نص رسالة توفيق الحكيم
سيادة الرئيس
سمحت لنفسي أن أكتب إليكم هذا الخطاب الخاص؛ لما لي من صلةِ قلمٍ بجريدة الأهرام باعتبارها المنبر الذي ينطلق منه صوت بلادنا في أرجاء الأرض. ودفعني إلى ذلك ما علمت به في أمر تعيين الأستاذ محمد حسنين هيكل وزيرًا للإرشاد. ولثقتي الوطيدة بسداد رأيكم، فقد تقبلت الخبر بشيء من التفكير. وجعلت أقلب الأمر على مختلف وجوهه. وتمهلت قليلًا في قَبول ما يَلوكه الناس من تعليقات، ربما كان أكثرها صادرًا ممن يُهِمُّهم إضعاف هذا المنبر، وإخفاتُ صوت يُعتقَد أنه منبعث من نبع القلب الوطني والقومي. مهما يكن من أمر فهناك حقيقة لم أستطع لها دفعًا؛ هي أن جريدة الأهرام، باستقلالها وبما فيها من أقلام حرة يثق بها الناس، قد استطاعت، وتستطيع دائمًا، أن تُشيع في النفوس الثقة والأمل، وبهذا الاتجاه الذي سارت فيه في طرح الحقائق، حتى المؤلم منها، ثم الإيحاء مع ذلك بروح التفاؤل، بعيدًا عن أي توجيه رسمي، قد هيأها لهذه المهمة الفريدة في وقتنا الحاضر، وجعل منها الأداة الفعالة في تنوير الرأي العام والتأثير فيه، دون الالتجاء إلى الشعارات المفتعلة التي مجَّها الناس من أجهزتنا الرسمية. وهذه الأجهزة الرسمية الإذاعية لها عذرها، ولا يُنتظَر منها أن تفعل أكثر مما تفعل؛ لأن الناس لا تصدِّق غالبًا ما يصدر عن جهاز حكومي. وهنا الأزمة الحقيقية يا سيادة الرئيس. أزمتنا اليوم هي أزمة ثقة. والحالة النفسية التي يمر بها شعبنا اليوم هي الحيرة والقلق وبلبلة الفكر. وكل شعب في مثل وضعنا مر بهذه الحالة. ولكن علاجها دائمًا كان في وجود الثقة. لأن أصواتًا ومنابرَ حرة كان يُعرَف منها كلُّ شيء بحجمه. أما نحن فقد انفردنا بالعلة دون العلاج؛ لأننا اعتمدنا على أجهزة الدعاية الرسمية وحدها. جهاز واحد كان يُرجى منه العلاج؛ هو «الأهرام» الحر. وكان الناس في مصر والعالم العربي، بل وخارج هذه البلاد، ينتظرون كل جمعة مقال «بصراحة»؛ ليعرفوا حقائق ما يجري من خلال أسطر لا تنتمي إلى جهة رسمية، ولكنها تكشف عن الصدق الذي يريده الناس، على قدر الإمكان.
أتصور الآن ما يجري يا سيدي الرئيس إذا فقدت الأهرام هذه الصفة. ما الذي سيبقى للناس؟ أبواق إذاعة وتلفزيون لا تقبل إلا أغانيها! … وكل نشاط لهذه الأجهزة في مجال الرأي سيأتي بعكسه؛ لأن الناس لا تريد الآن أن تصدِّق إلا ما يصدر بعيدًا عن السلطة.
صدِّقني يا سيادة الرئيس، إن جريدةً كالأهرام بأقلامها المستقلة تستطيع أن تعالج نفسية الرأي العام بأفضلَ مما تستطيع وزارة من الوزارات. ولا أقولها دفاعًا عن زميل، فالموقف أجلُّ وأخطر من أن أنظر إليه من زاوية شخصية. إنما هو الحق الذي أراه ونحن نجتاز مرحلة حرجة من تاريخنا، على كل مواطن فيها أن يكون صريحًا.
فاعذرني يا سيادة الرئيس إذا أقحمت نفسي وكتبت إليكم لأول مرة بما بدا لي في هذا الشأن الهام. وإني لعلى يقين دائم بحكمتكم وحبكم لبلادكم، بما تريدون لها وتعملون من أجل حريتها ونهضتها.
وتفضلوا يا سيادة الرئيس بقبول أصدق آيات التقدير والإجلال.