في الغلاف الجوي ثابتًا. ويتشابه هذا التوازن مع التوازن الإشعاعي (انظر مجلد الأفكار رقم ٣٦ في المناقشة المتعلقة بالتوازن الإشعاعي).

(٤٠) حواسيب أسرع وأصغر حجمًا: الرقائق العضوية والرقائق الذرية والرقائق المغزلية

تطلب اختراع الحواسيب الحديثة وجود أجهزة بوسعها كتابة المعلومات في صورة سلسلة من خانات «نعم أو لا»، على سبيل المثال الخانات التي تحتوي كل منها على رقم ١ أو ٠، أو مفاتيح الفتح أو الغلق. استخدمت الأنابيب المفرغة في الحواسيب الحديثة الأولى، وهي عبارة عن أنابيب إلكترونية مفرغة تعمل عمل صمام التحكم في تدفق الشحنات الكهربائية. تناظر خانات أو بتات «نعم أو لا» مع فتح الأنابيب المفرغة أو غلقها. وبعد ذلك حلت الترانزستورات التي بدأ ظهورها عام ١٩٤٧ (أجهزة تحتوي على أشباه موصلات، وهي مواد بلورية قادرة على توصيل الكهرباء على نحو أفضل من المواد العازلة، ولكنها ليست في جودة الموصلات الجيدة) محل الأنابيب المفرغة البطيئة والكبيرة نسبيًّا. ومنذ ذلك الحين أدى تطور الآلات الأصغر حجمًا، التي تعرف باسم الرقائق المتناهية الصغر (معالجات مصنوعة من رقائق السيليكون) إلى إمكانية وجود أجهزة كمبيوتر أسرع، بل وأصغر حجمًا.

كما تظهر أجهزة كمبيوتر أسرع وأصغر حجمًا مع كفاءة طاقة وسرعة متزايدة نتيجة لتطور الرقائق العضوية، وهي عبارة عن جزيئات عضوية مصنعة عن طريق البكتريا المصممة بالهندسة الوراثية. ويمكن أن تناظر البتات الثنائية أو خانات «نعم أو لا» في الرقائق العضوية وجود أو عدم وجود الذرات في موقع محدد في مجموعة من الجزيئات. وليس هذا فحسب بل يمكننا الحصول على أجهزة كمبيوتر أصغر حجمًا مما سبق وذات سرعة أكبر من خلال «الرقائق الذرية» عن طريق استخدام وجود أو عدم وجود الذرات الفردية في موقع محدد في مجموعة من الذرات. ويمكن الوصول إلى أصغر حجم ممكن للحاسوب مع أقصى سرعة له عن طريق استغلال حقيقة أن الإلكترونات الموجودة بتيار كهربائي عادي تلفُّ عشوائيًّا في اتجاه من اثنين: لأعلى أو لأسفل. وتمكَّن العلماء باستخدام المغناطيس من خلق هاتين الحالتين، ومن ثم مفاتيح الغلق والفتح المطلوبة لتصنيع الرقائق المغزلية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥