«دان» يختفي نهائيًّا
كانت سيارة الشياطين تقطع الطريق إلى فندق «إنترا» بسرعة، في الوقت الذي يتابع «أحمد» إشارات الجهاز، كانت الإشارة لا تزال ثابتة، أمَّا الإشارة الأخرى فقد ألغاها، قال وهو ينظر إلى «فهد»: إنَّ الحقيبة لا تزال في مكانها.
وصلا إلى الفندق، واتجها مباشرة إلى المطعم، فقد كان ذلك وقت العشاء … توقَّعا أن يجدا «دان»، إلا أنَّه لم يكن موجودًا، جلسا يتناولان عشاءهما، كان الموقف الآن يبدو غامضًا تمامًا، فكَّر «أحمد»: إنَّ «دان» يتصرف بطريقة ذكية، ويبدو أنَّهما سوف يفقدان أثره …
كان يضع جهازًا للاستقبال أمامه، ويتابع الإشارة الثابتة التي يستقبلها الجهاز، قال «فهد»: هذا الرجل يُفكِّر بطريقة مثيرة.
لم يردَّ «أحمد»، كان شارد الفكر. فجأة ظهر رجل طويل القامة على باب المطعم، كان أشقر الشعر، يتصرف بطريقة واثقة، وقد أمسك سيجارًا ضخمًا في يده، ووقف في باب المطعم، وهو يمسح بعينيه المكان، ثم أخذ طريقه إلى منضدة منفردة وجلس، لفت نظر «فهد» للحظة سريعة، ثم نسيَه على الفور، إلا أنَّ «أحمد» نظر إلى الرجل بإمعان، كان يفكر: هل يمكن أن يكون هذا الرجل هو نفسه «دان»؟ إنَّه يمكن أن يصبغ شعره، وهذه مسألة سهلة، ربما يكون قد تخلَّى عن النظارة الطبيَّة … واستخدم عدسات لاصقة، وربما تكون العدسات عنده منذ فترة.
ظلَّ يدير المسألة في ذهنه، ثم قال ﻟ «فهد»: هل رأيت الرجل الجالس هناك جيدًا؟
ظهرت الدهشة على وجه «فهد»، وتساءل: ماذا تقصد؟
قال «أحمد»: لقد اتفقنا على أنَّ «دان» يمكن أن يُغيِّر كل شيء، حتى ملامحه، لكن الشيء الوحيد الذي لا يستطيعه فهو طوله.
ردَّ «فهد» بسرعة: لقد اتفقنا أيضًا على أنَّ القامات الطويلة منتشرة في أوروبا وأمريكا …
تنهَّد «أحمد» وشرد قليلًا، كان يتذكر «دان» وهو يمشي، كانت خطوته قصيرة سريعة … لا تتفق مع طوله، وكان هذا يبدو لافتًا للنظر، شرح ﻟ «فهد» وجهة نظره، فقال: ملاحظة ذكية … وسوف نرى عندما يتحرك.
كان الرجل يأكل عشاءه في هدوء، وتظهر على وجهه ابتسامة عريضة، ولم يكن يمضغ طعامه بسرعة، لكنه فجأة ترك العشاء، ثم استدعى الجرسون، ودفع الحساب …
قال «فهد»: إنَّه نزيل الفندق، فلماذا يدفع فاتورة الحساب الآن؟
انتظر «أحمد» لحظة، قبل أن يقول: أظن ذلك تكملة لما يفعله.
سكت لحظة، ثم أضاف: أعتقد أنَّه مزيد من الاطمئنان إلى أنَّ أحدًا لن يعرفه.
خرج الرجل من المطعم، كان «أحمد» قد أسرع خلفه، ووقف بجواره، طلب الرجل غرفة للمبيت ليلة واحدة، وعندما قدَّم له الموظف استمارة الفندق ليكتب فيها البيانات، ألقى «أحمد» نظرة سريعة، واستطاع أن يقرأ اسمه «جراند أف فيل» … فكَّر «أحمد» بسرعة، ثم قال لموظف الاستعلامات: هل يوجد طيران داخلي إلى «أوستند»؟
نظر له الرجل بسرعة وابتسم، في حين قال الموظف: نعم يا سيدي.
سأل «أحمد»: متى تسافر أول طائرة إلى هناك؟
ابتسم الرجل مرة أخرى، وقال: هل أنت ذاهب إلى «أوستند»؟
ردَّ «أحمد»: نعم يا سيدي.
قال الرجل: الطائرة غدًا في العاشرة، إنني أيضًا ذاهب إليها، إنَّها مدينة ساحرة.
شكره «أحمد» وهو يقول: إنَّها مدينة الماس، كما قرأت.
هزَّ الرجل رأسه، وهو يقول: ليست المدينة، ولكن الرجل.
كان «أحمد» يتفحَّص الرجلَ جيدًا، وكانت إجابات الرجل تُوحِي بالدهشة، قال «أحمد» مبتسمًا: أي رجل يا سيدي؟
– آه … إنَّك لم تسمع عنه.
انتظر لحظة، ثم قال: هل قرأت مجلة «لوك» هذا الأسبوع؟
ردَّ «أحمد»: لا يا سيدي، وما علاقة «لوك» ﺑ «أوستند»؟
ضحك الرجل ضحكة صغيرة، ثم أجاب: إذا كنت تريد أن تعرف أهمية المدينة فاقرأ المجلة.
ثم رفع يده بالتحية، وأخذ مفتاحه وانصرف، كان «أحمد» يتابع مشيته، في نفس الوقت، كان «فهد» يفعل نفس الشيء، وكان ما ملأهما بالأسف أنَّ الرجل كان يمشي ببطء، وبخطوة واسعة، على عكس «دان» تمامًا، صعِد «أحمد» و«فهد» إلى حجرتهما، كانت الحيرة في أعينهما، شرح «أحمد» ﻟ «فهد» حديث الرجل إليه، ثم قال في النهاية: إنَّ ذكره لمجلة «لوك» يجعلني أشك فيه أكثر.
قال «فهد»: ربما تكون مصادفة، إنَّ فرصتنا الوحيدة الآن أن يعود «دان» لأخذ الحقيبة.
ثم أضاف، بعد لحظة: لو كان هذا الرجل هو «دان» ما أتى إلى الفندق، كان يمكن أن يذهب إلى فندق آخر.
قال «أحمد»: والحقيبة؟
فكَّر «فهد» قليلًا، ثم قال: قد تكون لعبة أخرى.
سأل «أحمد»: ولماذا كل هذه الألعاب؟
أجاب «فهد»: المؤكد أنَّه يحسب خطواته جيدًا … ويعرف أنَّ الثري العربي سوف يرسل خلفه العيون أو يتصل بالشرطة، أو يتصل بالزعيم، كما حدث.
صمت «أحمد» قليلًا، ثم قال: كل هذا ممكن.
صمت لحظة أخرى، ثم أضاف: إنَّ الفرصة الأخيرة هي «جاك جرين».
أعلنت الساعة العاشرة مساءً … نظر «أحمد» إلى «فهد»، وقال: ينبغي أن ننزل إلى صالة الفندق حتى نكون قريبين.
نزلا بسرعة، وجلسا في الصالة … كان الجهاز في جيب «أحمد» لا يزال يعطي الإشارة الثابتة الحمراء … وكان هذا يعني أنَّ الحقيبة في مكانها … فكَّر «أحمد»: هل يمكن الوصول إلى الحقيبة؟
نظر إلى «فهد»، وطرح عليه السؤال. فكَّر «فهد» قليلًا، ثم قال: أظن أنَّها مسألة صعبة.
غير أنَّ «أحمد» كان يفكِّر في طريقة أخرى، أنَّ الوصول إلى الحقيبة هي الخطوة الأخيرة في المغامرة كلها. قال ﻟ «فهد»: سوف نصل إلى الحقيبة.
نظر له «فهد» في دهشة، وتساءل: كيف نهاجم خزينة الأمانات؟
ابتسم «أحمد»، وقال: سوف ترى … هيَّا بنا.
اتجها إلى موظف الاستعلامات … ألقى «أحمد» عليه تحية المساء … ثم قال: يبدو أنَّ في الفندق أسلحة سرِّية.
نظر له الموظف في دهشة، وهو يقول: أسلحة سرِّية … ماذا تقصد؟
قال «أحمد» بجدِّية: أظن أنَّ انفجارًا سوف يحدث … إنَّ إحدى الحقائب عندكم فيها شيء غير عادي.
سأل الموظف في فزع: ما الذي يجعلك تقول ذلك؟
قال «أحمد»: إنَّ لديَّ معلومات تقول ذلك.
سأل الموظف: ومن أين لك بهذه المعلومات؟
قال «أحمد»: دون الدخول في تفاصيل … أرجو أن تطمئنوا على خزينة الأمانات.
قال الموظف بسرعة: ليس فيها شيء … سوى حقيبة صغيرة لأحد النزلاء.
سأل «أحمد»: أين هو؟
ردَّ الموظف بسرعة: في الخارج، ولم يعد بعد.
قال «أحمد»: هذا أدعى لأن تبحثوا الأمر بجدِّية.
ثم أضاف بسرعة: هل تأكدت من محتويات الحقيبة؟
ردَّ الموظف: نعم … إنَّها مجرد أوراق خاصة.
سأل «أحمد» بجدية: هل أنت متأكد؟
ردَّ: نعم … فأنا الذي تسلَّمتُها.
هزَّ «أحمد» رأسه، وهو يقول: أرجو أن تعيد النظر فيها مرة أخرى.
ظهر الفزع على وجه الموظف، ثم أجرى اتصالًا سريعًا … ولم تمضِ دقائق حتى كان عدد من رجال الأمن يدخلون بسرعة … شرح لهم الموظف ما قاله «أحمد»، فاتجهوا إليه … وفي النهاية اتجهوا إلى خزانة الأمانات … أخرج أحدهم جهازًا للكشف عن المتفجرات … غير أنَّ الجهاز لم يسجل شيئًا … ظهرت الدهشة على وجه «أحمد» وقال في نفسه: إذن لقد ترك «دان» الحقيبة خالية إلا من بعض الأوراق.
في نفس اللحظة، قال رجل الأمن في حدَّة: أرجو أن تصحبَني إلى المكتب … فقد أزعجت الفندق وسلطات الأمن ببلاغ كاذب!
أخرج «أحمد» من جيبه بطاقة صغيرة، ما إن رآها رجل الأمن حتى ابتسم قائلًا: كانت حيلة إذن … أرجو أن تكون قد حقَّقت ما تريد! ثم حيَّاه وانصرف.
وقف «أحمد» و«فهد» في جانب الصالة … كان كلُّ شيء قد أصبح غامضًا … اختفى «دان»، واختفى الماس أيضًا … ولم تكن الحقيبة إلا خدعة … مرة أخرى، أبدى «أحمد» دهشته: لماذا يفعل «دان» ذلك؟
وأجاب «فهد»: إنَّ اللصَّ يتصور دائمًا أنَّ الناس يعرفون أنَّه لصٌّ، ولذلك يحاول أن يتخفَّى، وقد نجح «دان» في ذلك … وأثبت أنَّه لصٌّ حقيقي!
سكت لحظة، ثم قال: إنَّ «جاك جرين» لا يزال فرصتنا الأخيرة، وأظن أنَّها ستكون ناجحة هذه المرة.
صعِدا إلى غرفتهما … كان يبدو أنَّ المغامرة سوف تفشل … ألقى «أحمد» نفسه فوق السرير، واستغرق في التفكير … كان يُعيد حساباته في كل ما حدث من جديد … يريد أن يعرف أين نقطة الخطأ؟ نظر إلى «فهد»، وقال: لقد أخطأنا بالتأكيد … تصوَّرنا أنَّ «دان» وقع في أيدينا، وكان ذلك ثقة زائدة منَّا.
سكت لحظة، ثم أضاف: أعتقد أنَّ هذا هو الغرور … ولو كنا قد تتبعنا «دان» لكانت المغامرة قد حققت هدفها تمامًا.
لم يردَّ «فهد» مباشرة … فقال «أحمد»: ما رأيك؟
ردَّ «فهد»: رأيي أنَّ المغامرة لم تنتهِ بعد … وأظن أنَّ استنتاجك بذهاب «دان» إلى «أوستند» صحيح مائة في المائة … لقد أراد «دان» فقط … أن يثبت لنفسه أنَّه قادر على التخفِّي … وقد تكون هذه مرحلة أولى، ثم يختفَّى بعد ذلك نهائيًّا.
صمت لحظة، ثم قال: إنَّ «دان» سوف يصل إلى «جاك جرين» بملامحه العادية … وعندما يحصل على الماسات مصنعة ومصقولة، سوف يقوم بتغيير ملامحه، كخطوة نهائية … ليكون بعيدًا عن أعين وأيدي الجميع.
هزَّ «أحمد» رأسه، وهو يقول: إنني معك في هذا التحليل … وأعتقد أنَّه الصواب.
سكت لحظة … ثم أضاف: موعدنا غدًا في العاشرة … لتكون رحلتنا الأخيرة، وخطوتنا النهائية للقبض على «دان».
ثم أغمض عينيه … وراح في النوم …