الفكرة المهمة الأولى
«الكون مليء بالأشياء الساحرة التي تنتظر في صبر أن تزيد حدةُ ذكائنا حتى نكتشفها.»
ستبدأ دراسة العلم في رحاب عالم الأشياء المتناهية الصغر. لنفترض أنك كنت تطهو وجبة شهية (خليط من اللحم أو السمك مع الخضروات) ويجب أن تضيف قطعًا من الجزر طبقًا لوصفة الطهي. ربما تتحمس وتستمر في التقطيع إلى أجزاء صغيرة جدًّا حتى تصل إلى الحجم الذي لا يستطيع معه السكين أن يقطعه أكثر من ذلك. وعندئذٍ يتبادر سؤال إلى ذهنك وهو: هل هناك حد لعملية التقطيع أم يمكن أن تستمر — ولو نظريًّا — إلى ما لا نهاية؟ إنه ليس بالسؤال الجديد.
أرسطو في مواجهة ديموقريطس
استنتج الفيلسوف اليوناني أرسطو (٣٨٤–٣٢٢ق.م.) طبيعة الأشياء من خلال مجموعة من المبادئ التي بدت له «بديهية» ولا تحتاج إلى دليل لإثباتها. افترض أن المادة متصلة، أي يمكن أن تنقسم إلى جزيئات أصغر منها إلى ما لا نهاية ودون أي حدود. كان موقفه الأساسي هو أنه لا توجد بنية أولية هي أساس المادة.
ونأتي الآن إلى فيلسوف يوناني آخر، وهو ديموقريطس (٤٦٠–٣٧٠ق.م. تقريبًا) الذي يقال إنه فكر كالآتي: بينما كان يسير على الشاطئ تساءل عما إذا كانت مياه البحر متصلة أم متجزئة. فهو يدرك أن الرمال تبدو متصلة إذا نظرنا إليها من مسافة بعيدة ولكن كلما اقتربنا يتضح لنا أنها ليست إلا «حبيبات» صغيرة جدًّا. وبالمثل، تخيل ديموقريطس أن ماء البحر يمكن أن يتجزأ إلى قطرات مياه أصغر فأصغر، وفي النهاية إلى «حبيبات» مياه. ولهذا آمن بوجهة النظر القائلة بأن المادة متجزئة وليست متصلة، وأن هناك حدًّا لا يمكن أن تنقسم بعده المادة لأكثر من ذلك.
تسوية النزاعات العلمية
على أي أساس يمكن حل الخلاف الدائر حول قضية اتصال وتجزؤ المادة؟ لم تكن التجارب في عصر أرسطو وديموقريطس تستخدم بأي طريقة منهجية للفصل بين الفرضيات البديلة. كانت الملاحظات تقود إلى صياغة الفرضيات إلا أن الأمر في الغالب كان يتوقف عند هذا الحد. وكانت تساور الفلاسفةَ اليونانيين الشكوكُ حيال التجارب العلمية أو كانوا غير مبالين بها بالمر. إذ كانوا يفضلون تطوير الأفكار عن طريق التفكير العقلي فحسب.
ونتيجة لهذا كان قَبول أية فرضية يعتمد على «موثوقية» الفيلسوف. فكانت الفرضية تلقى أكبر قدر من القبول عندما يتمتع صاحبها بمقدرة عظيمة على الإقناع. ولما كان أرسطو يحظى «بموثوقية» تفوق ما يحظى به ديموقريطس، فقد نُظر إلى فرضياته على أنها أفضل من فرضيات ديموقريطس.
وخلال الألفي عام التالية، استمر العلم يرزح تحت سيطرة أصحاب «الموثوقية» الذين لم يحدثوا سوى نذر يسير من التغييرات في منهج العلم إجمالًا. وفي نهاية المطاف، بدأت طريقة تفكير الناس تتحول شيئًا فشيئًا نحو المزيد من الاستقلالية، وأعيد النظر في أعمال أرسطو وديموقريطس. ثم ظهرت في القرن الخامس عشر والسادس عشر المؤسسات العلمية والمجتمعات المثقفة التي مهدت الطريق لحدوث تغيير جذري في الطريقة التي يُطَبَّق بها العلم. عبر فرانسيس بيكون وآخرون في كتاباتهم عن الأساس الفلسفي لهذه الثورة العلمية، وحثونا على عدم أخذ أي مبدأ على أنه شيء بديهي وأن يصبح الإخضاع للتجربة هو المحك الذي تُختبر به مصداقية الفرضية.
دالتون وكرات البلياردو
هذا المنهج القائم على الاختبار استخدمه جون دالتون الكيميائي الإنجليزي الذي استطاع عام ١٨٠٣ أن يقدم دليلًا مؤيدًا بالتجربة على صحة اعتقاد ديموقريطس في الذرات. لاحظ دالتون أن المواد، التي تعرف باسم «المركبات»، تتكون دائمًا من مادتين بسيطتين أو أكثر تعرف باسم العناصر؛ ودائمًا ما تحتوي على هذه العناصر بنفس التناسب في الكتلة، وتكوين هذه العناصر من حيث الكتلة ثابت. وتعرف هذه العلاقة باسم «قانون النسب الثابتة».
تذكر أن النظريات عادة ما تعطي تفسيرًا للقوانين. ولكي يقدم دالتون تفسيرًا لقانون النسب الثابتة، قام بإعادة إحياء مبدأ ديموقريطس إذ قال إن العناصر تتألف من جزيئات غاية في الصغر وغير قابلة للتفتيت أو الانقسام تعرف باسم الذرات. تخيل دالتون أن تلك الذرات تشبه صورة مصغرة من كرات البلياردو.
افترض دالتون بالإضافة إلى ذلك أن ذرة عنصر ما لها كتلتها الثابتة. وتمكن دالتون من خلال نظريته عن الذرات أن يقدم تفسيرًا للعلاقة بين كتل العناصر في المُركب الواحد. استنتج دالتون أنه إذا كان المركب يتميز بأن العناصر المكونة له ذات نسبة كتلة ثابتة، وإذا كانت كل ذرة من ذرات العنصر الواحد لها نفس الكتلة، عندئذٍ لا بد أن تكون نسبة كتل مكونات المركب ثابتة على نحو دائم. (فإذا كان حجم كل وحدة متحدة في تكوين المركب متغيرًا، فهذا يعني أن نسبة الكتلة في المركبات ستكون هي الأخرى متغيرة، أي إنها لن تكون ثابتة).
استغرق الأمر نحو ألفي سنة قبل أن يقبل العلماء بوجود نموذج ذري للمادة. ولا يعني هذا أن نموذج دالتون هو النموذج الذي يتصوره العلماء اليوم؛ حيث إن الذرات على قدر من التعقيد أكبر بكثير من كرات البلياردو.
نموذج البودينج لطومسون
قدم عالم الفيزياء الإنجليزي جوزيف جون طومسون — الذي كان يعمل في مختبر كافينديش الشهير بجامعة كامبريدج — عام ١٨٩٨ الدليل على وجود بناء ذري أكثر تعقيدًا. قام طومسون بعدد من «الملاحظات» بعد استخدامه أنابيب تفريغ الغاز (وهي أنابيب زجاجية يُفرغ معظم الهواء بها وتحتوي على قطبين معدنيين في طرفيها). كان يحاول فهم طبيعة الشعاع المتوهج الغريب الذي ينبعث داخل الأنبوبة عند توصيل التيار الكهربائي. وقد أطلق على هذه الأشعة اسم «أشعة المهبط» لأن مصدرها هو القطب السالب في الأنبوب الذي يعرف بالمهبط.
لاحظ طومسون أن الأشعة تنجذب إلى السطح المعدني ذي الشحنة الموجبة وتتنافر مع السطح الآخر ذي الشحنة السالبة، ولذلك استنتج أن الأشعة تحمل شحنة سالبة. (فالشحنات المختلفة تتجاذب، والشحنات المتشابهة تتنافر). حسب طومسون كتلة هذه الجزيئات المتحركة سالبة الشحنة (التي تعرف الآن باسم الإلكترونات)، وتوصل إلى أنها أصغر نحو ألفي ضعف من حجم كتلة أخف ذرة معروفة، ألا وهي ذرة الهيدروجين. وهكذا تكون الإلكترونات من مكونات الذرة وليست ذرات مشحونة فحسب. ولأن الإلكترونات تنبعث من الأقطاب المعدنية المصنوعة من مجموعة من المواد على قدر كبير من التنوع، استنتج طومسون أن «كل» هذه المواد لا بد وأن تحتوي على إلكترونات.
استنتج طومسون وجود وحدات أصغر للمادة. وهو بهذا الاستنتاج يؤيد فكرة ديموقريطس القائلة بأن المادة غير متصلة، ويعارض وجهة نظر أرسطو القائلة بأن المادة متصلة. وطبقًا لنموذج أرسطو لا ينتج عن انقسام المادة سوى وحدات أصغر وأصغر من نفس المادة، ولكن هذا الانقسام لن ينتج عنه أبدًا جسيم بسيط كالإلكترون. كما استنتج طومسون كذلك أن الذرات ليست كما افترض ديموقريطس غير قابلة للانقسام. فالذرات يمكن أن تنقسم إلى جزيئات أصغر وبالتحديد إلى إلكترونات، فذرات الذهب تختلف عن ذرات الفضة ولكن كلاهما يحتوي على إلكترونات.
لاحظ أن نموذج طومسون للذرة أبقى على أحد سمات نموذج ديموقريطس وهي الشكل الكروي للذرة. وقد استمر مبدأ البساطة المعروف باسم نصل أوكام بسبب غياب أي دليل تجريبي يثبت العكس. وهكذا بقيت فكرة الشكل الكروي، وهو أكثر المجسمات الهندسية ثماثلًا.
رذرفورد ونموذج المجموعة الشمسية
من أجل اختبار نموذج طومسون للذرة الشبيه بالبودنج، كان لا بد من إجراء تقييم قائم على التجربة لبعض التنبؤات التي قامت على أساس النموذج. ولتحقيق هذا الهدف كان لا بد من توافر مسبار تجريبي يمكنه اختراق الذرة. ثم يمكن بعد ذلك التنبؤ بما يجب أن يحدثه المسبار من تأثير، ثم بعد ذلك يمكن إجراء التجربة لمعرفة ما سيحدث بالفعل. ولم يكن تحقيق ذلك بالأمر الهين؛ فالذرة صغيرة جدًّا بحيث يصعب وجود مسابير صغيرة تناسب هذه المهمة.
حُلت هذه المعضلة بواسطة اكتشاف آخر من اكتشافات ذلك العصر (تقريبًا عام ١٩٠٠) وهو اكتشاف النشاط الإشعاعي. تبين أن بعض المعادن تُطلق عدة أنواع من الأشعة من تلقاء نفسها، وأن إحدى هذه الأشعة المنطلقة من المواد المشعة تحمل شحنة موجبة. إذ إنها تتكون من مجموعة من الجزيئات الموجبة التي تعرف باسم «جسيمات ألفا». قرر خليفة طومسون في مختبرات كافينديش وهو اللورد «ايرنست رذرفورد» استخدام تلك «الطلقات» دون الذرية في محاولة اختراق ذرات الذهب الموجودة في صفيحة رقيقة من الذهب. وباستخدام نموذج البودنج الذي وضعه طومسون، تنبأ رذرفورد (نحو عام ١٩١١) بأن جسيمات ألفا — التي هي أثقل من الإلكترونات بمقدار ٧٤٠٠ ضعف — سوف تخترق دون أي انحراف رقاقة الذهب وفقًا لنموذج البودنج الذي قدمه طومسون، بحيث تتوزع الإلكترونات في رقاقة الذهب بالتساوي تقريبًا وتكون أقل تقاربًا فيما بينها، ثم تنير جسيمات ألفا شاشة (شبيهة بشاشة التلفاز) وضعت على الطرف الآخر من الجهاز الذي أجريت عليه التجربة. ثم قام هو ومعاونوه بإعداد الجهاز وإجراء التجربة.
كما هو متوقع اخترقت أغلب جزئيات ألفا الصفيحة، لكن عددًا فاق المتوقع من تلك الجزيئات انحرف وارتد بعضها؛ أي إن تلك الجزيئات انعكست. علق رذرفورد على ما حدث قائلًا:
لا تتسبب التجارب التي تسفر عن نتائج غير متوقعة في إفساد التخطيط العلمي لفترة طويلة. إذ يعاود العلماء صياغة الفرضية من جديد. وكما اهتم رذرفورد كثيرًا بمسألة تصحيح ما توصل إليه سلفه، كان مجبرًا على صياغة فرضية جديدة. ولكن تُرى أي النماذج يتوافق مع نتائج رذرفورد التجريبية؟
بور يرى الضوء
أيضًا لم يستمر نموذج المجموعة الشمسية لرذرفورد طويلًا، وذلك بسبب وجود «ملاحظة» لم يستطع أن يقدم تفسيرًا لها، ألا وهي الضوء الذي تشعه الذرات التي تثيرها عمليات التفريغ الكهربي أو التي تستمد طاقتها من مصادر أخرى. ومما لا شك فيه أنك تألف مثل هذه الأنواع من الإشعاع؛ فهو يستخدم في إضاءة لافتات النيون التي هي عبارة عن أنابيب زجاجية مليئة بغاز النيون. وعند سريان التيار الكهربائي، تتزود ذرات النيون بالطاقة ثم تعيد جزءًا من هذه الطاقة في صورة ضوء ذي لون مميز.
لم يقدم نموذج المجموعة الشمسية أية آلية تفسر انبعاث مثل هذا الضوء؛ ولذا تحتم إجراء تعديل لهذه الفرضية. وفي عام ١٩١٣، قام نيلز بور وهو أحد تلاميذ رذرفورد بصياغة فرضية بوسعها تفسير الإشعاع الضوئي. اعتقد بور أن الإلكترونات في الذرات مقيدة بالدوران في مدارات «محددة» حول النواة، بحيث يتناسب كل مدار من هذه المدارات المسموح للإلكترونات بالدوران فيها مع مستوى الطاقة الذي يدور فيه الإلكترون. وبالنسبة إلى ذرة الهيدروجين التي هي أبسط ذرة إذ تتكون من نواة وإلكترون واحد فقط، كانت «الفرضية» التي صاغها بور كالآتي: للإلكترون عدد من المدارات المحددة يسمح له بالوجود فيها ومستويات طاقة محددة مسموح له بالدوران فيها. وعندما تحصل الذرة على الطاقة من مصدر طاقة خارجي — مثل تيار كهربائي — فإنها لا تقبل سوى المقدار المضبوط من الطاقة الذي تحتاجه لإرسال إلكترون من أحد مداراته ذي الطاقة الأقل إلى مدار آخر ذي طاقة أعلى. يتوقف الإلكترون مؤقتًا في المدار ذي الطاقة الأعلى ويبدو كما لو أنه لا يريد أن يتركه، ثم يبدأ بعد ذلك في القفز إلى أسفل بين مستويات الطاقة الأقل حتى يصل في نهاية الأمر إلى أقل مستوى من مستويات الطاقة. والطاقة التي يفقدها الإلكترون وهو يقفز إلى أسفل تنطلق في شكل ضوء يعتمد لونه على فجوة الطاقة التي يمر بها الإلكترون.
تبدو هذه الفرضية غريبة بعض الشيء بما تعرضه من قيود بأن هناك بعض المدارات ومستويات الطاقة هي المسموح بها دون غيرها. قال بور نفسه: «اتفقنا جميعًا على أن النظرية غريبة. ولكن السؤال الذي اختلفنا فيه هو: هل هي غريبة إلى الحد الذي يجعل هناك مجالًا لأن تكون صحيحة؟» وبرغم غرابتها، فقد بدت الفرضية صحيحة على الأقل في حالة ذرة الهيدروجين. وقد أتاحت الأجزاء الرياضية لهذه الفرضية عمل «تنبؤات» فيما يخص ألوان الضوء المتوقع انبعاثه عندما تفقد الإلكترونات في ذرات الهيدروجين الطاقة وهي تقفز من كل مستوى طاقة أعلى إلى كل مستوى طاقة أقل. وعندما أجريت «التجارب»، شوهدت الألوان المتوقعة. وهكذا أثبتت فرضية بور صحتها في حالة ذرة الهيدروجين. ولكن ماذا عن كل الأنواع الأخرى من الذرات؟
ميكانيكا الكم تخفت الضوء
بُذِلَت المحاولات لتوسيع نطاق «فرضية» بور لتشمل ذرات أخرى بجانب ذرة الهيدروجين. ووُضعت التنبؤات حول ألوان الضوء المتوقعة وأُجريت التجارب المتعلقة بهذا الشأن. لكن للأسف، لم يُتوصل إلى الألوان المتوقعة.
وتحتم ثانية «إعادة صياغة» الفرضية العلمية. استبدلت في نهاية الأمر بفرضية بور فرضية أخرى أكثر تعقيدًا طورها عدد من الفيزيائيين على مر عدة عقود. وتعرف باسم «نموذج ميكانيكا الكم للذرة». يشير مصطلح «الكم» إلى أصغر كمية طاقة يسمح للإلكترون باكتسابها أو فقدها عند المستوى الذري. وتقدم ميكانيكا الكم وصفًا رياضيًّا لخصائص الإلكترون عندما يتحرك كموجة أو على شكل منحنى وليس كجسيم.
ألغت فرضية ميكانيكا الكم مبدأ المدارات المحددة في فرضية بور واستبدلتها بهيكل رياضي أكثر تعقيدًا يشتمل على الاحتمالات بدلًا من الأماكن المحددة للإلكترونات. يرى النموذج الميكانيكي الكمي أن الذرة تتكون من نواة مركزية تحتوي على كل من البروتونات (وهي الجسيمات موجبة الشحنة التي اكتشفت عام ١٩١٩) والنيوترونات (وهي الجزيئات متعادلة الشحنة التي اكتشفت عام ١٩٣٢) بالإضافة إلى الإلكترونات الموجودة بمكان ما خارج النواة ولها قدر محدد من الطاقة مسموح لها به ولكن ليس لها مدارات محددة تدور فيها حول النواة.
يعني عدم وجود المدارات المحددة أن موقع وسرعة الإلكترون لا يمكن تحديدهما. وهكذا فإن الإلكترونات يمكن وصفها فحسب على أساس وجود مناطق ذات احتمالية كبيرة في احتوائها على الإلكترونات. ومن أجل تبسيط تخيل صورة «المنطقة التي بداخلها يوجد احتمال كبير للعثور على شيء ما»، يمكنك تخيل أن الكلب دومينو الذي ينبئ نباحه بسقوط المطر مقيد بحبل طويل مربوط في وتد بمنتصف حديقة منزلك. ستجد الكلب دائم الحركة لأنه يشعر بالضيق عند تقييده. ولكي تعثر على الكلب ينبغي أن يكون لديك طريقة مناسبة لملاحظته. ويمكنك ملاحظته عن طريق استخدام كاميرا فوتوغرافية تصور لقطات له من مكان مناسب فوق سطح الحديقة. لنفترض أنك حصلت على نيجاتيف الأفلام مجمعة بعضها فوق بعض بدلًا من أن تحصل على النيجاتيف المنفصل لكل فيلم. وإذا عجزت عن فصل تلك الأفلام فستحصل على صورة مجمعة لترى مزيجًا من الأماكن التي وجد بها دومينو. كلما بقي بمكان محدد مدة أطول، زادت درجة ملاحظة صورته الكاملة في هذا الموقع وزاد معها احتمال وجوده في هذه المنطقة.
مبدأ عدم اليقين لهايزنبرج
فُسر التخلص من فكرة المدارات المعروفة والمحددة للإلكترونات بأن هناك حدودًا لما يمكن ملاحظتها، وهي حدود لا تعتمد على منهج الملاحظة بل هي حدود متأصلة في طبيعة المادة نفسها. وطور هذه الفكرة عالم الفيزياء الألماني فيرنر هايزنبرج عام ١٩٢٧. ينص مبدأ «عدم اليقين» لهايزنبرج على أن هناك حدودًا للدقة التي يمكن بها معرفة بعض خصائص أي جسيم، وأنه ما من طريقة توجد لابتكار منهج لتحديد الموقع الدقيق للإلكترونات في الذرات دون التضحية ببعض الدقة فيما يخص تحديد سرعة تحرك تلك الإلكترونات.
أنصتوا، أنصتوا، إنه الكوارك!
بداية من ثلاثينيات القرن العشرين، تسبب اكتشاف المزيد من الجسيمات دون الذرية في أن يصبح النموذج الذري لميكانيكا الكم أكثر تعقيدًا. ولم يمضِ وقت طويل حتى اكتشفت أعداد كبيرة من الجسيمات «الأولية» بحيث كان لكل جسيم منها جسيم مضاد.
ثم ما لبث أن اقتُرِح وجود أربعة أنواع أخرى من الكواركات. وتبعًا لأحدث نموذج للذرة الذي يعرف باسم النموذج القياسي، يوجد اثنا عشر جزيئًا أساسيًّا للمادة، وهي الأنواع الستة من الكواركات إلى جانب ستة جسيمات يطلق عليها اسم ليبتونات وهي فئة تضم بداخلها الإلكترونات.
التحيز للعلم وليس للعلماء
بدأ اكتشاف الذرات بمنافسة بين موثوقية أرسطو وموثوقية ديموقريطس. في المنهج العلمي الحديث، لا تمنح الثقة بناء على الأشخاص، وإنما على تفسير الأدلة القائمة على التجربة. فعلى الرغم من أن العلماء قد يظهرون بمظهر الثقات لأنهم ببساطة يعرفون الكثير عن بعض الظواهر بعينها ولأن الكثير من الناس يتركون أمر إجراء التجارب للمتخصصين في مجال معين في العلوم، فإن الفرضيات لابد من أن يستطيع أي شخص دارس دراسة كافية التثبت من صحتها.
ولعل جوهر المنهج العلمي يكمن في أن الناس غير مضطرين لتصديق قول العالم فيما يخص آراءه العلمية دون إجرائهم مزيدًا من الفحص لها. وهكذا لم تعد المرجعية النهائية عملية تعتمد على شخص بعينه وإنما على عملية منطقية.
مجلدات الأفكار
(٥) الإشعاع الكهرومغناطيسي وتفاعله مع المادة
(٦) النموذج الموجي مقابل النموذج الجسيمي للضوء
(٧) الذرة المكبرة: ذباب يحوم حول كرات بلياردو
(٨) قطة شرودنجر: تجربة ذهنية
(٩) مبدأ عدم اليقين عند هايزنبرج
(١٠) المادة والمادة المضادة
(١١) مجهر المسح النفقي: «رؤية» الذرات
(١٢) القوى الأربع الكبرى في الطبيعة
(١٣) الكهرباء والمغناطيسية: توءمان سياميان
(١٤) قوانين نيوتن للحركة والجاذبية
(١٥) نظريتا النسبية العامة والخاصة لأينشتاين