اللقاء في فندق «إنترا»
تمدَّد «أحمد» على السرير، لكنه لم يستطع النوم، كانت صورة «دان» تلمع في ذاكرته، قال لنفسه: يمكن أن يكون هو.
فجأة دقَّ جرس التليفون، نظر له لحظة وهو يقول لنفسه: لا بُدَّ أنَّه «فهد»، فلا أظن أنَّ عميل رقم «صفر» يمكن أن يحدثني الآن.
رفع سماعة التليفون، فجاء صوت «فهد» يقول: ينبغي أن تنام، فأمامنا عمل كثير في الغد.
ردَّ «أحمد»: سوف أفعل ذلك فعلًا، إلى اللقاء!
وضع السماعة، ثم أخذ يُجهِّز نفسه للنوم، حتى استغرق فيه. وفي الصباح كان ينهض من الفراش نشيطًا تمامًا، أجرى بعض التمارين الرياضية، فجأة فُتح الباب، ودخل «فهد»، كان يبدو جادًّا، وقال بسرعة: لقد انصرف لتوِّه.
نظر له «أحمد» باهتمام، وقال: تقصد «دان»؟
ردَّ «فهد»: نعم، إنَّه يتحرك باسم «روبرت هول».
سأل «أحمد»: كيف عرفت؟
ردَّ «فهد»: نزلت مبكرًا إلى صالة الفندق، فقد تصورت أنَّه عاد مرة أخرى أمس بعد أن رأيناه، لقد كنت أريد أن أتأكد، وفي اللحظة التي وصلت فيها، كان يغادر الفندق فعلًا … ومع الأسف، لم تكن معه سوى حقيبة صغيرة … استقلَّ سيارة وانصرف، عدت إلى الاستعلامات وسألت عنه، فعرفت أنَّه قد ترك الفندق اليوم، وأنَّه في طريقه إلى المطار، ثم عرفت تفاصيل جواز سفره من سجل الفندق، وعرفت أنَّ اسمه الجديد هو «روبرت هول».
كان «أحمد» يفكر، بينما قال «فهد»: هل سنبقى هنا؟
ردَّ «أحمد» في هدوء: سوف نتصرف على مهل، إنني أعرف الآن جيدًا أين سنتجه.
قال «فهد» بسرعة: تعتقد … أنَّه سوف يذهب إلى «بروكسل»؟
ردَّ «أحمد»: نعم، وسوف يصل إلى «أوستند»، وإلى «جاك جرين» بالتحديد.
ابتسم «فهد»، وقال: إنَّك تتحدث وكأنَّه سوف ينفذ أوامرك.
فجأة، أسرع «أحمد» إلى التليفون، وتحدث إلى العميل، طلب منه أن يتأكد من أنَّ «دان» في المطار الآن، وأي طائرة سوف يستقل، وفي النهاية قال: إنني سوف أنتظر مكالمتك في الفندق.
ثم وضع السماعة. نظر إلى «فهد» وقال: سوف نعطيه فرصة الوصول إلى «أوستند» وإلى «جاك جرين»، وهناك سوف ينتهي كل شيء.
ردَّ «فهد»: هل تظن أنَّه سوف يتصرَّف كما تفكر أنت تمامًا؟
قال «أحمد»: نعم، إنَّ «بروكسل» عاصمة كبيرة، وهو سوف يبحث عن مكان بعيد … وأظن أنَّ مدينة «أوستند» سوف تكون هي هذا المكان.
مرَّت لحظة قبل أن يقول «فهد»: أظن أننا سوف نفقد أثره.
انتهى «أحمد» من ارتداء ثيابه، ثم طلب الفطور في الغرفة، في انتظار مكالمة عميل رقم «صفر»، التي لم تتأخر كثيرًا، فعندما انتهى من تناول الإفطار كان جرس التليفون يرن، رفع «أحمد» السماعة بسرعة، فجاءه صوت العميل يقول: إنَّ الطائرة في طريقها إلى «بروكسل».
ابتسم «أحمد»، ونظر إلى «فهد»، ثم قال للعميل: ينبغي أن نسافر اليوم.
قال العميل: سوف أحاول.
انتظر لحظة، ثم أضاف: يجب التوجه إلى المطار، فربما وجدنا أماكن على نفس الطائرة.
بسرعة، أخذ «أحمد» و«فهد» يستعدان لمغادرة الفندق، ثم أخذا طريقهما إلى المطار، خلال الطريق، أعطى تابلوه السيارة إشارة ضوئية، ثم جاء صوت العميل يقول: سوف تسافران على نفس الطائرة.
شكره «أحمد»، وقال «فهد» في سعادة: لقد وقع الصيد.
عندما وصلا إلى المطار، أسرعا بالدخول، فجأة وقعت عينا «فهد» على «دان»، كان يقف وهو يقرأ في صحيفة، حتى إنَّه لم يرَ أحدًا … ابتسم «فهد»، وقال: هذا هو الصيد.
ردَّ «أحمد»: سوف تكون لُعبة جيدة، فهو لا يعرفنا، ونحن نعرفه.
مرَّت دقائق، ثم تردَّد صوت مذيع المطار، يدعو الركاب المسافرين إلى «بروكسل» لركوب الطائرة، كان «أحمد» و«فهد» يشعران بالراحة؛ فهما الآن يحكمان كل شيء، أخذا مكانيهما في الطائرة، كان «دان» يجلس في مقعده وحده، ولم تكن الطائرة كاملة العدد، ولذلك فإنَّ حرِّية التنقل بين مقاعدها كانت سهلة، أخذ «فهد» مكانًا في المقدمة، وأخذ «أحمد» مكانًا خلف «دان» بطريقة تجعله تحت عينيه دائمًا. بعد قليل أخذت الطائرة طريقها إلى الفضاء … فكَّر «أحمد» وهو يبتسم: الآن لا يستطيع السيد «دان» أن يهرب، فنحن جميعًا معلَّقون في الفضاء.
ألقى نظرة في اتجاه «فهد»، فوجده مستغرقًا في القراءة … قال «أحمد» لنفسه: هل أعقد صداقة مع «دان»؟ إنَّ التحقيق الصحفي عن الماس يصلح بدايةً لحديثي معه …
انتظر لحظة، ثم قال في نفسه مرة أخرى: ينبغي ألا يعرفني، حتى لا يشك … خاصة وأننا نقوم بمتابعته عن بعد … حتى نصل إلى الماس، وهذه هي الطريقة الصحيحة.
ولذلك لم يتحرك «أحمد» من مكانه، فقط كان يُلقي نظرةً بين لحظة وأخرى على «دان» الذي أغمض عينيه، ويبدو أنَّه استغرق في النوم.
فكَّر «أحمد»: ما الذي جعل «دان» لا يُغيِّر شكله؟ وما الذي أخَّره هذه المدة كلها دون أن يتصرف في الماس، أو دون أن يقوم بتصنيعه.
انتظر لحظة، ثم قال في نفسه مرة أخرى: لا بُدَّ أنَّ له أفكارًا خاصة.
مدَّ «أحمد» يده وأخذ جريدة واستغرق في القراءة، لم تكن الرحلة طويلة، ولذلك استعد للتحرُّك عندما سمع صوت مذيعة الطائرة تقول: اربطوا الأحزمة؛ فسوف نهبط في مطار «بروكسل» بعد قليل.
نظر في اتجاه «فهد»، فرآه ينظر إليه، تبادلا الابتسامة وبعض الإشارات السريعة، حتى يتفقا على الخطوات التالية، بعد ربع ساعة، هبطت الطائرة في مطار «بروكسل» … كان «فهد» قد سبق «دان» بعدة خطوات، وكان «أحمد» خلفه، وكان يبدو وكأنَّه وقع في «كماشة»، لا يستطيع منها فكاكًا …
عند باب المطار كان «أحمد» قد استعدَّ للخطوة التالية … فقد اقترب من «دان»، الذي كان ينظر إلى تاكسي، ورشَّ بودرة خاصة على ظهر «دان»، ثم وقف بعيدًا عنه قليلًا، كان «فهد» يراقب حركة «أحمد»، وعندما اقترب التاكسي، واستقلَّه «دان»، كان «أحمد» و«فهد» يقفزان في سيارة الشياطين، التي كانت في انتظارهما، قال «فهد» ضاحكًا: لقد وقع «دان» نهائيًّا.
أخرج «أحمد» جهاز الاستقبال الصغير من جيبه، ثم ضغط زرًّا فيه، فلمعت لمبة حمراء … قال: إنَّ البودرة تُعطي إشارات صحيحة.
ابتسم «فهد»، وقال: ربما يستبدل «الجاكيت» ونفقد أثره.
ردَّ «أحمد»: لا أظن، فهو لا يحمل حقيبة كبيرة، كل ما يحمله هذه الحقيبة الصغيرة، والتي لا تضم إلا احتياجاته الصغيرة.
كان تاكسي «دان» يسير في المقدمة، وخلفه سيارة الشياطين، وبعد فترة … وصل إلى فندق كبير، قرأ «أحمد» لافتة معلقة تحمل اسمه، وهو فندق «إنترا»، نزل «دان» من التاكسي، وكذلك «أحمد» و«فهد»، حيث عادا إلى السيارة … ودخلا الفندق، اتجه «أحمد» إلى الاستعلامات، وطلب غرفة مزدوجة، وعندما كان «دان» يملأ استمارة الفندق، استطاع «أحمد» أن يقرأ اسمه «روبرت هول»، أخفى ضحكة كادت تُفلت منه. فكَّر بسرعة: إنَّ حقيبة «دان» بجانبي الآن، وهذه فرصة حتى لا يُفلت منا … في هدوء، أخرج من جيبه البودرة، ثم مسح بيده على جانب الحقيبة، بينما كان يبدو «دان» مستغرقًا تمامًا في ملء استمارة الفندق، انتهى «دان» ثم أخذ مفتاحه وانصرف، تبعه «فهد» بنظراته … كان «دان» يتجه إلى المصعد، انضم «أحمد» إلى «فهد»، وقال: إنَّه ينزل في الغرفة المقابلة لنا تمامًا.
ابتسم «فهد»، وقال: ليس هذا هو المهم، إنَّ المهم أنَّك تصرَّفت بطريقة رائعة، عندما وضعت البودرة المشعَّة على الحقيبة، إنَّه لن يستطيع أن يختفيَ بعيدًا عنَّا، إلا إذا تخلَّص من الحقيبة، وأظن أنَّه لن يفعل ذلك.
أخذا طريقهما إلى غرفتهما، وعندما وصلا إليها ألقى «فهد» نظرة على غرفة «دان»، وكانت تحمل الرقم ٣٨، فجأة ظهر «دان»، كان يحمل حقيبته، واتجه إلى المصعد مباشرة، دخل «أحمد» و«فهد» حجرتهما، وبسرعة أخرج جهاز الاستقبال، وضغط الزر، فجاءت الإشارة الحمراء، لحظة، ثم ظهرت إشارة أخرى، كانت هناك إشارة متحركة، وإشارة ثابتة، ابتسم «أحمد» وقال: لقد استقرت الحقيبة في مكان.
أضاف «فهد»: ربما يكون قد حفظها في أمانات الفندق خوفًا عليها، فهي تحمل ثروته كلها.
قال «أحمد»: هذا هو الاحتمال الصحيح!
اقترح «فهد»: لماذا لا ننزل إلى صالة الفندق، أو الكافيتيريا، حتى يمكننا أن نستمتع بمراقبته.
فجأة تحركت إحدى الإشارتين، فقال «أحمد»: لقد تحرك الآن إلى مكان ما.
توقفت الإشارة، فقال «أحمد»: هيَّا بنا!
نزلا بسرعة إلى صالة الفندق، لكن «دان» لم يكن موجودًا، أخذا طريقهما إلى الكافيتيريا، فوجداه هناك، كان يجلس وحده في مكان منعزل، بجوار نافذة، وقد فتح أمامه إحدى المجلات.
فكَّر «أحمد»: لعلها مجلة «لوك».
أخذا مكانًا يعطيهما فرصة مراقبته، ثم طلبا قهوة باللبن … مرَّ بعض الوقت، كان «دان» مستغرقًا في القراءة، فجأة، غيَّر من طريقة جلوسه، ورفع المجلة أمام عينيه، كاد «أحمد» يضحك، ولكنَّه كتم ضحكته في نفسه، قال «فهد» متسائلًا: هل هناك ما يُضحك؟
ردَّ «أحمد»: لقد توقعت أن تكون المجلة التي يحملها هي مجلة «لوك»، وجاء توقُّعي صحيحًا.
فجأة، أغلق «دان» المجلة، ثم غادر الكافيتيريا، نظر «أحمد» إلى «فهد»، وقال: هل نتبعه؟
قال «فهد»: لا أظن أننا في حاجة إلى ذلك، فالحقيبة في الأمانات، وسوف يعود إليها …
كما أنَّه لا يستطيع أن يُفلت منَّا، فالبودرة المشعة تكشف مكانه.
ظلَّا في الكافيتيريا بعض الوقت، ثم غادراها إلى غرفتهما. أخرج «أحمد» جهاز الاستقبال … وضغط الزر ليرى أين يوجد «دان» الآن … أعطى الجهاز إشارتين ثابتتين، قال «أحمد»: يبدو أنَّ «دان» قد استقر في مكان ما.
فكَّر «فهد» قليلًا، ثم قال: أخشى أن يُفلت منَّا.
بعد لحظة، تساءل «أحمد»: هل تظن ذلك؟
أجاب «فهد»: كل شيء جائز.
كان الوقت قد اقترب من المساء، ضغط «أحمد» زر الجهاز، فأعطى إشارة ثابتة، وأخرى متحركة. فجأة توقفت الإشارة الثابتة.
قال «فهد» بسرعة: يجب أن نتحرك؛ من المؤكد أنَّ شيئًا ما يحدث.
أسرعا بالخروج من الفندق، جلس «فهد» خلف عجلة القيادة، وكان «أحمد» يمسك بجهازه … أخذت سيارة الشياطين طريقها إلى حيث تظهر العلامة الثابتة، قادهما البحث إلى محل يبيع الملابس المستعملة، نظرا إلى بعضهما، وهمس «فهد»: هل يكون قد تخلَّص من البدلة؟
دخلا المحل، كانت هناك ملابس كثيرة مُعلَّقة، وكان رجل عجوز يقوم بتنظيف بدلة ما … وقعت عينا «أحمد» عليها، لقد كانت هي نفسها بدلة «دان»، نظر إلى «فهد» وقال: لقد اختفى «دان».
قال الرجل العجوز: ماذا تريدان؟ إنَّ عندي ملابس جيدة، وبسعر رخيص.
اقترب «أحمد» منه، وسأل: من صاحب هذه البدلة؟
قال الرجل: لا أدري، لقد باعها لي عامل يشتغل في أحد محلات بيع الملابس.
همس «فهد»: ينبغي أن نلحق بالفندق؛ حتى لا نفقد كل شيء مرة أخرى.
وعندما انطلقت السيارة بسرعة في اتجاه فندق «إنترا»، كان السؤال الذي يتردد في ذهن «أحمد»: هل يمكن أن يترك الحقيبة أيضًا؟