الفصل الخامس

الفكرة المهمة الرابعة

نموذج الصفائح التكتونية في علم الجيولوجيا: الهبوط إلى باطن الأرض

«كلما اتسعت جزيرة المعرفة اتسع شاطئ المدهش.»

رالف سوكمان

تنقلت حتى الآن بين موضوعات شتى في صفحات الكتاب بدءًا بنماذج الذرات وحتى نظريات نشأة الكون بأكمله. والآن فلتثبت قدميك على الأرض بإحكام ولترَ كيف يطبق أحد فروع العلم الأخرى وهو «الجيولوجيا» المنهج العلمي على بعض جوانب الكوكب الذي تحيا عليه.

بالرغم من أن الجيولوجيين لديهم الكثير من الخبرات المباشرة فيما يتعلق بسطح الأرض فإنهم لم يكتشفوا بعدُ بعض الأجزاء من سطح الأرض وأجزاء كبيرة من الأرض تحت سطح البحر. كما أن معرفتهم بباطن الأرض أقل بكثير. فلم تخترق أجهزة الحفر إلا عمقًا يقترب من ١٢ كيلومترًا فقط من نصف قطر الكرة الأرضية الذي يزيد على ٦٠٠٠ كيلومتر عمقًا. ومع أن علماء الجيولوجيا قد خدشوا بالكاد سطح الأرض فإن لديهم إلمامًا جيدًا بما هو موجود بباطنها. فهذا الصندوق الأسود العملاق المعروف باسم الأرض لم يُخترق عن طريق الأجهزة الخيالية التي وصفها الكاتب الفرنسي الشهير «جول فيرن» في روايته «رحلة إلى مركز الأرض» ولكنها اختُرقت في الحقيقة عن طريق أداة أكثر قوة وفعالية وهي أداة المنهج العلمي.

fig40

وُضع العديد من النماذج للأرض، ربما كان أولها هو فكرة أن الأرض عبارة عن قرص مسطح محمول على ظهور سبعة سلاحف عملاقة ويحيطه محيط مائي عظيم من كل جانب. لم تصمد فكرة السلاحف طويلًا لكن فكرة الأرض المسطحة صمدت، ونتيجة لذلك كان البحارة يخشون من السقوط من حافة الأرض.

ومنذ قديم الزمان كان هناك من يعتقدون أن الأرض مجوفة؛ أي إنها عبارة عن قشرة خارجية رقيقة مركزها خاوٍ. وما زال يوجد حتى يومنا هذا من يعتقد في وجود هذا الخواء إلا أنهم زادوا عن سابقيهم في أنهم يقولون بوجود مخلوقات من الفضاء الخارجي تسكن هذا الخواء. والبعض كانت تساوره مخاوف أخرى. ففي ستينيات القرن العشرين كان الكونجرس الأمريكي يناقش الموافقة على قانون لتمويل حفر بئر اختبار تحت سطح المحيط بهدف اختراق قاع المحيط وأخذ عينة من المادة الكامنة فيه. قام الكثيرون ممن استرعى هذا الأمر اهتمامهم بإرسال خطابات إلى ممثليهم في الكونجرس وفي مجلس الشيوخ يحذرونهم بأنه إذا حفر مثل هذا البئر فستنفتح سدادة الأرض، وستنصرف كل مياه المحيط إلى باطن الأرض!

أما أحدث نموذج للأرض، وهو نموذج الصفائح التكتونية؛ فيغني عن نموذج السلاحف الطافية في المحيط، ونموذج الأرض المسطحة، كما يغني عن فكرة الأرض الجوفاء. وستتناول الأقسام التالية من هذا الفصل خمس ملاحظات يقوم عليها هذا النموذج ثم تتناول اثنين من الاستنتاجات التي اختَبرت صحة النموذج.

خمس ملاحظات هامة عن الأرض

تتعلق أولى الملاحظات محل الدراسة بالجزء الذي يسهل الصول إليه من الكرة الأرضية وهو سطحها. ومن المعروف أن معظم سطح الأرض عبارة عن تربة. ولكن بوجه عام لن تكون بحاجة إلى الحفر لأعماق بعيدة كي تصل إلى الصخور التي تغلب على تكوين سطح الأرض.

والكثافة هي إحدى خصائص الصخور أو أي نوع آخر من المواد. فكثافة أي جسم هي كتلة هذا الجسم (مقدار المادة التي يحتويها الجسم) مقسومة على حجم الجسم (مقدار الحيز الذي يشغله الجسم):

ولنفترض الآن أن معك مجموعة من المكعبات لنفس النوع من الصخور ولكل منها نفس الكتلة ونفس الحجم. سيمكن تحديد كثافة أحد هذه المكعبات عن طريق قسمة كتلة المكعب الصخري على حجمه كالآتي:

ماذا ستكون كثافة مكعبين صخريين متطابقين ملتصقين؟ حسنًا، سوف تتضاعف الكتلة وكذلك الحجم، ولكن لأن المكعبين من نفس نوع الصخر فستكون الكثافة هي نفس كثافة المكعب الواحد:

مهما بلغ عدد المكعبات المتلاصقة، فستكون كثافتها الإجمالية مساوية لكثافة مكعب واحد ما دامت كلها من نوع واحد من الصخور. وبناء على هذا فإنه إذا عُرفت كثافة صخرة واحدة، وكانت الأرض بأكملها تتشكل من هذا النوع من الصخور؛ فستكون كثافة الأرض بأكملها هي نفس كثافة تلك الصخرة الواحدة.

سيخبرك أي عالم من علماء الجيولوجيا أنه يوجد العديد من أنواع الصخور. وإذا ما قيست كثافة تلك الصخور المتنوعة، فسنجد أن كثافة معظم صخور سطح الأرض تتراوح بين ٢ و٣٫٥ أمثال كثافة الماء. من ثم إذا كانت الأرض تتكون من هذه الصخور على نحو لا يتغير، فسيكون متوسط كثافة الأرض بأكملها بين ٢ و٣٫٥ أمثال كثافة الماء.

لكنها ليست كذلك، فالحقيقة هي أن متوسط كثافة الأرض يبلغ نحو ٥٫٤ أضعاف كثافة الماء!

وإليك تلخيص المسألة:

  • الملاحظة الأولى: تتراوح كثافة صخور السطح بين ٢ و٣٫٥ أمثال كثافة الماء، وتبلغ كثافة الكرة الأرضية ٥٫٤ أمثال كثافة الماء. نتيجة هذه الملاحظة هي أن الفرضية النهائية لا بد من أن تأخذ في الاعتبار حقيقة أن المواد تحت سطح الأرض لا بد من أن تكون أعلى كثافة من المواد الموجودة فوق سطح الأرض.

ثمة ملاحظة أخرى تتعلق بالمجال المغناطيسي للأرض. يتسبب هذا المجال المغناطيسي في أن إبرة البوصلة الممغنطة تتموضع دائمًا على محور الشمال-الجنوب. تشير دراسة صخور تنتمي إلى عدة عصور أخذت من أماكن متفرقة من الأرض إلى أن المجال المغناطيسي للأرض قد عكس اتجاهاته عدة مرات على فترات غير منتظمة. بعبارة أخرى، كلا القطبين الشمالي والجنوبي قد غيرا اتجاهيهما المغناطيسيين.

  • الملاحظة الثانية: إن الأرض لها مجال مغناطيسي، وهذا المجال قد عكس اتجاهه عدة مرات خلال البضعة ملايين سنة الماضية. إذن فالفرضية التي سوف تُعتَمد في نهاية المطاف لا بد من أن تأخذ في اعتبارها حقيقة أن الأرض لها مجال مغناطيسي، وأن تقدم بعض الآليات المحتملة لانعكاس هذا المجال المغناطيسي.

وبالإضافة إلى ذلك يجب دراسة بعض الظواهر المدمرة التي قد تحدث أحيانًا مثل الزلازل والبراكين.

  • الملاحظة الثالثة: تحدث الزلازل والبراكين بشكل أساسي في مناطق جغرافية معينة والموضحة بالشكل (٥-١).
fig41
شكل ٥-١: أماكن وقوع الزلازل والبراكين (الموضحة بمجموعة النقاط).

ينبغي على الفرضية أن تقدم تفسيرًا لحدوث الزلازل والبراكين، كما ينبغي أن تفسر تكرار حدوثهما بمعدلات أعلى في مناطق بعينها.

وبالرغم من ضخامة حجم الكرة الأرضية وهو الأمر الذي يجعل من الصعب فحصها، فقد جرى تطوير طريقة للولوج إلى باطن الأرض وهي طريقة تستخدم الموجات الزلزالية. والموجات الزلزالية هي اهتزازات عميقة داخل الأرض تشبه حركة الأمواج وتحدث على سبيل المثال نتيجة للزلازل أو لإطلاق قذائف أو تفجير قنابل. وتحدث مثل هذه الموجات بأنماط ثلاثة:
  • الموجات الأولية: وهي الموجات التي تخترق باطن الأرض وتنتقل خلال المواد الصلبة والسائلة على حد سواء، وتتعرض هذه الموجات للانعكاس والانكسار أثناء انتقالها من نوع من المواد الصلبة إلى نوع آخر من المواد الصلبة أو من نوع من المواد الصلبة إلى نوع من المواد السائلة.
  • الموجات الثانوية: وهي الموجات التي تخترق باطن الأرض وتنتقل خلال المواد الصلبة فقط (إذ تمتصها المواد السائلة)، وتتعرض هذه الموجات للانعكاس والانكسار كلما انتقلت من نوع من المواد الصلبة إلى نوع آخر من المواد الصلبة.
  • الموجات الطولية: وهي موجات لا تنتقل إلا خلال الطبقات السطحية من الأرض.

تُقاس الموجات الزلزالية باستخدام مقياس الزلازل «السيزموجراف» وهو عبارة عن قلم مثبت بإحكام على طبقة صخرية قريبة من سطح الأرض، يمر تحته مخطط ورقي يتحرك بمعدل ثابت. والقلم في هذا المقياس هو الشيء الوحيد الذي يتحرك بحرية استجابة للاهتزازات الأرضية. هكذا عندما تهتز الأرض بفعل الموجات الزلزالية، يرسم القلم خطوطًا مموجة على المخطط. أما في الأماكن النائية، فإن اهتزازات القلم قد تُبَث لاسلكيًّا بدلًا من أن تسجَّل مباشرة على الورق. وتنتشر الآلاف من محطات رصد الزلازل في شتى أنحاء العالم التي جُمعت على أثرها بيانات زلزالية بالغة الدقة تغطي فترات طويلة من الزمن.

  • الملاحظة الرابعة: تتعرض الموجات الأولية والموجات الثانوية للانعكاس والانكسار عند انتقالهما خلال الأرض. وهذا يشير إلى وجود طبقات مكونة من أنواع مختلفة من المواد الصلبة تحت سطح الأرض. كما أن الموجات الثانوية لا تنتقل في بعض الاتجاهات (انظر الشكل ٥-٢). ولأن السوائل تمتص الموجات الثانوية، يعتبر غياب تلك الموجات دليلًا على وجود بعض السوائل تحت سطح الأرض.
fig42
شكل ٥-٢: مصير الموجات الزلزالية.
  • الملاحظة الخامسة: أسفرت الملاحظات الدقيقة للساحل الغربي لقارة أفريقيا والساحل الشرقي لأمريكا الجنوبية عن تطابق الخطوط الساحلية لهاتين القارتين (انظر الشكل ٥-٣). وإذا التحمت تلك الأجزاء بعضها مع بعض فستتداخل مناطق بقايا الحفريات والرواسب المعدنية الموجودة في كل ساحل مع تلك الموجودة في الساحل الآخر.
fig43
شكل ٥-٣: التطابق بين أفريقيا وأمريكا الجنوبية.

أدى هذا التطابق الشديد إلى ظهور فرضية الزحف القاري في عشرينيات القرن العشرين، وهي تفترض أن قارات كاملة يمكن أن تتحرك على سطح الأرض. وبالرغم من ذلك لم تتوفر في هذا الوقت أية آلية مقنعة تفسر سبب حركة القارات.

fig44

اكتمال الفرضية النهائية عام ١٩٦٥

استطاع علماء الجيولوجيا عام ١٩٦٥ تقديم فرضية تفسر كل هذه الملاحظات التي تبدو غير مترابطة. وكانت هذه الفرضية شاملة إلى حد أنها أحدثت تحولًا جذريًّا في علم الجيولوجيا.

الفرضية: نموذج الصفائح التكتونية للأرض: تتكون الأرض بموجب هذه الفرضية من سلسلة من الطبقات مرتبة كالآتي من السطح إلى المركز:
  • القشرة: طبقة رقيقة وصلبة نسبيًّا تتكون من صخور ذات كثافة منخفضة إلى حد كبير وتتكون من اثنتي عشرة صفيحة كبيرة والكثير من الصفائح الصغيرة.
  • وشاح القشرة: وهي أشد الطبقات سمكًا، تتشكل من صخور عالية الكثافة وشديدة الحرارة. وفي الأعماق تحت الوشاح العلوي تتدفق هذه الطبقة المنصهرة ببطء شديد كنهر جليدي. ويتسبب وجود مناطق ساخنة في حدوث التيارات أو التحركات الداخلية في وشاح القشرة، تلك المناطق الساخنة نتجت بدورها عن التبريد غير المنتظم بالإضافة إلى دوران الأرض.
  • النواة الخارجية: عبارة عن سائل ساخن بل وأعلى كثافة من الوشاح. ويدور هذا السائل — الذي يتكون أساسًا من الحديد والنيكل — ببطء نتيجة لدوران الأرض.
  • النواة الداخلية: عبارة عن طبقة صلبة تتكون أساسًا من الحديد الشديد السخونة. وهي صلبة نتيجة للضغط الهائل الذي تتعرض له، والذي يجعل كثافتها عالية إلى حد يستحيل معه أن تكون سائلة.
يوضح الشكل (٥-٤) هذه الطبقات الأربع.

يشكل كلٌّ من القشرة والجزء العلوي من الوشاح نطاق الغلاف الصخري (الليثوسفير) الذي تجزأ بدوره إلى عدد من الشرائح العملاقة المتحركة أو الصفائح التكتونية. وترجع إمكانية تحرك تلك الصفائح بنسبة بعضها إلى بعض إلى ارتكازها على مادة الوشاح الضعيفة اللدنة، وهي تُعرف بنطاق الضعف الأرضي (الأسينوسفير). ويحدث تكوُّن وتدمير لحواف تلك الصفائح التكتونية التي تشهد نشاط زلزالي. في العادة تتحرك تلك الصفائح ببطء، لكنها في بعض الأحيان تتحرك بسرعة شديدة، وهذا ما حدث عام ١٩٠٥ حينما تحركت الصفائح الواقعة تحت سان فرانسيسكو ٢٠ قدمًا في دقيقة واحدة!

وإليك الملاحظات الخمس التي سبق أن ذكرناها، وتفسير نموذج الصفائح التكتونية لها:
  • (١)

    كثافة المادة تحت سطح الأرض أعلى من كثافة مادة السطح: يرجع ذلك إلى أن كثافة كل من وشاح القشرة والنواة الداخلية والنواة الخارجية أعلى من كثافة القشرة.

  • (٢)

    للأرض مجال مغناطيسي عكَس اتجاهه: من المعروف أن الجزيئات المشحونة المتحركة مثل الجزيئات الموجودة في الحديد السائل تولِّد مجالًا مغناطيسيًّا. وينشأ المجال المغناطيسي للأرض عن الحركة المتناسقة لتلك الجزيئات في النواة الخارجية المنصهرة. من ثم يمكن أن ينعكس المجال المغناطيسي نتيجة تغييرات تطرأ على حركة جزيئات الحديد السائل.

    fig45
    شكل ٥-٤: نموذج الأرض.
  • (٣)

    وقوع الزلازل والبراكين في مناطق بعينها: تؤدي تيارات الحمل في منطقة الأسينوسفير إلى تراكم الضغوط داخل الصفائح المكونة للقشرة الأرضية (الليثوسفير). هذه الضغوط تتحرر نتيجة الحركات المفاجئة للصفائح (الزلازل)، وكذلك نتيجة لتدفق مواد ساخنة منصهرة (الحمم البركانية) لأعلى من خلال الشقوق، فتؤدي إلى تكون صمامات أمان عملاقة تعرف باسم البراكين. أغلب هذا النشاط يحدث عند الشقوق، لهذا تكون تلك هي المناطق التي يلاحظ بها نشاط الزلازل والبراكين.

  • (٤)

    انعدام الموجات الثانوية في بعض الاتجاهات: سببه أن السائل الموجود في النواة الخارجية يمتص تلك الموجات.

    fig46
  • (٥)

    الزحف القاري: ناتج عن انفصال الصفائح أو الألواح الموجودة بالقشرة الأرضية التي تحمل القارات مثل أمريكا الجنوبية وأفريقيا، وذلك بسبب تيارات الوشاح السفلى التي أبعدت تلك الصفائح بعضها عن بعض.

اختبار صحة فرضية الصفائح التكتونية

حدث الزحف القاري — كما هو موضح بالشكل (٥-٥) — على مدى فترات طويلة جدًّا من الزمن. كانت القارات جميعها منذ نحو ٢٠٠ مليون سنة مجتمعة في كتلة قارية عظمى تعرف باسم بانجيا (تعني «كل الأرض» باليونانية). وكانت بانجيا أو تلك القارة العملاقة تطفو فوق سطح محيط ضخم يسمى بانثاليسا أو (أبو المحيطات). إحدى التبعات الهامة لتفكك بانجيا هو التصادم الذي وقع بين الصفيحة التي تحمل الهند والصفيحة الرئيسية التي تحمل أوراسيا (أوروبا وآسيا). كان هذا التصادم قوي إلى حد أنه جعل الصفائح «تتجعد» على طول خط التصادم مما أدى إلى تكوين أعلى سلسلة جبال في العالم وهي سلسلة جبال الهيمالايا.
fig47
شكل ٥-٥: الزحف القاري.
  • التنبؤ الأول: سوف تستمر صفائح الأرض في التحرك، ويجب قياس تلك الحركات التي تبلغ عدة سنتيمترات كل عام (بسرعة تعادل سرعة نمو أظافر اليد).
  • التجربة الأولى: استخدمت أساليب دقيقة للغاية لقياس حركة تلك الصفائح بنسبة بعضها إلى البعض في عدة أماكن مختلفة فجاءت النتائج متطابقة مع العديد من التنبؤات. وخير مثال على حركة تلك الصفائح هي ولاية كاليفورنيا التي ترتكز على صفيحتين مختلفتين. يتقابل طرفا هاتين الصفيحتين في منطقة تعرف باسم فالق سان أندرياس، وعندما تنزلق أحيانًا — وبشكل مفاجئ — الحافة المتعرجة لإحدى الصفيحتين وراء الأخرى، فإن حركتهما الغريبة إلى حد ما تؤدي إلى وقوع الزلازل التي تجتاح المنطقة بأسرها. ومنذ عام ١٨٣٨ وحتى اليوم صاحبت تلك التحركات تسعة زلازل تنوعت درجاتها ما بين متوسط إلى خطير.
    fig48
    يعتبر التنبؤ الثاني تنبؤًا جريئًا ومفصلًا على نحو كبير حيث إن تأكيد هذا التنبؤ منح النظرية وجاهة بالغة، وهو يتناول ظاهرة أخرى تحدث حينما تزحف الصفائح. عندما تتباعد صفيحتان في أماكن معينة، يمتلئ الحد الفاصل بينهما بالصخور المنصهرة. ويطلق على مثل هذا التباعد عند حدوثه في قاع المحيط (انظر شكل ٥-٦) اسم «تمدد قاع المحيط» ونظرًا إلى أن هذه العملية تتكرر كثيرًا فهي بمنزلة «جرح لا يلتئم أبدًا».
    fig49
    شكل ٥-٦: مقطع عرضي يوضح تمدد قاع المحيط.

    تكون الصخور المنصهرة في البداية ساخنة وكثيفة جدًّا. وعندما ترتفع لأعلى تبرد درجة حرارتها بفعل مياه المحيط ثم تتصلب في قاعه.

  • التنبؤ الثاني: إذا كانت هذه المادة في حالة غليان ثم تصلبت في قاع المحيط لفترة طويلة فعندئذٍ يمكن لأي مغانط طبيعية — أيْ: معادن مغناطيسية — في هذه المادة القشرية الجديدة أن تسلك سلوك إبرة البوصلة المغناطيسية فتحاذي المجال المغناطيسي للأرض وقت انصهار الصخور كما يوضح الشكل (٥-٧).
    fig50
    شكل ٥-٧: اصطفاف المغناطيسات الطبيعية داخل الصخور.

    وعندما تتصلد الصخور تتجمد معها المغانط الطبيعية وهي على هذا الوضع، ونظرًا إلى انعكاس المجال المغناطيسي الأرضي عدة مرات فإن تلك الصخور المتصلبة التي تكونت أثناء كل انعكاس تعد سجلًّا دائمًا يشير إلى وقوع هذه الأحداث.

  • التجربة الثانية: في عام ١٩٦٨ ثبتت صحة النموذج المتنبأ به، وذلك عن طريق مشروعات الحفر في أعماق البحار، ورسم خرائط توضح المجال المغناطيسي باستخدام كلٍّ من السفن والطائرات. تبين أن الصخور الموجودة على جانبَي مركز التمدد تكون أقدم عمرًا كلما ابتعدت عن المركز وذلك على نحو منتظم. كما أظهرت تلك الصخور نموذجًا متناسقًا للأقطاب المغناطيسية المتبادلة على جانبَي المركز. وتستمر الأرض في إنتاج مثل هذه الطبقات الصخرية كما لو كانت هذه الطبقات تقف على سير متحرك في قاع المحيط، لكي يتركها باعتبارها دليلًا يجده المستكشفون، (انظر الشكل ٥-٨).

    يشبه تركيب الأرض إلى حد ما بيضة ذات قشرة مشققة نصف مسلوقة. وبطريقة أو بأخرى يتسق هذا التركيب الطبقي للأرض بدقة مع نظرية تَكَوُّن الأرض عندما اتحدت المواد الناتجة عن جزء من مستعر أعظم لنجم؛ إذ غاصت المواد الأعلى كثافة بينما طفت المواد الأقل كثافة، ويسفر ذلك عن النمط الذي يفترضه نموذج الصفائح التكتونية. وبالتأكيد سنعلم المزيد عن هذا الكوكب عن طريق مشروعات الحفر في الأعماق والمراقبة المستمرة للأمواج الزلزالية وغيرها من الطرق. والغريب مع ذلك أنه قد توفرت لدينا بعض تفاصيل تَكَوُّن الأرض عن طريق الرحلات الاستكشافية للقمر والمريخ والزهرة والمشتري، التي يمر كل منها بمرحلة مختلفة من التطور. فبعض التفاصيل يمكن الحصول عليها أحيانًا من أماكن بعيدة.

    fig51
    شكل ٥-٨: النموذج المتنبأ به والنموذج الحقيقي للمجال المغناطيسي لصخور قاع المحيط.

مجلدات الأفكار

(٢٣) التنبؤ بوقوع الزلازل

(٢٤) نظرية الفوضى والتنبؤ بأحوال الطقس وتأثير الفراشة

(٢٥) التشابهات الجيولوجية بين الأرض والكواكب الأخرى

(٢٦) تكون قمر الأرض: نظرية الارتطام العملاق

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٥