أين اختفى «دان»؟
استيقظ الشياطين مبكرًا، فقد كانوا ينتظرون موعد الاجتماع في لهفة، خصوصًا وأنَّ تجربة سلاح الغاز الجديد كانت لا تزال تشغلهم … أجرَوْا تمارين الصباح … وتناولوا إفطارهم … ثم جمعتهم غرفة التلفزيون … قالت «ريما» مبتسمة: يبدو أنَّ غاز النوم قد أثَّر على تفكيري أمس.
ردَّت «إلهام»: إنَّها عملية مثيرة تمامًا … لكن هناك ما يشغلني …
نظروا إليها، في انتظار ما سوف تقوله … بعد قليل، قالت: لقد تمت تجربة الغاز في مكان … مغلق … هذه مسألة عاديَّة …
صمتت قليلًا، ثم أضافت: هذا يعني أنَّه لا يمكن استخدامه في مكان مفتوح …
كان السؤال جيدًا … ولم يردَّ أحد من الشياطين مباشرة … فقد استغرقوا في البحث عن إجابة … قال «فهد» بعد قليل: أعتقد أنَّ الغاز يُستخدم في الحالتين … سواء كان المكان مغلقًا أو كان مفتوحًا … وربما يعود ذلك إلى درجة تركيزه، ففي الأماكن المغلقة يمكن أن يكون تركيزه أقل.
أضاف «قيس»: أظن أيضًا أنَّ من يستخدمه في الأماكن المفتوحة لا بُدَّ أن يُراعيَ اتجاه الريح، بحيث يجعل اتجاه الريح نحو العدو.
قالت «إلهام»: هذه مجرد أفكار حول إمكانيات الغاز، لكن الحقيقة أننا لا نعرف خصائصه جيدًا.
أضاف «أحمد»: أظن أننا سوف نعرف من نشرة المقر، ومركز الأبحاث، عن طبيعة هذا السلاح، وكيفية استخدامه، فلا يمكن أن نستخدم سلاحًا لا نعرف كل إمكانياته …
فجأة توقَّفوا عن المناقشة، فقد أعلنت الساعة العاشرة … كانوا يأخذون طريقهم إلى قاعة الاجتماعات، وما إن دخلوها حتى ازدادت كمية الضوء … ابتسمت «زبيدة» وهي تقول: لعلها تجربة أخرى، وسلاح جديد.
ابتسم الشياطين، وقال «بو عمير»: لا أظن أننا سوف نكون فئران التجارب في المركز اليوم.
ضحك الشياطين، ثم أخذت ضحكاتهم تعلو أكثر فأكثر، حتى إنَّ «أحمد» أخذ يفكر: هل للضوء تأثير في عملية الضحك هذه؟ إنَّ الشياطين لم يضحكوا بهذه الطريقة من قبل.
ولم يستطع هو الآخر أن يتوقَّف عن الضحك، ولكنه حاول عدة مرات، وبعد مرور عشر دقائق، بدأ الضوء يخفت شيئًا فشيئًا، ومعه كانت ضحكات الشياطين تهدأ، توقَّف الضوء عند درجة معينة، نظر الشياطين إلى بعضهم، وقالت «زبيدة»: أظن أنَّه سلاح جديد فعلًا، إنَّ الضحك بهذه الطريقة يمكن أن يشلَّ فاعلية من يضحك.
ابتسم «أحمد»، وهو يقول: إنَّه اختراع ممتاز، فتصوروا ناسًا يضحكون، ولا يفعلون شيئًا.
فجأة، تردَّد صوت أقدام رقم «صفر»، وعندما توقَّف، رحَّبَ بالشياطين، ثم قال: إنَّكم تمرُّون بمرحلة تجارب فعلًا، ما رأيكم في الاختراع الأخير؟
ردَّت «زبيدة»: إنَّه مسألة مثيرة تمامًا … لكن …
قاطعها رقم «صفر»، وهو يقول: إنني أعرف أنَّ لديكم أسئلة كثيرة، وسوف أشرح لكم كل شيء.
صمت لحظة، ثم قال: إنَّ وجهة نظر «فهد» صحيحة تمامًا، فدرجة تركيز الغاز هي التي تحدد مكان استخدامه، وسوف يظهر في شكل كرات صغيرة؛ الأبيض منها درجة تركيزه قليلة، وتُستخدم في الأماكن المغلقة، أمَّا الأحمر فدرجة تركيزه عالية، وتستخدم في الأماكن المفتوحة، وهو شديد التأثير، وسريع أيضًا، والرياح تساعد على درجة تأثيره، ولذلك فإنَّكم تستطيعون استخدامه باطمئنان كامل.
سكت بعض الوقت، ثم قال: أمَّا الضوء فهو يؤثِّر تأثيرًا مباشرًا على مركز الضحك في المخ، وهو لا يُستخدم إلا في الأماكن المغلقة. إنَّه عبارة عن جهاز يُثَبَّت في أي مصدر كهربي، فيرفع درجة الضوء بنسبة يمكن تأثيرها على الإنسان …
من جديد، سكت مرة أخرى، ثم أضاف: أظن أنَّكم سوف تستخدمونه في مغامرتكم الجديدة؛ لأنَّه سوف يفيدكم أكثر من حَمْل أسلحة كثيرة.
مرة ثالثة، توقَّف، ثم أضاف: أنتم تعرفون أننا نحاول أن نختصر ما تحملونه من أسلحة، حتى تكون حركتكم أسرع، وتأثيركم أقوى.
وتوقَّف رقم «صفر» عن الكلام، كان الشياطين يستمعون إليه، وهم في انتظار الوصول إلى المغامرة، استأنف الزعيم كلامه: إنَّ مغامرتكم الجديدة ليست مع واحدة من العصابات التي نتصارع معها، والتي نهزمها دائمًا، إنَّها مغامرة قد تبدو بسيطة، ولكنَّها في الحقيقة تحتاج إلى عمل كثير، إنَّ ذكاء الشياطين الحقيقي يظهر في هذه المغامرة، التي سوف نسميها «مغامرة شاطئ الماس».
توقَّف رقم «صفر» عن الكلام، فكَّر «أحمد» في اسم المغامرة، وقال في نفسه: لا بُدَّ أنَّ اسمها يدل على المكان الذي سوف تقع فيه.
في نفس الوقت، كان الشياطين أيضًا يحاولون أن يصلوا إلى طبيعة هذه المغامرة … فجأة، ظهرت الخريطة الإلكترونية، وكما توقع «أحمد»، ظهرت «هولندا»، وحولها «ألمانيا الغربية» و«بلجيكا»، وفوق «ألمانيا» ظهرت «الدنمارك»، وأسفل «بلجيكا» ظهرت «فرنسا» بمساحتها الواسعة، كانت هذه الدول تقع في الشمال والشرق والجنوب من «هولندا»، أمَّا الغرب فكان يظهر بحر الشمال، وأسفل منه القنال الإنجليزي، وفي مقابل «هولندا» تظهر «بريطانيا». كان الشياطين يتابعون ظهور الدول، الواحدة وراء الأخرى، وعندما تعدَّدت شعروا بالحيرة، فهل يمكن أن تكون المغامرة في هذه المساحة الواسعة جدًّا! فجأة، ظهر سهم في بحر الشمال، ثم رسم دائرة حول «هولندا»، فكَّر الشياطين: إذن، هذه بداية المغامرة، قد تصل إلى دول أخرى، لكن بدايتها سوف تكون داخل هذه الدائرة، التي حدَّدت «هولندا» بالذات.
جاء صوت رقم «صفر» يقول: هذه خريطة عامة … لكن المسألة وقعت في «هولندا».
صمت لحظة، ثم أضاف: إنَّ أحد الأثرياء العرب تعرَّض لموقف صعب، لقد كلَّفه الموقف أكثر من ثلاثة ملايين من الجنيهات …
ثم قال بعد قليل: أعلن أحد تجار الماس أنَّ لدية عدَّة ماسات نادرة، وصلت لتوِّها من جنوب أفريقيا، وهي ماسات لم يتم صقلها بعد، وهي تحتاج بعد ذلك إلى قطع وتجهيز حتى تصبح صالحة للاستعمال، وقدرت الماسات بثلاثة ملايين ونصف من الجنيهات … ولأنَّ الثري من هواة الماس، فقد أرسل سكرتيره الخاص، واسمه «دان» لشرائها.
سكت رقم «صفر». نظر الشياطين إلى بعضهم، كان ما يدور في تفكيرهم هو أنَّ «دان» قد اختفى بالملايين … جاء صوت رقم «صفر»، يقول: في خلال عشر سنوات من العمل معه، ظهر إخلاصه حتى وثق فيه تمامًا.
صمت لحظة، ثم قال: هذه مجموعة من الصور للمدعو «دان»، وهو رجل أمريكي … وهذه الصورة سوف تفيد بالتأكيد في الوصول إليه …
من جديد، توقَّف رقم «صفر»، كان الشياطين قد رتبوا أفكارهم … إلا أنَّ الزعيم قال: اختفى «دان» … واضطر الثري إلى الاتصال بالبنك السويسري، الذي يضع فيه أمواله، فعرف أنَّ «دان» قد صرف المبلغ فعلًا … أجرى اتصالًا بتاجر الماس، فعرف أنَّ «دان» قد اشترى الماس منذ شهر.
توقَّف الزعيم عن الكلام لحظة، ثم أضاف: لقد اتصل الثري العربي بعميلنا في «هولندا»؛ لأنَّ تاجر الماس موجود في «أمستردام» العاصمة، وشرح له الموقف، وقدَّم له كل المعلومات عن «دان».
ثم تساءل رقم «صفر»: أين ذهبَ «دان»؟ ولماذا اشترى الماسَ ثم اختفى؟ ولماذا لم يختفِ بالمبلغ؟ …
سكت لحظة سريعة، ثم قال: هل يمكن أن يختفيَ «دان» نهائيًّا … وهل يمكن أن نترك الثري العربي في هذه الحالة؟
مرة أخرى، سكت للحظة سريعة، ثم أضاف: من المؤكد طبعًا أنَّ «دان» لم يبقَ في «أمستردام»، من المؤكد أيضًا أنَّه غادر «هولندا» كلها، لكن … أين يوجد الآن؟ … هذا هو السؤال.
فجأة، ترددت إشارات ضوئية، فقال رقم «صفر»: يبدو أنَّ هناك شيئًا جديدًا في الطريق إلينا.
ثم أخذت خطوات رقم «صفر» تبتعد شيئًا فشيئًا، حتى اختفت. قالت «إلهام» بسرعة: إنَّ «دان» يمكن أن يكون في أي مكان من العالم، فلا أحد يعرف أين اختفى … وهذه هي صعوبة المغامرة.
قال «عثمان»: أعتقد أننا نستطيع أن نحدد مكانه.
تساءلت «إلهام»: كيف؟
ابتسم «عثمان»، وقال: هذه مسألة سوف ندرسها فيما بعد.
ثم نظر إلى «أحمد» الذي كان ينظر إليه، ثم ابتسم، فقال «عثمان»: أظن أنَّك فهمتني.
قال «فهد»: إنَّ القبض على «دان» سوف يكون عن طريق أحد تجَّار الماس، فلا أظن أنَّ «دان» سوف يحتفظ بالماس إلى الأبد، من المؤكد أنَّه سوف يبيعه.
قالت «زبيدة»: ربما يكون هذا صحيحًا، ولكن هل يبيعه الآن، أو أنَّه سينتظر فترة، ثم يبيعه؟
ردَّ «فهد»: الاحتمال الأقوى أنَّه سوف يبيعه بمجرد شرائه، وقبل أن يكتشف الثري اختفاءه وهروبه.
هزَّت «زبيدة» رأسها وهي تقول: هذا احتمال قوي …
ثم ابتسمت، وأضافت: هذا إذا كان يفكِّر كما تفكِّر!
وضحك الشياطين، لكن خطوات الزعيم كانت قد بدأت تقترب.
فهمست «إلهام»: ربما تكشف المعلومات الجديدة بعض الغموض.
توقفت أقدام رقم «صفر»، ثم قال: عميلنا في «هولندا» أرسل تقريرًا يقول إنَّ الثري قد اتصل به وأخبره أنَّ «دان» قد أرسل إليه رسالة من «بومباي» بالهند، وأنَّه يعتذر لتأخره … وأنَّه سوف يكون في الطريق إليه.
صمت رقم «صفر» لحظة، ثم قال: أعتقد أنَّ «دان» يريد أن يكسب وقتًا، وهو برسالته إلى الثري يبعد الشك عن نفسه، ويجعله لا يفكر في الإبلاغ عنه، وأظن أنَّ هذه لعبة يلعبها «دان».
سكت قليلًا، ثم أضاف: إنَّ «دان» لم يخرج من أوروبا، هذه حقيقة، وعليكم أن تعرفوا أين هو، وأن نعيد الماس إلى مُواطننا العربي.
انتظر الشياطين تحديد مجموعة المغامرة، وجاء صوت رقم «صفر» يقول: أعتقد أنَّ المغامرة لا تحتاج إلى عدد كبير من الشياطين … فالصراع كله مع شخص واحد هو «دان»، إلا إذا ظهرت تفاصيل جديدة.
توقَّف لحظة ثم قال: سوف يقوم بالمهمة «أحمد» و«فهد»، على أن يكون بقية الشياطين جاهزين، فمن يدري، قد يكون خلف «دان» آخرون.
ثم سأل: هل هناك أسئلة أخرى؟
وأضاف: سوف تجدون تقريرًا كاملًا بالصورة والمعلومات عن «دان».
ولم ينتظر، فقد أخذت خطواته تبتعد حتى اختفت، في حين كان الشياطين لا يزالون في أماكنهم.
قالت «ريما»: أعتقد أنَّنا يجب أن نطرح المغامرة للمناقشة، قبل رحيل «أحمد» و«فهد»، فالمسألة ليست سهلة، وعملية التحديد ضرورية.
قال «عثمان»: من وجهة نظري، يجب أن تبدأ الحركة من «أمستردام» نفسها، ومن تاجر الماس بالتحديد، بعدها يمكن التحرك إلى أي مكان آخر.
أضاف «باسم»: إنَّ شركات الطيران يمكن أن تكون عاملًا مساعدًا في تحديد الاتجاه … فإذا كان «دان» قد غادر «أمستردام» فيمكن معرفه اتجاهه، وفي هذه الحالة تكون الحركة محدَّدة أكثر.
قال «مصباح»: يستطيع أن يسافر بجواز سفر مزوَّر، وفي هذه الحالة، سوف يكون من الصعب تحديد الاتجاه.
ظلَّ الشياطين ساعة كاملة يتحاورون. وفي النهاية، قال «أحمد»: لقد حدَّدنا خطوات طيِّبة من خلال المناقشة، وسوف نبدأ كما اتفقنا من «أمستردام»، وبالتحديد من تاجر الماس، وإن كنت أظن أنَّ خطواتنا التالية سوف تكون إلى «بلجيكا»؛ لأنَّها الأكثر شهرةً في قطع الماس وتجهيزه.
وعندما توقَّف، تحرك الجميع يغادرون قاعة الاجتماعات، وعندما وصل «أحمد» إلى غرفته، وجد تقريرًا عن «دان»، ألقى نظرة سريعة عليه، وفجأة جاءه صوت رقم «صفر» يقول: إنَّ مناقشتكم كانت جيدة، واستنتاجكم الأخير هامٌّ جدًّا، وأظن أنَّه الصحيح.
توقَّف لحظة، ثم قال: أتمنى لك وﻟ «فهد» التوفيق.
وبسرعة، كان «أحمد» يغادر غرفته، كانت حقيبته تحمل كرات الغاز الجديد، التي قد يحتاج إليها في القبض على «دان».