عاصِفٌ يَرْتَمي وبَحْرٌ يُغيرُ
أنا باللهِ منهما مُسْتَجيرُ
وكأنَّ الأمواجَ، وهي تَوالَى
مُحْنَقاتٍ، أشْجانُ نَفْسٍ تَثُورُ
أزْبَدَتْ، ثمّ جَرْجَرَتْ، ثمّ ثارَتْ
ثمّ فارَتْ كما تَفورُ القُدورُ
ثمّ أوْفَتْ مِثْلَ الجبالِ على الفُلْـ
ـكِ وللفُلْكِ عَزْمَةٌ لا تخُورُ
تَترامَى بجُؤْجُؤٍ لا يُبالي
أمِياهٌ تَحَوطُه أم صُخورُ؟
أزْعَجَ البَحْرُ جَانِبَيْها مِنَ الشِّدْ
دِ فجَنْبٌ يَعْلو وجَنْبٌ يَغُورُ
وهْوَ آنًا يَنحَطُّ من عَلٍ كالسَّيْـ
ـلِ وآنًا يَحُوطُها منه سُورُ
وهي تَزْوَرُّ كالجَوادِ إذا ما
ساقَهُ للطِّعانِ نَدْبٌ جَسورُ
وعليها نُفوسُنا خائِراتٌ
جازِعاتٌ كادَتْ شعاعًا تَطيرُ
في ثَنايا الأمواجِ والزَّبَدِ المَنْـ
ـدُوفِ لاحَتْ أكفائُنا والقُبورُ
مَرَّ يَوْمٌ وبَعْضُ يوْمٍ علينا
والمَنايا إلى النُّفوسِ تُشيرُ
ثمّ طافَتْ عِنايَةُ اللهِ بالفُلْـ
ـكِ فزالَتْ عمّن تُقِلُّ الشُّرورُ
مَلَكَتْ دَفّةَ النَّجاةِ يَدُ اللـ
ـهِ فسُبْحانَ مَنْ إليه المَصيرُ
أمَرَ البَحْرَ فاستكانَ وأمْسَى
منه ذاكَ العُبابُ وهو حَصيرُ
أيّها البحرُ لا يَغُرَّنْكَ حَوْلُ
واتِّساعٌ وأنتَ خَلْقٌ كبيرُ
إنّما أنتَ ذَرّةٌ قد حَوَتْها
ذَرّةٌ في فضاءِ ربِّي تَدورُ
إنّما أنتَ قطرةٌ في إناءٍ
ليس يَدري مَداهُ إلاّ القديرُ
إيهِ (إسْبيرِيَا) فَدَتْكِ الجَواري
مَنْشَآتٍ كأنّهنّ القُصورُ
يا عَروسَ البحارِ إنّكِ أهْلٌ
أنْ تُحَلِّيكِ بالجُمانِ البُحورُ
فالبَسي اليومَ مِنْ ثَنائِيَ عِقْدًا
تَشْتَهيه من الحِسانِ النُّحُورُ
إيهِ إيطاليا عَدَتْكِ العَوادي
وتَنحَّى عن ساكِنيكِ الثُّبورُ
فيكِ يا مَهْبِطَ الجَمالِ فُنونٌ
ليسَ فيها عنِ الكَمالِ قُصورُ
ودُمًى جَمَّعَ المحاسِنَ فيها
صَنَعُ الكَفِّ عَبْقَرِيُّ شَهيرُ
قد أُقيمَتْ من الجَمادِ ولكنْ
من معاني الحياةِ فيها سُطورُ
فهْيَ تَبدو منَ المَلائِكِ يَكْسو
ها جمالٌ على حِفافَيْهِ نورُ
أُمِرَتْ بالسُّكوتِ من جانِبِ الحَـ
ـقِ بدُنيا فيها الأحاديثُ زُورُ
أرْضُهُمْ جَنّةٌ وحُورٌ ووِلْدَا
نٌ كما تَشتَهي ومُلْكٌ كبيرُ
تَحْتَها — والعياذُ باللهِ — نارٌ
وعَذابٌ ومُنْكَرٌ ونَكيرُ
إنَّ يومًا كيَومِ (رِدْجُو) و(مِسِّيـ
ـنَا) و(كالَبْرِيَا) ليَوْمٌ عسيرُ
ساعَةٌ منه تُهْلِكُ الحَرْثَ والنَّسـ
ـلَ وتَمْحُو ما سَطَّرَتْه الدُّهورُ
ذاكَ (فيزُوف) قائما يَتَلظَّى
قد تَعالَى شَهيقُهُ والزَّفيرُ
يُنْذِرُ القَوْمَ بالرَّحيلِ ولكنْ
ليس يُغْني مع القضاءِ النَّذيرُ
وكذاكَ الأوْطانُ مهْما تَجَنَّتْ
ليس للحُرِّ عن حِماها مَسيرُ
شَمْسُهُمْ غادَةٌ عليها حِجابٌ
فهي شَرْقِيّةٌ حَوَتْها الخُدورُ
شَمْسُنا غادَةٌ أبَتْ أنْ تَوارَى
فهي غَرْبيّةٌ جَلاها السُّفورُ
جَوُّهُمْ في تَقَلُّبٍ واختِلافٍ
غيرَ أنّ الثَّباتَ فيهمْ وَفيرُ
جَوُّنا أثْبَتُ الجِواءِ ولكنْ
ليسَ فينا على الثَّباتِ صَبورُ
ولَدَيْهِمْ مِنَ الفُنونِ لُبابٌ
ولَدَيْنا مِنَ الفُنونِ قُشورُ
أنْكَرَ الوقفَ شَرْعُهُمْ فلهذا
كلُّ رَبْعٍ بأرْضِهِمْ مَعْمُورُ
ليسَ فيها مُسْتَنقَعٌ أو جِدارٌ
قد تَداعى أو مَسْكَنٌ مَهْجُورُ
كلُّ شِبْرٍ فيها عَلَيْه بِناءٌ
مُشْمَخِرٌّ أو رَوْضَةٌ أو غَديرُ
قَسَّموا الوَقْتَ بين لَهْوٍ وجِدٍّ
في مَدى اليوْمِ قِسْمَةً لا تَجورُ
كلُّهُمْ كادِحٌ بَكورٌ إلى الرِّزْ
قِ وَلاهٍ إذا دَعاهُ السُّرورُ
لا تَرَى في الصَّباحِ لاعِبَ نَرْدٍ
حَوْلَهُ للرِّهانِ جَمٌّ غَفيرُ
لا ولا باهِلاً سليمَ النَّواحي
للقَهاوي رَواحُه والبُكورُ
لم يَحُلْ بَيْنَهُمْ وبينَ المَلاهي
أو شُئونِ الحياةِ جَوٌ مَطيرُ
لا يُبالُون بالطَّبيعةِ حَنَّتْ
أمْ تَجنَّتْ أم احْتَواها النَّعُورُ
عَصَفَتْ فوقَهُمْ رياحٌ عَواتٍ
أمْ أجازَت بهمْ صَبًا أمْ دَبورُ
قد أعَدُّوا الحادِثاتِ اللَّيالي
عُدَّةً لا يَحوزُها التَّقْديرُ
نَضَّروا الصَّخْرَ في رُءوس الرَّواسي
ولَدَيْنا في مَوْطِنِ الخِصْبِ بُورُ
قد وقَفْنا عند القديم وساروا
حيثُ تَسْري إلى الكَمالِ البُدورُ
والجَواري في النِّيل من عَهْدِ (نوحٍ)
لم يُقَدّرْ لصُنْعِها تَغْييرُ
وَلِعَ القَوْمُ بالنَّظافةِ حتَّى
جُنَّ فيها غَنِيُّهُمْ والفقيرُ
فإذا سِرْتُ في الطَّريقِ نهارًا
خِلْتُ أنِّي على المَرايا أسيرُ
أفْرَطَ القَوْمُ في النِّظامِ وعِنْدي
أنّ فَرْطَ النِّظامِ أسْرٌ وَنِيرُ
ولَذيذُ الحياةِ ما كان فَوْضَى
ليسَ فيها مُسَيْطِرٌ أو أميرُ
فإذا ما سألْتَني قلتُ عنهم:
أمّةٌ حُرّةٌ وفَرْدٌ أسيرُ
ذاكَ رأيي وهل أشارَكُ فيه
إنّه قَوْلُ شاعِرٍ لا يَضيرْ
في جِبالِ التِّيرولِ إنْ أقْبَلَ الصَّيْـ
ـفُ نَعيمٌ وإنْ مضى زَمْهَريرُ
أذْكَرَتْني ما قاله عربيٌّ
طارِقيٌّ أمْسَى احتَواهُ (شُُلَيْرُ):
حَلَّ تَرْكُ الصَّلاةِ في هذه الأرْ
ضِ وحَلَّتْ عليها الخُمُورُ
إنّ صدْرَ السَّعيرِ أحْنَى علينا
مِنْ (شُلَيْرٍ) وأيْنَ مِنّا السَّعيرُ
قد بَلَوْتُ الحياةَ في الشَّرْقِ والغَرْ
بِ فما في الحياةِ أمْرٌ يَسيرُ
مِنْ ثَواء فيه المَلالُ لِزامٌ
أوْ رَحيلٍ فيه العَناءُ كثيرُ