ذبابة ثمار الزيتون
أتواجد حيث تتواجد أشجار الزيتون، وخاصةً تلك الأصناف الباكورية كبيرة الحبة. أحببت ثمارها حُبًّا جمًّا؛ فهي موطني الذي نشأت فيه، وتغذَّيت عليه، وخرجت منه.
أُشبه كثيرًا الذبابة المنزلية إلا أنني أصغر حجمًا؛ فطولي لا يتجاوز ٥ ملليمترات، أمَّا لوني فهو كستنائي أصفر، وأجنحتي شفافة ذات بقعة سوداء على زاويتها الخارجية.
مُدة حياتي كذُبابة كاملة تستمر أربعين يومًا، أضع خلالها أكثر من ٢٥٠ بيضة، أغرزها في ثمار الزيتون ذات الحجم الكبير بواسطة آلة وضع البيض.
حيث أضع بيضةً واحدة في كل حبة على عمق ملليمتر واحد تحت بشرة الثمرة في تجويف مائل.
وتتشكَّل نتيجة ذلك بقعة دائرية سمراء واضحة في مكان الوخزة على سطح الثمرة، تدل على انتشار الإصابة بنا وتواجد البيوض أو اليرقات داخل الثمرة.
بيوضي صغيرة بطول ٧ ملليمتر، أُسطوانية متطاولة بيضاء اللون، تنتهي من أحد أطرافها بزائدة.
أُفضِّل وضع بيضة واحدة في الحبة الواحدة حتى تكون مكانًا رحبًا مريحًا ليرقتي، ولكي تؤمِّن لها غذاءً كافيًا، إلا أننا قد نواجه أحيانًا أنا وأخواتي ذبابات ثمار الزيتون مشكلةً في إسكان يرقاتنا منفردةً ضمن حبَّات الزيتون نتيجة انتشارنا بكثرة، فنُضطَر إلى وضع عدد من البيوض قد يصل عددها إلى «٦» بيوض في الحبة الواحدة؛ نتيجة أزمة السكن هذه.
وعندما تفقس هذه البيوض العديدة ضمن الحبة الواحدة عن يرقات، فإن يرقاتنا هذه ستُعاني من أزمة نتيجة تنافسها على المكان والغذاء، ممَّا يُلحق بحبة الزيتون ضررًا كبيرًا نتيجة استهلاك لبِّها من قِبَل هذه اليرقات التي تتغذَّى عليه، فتفرغ الحبات وتجف وتتيبَّس، ثم تتساقط على الأرض؛ ممَّا يسبِّب نقمة المزارعين علينا نتيجة خسارة محصولهم من حبات الزيتون التي يعتمدون في غذائهم عليها وعلى ما يستخرجونه منها من زيتٍ ثمين؛ فنُصبح في نظرهم عدوًّا خطيرًا يؤرِّق مضجعهم، وكابوسًا مخيفًا لهم يهدِّد محصولهم.
فيلجئون إلى التفكير في وسائل مكافحتنا التي تفنَّنوا فيها وأبدعوا وابتكروا؛ فنراهم تارةً يستخدمون المُبيدات الكيميائية، وتارةً يستخدمون المصائد الجنسية (الفرمونات) الجاذبة لذكورنا، وتارةً يستخدمون المصائد الصفراء اللزجة التي ننجذب إليها فنعلق بها، أو يقدِّمون لنا موادَّ جاذبةً مخلوطة بطعوم مسمومة.
بل ويلجئون إلى تربية وإكثار أعدائنا الحيوية من الحشرات الأخرى، ويطلقونها في الحقول لتتطفَّل على يرقاتنا الصغيرة وتفتك بها، كهذه الحشرة التي ترونها:
وللقضاء على أجيالي المتعذِّرة تحت أسطح التربة، يلجئون إلى فِلاحة التربة في فصل الشتاء حول الأشجار بهدف تعريض العذارى لأشعة الشمس، والهواء، والعوامل الجوية والبرد؛ فتموت.
وتارةً يلجئون إلى رش أشجار الزيتون بالصلصال الأبيض (الكاولين) على شكل ضباب رقيق لتغطية الشجرة وثمارها بطبقة منه تمنعنا من الوصول إلى ثمارها.
ولا يزال الإنسان يُفكِّر بالقضاء علينا نحن الذبابات المسكينة؛ حيث يعمل على تطوير منصة على شبكة الإنترنت لجمع المعلومات حول أماكن تواجدنا، والظروف الجوية السائدة في كل منطقة، والأماكن المتوقَّع ظهورنا بها، والوقت والتاريخ، وخطة الدفاع والإجراءات الواجب اتخاذها لمكافحتنا على نطاقٍ واسع في كثير من الدول المشتركة بنظام الاستشعار عن بُعد الخاص بهذه الشبكة المرتبطة بالأقمار الصناعية لمراقبتنا ورصد تحرُّكاتنا.
وللحقيقة، فإن يرقاتي الصغيرة تستهلك أثناء نموِّها نسبةً كبيرة من لب الثمار؛ ممَّا يؤدِّي إلى ذبولها، وجفافها أو يباسها، وتساقط الكثير منها على الأرض قبل أوان نُضجها. أمَّا الثمار المسكونة بها، والتي كُتِب لها أن تُتابع نموَّها فهي ثمار تعطي زيتًا مرتفع الحموضة، رديء الجودة والنوعية، قليل الكمية، وغير صالحة للتصنيع نتيجة إصابتها بالفطريات.
تختلف الفترة التي تحتاجها بيوضي لتفقس حسب فصول السنة، والظروف الجوية السائدة في مكان إقامتي؛ ففي الصيف تفقس البيوض بعد ٢-٣ أيام من وضعها، أمَّا في فصل الخريف فتطول الفترة لتصل إلى ١٠ أيام.
تفقس بيوضي عن يرقات صغيرة بيضاء اللون، طولها ٧ ملليمتر، ما إن تخرج من البيضة حتى تبدأ بحفر نفق على السطح في البداية، ثم تتحرَّك بعد ذلك عميقًا في لُب الثمرة، وتستمر بالتغذية مؤدِّيةً إلى اتساع النفق، وتفريغ الثمرة، متابعةً نموَّها عبر ثلاث مراحل يرقية تستمر ٢-٣ أسابيع.
ثم تدخل اليرقات في طَور العذراء داخل الثمرة وتحت القشرة، تمامًا بعد أن تُحدِث ثُقبًا في قشرة الثمرة يسمح لها بالخروج في شهر حزيران بعد ٦–١٥ يومًا قضتها في هذا الطَّور داخل الثمرة أو التربة.
حيث تخرج حشرة كاملة تُشبهني تُطِل برأسها إلى الفضاء الخارجي للمرة الأولى.
ثم تطير مُتابعةً دورة حياتها التي تمر بأربع مراحل تبدأ بالبيضة فاليرقة فالعذراء، ثم الحشرة الكاملة.
عدد أجيالنا في العام أربعة، وقد تصل إلى خمسة أجيال؛ حسب الظروف الجوية المناسبة لنا، وحسب إنتاجية أشجار الزيتون من الثمار، يستمر كل جيل من ٣٥–٤٠ يومًا.
يبدأ جيلنا الأول من نهاية أيار حتى منتصف حزيران، وجيلنا الثاني في تموز، يتبعه الجيل الثالث في شهر آب، ثم الجيل الرابع في شهر أيلول.
وبشكل عام فإن مناطق زراعة الزيتون في حوض البحر الأبيض المتوسِّط ذات الرطوبة الجوية المرتفعة تُناسب نشاطنا، بينما ارتفاع درجات الحرارة والجفاف يحدَّان منه.
في الجيل الأول والثاني تدخل يرقاتي مرحلة العذراء داخل الثمار حتى اكتمال تطوُّرها حشراتٍ كاملةً تشبهني، وتخرج من الثمار تُتابع دورة حياتها.
أمَّا بقية الأجيال فيتم تعذُّرها خارج الثمار في التربة، تكون العذراء بلون بني صدئي، وبطول ٤ ملليمتر، تقضي فصل الشتاء في حالة بيات شتوي على عمق ١–٥ سنتيمتر تحت سطح التربة. وفي ربيع العام القادم في شهر أيار تخرج منها الحشرات الكاملة، ذبابات ثمار الزيتون؛ لتتغذَّى على الندوة العسلية للحشرات الأخرى، وعلى رحيق الأزهار وحبوب اللقاح، وتتابع دورة حياتها بالتزاوج ووضع البيوض في ثمار الزيتون.