صراع في الأعماق!
ضغط «أحمد» زرًّا في تابلوه اللنش؛ فلمعَت شاشة الرادار الصغيرة الموجودة أمامه، ولم يظهر على الشاشة سوى علامة سوداء هي عبارة عن صورة كاملة لما يدور تحت اللنش؛ فقد كانت هناك سمكة ضخمة سوداء اللون، تبتعد عن اللنش، ثم تعود فتصطدم به.
قال «خالد»: لا أظن أنها سمكة عادية.
ردَّ «رشيد»: إنها تبدو كسمكة قرش ضخمة!
غير أن «أحمد» قال: إن التعليمات تُشير إلى نوع الأسلحة في اللنش، ولا شك أن هناك قاذفات صواريخ مائية، هيَّا بنا نرى!
حرَّك يدًا صغيرة في تابلوه اللنش، فخرج من التابلوه شيءٌ صغير الحجم، أخذ طريقَه إلى حيث الجسم الأسود الذي يصطدم بأسفل اللنش. وعلى شاشة الرادار، كانت تظهر كلُّ التفاصيل. أصاب الصاروخ الجسم الأسود، لكنه ارتد دون أن يصيبَه بشيء.
قال «أحمد» سريعًا: إنه ليس سمكة حقيقية، إنها خدعة. ويبدو أننا مطاردون فعلًا.
علَّق «عثمان»: هل يمكن أن نكون مطاردين فعلًا؟
ردَّ «أحمد»: لمَ لا؟ إننا في حالة صراع حول مذكرات هامة، سوف يقع صراع مع عصابات المافيا المنتشرة في أماكن كثيرة من العالم من أجل المذكرات التي تحمل ثروة …
ولم يُكمل «أحمد» كلامه؛ فقد ارتجَّ اللنش بشدة مرة ثانية، وعلى شاشة الرادار كانت السمكة السوداء لا تزال تصطدم باللنش. قال «أحمد»: ينبغي أن نغوص إلى الأعماق. إن ذلك سوف يعطينا فرصةً أكبر لكشف غموض الموقف! قرأ «خالد» التعليمات، ثم ضغط زرًّا في التابلوه، ولم تمضِ دقائق حتى كان اللنش يأخذ طريقَه إلى عمق الماء. وكان الزجاج المصفَّح في نوافذ اللنش يكشف كلَّ شيء حولهم. في نفس اللحظة، كانت السمكة السوداء لا تزال تطارد اللنش. عاد «أحمد» إلى لوحة التعليمات وقرأ تسليح اللنش من جديد، ثم نظر إلى التابلوه، كانت هناك قبضة حديدية بارزة أمسكها بيده ثم حرَّكها.
سأل «عثمان»: أي نوع من السلاح هذا؟
ردَّ «أحمد»: انظر إلى جوانب اللنش وسوف ترى.
أسرعَت عيونُ الشياطين إلى جوانب اللنش تراقب ما يحدث. كانت هناك رماحٌ من الصلب تخرج من جوانب اللنش، وكأنها زعانف سمكة غريبة، في نفس الوقت كانت السمكة السوداء تقترب من اللنش في عنف، لكنها اصطدمَت بالرماح الحديدية، والتصقَت بها، فجأةً أخذَت الرماحُ تغوص في جسم السمكة، ثم تحوَّلَت المياه إلى لون أحمر. أعاد «أحمد» القبضة … الحديدية فتراجعَت الرماح وقد خلفت وراءها السمكة السوداء التي أخذَت تهوي إلى قاع البحر، كان الشياطين يراقبون ذلك كلَّه في دهشة.
سأل «رشيد»: ماذا حدث؟
تنفَّس «أحمد» بعمق، ثم قال: إن الرماح الحديدية التي خرجَت من جوانب اللنش، بها خاصية غريبة؛ فإذا استعصى عليها أيُّ جسم يقابلها، ارتفعَت درجة حرارتها، حتى تصهرَ الجسم العدو. وهذا ما فعلَته. إن السمكة السوداء ليست سمكةً حقيقية، ولكنها خدعة في شكل سمكة. لقد اصطدمَت بنا عدة مرات في محاولة لإغراقنا. لكن الرماح استطاعَت أن تصهر جدران السمكة المزيفة، وتُغرقها. والمياه التي تلوَّثَت هي دليل الهزيمة.
كان اللنش قد اقترب من القاع، فقال «أحمد»: هذا يكفي. وهذا ارتفاعٌ كافٍ ليُجنِّبَنا الصدام مع أي أحد.
كان «خالد» يجلس إلى عجلة القيادة، وخلفه يجلس بقية الشياطين.
قال «عثمان»: ما يدهشني كيف نكون مراقبين!
ابتسم «أحمد» وقال: ما رأيك في كوب من الشاي؟ إن اللنش مجهَّزٌ بكل شيء. فقط اضغط زر الشاي، فيظهر لك الكوب.
ضغط «عثمان» زرَّ الشاي، فخرج كوب ساخن. قدَّم الشاي لبقية الشياطين، في الوقت الذي تأهَّب فيه «أحمد» للإجابة على تساؤل «عثمان» … قال «أحمد»: من المؤكد أنه منذ عرف زعماء المافيا بحكاية المذكرات التي كتبها «فورميو» العجوز، والمكان حول «بالما»، أصبح ميدانًا من ميادين المعارك. وكل مَن يدخله، سوف يتعرَّض للهلاك؛ سواء جاء من أجل المذكرات، أو من أجل السياحة؛ فالمافيا لا يهمها مَن يكون، يهمها فقط ألَّا يصل أحد إلى «فورميو».
علَّق «رشيد»: هذا يعني أننا سوف نلاقي الكثير قبل أن نَصِل إلى «فورميو»؟
ردَّ «أحمد»: طبعًا، وعلينا أن نكون جاهزين لذلك.
فجأة، أظلمَت الدنيا وانسحب الضوء من اللنش، وشمل المكانَ نوعٌ من الصمت، فما حدث كان مفاجأة للشياطين. لكن اللنش كان لا يزال مندفعًا بقوة. همس «عثمان»: هذا لغز. لقد انطفأ النور، وما زال اللنش مستمرًّا.
ثم أضاف بعد لحظة: كان يجب أن يتوقف.
ردَّ «أحمد»: ربما تكون هذه تجهيزات خاصة باللنش.
سأل «عثمان»: كيف وما معناها، هل نكون قد وقعنا في كمين؟!
قال «رشيد»: لقد قلت من البداية إن اللنش مجهز بطريقة حديثة جدًّا، وسوف تحدث أشياء لا نعرفها، لكنها في النهاية في صالحنا.
فجأة اهتز اللنش هزةً عنيفة، ثم لمعَت شاشة الرادار. كانت هناك غواصة متوسطة الحجم تمر في سرعة. وعندما اختفَت الغواصة، عاد الضوء من جديد التقَت أعين الشياطين في دهشة، وهمس «عثمان»: غواصة!
ابتسم «أحمد»، وقال: سوف نقابل الكثير في طريقنا إلى «فورميو».
وقال «رشيد»: إن اللنش مجهز بأجهزة تعمل أوتوماتيكيًّا، عندما ترصد عدوًّا. وانقطاع النور جاء نتيجة رصد أجهزة اللنش للغواصة.
كان الشياطين يشعرون بالأمان، بعد أن وضحَت لهم تجهيزات اللنش الغامضة. ولذلك بدءوا يبحثون عن إمكانات جديدة فيه. اتجه «أحمد» إلى الخزانة، وكرَّر حرف «ميم»، فانفتحَت وبداخلها وجد كراسة معلومات خاصة باللنش. كان كلُّ شيء هادئًا الآن. اللنش يتقدم بأكثر من مائة وخمسين كيلو في الساعة، ولم يظهر عدوٌّ جديد. ولذلك، فقد انقضَت الساعات سريعة. وعندما أُضيئَت لمبة حمراء أمام «خالد»، عرَف أنهم قد اقتربوا من الشاطئ.
قال: أمامنا نصف كيلو فقط ونصل إلى «بالما».
قال «أحمد»: علينا أن نبحث عن مكان آمن، ونرسو فيه، ثم نذهب إلى فندق «بالما».
بعد قليل، كانت الشاشة الرادار تنقل صورة كاملة للمكان، لم يكن يظهر أحد، فقال «خالد»: هل نصعد الآن؟
ردَّ «أحمد»: نعم.
حرَّك «خالد» ذراعًا في التابلوه، فأخذ اللنش يصعد من عمق الماء إلى السطح. في نفس اللحظة التي كانت شاشة الرادار توضح لهم كلَّ شيء خارج اللنش. وعندما وصلوا إلى سطح الماء. كان الليل يغطي كلَّ شيء. ولم يكن يسمع سوى صوت ارتطام الأمواج الهادئة بالشاطئ، أخرج «أحمد» خريطة للجزيرة، وحدَّد فوقها موقعَ فندق «بالما».
ثم قال: من حسن الحظ أننا قريبون منه.
سأل «عثمان»: ماذا سوف نفعل باللنش؟
ردَّ «أحمد»: سوف يختفي حالًا.
ثم رفع جهازًا صغيرًا في يده، وقال: «روموت كونترول». أنه جهاز تحكم في اللنش عن بُعد، وتَصِل مسافتُه إلى أكثر من كيلومتر.
ظهرَت الدهشةُ على وجه «عثمان»، ثم ابتسم وقال: إنه معجزة!
قال «أحمد»: بالتأكيد معجزة العلم.
وبسرعة كانوا يصعدون إلى الشاطئ. وجَّه «أحمد» جهاز التحكم إلى اللنش، ثم ضغط زرًّا فيه، فأخذ اللنش يبتعد شيئًا فشيئًا، حتى ابتعد إلى أكثر من نصف كيلومتر. ضغط «أحمد» زرًّا آخر؛ فأخذ يغوص. كانت نقطة لامعة في مقدمته هي التي تظهر فقط. وعندما اختفت، عرف الشياطين أنه أصبح في أعماق الماء. حدَّد «أحمد» فندق «بالما»، وهو يهمس: من حسن الحظ أننا وصلنا في الظلام.
تقدَّموا بخُطًى حذرة. كان «أحمد» في المقدمة، وخلفه «رشيد»، ثم «عثمان»، وأخيرًا «خالد». همس «أحمد»: علينا أن نتوقع هجومًا في أية لحظة.
فجأة، سمع الشياطين صوتًا يهتف: مَن القادم هناك؟
ترفَّق الشياطين وكانوا يفكرون في هذه اللحظة: مَن يكون السائل؟ تقدَّموا مرة أخرى فجاء الصوت من جديد: مَن هناك؟
ردَّ «أحمد» بصوتٍ واثق: سائحون في زيارة للجزيرة.
فجأة، ظهر عملاقٌ ضخم، يحمل على كتفه بندقية، وفي حزامه مسدس غريب الشكل. قال: من أين أتيتم؟
ردَّ «أحمد»: من «كاستيلون».
قال العملاق: هل تعرفون أين أنتم؟
ردَّ «أحمد»: نحن في جزيرة «مايوركا»، وفي مدينة «بالما».
هزَّ العملاق رأسَه، ثم قال: أنتم تسيرون في منطقة ممنوعة؛ فهذه حديقة قصر السيد «فورميو».
كانت مفاجأة للشياطين، وكانت فرصة في نفس الوقت يجب ألَّا يضيعوها.
سأل العملاق: إلى أين؟
ردَّ «أحمد»: إلى فندق «بالما».
قال بصوت خشن: إذن، لا بد من الاتجاه إلى الطريق الآخر.
أخفى «أحمد» ابتسامة، كان قد قرر قرارًا، وقال: نحن لا نعرف أي طريق يا سيدي.
قال العملاق وهو يتحرك: إذن … اتبعوني، حتى أدلَّكم على بداية الطريق.
كاد الشياطين يضحكون؛ فقد وجدوا أنفسهم فجأة أمام ما يبحثون عنه. تقدَّم العملاق، لكن أول خطوة كانت كافيةً ليطير «خالد» في الهواء، ثم يضربه ضربةً قوية، جعلَت البندقية تسقط من يده. فقد اهتز بشدة. في نفس الوقت أسرع «عثمان» فالتقط البندقية، وقبل أن يستطيع العملاق التصرف كان «أحمد» و«رشيد» قد طارَا في الهواء، ثم ضرباه ضربة واحدة، فسقط على الأرض. لكن العملاق لم يكن سهلًا. فعندما سقط على الأرض دار حول نفسه بسرعة، بينما كانت يده في طريقها إلى المسدس. لكن «عثمان» كان قد فكر في ذلك؛ فأسرع يُطلق على يده إبرة مخدرة. وما إن وصلَت يدُ العملاق إلى المسدس حتى توقَّفَت؛ فقد فشل في تحريكها بعد أن سرَى فيها المخدر. نظر العملاق إليهم في دهشة، لكن نظرته لم تستمرَّ؛ فقد انتشر المخدر في جسده، فتراخَت ذراعاه ثم تدحرج على الأرض، وراح في ثبات عميق. نظر «أحمد» إلى «عثمان»، وقال: لقد أنقذت الموقف تمامًا بتصرفك.
ابتسم «عثمان» وهو يقول لقد كنت أنتظر استخدامه للمسدس، فلم يكن أمامه سواه.
تقدَّم «أحمد» من العملاق، ثم نزع مسدسه. أخذ يقلِّب فيه، ثم لمعَت عيناه وهو يقول: إنه مسدس أشعة!
ابتسم «خالد» وهو يقول: سوف تمتلك متحفًا للأشياء النادرة؛ فعندك رأس الثعبان وهذا هو المسدس الإشعاعي الجديد.
كتَم الشياطين ضحكتَهم.
وقال «أحمد»: ينبغي أن ينام عزيزُنا العملاق أطولَ فترة ممكنة.
بهدوء، تقدَّم «عثمان» وغرس في ساقه إبرة مخدرة ثانية، ثم قال: لن يستيقظ قبل يومين.
وأخفى الشياطين ضحكتَهم من جديد. وقال «أحمد»: هذه فرصة نادرة، ونحن سعداء الحظ، أن نجد أنفسنا هنا، وأن نبدأ مغامرتنا قبل موعدها. إن علينا الآن أن نستمرَّ في التوجه فورًا إلى القصر، وأن نُكمل مهمتنا.
سكت لحظة ثم أضاف: إننا في سباق مع عصابات المافيا، والوقت السليم هو أهم العوامل في تحقيق الهدف. وبسرعة تقدَّمت المجموعة في اتجاه القصر؛ فقد عرفوا الاتجاه السليم، عندما قال العملاق إن عليهم أن يتجهوا إلى الاتجاه الآخر. كانت الحديقة مزروعة جيدًا. ولذلك فقد كانت طرقُها ممهدة، مما جعلهم يُسرعون في مشيهم. انقضَت نصف ساعة. لكن فجأة رفع «أحمد» يده، فتوقفوا. همس: ينبغي أن نكون حذرين؛ فالمؤكد أن هناك أجهزة إنذار، وسوف تعطي إنذارها قبل مدة كافية.
جذب الثعبان من حزامه، ثم ضغط زرًّا في رأسه، ووجَّهه في اتجاه القصر. لمعَت عينَا الثعبان، فقال هناك شيء …
أخرج السماعة الدقيقة من أُذُن الثعبان، ثم وضعها في أُذُنه واستمع. لمعَت عيناه في ظلمة الليل. أخذ يستمع ثم همس: لقد أعطَت الأجهزةُ إنذارَها، وعلينا أن نكون داخل القصر قبل أن يطلع النهار وإلا انكشفنا …!
إن الصدام ضروري؛ فاستعدوا.
ثم تقدَّم في نشاط، وبخطًى واسعة. فجأة، رفع يده من جديد؛ فتوقفت المجموعة. أخرج جهاز الكشف من حقيبته السرية، ثم وجَّهَه في اتجاه القصر وكشفَت الأشعة التي أصدرها الجهاز منظرًا رهيبًا، كانت هناك مجموعة كبيرة من الرجال المسلحين. وأمامهم قائدهم الذي كان يعطيهم التعليمات، ثم وجَّه رأس الثعبان تجاههم، ثم بدأ يسمع. كان يختزن كلَّ التعليمات في ذاكرته. وعندما تفرَّق الرجال، نظر إلى الشياطين وهمس: إنهم يغطون المساحة تقريبًا، فقد تفرقوا في كل مكان.
انتظر لحظة قبل أن يقول: لكننا نستطيع أن نتقدَّمَ من مكان آخر؛ فهناك نفقٌ تحت الماء وله بابٌ يوصل إلى داخل القصر كما سمعت أن الباب مغلق. هناك حراسة اتجهَت إليه. لكن ذلك لا يجعلنا نتردَّد؛ فنحن نستطيع أن نفتح الباب، وأن نتغلَّبَ على الحراس. وبذلك نكون داخل القصر فعلًا.
وبسرعة غيَّروا اتجاههم، وأخذوا اتجاه اللنش، وفي هذه المرة جروا بسرعة؛ فالوقت أصبح هو العامل المهم. عندما وصلوا إلى الشاطئ ضغط «أحمد» جهاز التحكم. ومرَّت دقائق، ثم ظهر اللنش فوق سطح الماء. ضغط «أحمد» زرًّا آخر، فاقترب اللنش من الشاطئ، وقفزوا فيه بسرعة، ثم ابتعدوا مسافة كافية، ثم غطسوا تحت الماء. حدد «أحمد» بالبوصلة اتجاهَ باب النفق، ورفع «خالد» سرعةَ اللنش حتى يكسبوا الوقت. كانت شاشة الرادار تكشف لهم كلَّ شيء، وعندما اقتربوا من النفق، اتجهوا إليه مباشرة. ثم دخلوه. همس «أحمد»: اهبط بسرعة؛ حتى لا نفاجأ!
كان اللنش يندفع بهدوء وهو يمرُّ من نفق عريض. ظلَّ يتقدَّم، حتى ظهر أمامهم حائطٌ حجري. قال «عثمان»: يبدو أن النفق مسدود.
قال «أحمد»: لا أظن، فلا بد أن هذا الحائط يتحرك …!
اقتربوا أكثر، وعندما توقفوا أمام الحائط، ضغط «أحمد» زرًّا في تابلوه اللنش، فخرجَت حزمة من الأشعة مندفعة إلى الحائط، ولم تمرَّ ثوانٍ حتى كان الحائط ينهار في هدوء وكأنه مصنوع من مادة غير الحجر. تقدموا، حتى تجاوزوه، فظهر أمامهم رصيفٌ أنيق، وقد زُرعَت جوانبه بالخضرة، وقبل أن يغادروا اللنش، ضغط كلٌّ منهم زرًّا في الجهاز الصغير الذي يحمله تحت ذراعه، والذي يمنع الجسم من إصدار أيِّ ذبذبة، يمكن تسجيلها بأي جهاز.
عندما وضعوا أرجلهم على الرصيف، وجَّه «أحمد» رأسَ الثعبان في اتجاه مستقيم أمامه فلمعَت عينَا الثعبان. أخرج السماعة ووضعها في أُذُنه وتسمَّع. جاءَته أصواتُ رجال، كان أحدهم يقول: لا أظن أن أحدًا يعرف النفق.
ردَّ آخر: مَن يدري؟ إنه الاحتياط!
قال ثالث: لكن السيد «فورميو» ليس هنا.
سأل الأول: أين ذهب؟
ردَّ الثالث: لا أحدَ يدري؛ فهو يتحرك بشكل سري، ولا يعرف أحد أين هو إلا السيد «بيتر».
نظر «أحمد» إلى الشياطين ثم نقل لهم ما دار من حديث، فقال «خالد» هامسًا: إذن علينا بالبحث عن السيد «بيتر»!
قال «أحمد» بسرعة: لن نستطيع تحقيق ذلك، إلا إذا كنَّا منهم.
همس «رشيد»: هذه ليست مسألةً صعبة.
أسرع الشياطين يصعدون درجات الرصيف. وعندما اقتربوا من نهايته، رقدوا على الأرض؛ فقد كانت أصوات الرجال أكثر قربًا. كان المكان بلا ضوء يكشف شيئًا. وكان هذا في صالح الشياطين. كانت أصوات أقدام الرجال تقترب، واستطاع «أحمد» أن يعرف عددهم من وقْع خطواتهم؛ كانوا خمسة رجال. أخرج كلُّ واحد من الشياطين كرةَ دخان صغيرة، واستعدوا. عندما اقتربت أصوات الأقدام أكثر. قذفوا كراتِ الدخان في اتجاههم. ولم تمرَّ دقيقة، حتى ارتفعَت أصوات السعال، واستطاع الشياطين أن يتخلصوا منهم، بعد أن أخذ كلُّ واحد من الشياطين ملابسَ أحدِ الرجال، وبسرعة لبسوها. وتقدَّموا في نشاط، وكأنهم حرسٌ حقيقي للسيد «فورميو».
بعد قليل، ظهر مبنى القصر الأبيض اللون، كانت هناك حركة نشطة لكن ذلك لم يجعل الشياطين يترددون؛ فقد تقدموا من القصر في حماس. وعندما صَعِدوا الدرجات الأولى من الدرج المرتفع كان أحد الرجال يقترب منهم. اتجه إليه «أحمد» مباشرة، وسأله: أين أجد السيد «بيتر»؟
نظر له الرجل في دهشة، وقال: ماذا تريد من السيد «بيتر»؟
قال «أحمد» بثبات: معي رسالة خاصة من فريق النفق.
لمعَت عينَا الرجل، وقال بعد لحظة: اتبعني.
ثم عاد إلى القصر، وخلفه «أحمد» مباشرة، بينما كان الشياطين أبعدَ قليلًا. وعند نهاية السلم، توقَّف الشياطين، بينما كان «أحمد» يتجاوز الباب خلف الرجل، كان باب القصر ضخمًا جدًّا وخلفه صالة واسعة دائرية. ثم سُلَّم يتجه إلى الطابق الثاني. اتجه الرجل إلى مكتب على يمين الصالة، ثم نظر ﻟ «أحمد» قائلًا: انتظر لحظة.
ثم اختفى الرجل، بينما انهمك «أحمد» في مراقبة المكان جيدًا. فجأة، فتح الباب وظهر رجل آخر، كان في حدود الخمسين. عيناه ثاقبتان، نظراته حادة، تبدو كالسيف، نظر ﻟ «أحمد» لحظة؛ فأخفى «أحمد» أفكارَه تحت ابتسامة هادئة. قال الرجل متسائلًا: ماذا تريد؟
كانت الإجابة حملًا ثقيلًا؛ فقد فكر «أحمد» بسرعة: إذا لم يكن هذا هو «بيتر»، فإن الشياطين سوف يسقطون في أيديهم.
قال بثقةٍ وصوت بارد: لديَّ رسالة إلى السيد «بيتر».
اهتزَّت ملامح الرجل، لكنه عاد إلى هدوئه بسرعة، وقال: ألَا تعرف السيد «بيتر»؟
دارَت الدنيا بسرعة، حول «أحمد»؛ فقد تخيَّل في ثوانٍ معدودة أن كل شيء قد انتهى، وأن المغامرة قد فشلَت، وأن الشياطين قد انتهوا، فلم يكن الرجل الواقف أمام «أحمد» هو «بيتر»، إنه مساعده «كوبر» ولم تكن هذه هي نهاية المغامرة …