الفصل الخامس عشر
بدا المجلسُ المجتمِع في ذلك المساء في ويستمنستر بلا طموحٍ في نبرة حديثه ولا روحٍ في مظهره، بالنسبة إلى جَمْعٍ من الرجال تتعلَّق على قرارهم قضايا جسيمة. فقد ضاعَ شيءٌ من الوقت في غرفة الانتظار، حيث قُدِّم جوليان إلى الكثير من الممثلين والمفوضين. وعلى الرغم من أن الإفصاح عن هُويته أثار اهتمامًا بالغًا، فلم يكن موضعَ سعادةٍ محضة للغالبية العظمى منهم إلا بالكاد. فأولئك الذين كانوا جادِّين — وكان معظمهم في غاية الجدِّية والصرامة — كانوا يأمُلون أن يجدوه رجلًا أقربَ إلى طبقتهم الاجتماعية. أما فين وبرايت فكان لديهما أسبابُهما التي تدفعهما للوقوف بعيدًا عن هذا الموقف، ولاحظ دُعاة السلام المتشدِّدون حقيقةَ أن جوليان كان جنديًّا. غير أن مجيئه كان حَدثًا لم يُحاول أحدٌ إخفاء أهميته.
انتُخِبَ الأسقفُّ رئيسًا للجلسة حين احتشدت المجموعة الصغيرة في الشقة التي كانت مُخصَّصة لاجتماعاتهم الأكثرِ أهمية. كان مايلز فورلي هو مَن اقترح انتخابَه، ولمَّا كان قد أُعلن أنه لن يكون مرشَّحًا لقيادة الحزب على نحوٍ دائم تحت أي ظرف من الظروف، فقد حظيَّ انتخابُه لرئاسة الاجتماع بالموافقة دون تعليقٍ من أحد. كانت قد دُوِّنت عدة ملاحظات إرشادية للأسقفِّ في وقت مبكر من اليوم. وكان موضوع النقاش الرئيسي بالطبع هو الرسالةَ التي وصلت مؤخرًا من هيئة تابعة تتألَّف من مجموعة من أصدقائهم في ألمانيا، ووُزِّعَت نسخ منها على الأعضاء.
صرَّح الأسقفُّ عند افتتاح فعاليات الاجتماع قائلًا: «لقد طُلِب مني أن أوضِّح أن الوثيقة التي ندرك جميعًا أنها على قدرٍ غير مسبوق من الأهمية، قد نُسِخت على يد السيد فين بنفسه، وبما أنَّ هذه النسخ قد وُزِّعَت على الأعضاء، فقد أُغلق البابُ الأماميُّ للمبنى ووُضِعت الهواتف تحت المراقبة. هذا بالطبع لا يمكن أن يعنيَ أن أيًّا منكم قد يكون محلَّ شك، لكن من الأهمية بمكانٍ ألا تعرف الحكومة أو الصحافة أو الشعب بما يحدث، حتى يتخذ المفوض الذي ستختارونه الخطوة الأولى. وثمة اقتراحٌ بعدم مغادرة أي عضو مفوَّض هذا المكان إلى ما بعد لقاء مفوضكم برئيس الوزراء. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ماذا عن الشروط نفسها؟ سأطلبُ من كل واحد منكم توضيحَ وجهات نظره، وسأبدأ بالآنسة آبواي.»
أدلى كلُّ واحد من الأعضاء الثلاثة والعشرين — أو بالأحرى الأربعة والعشرين بعد انضمام جوليان — ببضع كلمات، وكان فحوى ملاحظاتهم متطابقًا. وكانت المقترحات منطقية تمامًا كأساسٍ لشروط السلام، ولم تَبدُ بأي حال عُرضةً لسوء التأويل. وقد عُرِضَت في ثمانية بنود.
-
(١)
الجَلاء التامُّ عن شمال فرنسا وبلجيكا، مع التعويض الكامل عن كل الأضرار التي حلَّت بهما.
-
(٢)
تحدِّد الألزاس واللورين موقفهما من خلال تصويت يضم الشعب كلَّه.
-
(٣)
إعادة تأسيس صربيا ورومانيا كمَمْلكتَين مستقلَّتين، مع إجراء ما ستستقرُّ عليه لجنةٌ مشتركة بينهما من تصحيحاتٍ وتعديلاتٍ على الحدود.
-
(٤)
إعادة المستعمرات الألمانية كلِّها.
-
(٥)
تظل الأجزاء المحتلة من بلاد ما بين النهرين تحت حماية الحكومة البريطانية.
-
(٦)
إعلان بولندا مملكةً مستقلة.
-
(٧)
التنازل عن تريستي وأجزاءٍ معينة من ساحل البحر الأدرياتي إلى إيطاليا.
-
(٨)
انتخاب لجنةٍ دولية في الحال؛ بغرض التوصل إلى خُطة لنزع السلاح دوليًّا.
أوضحَ مايلز فورلي قائلًا: «لا بد أن نتذكَّر أن الحكومة الحاليَّة تعهدت فعليًّا بعدم الدخول في مفاوضات سلام مع هوهنزولرن.»
فقال الأسقف: «أؤكِّد أنه ما كان ينبغي التصريح بذلك أبدًا. فأيًّا ما كانت مشاعرنا تجاه الحكومة الألمانية، فقد جمع القيصر الأمة معًا وهو في الوقت الراهن قائدُها المسئول. وإن كان لديه من الحكمة والمنطق السليم ما يجعله يُذعِن لمطالب شعبه، كما تُثبت هذه الوثيقة، فلا بد بالتأكيد من نسيان مثلِ ذلك التصريح. لكنَّ لديَّ أسبابًا تدفعني إلى الاعتقاد بأن المفاوضات حتى ولو بدأَت باسم القيصر، فمن المحتمَل أن يحدث تغييرٌ عاجل ومباشر في الدستور الألماني.»
تدخَّل فين قائلًا: «أفهم أن شكل الحكومة الألمانية الجديدة سيكون على غِرار حكومتنا، التي ستكون أقربَ ما يمكن إلى الديمقراطية المثالية بعد إلغاء مجلس اللوردات والتنازل عن الامتياز الملَكي. سيكون هذا التغيير في حدِّ ذاته هو أقوى ضماناتنا ضد كلِّ الحروب المستقبلية. فما من ديمقراطية حضَّت يومًا على سفك الدم. فمن الثابت بوضوح، في رأيي، أن الحروب هي نِتاج الدسائس في البلاط الملكي. لن يكون هناك مزيدٌ من ذلك. إن إلغاء الحكم الملكي في ألمانيا سيعني نهايةَ الحكومات الاستبدادية كافة.»
سرت همهماتُ اتفاقٍ بسيطةٌ مع ما قيل. ثم طرحَ جوليان — الذي كانت كاثرين تهمس له — سؤالًا.
فقال: «أعتقد أنه لا يمكن التشكيك قطُّ في سلامة التوقيعات الثلاثة المرفقة بهذه الوثيقة؟»
علَّق فينياس كروس من نورث آمبر من مكانه في الجانب الآخر من الطاولة قائلًا: «كان هذا الأمر يدور في خلَدي يا سيد فيسك، أو يا سيد أوردين. إن هؤلاء الألمان قادرون على أيِّ مراوَغات مُهلِكة. فهل سنقبل، دون أي تشكيك، أن هذه الوثيقة حقيقية تمامًا؟»
تساءل فين قائلًا: «كيف لنا أن نفعل غير ذلك؟» وأضافَ: «إن فرايشتنر، المسئولَ عن هذه الوثيقة، على اتصالٍ غير رسمي بنا منذ بداية الحرب. نحن نعرف خطَّ يده، ونعرف شخصيته، وأُتيحت لنا مائةُ مناسبةٍ مختلفة لنختبرَ فيها جدِّيته وجدارته بالثقة. هذه الوثيقة مكتوبة بخطِّ يده، ومرفقٌ بها ملاحظات وإشارات لرسائل سابقة بما يجعل مصداقيتَها لا تقبل الجدل.»
قال جوليان: «إذا سلَّمنا بأن المقترحات نفسَها حقيقية، فلا تزال هناك التوقيعات الثلاثة.»
قال فين معترضًا: «ولِمَ التشكيك فيها؟» وأردفَ: «فرايشتنر يضمنُ لنا مصداقيتها، وهو صديقنا، إنه صديق العمال ونصيرهم في العالم كلِّه. ومحاولتُه خداعَنا من شأنها أن تُلحق به العار مدى الحياة.»
قال جوليان موضحًا: «لكن هذه الشروط تختلف جوهريًّا عن أي شيء سمح الألمانُ بإعلانه حتى الآن.»
تدخَّل مايلز فورلي قائلًا: «ثَمة عاملان هنا قد ينبغي لنا أخذُهما في الاعتبار. الأول أن الوضع الاقتصادي لألمانيا أسوأ بكثير مما سمحت لنا بأن نعرفه. والثاني — وهو مثيرٌ للاهتمام كثيرًا لنا — هو الزيادة المطَّردة في التأثير والقوة، وفي أعداد أعضاء الحزب العُمالي والاشتراكي في ألمانيا.»
قال الأسقف مذكِّرًا إياهم: «لقد وصَلَتنا تنويهاتٌ متكررة كثيرًا عن كِلا هذَين العاملين من أصدقائنا المحايدين. واسمحوا لي أن أُخبركم بكل ما يدور في ذهني. أعتقد أن تلك الشروط قريبةٌ إلى حدٍّ كبير لما يحقُّ لنا أن نتوقعه، حتى وإن كانت جيوشنا قد وصلت إلى نهر الراين. ومن الممكن أن نحصل على تعديلاتٍ بسيطة إذا ما واصلنا الحرب، لكن هل تستحقُّ تلك التعديلات خَسارةَ أرواح بشرية أخرى تُقدَّر ببضع مئاتٍ من الآلاف في غضونِ بضعة شهور إضافية من هذه المجزرة الوثنية البشعة، والانتهاك الذي يلحق بالعالم الجميل الذي خلقه الرب؟»
سرَت همهماتُ استحسان بين الحضور لما قاله. وهنا مالَ على الطاولة ديفيد ساندز — وكان رجلًا نحيلًا هزيل الجسد من يوركشاير ونصيرًا للعقيدة الويزلية، وواعظًا محليًّا — وصوته يرتعش من فرط الجدية:
فصاح قائلًا: «هذا صحيح!» واستطرد: «إنها كلمة الرب! علينا أن نُوقِف الحرب. إن أوقفناها الليلةَ بدلًا من الغد فقد نُنقذ ألفَ روح، ألفَ حياة بشرية، إنها حياة إخوتنا في الإنسانية. لقد أعطانا رفاقنا العمال في ألمانيا الفرصة. لا تدَعونا نتأخَّر ولو خمسَ دقائق. اجعلوا مَن سننتخبه من بيننا يلتقي برئيس الوزراء الليلة ويُسلم إليه رسالة الشعب.»
قال كروس موافقًا إياه: «لستُ أرى سببًا يدعو إلى التأخير.»
وصدَّقَ فين بحرارةٍ قائلًا: «ما من سبب لذلك. أقترحُ أن نمضيَ نحو انتخاب مُمثِّلنا؛ وبعد أن ننتخبه، نُرسله إلى رئيس الوزراء برسالتنا، ونظل نحن هنا في هذا المبنى حتى يأتيَنا تقريره.»
سألَ الأسقف قائلًا: «هل قرَّرتم بالإجماع إذن أن نتخذ الخطوة الأخيرة؟»
كان هناك عاصفةٌ صغيرة من الموافقة. واتكأ فين إلى الأمام في موضعه.
وأعلن قائلًا: «كلُّ شيءٍ جاهز. آلياتنا مثالية. وعُملاؤنا في كل مدينة ينتظرون تعليماتنا.»
سألَ الأسقفُّ في قلق: «لكن هل تتخيلون أن تلك الوسائل الأخيرة ستكون ضرورية؟»
أجابَ فين: «أرى ذلك بكل تأكيد. تذكَّر أن الشعب إذا عقَد السلام من أجل البلاد، فإن الشعب هو مَن سيتوقع أن يحكم البلاد. سيكون ذلك بمثابةِ إشعارٍ للساسة لكي يستقيلوا. إنهم يعرفون ذلك. وفي اعتقادي أنهم سيُقاومون بكل ما أوتوا من قوة.»
نظر برايت في ساعته.
وأعلن قائلًا: «سيكون رئيس الوزراء في داونينج ستريت حتى التاسعة. والساعة الآن السابعة. أقترح أن نشرع من دون مزيدٍ من التأخير في انتخاب ممثلنا.»
قال فين موضحًا: «بطاقات الاقتراع أمام كل شخص. ولدى كلِّ شخص صوتان، وينبغي أن يكون الصوتان لمرشحَين مختلفتين. بعد ذلك ينبغي طيُّ البطاقات، وأقترح أن يجمعها الأسقف؛ ذلك أنه ليس مرشَّحًا. وطِبقًا لما قرأتُ من القواعد غيرِ المكتوبة لهذا المجلس التشريعي، فإن كل فرد هنا يصلح للترشح، عدا الأسقف والآنسة آبواي والسيد أوردين والسيد فورلي.»
سرَت همهمات خافتة. ومال فينياس كروس إلى الأمام في مكانه.
وصاح قائلًا: «ما هذا؟» وأردف: «جميعنا يعرف أن الأسقف والآنسة آبواي خارج هذه المنافسة. والسيد فورلي أيضًا يُمثِّل الاشتراكيين المثقفين، وعلى الرغم من أنه معنا في هذا الأمر، فإنه ليس بشخصية عُمالية في الواقع. لكن السيد أوردين، أو بول فيسك؟ ذاك أمرٌ مختلف تمامًا، أليس كذلك؟»
قال فين بنبرة بطيئة: «السيد أوردين كاتِب مثقف. وهو متعاطف مع قضيتنا، لكنه ليس من أبنائها.»
قال فينياس كروس: «لو أن أي شخص قرأ الرسالة التي كتبها لنا بول فيسك بقلمٍ من ذهب، وظلَّ مقتنعًا بأنه ليس واحدًا منا، فلا بد أنه غاضبٌ تمامًا. أقول إن السيد أوردين هو عقلُ حركتنا وروحُها. لقد بثَّ الحياة والشجاعة في شمال إنجلترا مع أول مقال كتبه. ومنذ ذلك الحين، لم يَعُد هناك رجلٌ يحترمه حزبُ العمال ويُبجله مثل السيد أوردين.»
ثم تدخل ديفيد ساندز قائلًا: «هذا صحيح، كلُّ كلمة قلتَها صحيحة. لم يكتب أحدٌ من أجل العمال مثله. وإن لم يكن السيد أوردين عُماليًّا، فما من أحدٍ منا كذلك. لا أبالي إن كان ابن إيرل أو مساعدَ جصَّاص كما كنتُ أنا. إنه الشخص المناسب لهذه المهمة، ويتمتَّع بموهبةِ تنسيق الكلمات معًا، وقلبه ينتمي إلى حيث ينبغي به أن يكون.»
قال فين بصوتٍ مرتعش بعضَ الشيء: «ما من أحد يُكنُّ إعجابًا لكتابات بول فيسك مثلَ إعجابي بها، لكنني ما زلت أؤكد أنه ليس من العمال.»
قال كروس آمرًا: «اجلس يا فتى. سنُصوِّت على ذلك. وأنا أؤيد الرأي القائل إن للسيد جوليان أوردين، الذي كتب تلك المقالات تحت اسم «بول فيسك»، عضويةً كاملة هنا في مجلسنا، وجديرٌ بأن يكون رسولَنا إلى رئيس الوزراء. وأطلبُ من الأسقف أن يُضيف هذا إلى محضر الاجتماع.»
أجمعَ ثمانيةَ عشر عضوًا على الموافقة على هذا الاقتراح. وجلسَ فين دون أن ينبس بكلمة. كان وجهُه شاحبًا. وكانت يداه اللتان كانتا مرتكزتَين على الطاولة ترتعشان. بدا كرجلٍ غارق في الأفكار ولم يتذكَّر أن يملأ بطاقةَ اقتراعه إلا حين طلبها منه الأسقف. ثم ساد صمتٌ قصير في حين كان الأخير يحتسب الأصوات بمساعدة كلٍّ من كروس وساندز. ثم نهض الأسقف واقفًا.
وأعلن قائلًا: «وقع الاختيار على السيد جوليان أوردين، المعروفِ لديكم جميعًا باسم «بول فيسك»، بأغلبيةٍ كبيرة لكي يكون ممثلًا عنكم، ويضطلعَ بتوصيل رسالة الشعب إلى رئيس الوزراء.»
صاح فين في غضب: «أعترضُ على ذلك!» وأردفَ: «هذه هي الزيارة الأولى للسيد أوردين بيننا. إنه غريبٌ عنا. أُكرِّر أنه ليس واحدًا منا. أين هو تأثيره؟ ليس له أيُّ تأثير. هل يستطيع القيام بما يمكن لأحد منا القيام به؛ هل يستطيع أن يُوقِف نبض الأمة؟ أيمكنه أن يُخمد نيرانَ أفرانها؟ أيمكنه أن يُفرغ الموانئ والمصانع، ويوقف القطارات على خطوطها، ويُخرج عمَّال المناجم من باطن الأرض؟ أيمكنه …»
قاطعه فينياس كروس: «يمكنه القيامُ بكل تلك الأشياء؛ لأنه يتحدث بالنيابة عنا، إنه مُمثلنا المنتخَب رسميًّا. اجلس يا فين. إن كنتَ تريد تلك المهمة، فأنت لم تحصل عليها، وهذا كل ما في الأمر، ورغم أنك طليقُ اللسان كأي أحدٍ منا هنا، ورغم أنَّ لك أتباعًا كُثرًا مثلي، بالمناسبة، فإنني أقول لك إنني ما كنتُ لأُعطيَك صوتي أبدًا ولو لم يكن هناك رجلٌ غيرك. ولذا ضع ذلك التبغ في غليونك ودخِّنه، يا فتى.»
قال الأسقف بنبرةٍ آمرة لفرض النظام: «أي مناقشات إضافية تُعد خروجًا عن النظام. جوليان أوردين، هل تقبل بهذه المهمة؟»
نهضَ جوليان واقفًا. واتكأ بقوة على عصاه. وكانت تعبيرات وجهه مضطربةً على نحو غريب.
ثم قال: «أيها الأسقف، وأنتم أيها الأصدقاء، لقد حدث كلُّ هذا على نحوٍ مفاجئ للغاية. لا أتفق مع السيد فين. فأنا أعدُّ نفسي واحدًا منكم. وفي رأيي أنني في غضون السنوات العشر المنصرمةِ أدركتُ المكانة التي كان ينبغي لحزب العمال احتلالُها في الإدارة السياسية في العالم. لقد رأيتُ الخطر الكامن في أن يظلَّ صوت الشعب غيرَ مسموع مدةً طويلة. وروسيا اليوم تُشكِّل مثالًا عمَليًّا وشنيعًا لهذا الخطر. إن إنجلترا بلد حر، بطريقتها الخاصة، وحكومتنا حكومةٌ جيدة، لكن في تاريخ العالم تحلُّ أزماتٌ في بعض الأوقات لا يمكن لأي شكلٍ نمطي للحكم أن يتعاطى معها، حينها يكون الشيء الوحيد المرغوب فيه هو التمثيلَ الواضح والنزيه لأولئك الذين يُشكِّلون أغلبيةً في هذا العالم، أولئك الذين يرَون الحقيقة في بساطتهم وفي غيابهم عن الروابط السياسية والسوابق والعلاقات المتبادَلة. هذا هو السبب الذي دفعَني إلى تسخير قلمي لخدمة العمال، ولإنهاء هذه الحرب. هذا هو السبب الذي سيجعلني أذهب عن طيب خاطرٍ إلى رئيس الوزراء الليلةَ ممثلًا عنكم.»
مدَّ الأسقف يده. وساد صمتٌ تبجيلي؛ إذ كانت كلماته تحمل في طابَعِها معنى المباركة.
قال الأسقف في وقار: «وليكن الربُّ معك يا رسولنا.»