الطريق إلى «كازبلانكا»!
لأول مرة منذ فترة زمنية يقوم الشياطين بإجازة؛ فقد مرَّت شهورٌ طويلة يخرجون فيها من مغامرة إلى مغامرة. واليوم جمعَهم رقم «صفر»، وقال لهم إن الأمور تبدو هادئة، وإنهم يستطيعون أن يخرجوا في إجازة، وإذا احتاجهم فإنه سوف يستدعيهم فورًا. وخلال الاجتماع اقترح عليهم أكثرَ من مكان يمكن أن يقضوا فيه إجازة رائعة على ساحل «البحر الأحمر». قرية «أصيلة» في «المغرب»، شاطئ طرابلس في «ليبيا»، سوسة في «تونس»، العقبة في «الأردن»، عنابة في «الجزائر»، نيس في «فرنسا»، بالرمو في «صقلية»، جزر أوركني في شمال «إنجلترا». هذا إذا كانوا يريدون الاستمتاع بالطبيعة الخلَّابة وبالبحر.
وقالت «هدى»: إنني أضمن إجازة ممتعة في قرية أصيلة؛ فهي تقع على شاطئ المحيط الأطلسي، وهي بعيدة عن زحام المدن، بجانب أن لها طرازًا وطابعًا خاصًّا؛ فهي مبنية في قلعة قديمة، ويعمل أهلها بالصيد، وتُقام في القرية المهرجانات العديدة؛ لأنها حلقة الاتصال بأوروبا، التي لا يفصلها عن المغرب إلا مضيقُ جبل طارق. في نفس الوقت، نستطيع أن نتحرك منها إلى أيِّ مكان في أوروبا بسرعة.
قال رقم «صفر»: إن «هدى» تريد أن تستضيفَكم في بلدها «المغرب». وما تقوله عن «أصيلة» مثيرٌ فعلًا. لقد زرتُ «أصيلة» عدة مرات، ووقعتُ في هواها؛ فهي قرية ساحلية ساحرة.
ثم ضحك وهو يضيف: إنني أعرف غرام «أحمد» بأكل السمك. وفي «أصيلة» سوف يجد ما يحبه؛ فالأسماك هناك متوفرة بكثرة. وهم هناك يقدمونها بطريقة مغرية. أيضًا، توجد فاكهة طيبة، ويوجد جوٌّ رائع فعلًا.
ابتسم «أحمد» وهو يقول: إن الزعيم جعلنا نتمنى أن نطير إلى هناك.
ردَّ رقم «صفر»: سوف نؤجل كلامنا عن «أصيلة» حتى تعودوا منها.
ثم أضاف بسرعة: مع ذلك فأوروبا قريبة منكم، وعن طريق المضيق يمكن أن تُصبحوا في «إسبانيا». إن فرصة الحركة من «المغرب» إلى «أوروبا»، ميسورة تمامًا.
وانفض الاجتماع بالاتفاق على قضاء الإجازة في قرية «أصيلة». كانت «هدى» أكثرهم سعادة؛ فمنذ وقت طويل لم تذهب إلى هناك. وعندما يكون الشياطين معًا فإنها سوف تحقق سعادتها كاملة. لم ينتصف النهار حتى كان الشياطين قد استقروا في الطائرة المتجهة إلى «المغرب». وكانت أول محطة لهم في مدينة «الدار البيضاء» ومنها إلى «طنجة». ومن هناك اتجهوا بالسيارة إلى «أصيلة». لم يكن يشغلهم أيُّ شيء. وكانت أحلام الانطلاق على شاطئ المحيط الأطلسي تشغل أذهانهم جميعًا. وعندما حلقت الطائرة في الفضاء، استقلوا في مقاعدهم دون أن يشغلَهم شيء. كانت «إلهام» تجلس إلى جوار «أحمد» فنظرَت له مبتسمةً، وقالت: هل نطبق قاعدة الشياطين؟
ابتسم «أحمد» وهو يردُّ: لا أظن، إلا إذا كنا نبحث عن مغامرة جديدة.
ضحكَت «إلهام» وهي تقول: إن «قيس» لم ينسَ روح المغامر أبدًا، ويبدو أنه يمارس هوايته.
سألها «أحمد» دون أن يتحرك: كيف؟
قالت وهي تُلقي نظرة إلى مؤخرة الطائرة: إنه يجلس بجوار أحدهم وقد اشتبك معه في حوار ساخن!
ألقى «أحمد» نظرةً إلى مؤخرة الطائرة، ثم ابتسم قائلًا: هذا عمل رائع، فمَن يدري، قد يخرج لنا بمغامرة نقضي فيها إجازتنا، وتكون أول مغامرة يخرج فيها الشياطين جميعًا.
صمتَ قليلًا، بينما قالت «إلهام»: إنها سوف تصبح مغامرة تاريخية.
قال «أحمد» وقد أغمض عينَيه: هذا إذا حدثت …
نظرت له «إلهام» لحظة، ثم قالت: يبدو أنك في حاجة إلى النوم!
ودون أن يفتح عينَيه قال: أبدًا. فقط أفكر كيف يمكن أن نستثمر إجازتنا؟
ارتسمَت الدهشة على وجه «إلهام»، وسألت: كيف؟
فتح عينَيه، واعتدل في كرسيِّه وقال بصوت جاد: يا عزيزتي «إلهام» … إن الشياطين يجدون في مغامراتهم إجازتهم الحقيقية؛ فنحن لا نستطيع أن نبقى بلا عمل.
مرَّت لحظة قبل أن يُضيف: صدِّقيني. لقد شعرتُ بالحزن عندما قال الزعيم إننا سوف نخرج في إجازة. ثم تنهَّد وأضاف: إننا نعيش في عالم قلق جدًّا، ولا أظن أن هذه الأرض سوف تعرف الهدوء يومًا. هناك دائمًا شيءٌ ما يحدث. وهذا هو موضوع مغامراتنا!
ابتسمَت «إلهام»، وقالت: إنني أعرف ذلك جيدًا لكنني مقتنعة أيضًا أننا في حاجة إلى هذه الإجازة، حتى نجددَ نشاطنا.
ردَّ «أحمد»: إنني أشعر بالتجدد مع كلِّ مغامرة؛ فما دامت المغامرة جديدة، وهي جديدة في كل مرة، فنحن نتجدد معها؛ فكل مغامرة تحتاج إلى تفكيرٍ جديد وتصرُّفٍ جديد.
ثم ابتسم قائلًا: دعينا نرى ماذا يفعل عزيزنا «قيس».
مدَّ يدَه، وجذب العصا الصغيرة الموجودة بجواره، قال: إن الثعبان سوف يشركنا في الحوار.
جذب العصا، فامتدَّت حتى نهايتها، ثم ضغط زرًّا فيها، وأخرج من فتحة صغيرة فيها سماعة دقيقة وضعها في أُذُنه.
لكن «إلهام» سألَت بسرعة: أنت لم تحدثنا عن هذا الثعبان.
ابتسم، وقال: هذه هدية من عميل رقم «صفر» في «بروكسل». إنها عصًا غريبة تأخذ شكل الثعبان كما ترين، ولها إمكانات هائلة؛ فهي يمكن أن تلتقط أيَّ حديث يقع في دائرةٍ قطرُها خمسون مترًا. وتستطيع أن تسجل شريط فيديو لأيِّ حدثٍ يقع في نفس المحيط. ويمكن أن تلتقط صورًا. أيضًا يمكن استخدامها في إطلاق عدة أسهم صغيرة قاتلة وهي في النهاية فريق كامل.
كانت الدهشة تملأ وجه «إلهام» وهي تسمع وصف «أحمد» للعصا التي أطلق عليها اسم «الثعبان». كان رأس العصا على شكل رأس ثعبان مفتوح الفم؛ له نابان طويلان وعينان حمراوان، وأُذُنان عبارة عن ثقبَين على جانبَي الرأس، ومن الفم يمكن أن تخرج كاميرا لالتقاط الصور. إما أن تكون صورًا ثابتة أو متحركة على شريط فيديو. وهي يمكن أن تصغر أو تكبر الصورة حتى إلى ارتفاع متر واحد. ومع كل هذه الإمكانات، فإنها تبدو كعصًا عادية تمامًا.
جذب «أحمد» سماعة أخرى من الأذن الثانية لرأس الثعبان ثم أعطاها ﻟ «إلهام» وهو يقول: ضعيها في أُذُنك وسوف تسمعين ماذا يدور بين «قيس» وزميله في المقعد.
أخذَت «إلهام» السماعة، ووضعَتها في أُذُنها، وفجأةً ظهرَت الدهشة على وجهها، ونظرَت ﻟ «أحمد» الذي كان يبتسم. كان الحوار الذي يدور بين الاثنين يأتي إليها واضحًا تمامًا. كان «قيس» يقول: يا عزيزي «جراندل»، إن ما تقوله يشير إلى مؤامرة حقيقية.
جاء صوت «جراندل» يقول: وهذا ما جعلني أنسحب من المسابقة، لقد انتظرتُ أكثرَ من عشرين ساعة لأشترك في مهرجان «بومباي» بالهند. لكن يبدو أن منظِّمي المهرجان كانوا يرمون إلى شيء آخر.
قال «قيس»: إذن، كان عليك أن تنتظر حتى تكشف المؤامرة.
قال «جراندل»: لقد آثرتُ الانسحاب، وحملتُ جيتاري ورحلتُ.
نظرَت «إلهام» إلى «أحمد» وهمسَت: إنهما يتحدثان عن مؤامرة!
ابتسم «أحمد»، وقال: ربما تكون مؤامرة صغيرة، في حدود مهرجان موسيقى صغير.
مرة أخرى أنصتَا، وكان «قيس» يسأل: وماذا سوف تفعل؟
جاء صوت «جراندل» يقول: إنني في طريقي إلى مهرجان «أصيلة» في «المغرب»، لعلك ذاهب إليه!
أجاب «قيس» نعم، ولكني لن أشترك فيه. إنني في رحلة سياحية.
قال «جراندل»: إذن، سوف نلتقي هناك، وسوف تسمعني. إنني، كما قلت لك، أعزف وأغنِّي.
نزعَت «إلهام» السماعة من أُذُنِها، وقالَت: إنها كما تقول «مؤامرة مهرجان».
نظر «أحمد» لحظة ثم أضاف: مَن يدري. قد تكون مؤامرة صغيرة في مظهرها، لكنها تُخفي الكثيرَ خلفها.
ظهرَت الدهشة على وجه «إلهام» وتساءلَت: ماذا تقصد؟
قال «أحمد» بعد لحظة: إن العصابات الكبرى تبحث عن مهرجانات الشباب، وتحاول تجنيد بعضهم؛ فالشباب عادة يبحث عن بداية … فرصة يُثبت بها وجوده. ونحن نعرف عصابات المافيا التي كانت تصنع نجومًا في السينما العالمية، وتستخدمهم لأغراضها؛ لأنهم بشهرتهم يُصبحون محلَّ ثقة في الوقت الذي يحقِّقون فيه أهداف العصابة.
قالَت «إلهام» وكأنها تتذكَّر: أذكر أنني شاهدت ذلك في فيلم «الأب الروحي».
ابتسم «أحمد» وهو يقول: هذا صحيح، والفيلم لا يقوم على الخيال. إنه يقوم على حقائق كتبَها أحدُ المؤلفين في رواية أدبية أحدثَت ضجةً في «أمريكا» عند نشرها.
مرَّت لحظة، قبل أن تقول «إلهام» وهي ما زالَت تفكِّر: ربما نكون في الطريق إلى مغامرة جديدة. يمكن أن نسمِّيَها «مغامرة أصيلة».
ضحك «أحمد» وهو يقول: مَن يدري. وساعتَها تكون الإجازة قد حقَّقَت أغراضها …!
تردَّد في داخل الطائرة صوتُ المذيعة يقول: لقد اقتربنا من مطار «الدار البيضاء»، أو «كازابلانكا» كما يسمونها. نرجو أن تربطوا الأحزمة؛ فسوف نهبط بعد قليل.
وضعَت «إلهام» سماعة الثعبان في أُذُنِها، حتى تتحرَّر يداها، وتستطيع ربْطَ الحزام، فسمعَت «قيس» يسأل: هل ينزل عزيزي «جراندل» في «كازابلانكا»؟
ردَّ «جراندل»: ترانزيت فقط. فسوف أواصل الرحلة إلى «طنجة».
وبدأت الطائرة تأخذ مسار الهبوط إلى مطار «كازابلانكا» أو «الدار البيضاء». في الوقت الذي كانت «إلهام» تتساءل فيه بينها وبين نفسها، هل تظهر فعلًا مغامرة جديدة، تكون بدايتها على يد «جراندل»؟